محمد مزيد - امرأة الصمت

أستيقظ نديم من نومه صباحا، أرتدى ملابس الخروج ، ثم أغلق باب الشقة خلفه، ترك زوجته نائمة في فراشها وهي تعزف السمفونية التاسعة لبتهوفن من الشخير ، يحب نديم الصمت والهدوء، هاجر من بلاده بسبب الضجيج ، يمشي الان في شوارع هذه المدينة الغريبة ويتمنى ان تكف زمجرة محركات الشاحنات وابواق السيارات عن ازعاجه، فهو يحب الصمت ويعشقه الى حد الجنون ، لذلك اعطاه الله عازفة بيانو، تبدأ معزوفاتها مع لحظة وضع رأسه على الوسادة حتى الصباح. بقي نديم يمشي في الشوارع بحثا عن الصمت، حتى وصل اخيرا الى مقبرة " سيد برهان" الواقعة خلف ( المول الكبير ) للمدينة .. وجد المقبرة خالية ، يعم فيها الصمت والهدوء الاسطوري ، نظر الى العشب والاشجار الكثيفة حول المقبرة ، غالبا ما كان يلوذ بهذا المكان، طوال عشر سنوات ويردد مع نفسه " ان هذا المكان هو اهدأ مكان في العالم " لكنه فوجئ اليوم أن امرأة جميلة ، تقف عند قبر مفتوح بيدها باقة ورد ابيض ، يؤدي باب القبر الى سرداب عميق ، اثاره جسد المرأة من الخلف ، ترتدي بنطلونا أسود حريريا يلتصق بردفيها لصقا، وقميصا اسود مخرما يكشف زنديها ، ، كانما جاءت الى زوجها بهذه الملابس المثيرة تريد منه شيئا ما ، فجأة ، التفتت المرأة الى نديم، فوجدته يبحلق بها ، فابتسمت اليه ، وهو بارتباك واضح ، أبتسم ايضا ، أبتسامة فيها خوف وذعر ، يخشى أن تكون جنية في وضح النهار ، ثم دخلت المرأة الى سرداب القبر ، فأقترب من الفوهة ، لفحه نسيم عذب لذيذ معطر، جاءه من إعماق السرداب ، ولما وصلت المرأة الى قاعه ، ألتفتت ايضا اليه باتسامتها العذبة ، فابتسم هو، تأكد انها ليست جنية النهار ، نزل خلفها ينقل خطواته على الدرجات بتثاقل وخوف ، غير أن الصمت عم المكان بشكل لم يتوقعه .
هناك أنعم نديم بالهدوء والصمت الذي يعشقه، نسي السمفونية التاسعة لبتهوفن، بعد أن أغلقت عليهما الريح فوهة القبر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى