د. طارق محرم - المصلحة

كان الحاج مسعد جالسا على كرسيه المتحرك صامتا ساهما يتذكر دائما كيف كان وكيف أصبح، يتم تحريكه يمينا ويسارا ليستقر منزويا في ركن ما. يجيء وقت الغذاء فيأكلون كما يشاؤون ويجد في طبقه المسلوق من الأكل. اشتاق للمحمر والمشمر وإلى خروجاته التي كانت لا تنتهي وجلساته على المقهى. أصبحت من هواياته الآن الجلوس في البلكونة والنظر إلى الناس والطيور.

- هاتولي سيجارة

- مش حينفع عشان صحتك

- واحدة مش حتضر

- معلش

مشاهدة التلفزيون أصبحت مملة بالنسبة له أو على الأقل ما تشاهده أسرته.

أصبح هناك نظاما لزيارات أصدقائه لم يضعه هو، ولكن وضعه كبر سنه وأسرته.

- شكري اتصل وعاوز يجيلي النهاردة

- هو انت مش صاحبك حسين جايلك الخميس؟ مش لازم كتير كدة عشان تستريح.

- انا هاتعب في إيه؟

- معلش، ده عشان مصلحتك

بعد أيام، امتنع الحاج مسعد عن الطعام، فأخذت أسرته تتساءل عن سبب ذلك، واجتمعت لتتناقش في ذلك الأمر الهام.

- هو ما بقاش بياكل ليه؟

- يمكن بطنه واجعاه؟

- يمكن عشان حسين جاله الخميس؟ الراجل ده أصله مش مريح وعينه وحشة.

- بسيطة، نوديه للدكتور يشوفه.

فحصه الطبيب، ولم يجد شيئا.

- الفحوصات كويسة، يمكن الضغط عالي شوية، بس انتم خرجوه شوية يغير جو.

قرروا الذهاب في زيارة إلى أسرة قريبهم اللزج.

جلس صامتا ولم يشرب شيئا.

احتاروا فيه، فذهبوا به إلى أحد المشايخ الذي لم يقصر ووضع يده على جبينه وقرأ عليه ثم أشعل البخور، ويبدو أن الخلطة كانت قوية، فقد عبقت المكان حتى أصبح الجميع لا يرى من حوله.

كان هو بجوار الباب الموجود بالطابق الأرضي فتحسس "الأكرة" وخرج مسرعا مستخدما يده بأقصى سرعة تاركا وراءه سعال الجميع.

اختفى الحاج مسعد ولم يستطيعوا إيجاده.

بعد عدة أيام اتصل بهم صديقه حسين وأخبرهم بوفاته، وكان قبلها يضحك معه بصوت عال ثم أخذ نفسا عميقا من الشيشة، حتى أنه أقسم لهم أنه قد سمع الحجر وهو "يطقطق"، ونظر عاليا إلى عصفورة كانت تطير فوقه، وظل يحدق بها والدخان يتصاعد من أنفه ولم تقم له قائمة بعد ذلك!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى