محمد مزيد - صديقي المجنون

لا أعرف لماذا أتبع صديقي المجنون، أسير خلفه أنى ذهب، ربما لأن مراقبة جنونه، يوفر لي بعض السرور في غربتي الموحشة، وها هو اليوم، عندما وجدني في باب العمارة أدخن سيجارتي، حدثني بالإشارة، وبعض الكلمات التي بالكاد أفهمها، أن أصعد معه الى سيارته، التي هي عبارة عن غرفة معيشة متنقلة، تتوفر فيها كل لوازم الحياة، قلت له "دعني أخبر عائلتي على الاقل "، فرفض، دفعني الى الباب الخلفي، باب الغرفة، دفعا ودودا وسط ضحكاته وتهريجه المستمر، ثم أغلقه بعد صعودي.
لم أستطع أخبار أحد من عائلتي حتى بالتلفون، لعزمي مرافقة صديقي الخمسيني المجنون، الذي يحب الحياة بشكل لا يصدق، أعرف أن ساعة أو ساعتين سنقضيها عند إحدى البحيرات، او أحد الجبال التي تحيط بالمدينة ، ثم نعود .
زوجته نائمة على السرير، فشعرت بالخجل والتردد، من مشاركة هذه المرأة الاربعينية الجميلة غرفة منامها، أردت الاعتذار منه، ورجوته ان يتركني هذا اليوم، لكنه نظر الي تلك النظرة التي لا أعرف معناها ، قال " بل ستأتي معنا، وإذا تضايقت من الجلوس على الاريكة ، يمكنك أن تنام بجانبها " ثم ضحك تلك الضحكة البليدة التي أحبها فيه، كان يحدثني عبر فتحة الزجاج الفاصل، بين قمرة السائق وغرفة المعيشة، بقيتُ مرغما تحت ضغط محبته.
أنطلقت السيارة، جالسا على الاريكة، أراقب أنفاس زوجته الغارقة في النوم، وهي تتقلب على الفراش، لم تستيقظ بالرغم من كل الضجيج التي سببتها حركة السيارة او ضحكاته التي لا تتوقف، نظرت اليها، فوجدتها نائمة ببراءة، يوحي جمال وجهها بإنها تحلم الان، لانها تبتسم وتعبس في آن واحد ، نائمة على بطنها، تضع غطاء خفيفا على ساقيها المكشوفتين، لا ترتدي سوى لباس داخلي أحمر، لا أعرف الى أين يأخذنا زوجها المجنون هذه المرة ، قبل أسبوع ذهبت معه الى جبل ايرجيس ، الذي يمد لسانه الصخري على المدينة التي نسكنها، لا أحد يمكنه أكتشاف ذلك اللسان، لكنني عندما أخبرته، ونحن نقف عند شرفة شقته في الطابق السابع، بعد دعوة منه لتناول القهوة عصرا، أشرت إليه أن ينظر الى اللسان الصخري كيف يسخر منا، نحن سكان المدينة، ذهل المجنون، وقال لديك عينا فنان، من هنا بدأ سر أهتمامه بي، وعلم إنني أكتب قصصا وروايات، لدي مطبوعات، فزاد تعلقه وتفاخره بي، صرت صديقه المقرب.
في سفرتنا للأسبوع الماضي الى جبل ايرجيس كانت مغامرته هي الصعود الى أعلى قمة الجبل، ليتدحرج على العشب، نحن في الصيف الان، يتحول الجبل في الشتاء الى كتلة من الثلج، بقي يتدحرج من دون ان يصطدم بصخرة من صخوره المتباعدة والمتناثرة على العشب ، اخشى جنونه ، لكنني ارافقه ، لانه ، كما اردد لنفسي ، انه عبارة عن وحدة سردية كاملة ، ما يجعلني ارتبط به كثيرا أن زوجته الجميلة، تعد لنا أنواعا فاخرة من الطعام، الشواء على وجه التحديد، كانت تبذل قصارى جهدها لكي أستمر بالبقاء معه لمداراة حماقاته، وكانت المرأة الجميلة الاربعينية، تأنس لوجودي معهما، تضحك كثيرا من تلعثمي وترددي، اذا ما مدت يدها ووضعتها على فخذي، أو تضع ذراعها على كتفي أمام زوجها، كنت أبدو أمامها مثل طفل صغير تداعبه وتلاعبه من دون حرج، ولا تتصور ابدا أن عمري الخمسيني، الذي يقارب عمر زوجها، أنني قد استثار بهذه الحركات العفوية البليدة، ولما عاد زوجها من الجبل، لم يفاجئ عندما وجدها تنطرح على العشب وقد جعلت فخذي وسادة لرأسها .
هذا اليوم، سرنا في الطريق الذاهب الى الجبل، أنا لا أحب مشاهدة الأماكن نفسها التي زرتها من قبل، وهذه الميزة لا يعرفها عني، أستيقظت الزوجة، أبتسمت لما رأتني جالسا على الاريكة احدق بها، فقالت بالإشارة " تعال ، بجانبي " لم أستجب لها، فهي مجنونة مثله، وتمارس ألعابا صبيانية كثيرة، أشحت بوجهي عنها، نهضت فغسلت وجهها، وكادت تقع ، بسبب دوران مفاجئ للسيارة، وهو يصعد بها الجبل، هرعت اليها بسرعة، أمسكت بها من خاصرتها، محوطا ظهرها بوسطي وذراعاي لبطنها، فالتفتت وكادت تقبلني على خدي لولا ممانعتي.
وصلنا الى الجبل، ساعدتهما بإنزال بعض الطعام وحاجيات الشواء، كالفحم والاواني وقناني المياه، والخبز، فرشنا سفرتنا على السفح، وهو صعد الى قمة الجبل، راكضا، وبين فترة وأخرى يصيح علينا، لا أعرف ماذا يقول لها، لكنه يخبر زوجته بشيء ما فتنهض الى السيارة لتجلب هذا الشيء، وهو الاسياخ او القداحة، ولما صعد الى القمة، أختفى عن إبصارنا ، جلست بجانبي المرأة، لصقت فخذها فوق فخذي، كانت قد ارتدت بنطلون الجينز والقميص البنفسجي، كنا نراقبه، لكن أصابعها تداعب فخذي، وأنا أغار لا احب هكذا مداعبات، أستغرق صعوده بحدود الساعتين، ثم بدأت الشمس تحرق جلودنا ، ليس هناك من بشر الا القليل، وبعد هنيهة بدأ يتدحرج، لكزتني من فخذي وأشارت اليه، معناه انظر الى لعبته ، كان مثل الأطفال يتدحرج هذه المرة بدوران سريع ، ذهب كما يبدو الى جهة من الجبل اكثر انحدارا ، تمتلئ بصخور متباعدة، ظل يدور بجسده، وسط مراقبة ودهشة من قبل المصطافين، غير أن زوجته ، هذه المرة، بدا عليها القلق، نهضت تراقبه ، فنهضت معها ، ماذا يفعل المجنون بنفسه، يبدو انه فقد السيطرة ، اذ صار دوران جسده أسرع من غير المعتاد عليه، مرت دقائق حذره ، أختفت ضحكات زوجته، توترت مثلها ، ولما وصل الى مكان قبل نهاية السفح ، شاهدنا رأسه يصطدم بصخرة كبيرة.. فصرخت الزوجة، هرعت مثلها الى مكان توقفه في منتصف الجبل.. لم يعد بمقدوري كتابة وحدته السردية، لقد مات صديقي المجنون، كما توقعت زوجته ... وانبسطت .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى