حميد محمد الهاشم - جوليا... تلك الريح

في اللوحة الأولى، مفاتن نصف عارية، حُبُورٌ شَبِق، في اللوحة الأخرى كانت أمرأة متغظنة الوجه، واخدودان يقتسمان الجبين لطبقات ثلاث؛ أستقداماً لمكاره الشيخوخة, رغم فُضلةٍ من بقايا الجمال.
في اللوحة الثالثة كانت(جوليا) أطارا منحرفا عن صورته تماما ،كانت فارغة من وجهها، بدت اللوحة وكأنها خالية من اللوحة، إنها فجيعة التقهقهر المتوقع؛ عبر جنون التداعيات ,في حشد الغرائز ألمقدس واللامقدس, والذي نَضبَ الآن، كان المشهد الأخير ليس أكثر من حشد من ذوي الاربطة السود ،وبشرة بيضاء وعيون زرق وخضر، تغطيها زجاجات سود. وجوه الشاشات الأليفة واللامألوفة،
كانت تلك اللوحات تحيط الجثمان المسجى.
قرأ القس:
" اللهم تقبل خلقِك هذا ، بطيبتهِ وخطيئتهِ."
" آمين..".
امتزجت أفواهُ الجمعُ الأسود الثياب في آمين، مع أهتزاز عيدان الشجيرات القريبة ،وصرير أحذيةٍ تضغط على سجادة العشب في المقبرة الجميلة تلك.
وبعدلحظات صمتٍ ؛مفرغةٍ لشحنة الإنتهاء في متنزه الموتى، أضاف القس.
"اللهم تقبّلها برحمتك ،إذا ما أساءت يوما الى نفسها في نهارها أو ليلها."
رد المُشيعون النجوم.
"آميييين".
غير أنه أضاف ؛وهنا بدت دهشتهم تتفرس وجه ذلك القس الغير آبهٍ .
"اللهم خذها بعدلك حيث ما أساءت.. أو حينما جعلت من ليلها يسيء لنهارها."
صَمْتٌ للجميع ؛تخترقه ريح خفيفة, تكنس بعض الوريقات المتساقطة حول المأتم الصغير.
غابت النجوم بمشاريع ماضية ؛تلاحق مشاريعاً قادمة,سوى ذلك الرجل بملامحهِ الحزينة ظامّاً يده إلى صدره، يده الماسكة بكتابه المقدس، وبثيابه السود متحيرا هل كان قد أخطأ أم أصاب. لا سواه.. ليس ثمة أحد غيره قرب الدفينة، النجمة جوليا، عجوز المقبرة.
انحدرت من إحدى عينيه دمعة خجولة.
رأسه ما زال مطرق تحت وطأة الذكريات.
وتمتمة بين شفتيه.
"وداعا... أيتها الريح الآفلة"

حميد محمد الهاشم / العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى