دعوة الحق - مذكرة طالب مغربي أرسل في بعثة مغربية إلى إيطاليا منذ ثمانين سنة

لما استوعب عاهلنا الدبلوماسي العظيم مولانا الحسن الأول المفدى الأحوال السياسية الجارية في وقته، عزم على أن ينهض برعيته إلى درجة أرقى، ولذلك أرسل سيادة نائبه بطنجة السيد امحمد بركاش قصد المخابرة مع السادة سفراء الدول في شأن إرسال بعض الشبان للتعلم في مدارس أوربا، والاطلاع على الفنون العصرية.
وهكذا ذهبت البعثة الأولى إلى العواصم، لندرة وبرلين، وطورينو، وباريس، ومدريد (1)وكانت متركبة من شبان ينتسبون لمدن طنجة وتطوان وفاس والرباط وسلا .
وفي شأن هذه البعثة الثانية أصدر جلالة السلطان ظهيرا هذا نصه:
- بعد الحمدلة والتصلية والطابع الشريف – خديمنا الأرضي الطالب امحمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
"وبعد، فقد اقتضى نظرنا الشريف تعيين أناس ترايست والمكينة وعلم البحر، وأن يفرقوا على نواب بابورات النكليز والفرنصيص والصبنيول والألمان والطليان، وعددهم ستة لكل جنس، واثنان من الستة المذكورين يخصون بتعليم ترايست والمكينة بمدارس تعلم ذلك العلم، عند كل جنس ممن ذكر، وأربعة لتعلم علم البحر، وهم الذين يفرقون على نواب البابورات المذكورين ويكون صائرهم على جانب المخزن، إذ المقصود هو تعلمهم، وعليه فكلم نواب الأجناس المذكورين في ذلك وتفاوض معهم فيه، وأعلمنا بجوابهم لك فيه لنأمر عما يكون عليه العمل في ذلك، وعجل ولابد، والسلام" في عاشر رجب 1299 هـ.
وكانت البعثة الثانية متركبة من فتيان مغاربة تتراوح أعمارهم بين 13 و16 سنة، وقام السفير الإيطالي – جنطيلي- Gentilé بجولة لانتخاب الفتيان المرشحين للذهاب إلى إيطالية، فاختار من مدينة الرباط عشرة، ومن سلا خمسة، ومن العرائش أربعة، ومن طنجة ثلاثة، ومن فاس اثنين، ويقول الطالب:
توجهنا إلى طنجة في فاتح سنة 1306 – الموافق لسبتمبر 1888م – ومكننا بها 18 يوما ريثما هيئت لنا الكساوي، وفي اليوم الثامن عشر من نفس الشهر رست الباخرة الحربية – ضانضولو Dondolo الإيطالية ونقلتنا إلى إيطالية، وبعد يومين رست بنا في مدينة جنوة، وهناك وجدنا في استقبالنا مدير المدرسة التي سنلتحق بها وهو السنيور "اوغستين دي قروصي – وبعد أن بتنا ليلة بالفندق اتجهنا على طريق السكة الحديدية إلى مدينة – طورينو – الكائنة بسفح – بيمنطي – بين نصف دائرة جبال الألب وعند الوصول أقيمت لنا حفلة بالمدرسة بمجرد دخولنا إليها، واستقبلنا التلاميذ والأساتذة.
وقد كان مرورنا من المحطة إلى المدرسة محط التفات الأنظار إلينا بكامل العجب، خصوصا وقد كنا ما نزال نرتدي الزي المغربي (كساوي المحصور من ثوب الملف) التي لبسناها في طنجة.

المدرسة الملكية الدولية الإيطالية:
هذا هو اسم المدرسة، وشعارها "الإخاء الأجنبي" Fratre Exaovenis أي "أن كل الأجانب الموجودين بهذه المدرسة هم إخوة".
والمدرسة مربعة الشكل، طبقتها السفلية تحتوي على بيوت للدراسة وعلى قبة بمدخل الباب تعلو قاعة فسيحة لاستقبال الناس، وقاعة فسيحة أخرى لجلوس التلاميذ وقت الراحة، والطبقة عبارة عن حجرات من الخشب هي بيوت لنوم التلاميذ الداخليين الأجانب مثلنا.
وهناك تعرفنا بعدد من الشبان جاءوا من أمريكا الجنوبية، ومن روسيا، ومن ألمانيا، ومن فرنسا، ومن مصر، والتحقت بنا البعثة الحبشية التي أرسلها الملك – ليقوس منليك – كما كان هناك وفد من بلاد البلقان من بينهم ابن أخ ملك الجبل الأسود (2) وهذه العائلة كانت لها مصاهرة مع البيت المالك من حيث تزوج ولي عهد إيطالية بهيلبنة ابنة ملك الجبل الأسود.
وتعرفنا في هذه المدرسة بولي عهد سمو الأمير أحمد فؤاد.

الدراسة وتوجيه الطلاب:
بدأنا في أول الأمر بتعلم مبادئ اللغة العربية وذلك على يد أستاذ لبناني يعرف بـ - دون ماركس – وبتعلم اللغة الإيطالية على يد أستاذ إيطالي، وأخذنا ننتقل من طبقة إلى طبقة.
وفي السنة الثالثة استدعانا مدير المدرسة وقرأ علينا أمرا ورد من جلالة مولانا السلطان عن طريق نائبه بطنجة وسفير إيطالية.. وأخبرنا أن مولانا يريد أن نتفرق على ثلاث فئات:
1 – فئة لدراسة تربية الجنود.
2 – وفئة لتعلم علوم البحار.
3 – وأخرى لتعلم صناعة السلاح.

وكذلك كان الأمر، فاختار الطلبة:
1 – أحمد الجبلي العيدوني الرباط المدفعية
2 – محمد الحريزي الرباط الخيالة
3 – علي السوسي العرائش المشاة
4 –الحسين الزعري (كاتب المذكرة)(3) سلا المشاة
5 – محمد الوزاع الرباط المشاة
6 – محمد التدلاوي الرباط المشاة
7 – محمد طجة الرباط البحرية
8 – محمد بن سالم الرباط البحرية
9 – محمد الشرقاوي البهالي الرباط البحرية
10 – محمد ولد الباشا الرباط البحرية
11 – التهامي امبيركو الرباط السلاح
12 – فضول بن صالح العرائش السلاح
13 – مصطفى الأودبي العرائش السلاح
14 – محمد البرجالي العرائش السلاح
15 – محمد بن إسماعيل سلا السلاح
16- أحمد حرضان طنجة السلاح
17 – العربي حركات سلا (لكنه كان منصرفا إلى النحو والشعر!)
18 – عبد الله التيال سلا وهو أنجب الطلاب، لكنه أصيب بمرض ومات هناك.
19 – محمد القجيري سلا كانت همته فقط منصرفة إلى التسطير والتوريق.
20 – مصطفى لحلو فاس قانون التجارة والحساب
21 –(4) محمد القباج قانون التجارة والحساب

تفقد البعثة:
وصل إلى إيطاليا وفد يترأسه عبد السلام برشيد الشاوي وذلك خلال سنة 1892 بأمر مولانا السلطان الحسن الأول. وكان يحمل هدية ثمينة إلى ملك إيطالية تشتمل على أنفس المصنوعات المغربية من الذهب والفضة مرموقة منقوشة، مما جعل الصحف الإيطالية تشيد بذلك مفتخرة. فلما عزم السيد عبد السلام برشيد على مبارحة رومة قدم الإمبراطور هدية ثمينة فاخرة لمولانا الحسن وذكرت الصحف ذلك. وقال لنا مدير المدرسة أن الإمبراطور نزع خاتما من إصبعه و أعطاه للسيد عبد السلام برشيد قائلا له:
- اجعل هذا في أصبع جلالة السلطان ملك المغرب، مغزى للمحبة والوداد اللذين بيننا. ثم أذن للسيد برشيد بالتجول في المدن الإيطالية، فلما وصل إلى مدينة ميلانو اتصل تليفونيا بمدير المدرسة وطلب منه أن يأتي مصحوبا بكافة الطلاب المغاربة. وفعلا ركبنا في الغد قطار السكة الحديدية ومعنا المدير والأستاذ مدرس اللغة العربية – ماركس – وكان استقبالنا بأعظم فندق موجود بساحة – الدومو -، وأقيمت لنا مأدبة فاخرة، وزودنا قبل الافتراق بـ - لويز – ذهبي لكل واحد منا ورجعنا إلى أعمالنا وسافر السيد عبد السلام إلى ألمانيا.

تعاون مع إيطاليا:
تعلمنا اللغة الإيطالية، وصرنا نتذاكر بها في طلاقة، وكان مدير المدرسة السنيور – دي قروصي – يحبني شخصيا ويضع ثقته في، مما جعله يخبرني بأسرار عديدة منها الحلف بين إيطاليا، وألمانيا، والنمسا، وما يمكن أن يستفيد المغرب بسببه. وفعلا تأسس بفاس معمل للسلاح كان مديره هو السنيور – كافيني – كلونيل في العسكرية مع المهندس – نطاري – فلما رجع الشبان الذين كانوا بمعمل – بربشية – استخدموا فيه وكان أمهرهم فضول والمصطفى. كما تكلفت دار الصناعة بـ - ليفرنو – بصنع جوالات حربية لحراسة الساحل المغربي وبصنع بواخر للنقل، فالجوالة سميت بـ - البشير – وهذا الاسم أخذ من بيتين من الشعر أرسلهما المخزن إلى دار الصنعة ودار الصنعة أرسلتهما إلى المدرسة ليستخرج منهما اسم الجوالة!
ولما رجع الشبان الذين كانوا بمدرسة البحرية، بعد دراسة خمسة أعوام، تعلما وتجولا في البحار، وظفهم المخزن الشريف، وكانوا ذوي خبرة حيث إنهم تخرجوا ضباطا صغارا Solta officialé di marina كما أن العسكريين حيث رجعوا عملوا بالدائرة المخزنية وفي سنة 1900 ألف منهم المخزن الشريف لجنة عسكرية مركبة من: السيد أحمد الجبلي، والسيد محمد بن عمر، والسيد محمد التدلاوي، والسيد الفقيه أحمد التطواني أمين(الصوائر) وأرسلهم إلى معمل السلاح دار(كروب) باسن في ألماني، ومن هناك اشتروا مدافع جبلية وغير جبلية. وقد لقوا عناية وإكراما مدة إقامتهم والتقوا بوفد تركي فتعرفوا به وكان قصده شراء المدافع كذلك.

الرخص الصيفية لطلبة البعثة:
كنا نقضي مدة العطلة الصيفية – نحن الذين لا نستطيع العودة إلى أوطاننا لبعد المسافة بمنطقة – كافور- Gavour بجوار جبال الألب ناحية منفيزو، وكنا دائما نتجول بين المناطق ونتفسح فيها، ونصعد إلى قمم الجبال المكسوة بالثلوج، واغتنموا تلك المناسبات فصعدوا بنا إلى القلاع السرية الموجودة على الحدود الإيطالية – الفرنسية، وهذه القلاع ممنوع دخولها حتى على الإيطاليين، لكن أذن لنا به، وهكذا كنا نتجول ونمعن النظر في كيفية البناء والتحصين، وقد تحدث الكلونيل الذي كان مكلفا بالتجول معنا متمنيا أن نقيم مثل هذه القلاع في وطننا، وأنه يسوغ لنا نحن طلبة البعثة الحسنية أن نطلع على أسرار الاستعدادات الحربية، لأن كل ذلك مرخص به لنا من لدن الدولة الإيطالية!

مشاريع مغربية اقتصادية:
إن من جملة الأخبار التي أمدنا بها مدير مدرستنا أن جلالة سلطاننا عازم على فتح (بنك) وأنه قد هيأ لذلك ضمانة قدرها – 20.000.000 – عشرون مليونا من القطع الذهبية، من – للويز، والضبلون، والبندقي- هذا عدا القطع الفضية من أنواع السكك التي كانت تروج في قطرنا وتعجب من أن ذلك وقع في ظرف ثلاثة شهور فقط. مما يدل على أن المغرب غني، ولما قلت له: إن إيطاليا أغنى من المغرب فاجأني قائلا: إنكم أغنى من إيطالية من حيث إنه لا ديون عليكم.
وزاد، فأخبرنا أن معملا إيطاليا تهيأ لضرب السكة الذهبية والفضية والنحاسية بالعاصمة: فاس. وأن ألمانيا تكلفت ببناء قلاع للدفاع بمدن شاطئ البحر بالمغرب. وبشرنا أن الراية المغربية سترفرف في البحار كلها من قريب.

طموح صاحب المذكرة:
انصرفت السنة الثامنة منذ حلول البعثة بإيطالية، ورجع إلى المغرب الضباط، والضباط العسكريون، وصانعوا السلاح.. وتأخرت أنا عن الرجوع ذلك لأنني أخذت أتعاطى دراسة اللغات الأجنبية بترخيص من وزارة الداخلية الإيطالية، وهكذا انخرطت في المدرسة العليا بمدينة (طورينو)، وبقيت في إيطاليا حتى سنة 1898 إلى أن حصلت على الشهادة التي كنت أرغب فيها.
وقد كان في نيتي أن أنتقل إلى مدينة –فلورانس – لتتميم دروسي في اللغات وخصوصا اللغة الألمانية مع دراسة (الحقوق الدولية)، لكن الصدر الأعظم الفقيه السيد أحمد بن موسى أرسل كتابا يأمرني فيه بالرجوع إلى المغرب. وكان رجوعي في شهر نونبر 1898، فلم يبق من أعضاء البعثة بعدي سوى طالبين عبد الله التيال ومحمد القجيري اللذين توفيا هناك رحمهما الله.
استقبال الطالب العائد من طرف المسئولين:
في أوائل نونبر 1898 أقلعت الباخرة من جنوة وفي اليوم الرابع رست بركابها بطنجة، وبمجرد نزولي قصدت في الحين دار النيابة وحييت الفقيه الغيور السيد محمد الطربس نائب الدولة هناك بما يليق بجنابه من التحيات، فرح بي وسألني عن عدة أشياء فأجبت بما أستطيع، ثم أمر (الأمناء) أن ينفقوا على خياطة كسوة من الملف، وبعد 20 يوما رحلت بحرا إلى الجديدة ومنها إلى مراكش وبادرت إلى دار المخزن حيث حضرت لدى الفقيه الوزير السيد أحمد بن موسى. وقد طلب مني أن أحضر إلى منزله مساء نفس اليوم على الساعة الرابعة، وفي مكتب خاص بمنزله استقبلني على انفراد وأخذ يلقي أسئلة دقيقة عما وقع مع مدير المدرسة ومع وزير الخارجية، واستمرت هذه الجلسة الاستخبارية إلى الغروب.. وعاد فطلبني أن أحضر مرة أخرى صباح الغد لدار المخزن بالصدارة على الساعة التاسعة صباحا، وودعني وودعته بما يليق بجانبه.
وفي الغد لما مثلت بين يديه في الوقت المعين أمر – مخزنيا – أن يصحبني إلى وزير المالية السيد عبد السلام التازي الرباطي. وقد أحسن الأمين(5) استقبالي وأجلسني بقربه لما أتاه المخزني بملف يحتوي على مراسلات متنوعة وحوالات ودفعه إلي طالبا مني أن أنظم ما في الملف. وفي الحين انتقلت إلى حجرة مجاورة وفتحت الملف وإذا بجميع المراسلات باللغة الانجليزية فنظمتها كما يجب، بحيث جعلت المراسلات التي أجيب عنها على حدة، والتي لم يجب عنها على حدة أيضا، كما فرزت الحوالات التي دفع واجبها من التي لم يؤد واجبها بعد، وقد أعجب الأمين بعملي وبلغ ذلك للصدر الأعظم فاستحسنه أيضا ووجهني إلى وزير الحربية – العلاق – السيد سعيد، فوجدت معه الفقيه السيد محمد الجباص الذي أخبرني أنه كان في بعثة قبلنا إلى لندرة، وجرت بيننا محادثة باللغة الانجليزية وعمل السيد محمد على تسجيلي في كناش خاص بصفتي عارفا باللغات الأجنبية، وخصص أجرة شهرية قدرها 24 ريالا. وأوصاني جناب الوزير السيد سعيد أن أتردد عليه، بل أسكنني بدار قرب داره، وذلك ليطلعني على مراسلات جلها فرنسية، ومضمنها قواعد حربية وضوابط سياسية.

العودة إلى مسقط الرأس:
بعد مكثي بالعاصمة الجنوبية مدة ثلاثة أشهر، أمر بإحضاري جناب الصدر الأعظم بين يديه ودفع لي ثلاث رسائل، إحداها لسيادة باشا سلا السيد عبد الله بنسعيد والثانية لامين مرسى الرباط السيد عبد الخالق افرج والثالثة للعمال لأطلعهم عليها أثناء سفري وأسرتي أن أعود إلى الحمراء بعد صلة الرحم مع والدي ومع عائلتي، ذلك لأنه ينوي أن يبعثني إلى أوربا لأغراض وحاجات أبقاها بنفسه يود مني أن أقضيها هناك.
وبارحت مراكش في يبراير 1899 (6)وقد كانت رحلتي من مراكش إلى سلا عبارة عن نزهة بسبب الاعتناء والبرور اللذين لقيتهما مراعاة لتوصية جناب الصدر الأعظم ولما حللت بسلا سلمت لباشا سلا رسالته، كما مكنت أمين المرسى من كتابه وقد أمر بعد قراءته بأن يدفع لي 100 ريال حسنية، وقد تعرفت على موظف هو السيد عبد السلام الفاسي الذي أخبرني أنه كان في البعثة الأولى بمدريد ولذلك تحادثنا باللهجة الإسبانية. وقبل أن أنصرف أخبرني الأمين بأن المخزن أعزه الله أمر لي ب 24 ريالا شهريا ما دمت في سلا.
وما مضى شهران حتى استدعاني أمين المرسى السيد عبد الخالق افرج وقرأ علي مراسلة يوافق فيها الصدر الأعظم على اقتراح الأمين بأن أبقى بجانبه لأكون واسطة بينه وبين المهندس الألماني – روطينبورغ Rotten Bourg المكلف ببناء برج الرابطة. وهكذا أصبحت موظفا بالرباط فالتقيت بالمهندس الذي سر سرورا كبيرا بمعرفتي إذ سيمكنه التفاهم بواسطتي مع الأمين في كل ما يحتاج إليه، وقد حصلت لي معه ألفة، فأطلعني على الاتفاقية المبرمة مع مدير معمل السلاح – كروب Krup بمدينة أشن. وأنه بمقتضى هذه الاتفاقية صار المهندس مكلفا ببناء تسع قلاع بمدن الساحل، كل قلعة تحتوي على مدفعين من ذوات القذف البعيد. وتسهيلا للأعمال تبرعت – دار كروب – بتأسيس سكة حديدية لنقل المعدات والأثقال من البحر إلى مراكز القلع، وتقرر أن تبنى القلاع الثمانية بعد بناء قلعة الرباط وتجربتها.
خلال هذه المدة كان الحاج محمد سباطة يدرب فرقة من الرجال، ويعلمهم فنون حربية وكيفية تسيير حركة المدفع مع فنون الرماية. وهذا عدا جماعة المدفعيين التي كانت قائمة بحراسة الأبراج والقلاع القديمة وتتدرب على إطلاق المدافع. وبسلا كانت أيضا جماعة من المدفعيين تتدرب بالحساب وبالمناسبة إلى عيار المدافع وذلك تحت رياسة السيد الحاج أحمد زنيبر. وهناك جماعة أخرى كانت بالعرائش، وأخرى – وهي أكبر – كانت بطنجة وجل أفرادها من أهل سلا.
ملاحظات وآراء حول الظروف السياسية:
- وفي سنة 1901 و1902 ظهر المارق ابن حمارة الجيلاني الزرهوني في نواحي تازة. وبما أن قضيته قد استفحلت فقد وجبت الخدمة العسكرية. ووجب فرض المال من الخارج – 11 ألف ريال – من أبناك البلاد المنخفضة: هولندة – بلجيكة – والسويد.
- اضطر لركاب الشريف بسبب هذا الحدث إلى الانتقال من مراكش في اتجاه العاصمة فاس وقد كان النزول بالرباط لمدة تزيد على الشهر.
- كان قائد الجيش الأكبر هو الانجليزي ماكلين. وبعد وفاة الوزير السيد أحمد بن موسى سمي القائد الأكبر وأطلق على نفسه – الجنرالسـ Généralisseme رغما عن وجود فرقة لتدريب العسكر بمراكش تحت قيادة الكومندان الفرنسي – فورني – وجل أفراد هذه الفرقة من أهل الجزائر، وبتولية الجنرال ماكليين القيادة الكبرى على الجنود المغاربة عظم الخصام بينه وبين الكومندان الفرنسي. خصوصا وأن الوزير المنبهي توجه إلى الندوة وتقابل مع الحكومة الانجليزية صحبة الجنرال. وهكذا تغيرت السياسة واكفهر الجو.
- كان المهندس الألماني سائرا في أشغاله. وكان له صديق بالدار البيضاء يتراسل معه بواسطة الحمام، ومن الدار البيضاء كانت ترسل الأخبار والحوادث الواقعة بالمغرب إلى دولتي ألمانية وانكلترة.
- جاء الجنرال ماكليين إلى المهندس الألماني وأخبره أن الكومندان الفرنسي أخبر جلالة السلطان بأن البرج الذي بني بضاحية الرباط غير متين وأنه سيتهدم بمجرد إخراج الطلقة الأولى من المدفع، فرغب جلالة السلطان أن يقف على الحقيقة بنفسه، وفعلا حضر إلى القلعة فوجد هيئة المدفعيين حاضرة ومصطفة على أحسن حال وحييناه بإجلال وتعظيم، وأمرنا جلالته أن نطلق المدفع وبقي ينتظر خارج القلعة. وبعد إخراج طلقتين ووصول الطلقة إلى داخل البحر بمسافة 20كياومتر تفضل جلالته ودخل القلعة ووقف بنفسه على كيفية إخراج الطلقة المدفعية للمرة الثالثة، وبعد هذا أخذ جلالته يحضر كل مساء للبرج وينصب له المهندس مدفعا من العيار الصغير فيقوم ببعض الرماية.
- بعد نجاح التجربة ذهب المهندس الألماني إلى ساحل سلا ورسم مركز القلعة الثانية على بعد من قصبة – سيدي موسى – واختار المكان وراء ربوة رملية لإخفاء القلعة عن مرمى العدو من البحر، وأخذ المهندس ينتظر الجواب للبدء في العمل، لكن جاءه أمر من سفارته بأن يكف عن العمل نظرا للتوتر في الجو السياسي. وهكذا لم تبن سوى قلعة واحدة من تسع قلاع كان من المقرر بناؤها.
- توالت الاضطرابات في السياسة الخارجية، زيادة على الأهوال التي كان يعيش فيها المغرب بسبب ظهور – أبي حمارة -، والتشويش في أحواز وجدة وتازة وأيضا في ناحية مراكش.
- وظهرت حوادث أخرى وانقلابات في جو السياسة الخارجية بمجيء جلالة ملك ألمانية إلى طنجة لزيارة ملكنا مولانا عبد العزيز، وأدت هذه السياسة إلى إعلان رغبة ملكنا في عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء بإسبانية سنة 1906.

- انتهى ما كتبه السيد الحسين الزعري عضو البعثة المغربية الثانية إلى إيطالية بتصرف. -

(1) انظر ما كتب عن هذه البعثة الأولى بمجلة "البحث العلمي" العدد التاسع من السنة الثالثة.
(2) وهو جمهورية مستقلة من جمهوريات يوغوسلافيا.
(3) هو والد السيد مصطفى الزعري الموظف بإدارة الأمن وأخيه الدكتور إدريس الطيب الرئيس الإقليمي ببني ملال حاليا.
(4) مجموع ما ذكر الكاتب من قبل هو 24 طالبا وهو في هذه القائمة لم يذكر إلا 21 طالبا؟
(5) ذكر الكاتب هذا المسئول بلقب الوزير ثم بلقب الأمين.
(6) هذا ما أثبته صاحب المذكرة وفيه التباس بالنسبة لتاريخ رجوعه إلى المغرب.

* دعوة الحق - ع/113

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى