خيري حسن - مازلنا نسمعها رغم الرحيل: (ضحكة)... أحمد بهاء الدين!

(القاهرة ـ 1970)
إلى مكتبه دخل أحمد بهاء الدين رئيس مجلس إدارة دار الهلال- 1927 - 1996) وامسك بسماعة الهاتف، وأجري محادثة تليفونية قصيرة ـ 3 دقائق تقريباَ ـ مع محمد حسنين هيكل ثم وضع السماعة لحظة دخول أحد أفراد سكرتارية مكتبه.
ـ خير
- خير يا فندم!
- الأستاذة " سكينة السادات" تريد الدخول لحضرتك؟
- "أهلا وسهلا" بعد دقائق دخلت السيدة سكينة ـ وكانت تعمل محررة فى المؤسسة. بعد التحية والترحيب، قدمت له طلباً ليعينها مديرة لتحرير مجلة المصور!
رد:" أعرف أن أخاك ـ الرئيس أنور السادات ـ اصبح رئيساَ للجمهورية.. ومن طبائع الأمور - وأنا متفهم ذلك - أن ينعكس هذا على وضعك بصورة أو بأخري فى المؤسسة" وبعد لحظة صمت طالت قال:" لكن من المستحيل أن أعينك مديرة للتحرير واتخطى الزملاء الاقدم فى العمل.. وما تطلبيه هذا يسئ إلى أنور السادات نفسه! ثم قال بأسلوب هادئ متزن:" انتهت الزيارة"! نعم انتهت الزيارة لكن الأمر لم ينته!
•••
( مؤسسة دار الهلال ـ بعد أيام )
إلى داخل مكتبه دخلت هذه المرة أمينة السعيد غاضبة، ومرتبكة، وخائفة!
ـ خير يا أمينة؟
- يا أستاذ بهاء تصرفات سكينة السادات صارت لا تطاق، وأنها دائماً ما تجلس فى اجتماعات التحرير بين أعضاء أسرة مجلة" حواء"وتقول للزملاء:"ابيه انور قال كذا..ابيه أنور رأيه كذا وكذا"!
بعد دقائق قام بهاء الدين باستدعاء سكينة التى جلست أمامه، فيما وقف هو يمسك فى يده بروفة مجلة المصور قبل تسليمها إلى مدير التحرير وقال لها: " شوفي يا أستاذة سكينة:" ابيه أنور اسمه فى دار الهلال الرئيس أنور السادات.. ابيه أنور ده فى البيت! والرئيس لا يرسل بتعليماته لى عن طريقك ـ لاحظ أنها أصبحت أخت رئيس الجمهورية حينذاك ـ وأي تعليمات من الرئاسة تأتى لى مباشرة" ثم سلم البروفة لمدير التحرير الذى دخل قبل قليل ثم قال بنبرات حادة غاضبة:" أرجو ألا أراك فى مكتبي هنا بعد الآن، ولا تضطرينى إلى أن اعطى تعليمات للسكرتارية بمنعك من الدخول" !
•••
(القاهرة ـ 1972 )
فى ذلك العام كانت القاهرة مشتعلة بسبب مظاهرات الطلبة فى الجامعات والعمال فى المصانع منذ عام 1971 بسبب تأخر قرار الحرب. فى هذا العام صدر بيان عرف أطلق عليه (بيان توفيق الحكيم) ووقع عليه وقتها ما يقرب من مائة صحفى وكاتب يتقدمهم بهاء الدين نفسه، مما جعل الرئيس السادات يقوم بفصل ونقل العشرات منهم إلى مؤسسات أخري وتم ترشيح - من الكتاب والصحفيين - أحمد بهاء الدين للتدخل لدي السلطة لتهدئة الوضع المتوتر، والمُشتعل بين الكتاب والرئيس السادات. وبالفعل ذهب إلى لقاء رئيس الوزراء السيد ممدوح سالم.. فى اللقاء دارت أحاديث، وتصريحات، ومصارحات، ومناقشات، طويلة، وممتدة.. وقبل أن ينتهى اللقاء..وقبل مغادرة أحمد بهاء الدين.. قال له السيد ممدوح سالم": شوف يا أحمد بيه.. كل التقارير التى تتلقاها أجهزة الأمن ضد الصحفيين يكتبها صحفيون منهم"!
ـ رد بعدما وضع فنجان قهوته الأخير أمامه:" هذا طبيعى ـ هكذا ولابد أن كل التقارير التى تكتب عن الطلبة يكتبها طلبه! ثم استطرد قائلاً: ونحن نعرف الصحفيين الذين يحترفون كتابة التقارير السرية لأجهزة الأمن ضد زملائهم. ثم قال وعلى وجهه ابتسامة خفيفة:" ولكنكم لو تحريتم عنهم قبل أن تأخذوا بكلامهم لعرفتم أنهم من أردأ نوعيات الصحفيين الفاشلين المملوءة قلوبهم بالضغينة ضد كل صحفي ناجح"!
رد السيد ممدوح سالم قائلاً:" طبعاً ونحن نعرف ذلك:!
ـ يعنى أنتم عارفين انهم فاشلون وحقدة!
رد: "طبعاً.. لكن هل تتوقع ـ يا أحمد بيه ـ من صحفى مستقيم حسن الأخلاق، وابن ناس، وناجح فى عمله، يوافق أن يكتب تقارير للمباحث نظير أجر؟ ثم قال كلمات أخيرة قبل أن يغادر أحمد بهاء الدين مكانه:" هات لى عشرة من هؤلاء ولو كانوا متخرجين من جامعة أوكسفورد يرضون أن يكتبوا تقارير، وسوف تستغنى المباحث فوراَ عن النوعية التى تكتب التقارير عادة"!
بعد لحظات من الصمت والدهشة: " غرقا معاً فى نوبة ضحك طويلة!
•••
( القاهرة ـ2022)
ورغم مرور كل هذه السنوات - ونحن نتذكر أحد عظماء مهنة الصحافة مهنياً وإنسانياً الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين - رحل فى مثل هذا اليوم 24 أغسطس - أب / 1996 - مازالت ضحكته (المجلجلة، والساخرة) نكاد نسمعها الآن تخرج علينا من مكتب رئيس الورزاء السيد ممدوح سالم!

خيري حسن

• الأحداث حقيقة والسيناريو من خيال الكاتب.

الصور: أحمد بهاء الدين.

المصادر:
كتاب محاورتى مع السادات( أحمد بهاء الدين) طبعة دار الهلال1987


مشاهدة المرفق 21473

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى