شريف محيي الدين إبراهيم - أشياء باقية

كانت الناس تتطلع إلى في تعجب !!!
وكنت مشدوهاً حائراً …
لم أكن ميتاً ، هذا ما أستطيع أن أؤكده.
إنني أثق تمام الثقة أن هذا العالم ليس وليد اللحظة ، وأن كل ما أفعله الآن قد فعلته من قبل عشرات المرات، ولكن في هذه المرة يبدو لي الأمر وبعد طول الزمن وكأنه يحدث لأول مرة.
إن الأشجار تكاد ترقص فرحاً ، والطريق يتلوى بي وكأنه يداعبني ، والنسوة يمضين في الطرقات يختلن بملابسهن الزاهية الملونة…
طوفان من الألوان يداعب عيني وكأنني قد صرت طفلاً صغيراً .
أقسم أنني لست بمجنون يداعب الألوان والزهر والبشر ولكنني أقسم أيضاً أنني حر..
حر في طعامي…في ثيابي…في حديثي …في تجوالي …حر في نومي وصحوتي.
خلف أسوار السجن تعلمت أشياء كثيرة…..
حيث يتضاءل هناك كل شئ من أجل الغد …فقط أن يأتي الغد … فأنا لم أكن سوى مجرد رقم مهمل خلف جدران السجن المزرية.
قد تتساءل عن السبب ؟ ولا أحد غيري سوف يجيبك.
إنها امرأة قتلتها بيدي بعدما أوشكت كل شموع الحياة من حولي أن تنطفئ.
وبالتأكيد ستظن بها الظنون بل وستتسرع قائلاً :
– جزاء الخيانة هو القتل.
فلتتوقف ، ولتعلم أنها أشرف وأجمل امرأة على وجه الأرض.. في ابتسامتها يشرق نهاري وفى سواد عينيها تتعاقب ليالي عشقي الطويلة الساحرة.
– ولكنك قتلتها !!!
– نعم قتلتها.
– ماذا حدث؟!
– فقط قتلتها.
تريث …وسأخبرك بالحقيقة كلها…
إن صاحبة القلب الذهبي كانت مريضة طفت بها على كل الأطباء، ولكن بلا جدوى من شفائها ، أو حتى مجرد الحد من آلامها.
وللمرة الأولى وجدتني عاجزاً عن مشاركتها في شئ …أي شئ .
في الكلمة …في المسكن …في النوم ….في الاستيقاظ…في الحب …في الحياة.
ولذلك كان قراري الأخير أن نتشارك معاً المشاركة الأبدية.
إنني عندما ضغط على( زناد) المسدس لم يكن هناك سوى اللون الأحمر ، وعندما ضغطت ثانية كان المسدس مصوباً إلى رأسي، أرجوك لا تتذمر أو تغضب.
إنني أكاد أسمعك تصيح :
– إن هذه لمجزرة…إنك لسفاح مجرم.
ولكنني أقسم لك أن هذا هو ما حدث، وبعدها لم أجد نفسي سوى نزيل في مستشفى للعلاج.
– وداعاً …
هكذا قالت لي حبيبتي قبل أن ترحل ولكنني صحت بها في ألم :
– لا تقولي وداعاً إننا معاً حتى في الموت.
– أرجوك ضع حداً لآلامي ، ولكن لابد أن تبقى …من أجلى لابد أن تبقى.
وبقيت !!!
بقيت كرهاً أو طواعية، فالنتيجة واحدة ، ولكن ثمة سؤال:
– ترى هل بقيت من أجلى أنا أم من أجلها هي ؟!
وفى السجن تعلمت ألا أكرر المحاولة فهناك لا تختلف الأمور كثيراً أن تحيا أو لا تحيا، ولكن كل شئ يتضاءل من أجل الغد..
فقط أن يأتي الغد.
وهناك أيضاً تتردد العبارات تتداولها الألسن.
– يا بنى الحي أبقى من الميت.
حينئذ لم أفهم معنى تلك الحكمة المستهلكة ، وفقط الآن بدأت أدرك معانيها..
فقط الآن وفى تلك اللحظة التي أخطو فيها إلى الشارع…فأنا الآن حر ، ولازلت لا أصدق !!!
لا أصدق أن كل شئ في هذا العالم ، لازال يمضى وبنفس الطريقة الأزلية ، كسابق عهدى به..!!
وأنا أمضى في الشارع وحدي…هل تصدق ذلك ؟!
نعم أمضى وحدي بدونها.
آكل ..أشرب …أضحك!!!
حتى الضحك بدونها لم يعد مستحيلاً …صدقني لم يعد مستحيلاً .
كل شئ أفعله الآن ، قد فعلته من قبل عشرات المرات، نعم عشرات المرات من قبل ، ولكن بعد طول الزمن يبدو الأمر وكأنه يحدث لأول مرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى