أراقبها من تحت الغطاء.. تتسلل من جانبى.. تفتح شباك الحجرة فيسقط على صدرها ضياء البدر.. تغلق الشباك بحرص.. تخلع جلابيتها السوداء.. تدعك عينيها برفق فتنفتحان.. عينان زرقاوان صافيتان.. ترتدى قميص نوم سماوى نصف كم.. تخلع طرحتها السوداء.. فينسدل فوق كتفيها شعرها الأسود طويلا ناعما.. تتحرك خارجة من الغرفة على أطراف أصابعها.. تغلق الباب خلفها.. أقوم بسرعة.. أوارب الشباك.. أتلصص عليها دون أن تلحظنى..
تقف أمام النخلتين المتعانقتين اللتين زرعهما جدى يوم زفافه.. يلقى القمر ظلها مع النخلتين على الأرض.. يتماهى ظلها فى ظل النخلة اليمنى.. أراقب شفتيها تتحركان بكلام مبتسم لا أسمعه.. ويديها تتحسسان النخلة اليسرى.. أرى الظلال تتراقص حتى تصبح ظلا واحدا.. تمر سحابة أمام القمر.. تميل على النخلة اليسرى.. تقبلها قبلة خاطفة وتجرى مسرعة إلى الحجرة.. أكون أنا مختبئ تحت الغطاء.. ترتدى جلابيتها السوداء.. تلبس الطرحة السوداء فتبين من تحتها شعرات قصيرة مقصفة بيضاء.. تنغلق عيناها فتمد يديها إلى الأمام حتى تصل إلى السرير.. تفرد جسدها عليه.. تتنهد ببسمة رضا.. تأخذنى فى حضنها وتنام.. أشم أنفاسها الفردوسية التى أحسها فى الشهر مرة.. عند اكتمال القمر..
كنت أحب مراقبة جدتى وهى تسير فى الدار الكبيرة على هدى ذاكرتها.. مشاريع كثيرة لتطوير الدار وتغيير نظام حجراتها توقفت حتى لا تؤدى لتشوش الصورة المطبوعة فى ذهن جدتى.. كانت تمارس حياتها فى الدار كأنها ترى كل شئ.. تطبخ وتغسل وتكنس مع أمى وزوجات أعمامى وأخوالى.. وعندما يطالبها أحد بأن ترتاح تبتسم وتواصل العمل.. متعتها ومتعتى كانت عندما تجلسنى على حجرها وتحكى لى عن جدى.. عن كائن أسطورى هو القوة كلها، والحنان كله، والرجولة التى بلا حدود.. تحدثنى عن النخلتين المتعانقتين وتقول:
-زرعهما جدك فى ليلة زفافنا، وساعدته.. ضحكت العائلة منا.. لكن جدك ابتسم لى وقال.. هما أنا وأنت..
سألتها عما أراه عندما يكتمل القمر.. تغيرت ملامحها.. مزيج من الغضب والخجل والحسرة والحنين.. أخذت منى وعدا بألا أبوح لأحد بما ستخبرنى به.. وكنت أعرف أننى سأفى بوعدى.. فقد اتفقنا أن تموت إذا أفشيت سرها.. وأنا لا أريدها أن تموت..
-عندما مات جدك خرجت القرية كلها خلف نعشه.. الرجال يبكون كالنساء.. والنساء يلطمن كالمجانين.. والأطفال يصرخون.. أنا الوحيدة التى لم أخرج.. جلست على الأريكة بجوار شباك الحجرة.. تابعتهم وهم يبتعدون عن ناظرى.. ورأيت جدك يفى بوعده لى.. خرج من النعش.. طار فى الهواء بغير جناحين.. أشار لى بيديه مبتسما.. ثم دخل فى النخلة اليسرى.. كانت ليلة البدر ليلة زفافنا.. وليلة رحيله عن الدنيا..
أصمت.. لا أجد ما أقوله.. ولا أرغب فى قول شئ.. تواصل حديثها..
-عندما أرحل عليك أن تجلس فى نفس المكان على نفس الأريكة.. لأننى سأسكن نخلتى بجوار جدك..
كرهت النخلة اليمنى.. وتمنيت الخلاص منها.. أخذت فأسا صغيرة وحاولت قطعها.. علمت جدتى فأسرعت إلىَّ.. أخذت منى الفأس وأنا أبكى.. قرأت آيات من القرآن الكريم وهى تملس بيدها على شعرى وصدرى..
-إذا كنت تحبنى فعليك أن تحب نخلتى
-ستأخذك هذه النخلة.. لن أدعها تأخذك
-إذا قطعت النخلة فأين أستقر بعد رحيلى.. سأظل تائهة.. ولن يكون لى مكان بجوار جدك..
ورحلت جدتى.. نفذت وصيتها.. ورأيتها وهى تلوح لى من مكان ما بالهواء.. ثم تستقر فى نخلتها.. رأيت نخلة جدى تميل على نخلة جدتى كأنها ترحب بها..
معجزة ما هى التى جعلت الجميع لا يلاحظون اختفاء النخلتين المتعانقتين بعد رحيل جدتى بأسبوع واحد.. أصبحا نخلة واحدة تلقى على الأرض ظلا واحدا عند اكتمال القمر.
تقف أمام النخلتين المتعانقتين اللتين زرعهما جدى يوم زفافه.. يلقى القمر ظلها مع النخلتين على الأرض.. يتماهى ظلها فى ظل النخلة اليمنى.. أراقب شفتيها تتحركان بكلام مبتسم لا أسمعه.. ويديها تتحسسان النخلة اليسرى.. أرى الظلال تتراقص حتى تصبح ظلا واحدا.. تمر سحابة أمام القمر.. تميل على النخلة اليسرى.. تقبلها قبلة خاطفة وتجرى مسرعة إلى الحجرة.. أكون أنا مختبئ تحت الغطاء.. ترتدى جلابيتها السوداء.. تلبس الطرحة السوداء فتبين من تحتها شعرات قصيرة مقصفة بيضاء.. تنغلق عيناها فتمد يديها إلى الأمام حتى تصل إلى السرير.. تفرد جسدها عليه.. تتنهد ببسمة رضا.. تأخذنى فى حضنها وتنام.. أشم أنفاسها الفردوسية التى أحسها فى الشهر مرة.. عند اكتمال القمر..
كنت أحب مراقبة جدتى وهى تسير فى الدار الكبيرة على هدى ذاكرتها.. مشاريع كثيرة لتطوير الدار وتغيير نظام حجراتها توقفت حتى لا تؤدى لتشوش الصورة المطبوعة فى ذهن جدتى.. كانت تمارس حياتها فى الدار كأنها ترى كل شئ.. تطبخ وتغسل وتكنس مع أمى وزوجات أعمامى وأخوالى.. وعندما يطالبها أحد بأن ترتاح تبتسم وتواصل العمل.. متعتها ومتعتى كانت عندما تجلسنى على حجرها وتحكى لى عن جدى.. عن كائن أسطورى هو القوة كلها، والحنان كله، والرجولة التى بلا حدود.. تحدثنى عن النخلتين المتعانقتين وتقول:
-زرعهما جدك فى ليلة زفافنا، وساعدته.. ضحكت العائلة منا.. لكن جدك ابتسم لى وقال.. هما أنا وأنت..
سألتها عما أراه عندما يكتمل القمر.. تغيرت ملامحها.. مزيج من الغضب والخجل والحسرة والحنين.. أخذت منى وعدا بألا أبوح لأحد بما ستخبرنى به.. وكنت أعرف أننى سأفى بوعدى.. فقد اتفقنا أن تموت إذا أفشيت سرها.. وأنا لا أريدها أن تموت..
-عندما مات جدك خرجت القرية كلها خلف نعشه.. الرجال يبكون كالنساء.. والنساء يلطمن كالمجانين.. والأطفال يصرخون.. أنا الوحيدة التى لم أخرج.. جلست على الأريكة بجوار شباك الحجرة.. تابعتهم وهم يبتعدون عن ناظرى.. ورأيت جدك يفى بوعده لى.. خرج من النعش.. طار فى الهواء بغير جناحين.. أشار لى بيديه مبتسما.. ثم دخل فى النخلة اليسرى.. كانت ليلة البدر ليلة زفافنا.. وليلة رحيله عن الدنيا..
أصمت.. لا أجد ما أقوله.. ولا أرغب فى قول شئ.. تواصل حديثها..
-عندما أرحل عليك أن تجلس فى نفس المكان على نفس الأريكة.. لأننى سأسكن نخلتى بجوار جدك..
كرهت النخلة اليمنى.. وتمنيت الخلاص منها.. أخذت فأسا صغيرة وحاولت قطعها.. علمت جدتى فأسرعت إلىَّ.. أخذت منى الفأس وأنا أبكى.. قرأت آيات من القرآن الكريم وهى تملس بيدها على شعرى وصدرى..
-إذا كنت تحبنى فعليك أن تحب نخلتى
-ستأخذك هذه النخلة.. لن أدعها تأخذك
-إذا قطعت النخلة فأين أستقر بعد رحيلى.. سأظل تائهة.. ولن يكون لى مكان بجوار جدك..
ورحلت جدتى.. نفذت وصيتها.. ورأيتها وهى تلوح لى من مكان ما بالهواء.. ثم تستقر فى نخلتها.. رأيت نخلة جدى تميل على نخلة جدتى كأنها ترحب بها..
معجزة ما هى التى جعلت الجميع لا يلاحظون اختفاء النخلتين المتعانقتين بعد رحيل جدتى بأسبوع واحد.. أصبحا نخلة واحدة تلقى على الأرض ظلا واحدا عند اكتمال القمر.