د. سيد شعبان - تجاعيد وجه أبي!

لاشيء هناك؛ هذه إجابة أحاول كل مرة أن أقنع بها نفسي؛ أنتظر رسالة أو ضوء مصباح أو أي دليل يؤكد لي أنهم مازالوا متواجدين في ذلك البيت حيث دب الوهن في جسدي؛ كانا بالنسبة إلي الملاذ آوي إليه، يشعرني كل هذا بالأمن حيث أفتقد من يذود عني؛ تغيرت الدنيا من حولي؛ رغم أنني أمعن في السخرية من تلك التجاعيد في وجهي، أهزأ من الشعيرات البيض تدب في غير توان في رأسي، أجمل الذكريات تعلق بخاطري: ساعات اللهو والجري حتى مغرب الشمس؛ الصعود فوق الأشجار ومعابثة العصافير؛ حصوات ترمى في النهر فتحدث دوامة تشبه متاهة الزمن الذي يحاصر الأحلام الجميلة، من بين تلك الخيالات يظل وجه أبي يبتسم ويربت على كتفي في حنو، يمنحني الدفء مع حبات الأرز وكسرات الخبز، يخلع جلبابه الصوفي ويلبسني إياه، الآباء يهبون صغارهم الشعور بالحياة، ساعتها أجد أمنا من خوف وطعاما من جوع؛ أليس هو أبي الذي أتبع خطوه وأرنو ببصري ملقى عينيه؟
أتصفح وجهي في مرآته، أزهو ببنوة صغيرة.
حين ارتحل بدأت أبحث عن جذري؛ هناك من يقول: تركك وحيدا، ليته أخبرك من أي البلاد جاء؟
آخرون يرونني تائها، أجتهد أن أثبت لهم بأنني من تلك الأرض؛ رغم أن الوحدة حين يصاحبها اليتم تكون الحياة بلامعنى؛ تتداخل التجاعيد أشبه برسم طفل يمسك بقلمه أول مرة، انظروا أنا هناك ذلك النائي وراء تلك الظلال التي لاتعبر إلا عن عبث يمتد.
أبحث عن بطاقة هويته الورقية؛ أفزعني أنها صارت هباء منثورا؛ حتى الحروف باهتة ككل المسميات من حولي؛ أشعر بالغثيان، إنه موات قبل الرحيل إليه، يتكوم جسدي ومن ثم تتداخل عظامي، أبدو خيال ظل تعبث به الريح في يوم عاصف؛ وحدها تشعر بي؛ تأتي إلي مسرعة ومن ثم تمسح دموعي؛ يدها الحانية رغم اعتلال ظاهر يكاد يمسك بخناقها؛ يغمرني دفق الحياة؛ أمرر بيدي على وجهها الذي صار أخاديد حفرت في نتوء صخري، بقية منه صارت بثورا في وجهها، تداعبني وتذكر كنيتي؛ أما تزال أبا حبيب؟
يا لتلك الكنية!
وحدها كانت تناديني بها، أسالها أين كنت؟
فتجيبني: لقد غادرت حين غابت الشمس، خرجت من عالمه؛ انتظرتك كل تلك السنوات، وها أنت كله يمثل حيا أمامي.
أتمسح بها تتشمم عرقي، يبدو أننا نظل صغارا في عيون أمهاتنا، وحدي يزهو به العالم، ماتزال لدي أم تفتح لها أبواب السماء.
ليتني لقمت ثديها؛ بعضكم يسخر مني؛ ربما لأنه يرى أمه عجوزا في الغابرين؛ إنها كيوم ولدتني بهية في زينتها؛ لقد جاءت بذلك الطفل الذي سيرسم لوحة تشع بهجة في عتمة بيت ناء.
أتلفت حولي أبحث عنها؛ لم يكن غير طيفها يحادثني، يرتد إلي الصدى، أبقى وحيدا في ذلك المكان، أرنو ببصري بعيدا حيث تكون الذكريات وميضا.
وحدها تبقى شاخصة في جسدى تترك بصمتها في وجهي؛ لقد مضى زمن الأحلام التى تراقصت مع النجوم.
تغيرت ملامحي وتبدلت لكن يبقي لي وجه أبي!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى