طلعت قديح - تأملٌ في قلبِ "سلطان مي" المريض...

من يشتري قلبي المريض؟
من يشتري قلبي المريض بقُبلَةٍ، بسُنبلَةٍ؟
إني رفعتُ الراية البيضاء.
مليون جنديّ كان. وقناصُ حَربٍ.
سأبيعهُ باسميَّ الأول، بأغانيهِ الرقيقةُ.
قلبٌ مريضٌ بلا ألقاب.
إن مراكبي داخت، لا موتى على كتفيها ولا أحياء .

خذوه وتصرفوا بمن فيه
وبما فيه من القصائد والحكايا ولوعةُ الغُرباء.
من يشتري قلبي المريض
بكسل النجوم ورحلة للمنافي، بتفاح الشتاء.

من يقايضني؟!
أعطيه قلبيَّ الطافحُ بالدّماء
ويعطيني عتمة كونيّة وخمسة عشر أغنية لفيروز .
من يشتري القلب الأخير لدي؟
من يشتريه بأنثاه الأخيرة دونما سَبَبٍ
بشايهِ الخفيف دونما سَبَبٍ
بعشر قصائد غزلية
من يشتريه بخمس رسائل لم تبتلعها الحرب.
من يشتريه بقليلٍ من الحُب؟
قلبي يقولُ أنه لم يبلغ العشرين بَعد!
وأنه لم.... ولم
وأنا أصدّقُ كلُ ما قال المريضُ.
من يشتري قلبي ويعتلي ظهريّ العاري
أنا السفينة والبحرُ من زَغَبٍ .
من أين أبدأ رحلتي وأنا الطريدة
أنا أسماء من ولدوا بقلبٍ مُعافى وآلاف الهدايا.
أنا من اخترع القصيدة بحُلّتها الجديدة
أنا القلبُ المريضُ من غناءٍ وحُزن.
من يشتريني ليسافر في انحناءات القصيدة؟
.............
من يشتري قلبي المريض؟
من يشتري قلبي المريض بقُبلَةٍ، بسُنبلَةٍ؟
إني رفعتُ الراية البيضاء.
مليون جنديّ كان. وقناصُ حَربٍ.
سأبيعهُ باسميَّ الأول، بأغانيهِ الرقيقةُ.
قلبٌ مريضٌ بلا ألقاب.
إن مراكبي داخت، لا موتى على كتفيها ولا أحياء .

من! يقذف الشاعر سلطان مي باستفهاماته التي تأخذ دور الأسئلة القلقة في ثوب استفهام لا يؤدي دوره كما يفترض في حالات الكتابة، هي المتربعة في ذات الشاعر، وأصلها اتحافنا بشعوره العميق بالوجع والذكريات وحالة التأزم التي ترتفع تارة وتنخفض تارة!
وهل يُشترى القلب المريض، إلا إن كان المعنى غير ما هو متاح، هو القلب المتيم الناضج التائه الملبي المهيمن على شغاف التلبس في عقل وفكر وقلب العاشق!
وحين يشيح الشاعر عن ثمن المقايضة، فلا بد أن يكون من جنس الهيئة الملتصقة بمعان نبتت في ظل حرف سلطان مي!
قلب مريض يقايض بقبلة أو سنبلة! وكأن الشاعر في ذروة هذا الحال، يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه والاستفادة من مشتر قد يلوح في أفق العرض، أفق لا يكون فيه نهم العرض إلا بقبلة أو سنبلة!
ولذا كانت النتيجة المنطقية "الراية البيضاء" ، وفي انتقالة توهج، صعدت بتأمل الحروف لتقافز؛ اختار الشاعر "ثيمة" أعداد أثقلت صمتا تلوى أمام حالة العرض لقلب تجشم حمل ما يحمل، فكان "مليون جندي" "قناص حرب"، وبيع اسم لا يحمل إلا حالة القلب المريض، قلب في مراكب الدوخ والأحياء ليسوا أحياء، كما الأموات ليس ا كذلك!

خذوه وتصرفوا بمن فيه
وبما فيه من القصائد والحكايا ولوعةُ الغُرباء.
من يشتري قلبي المريض
بكسل النجوم ورحلة للمنافي، بتفاح الشتاء.
إتراع في العطاء دون ثمن، بل وإتحاف في العرض، ولعل شاعرنا اختار المنطق في عرضه لمميزات قلبه، لأنه يعلم أنه قلب استثنائي، وهذا الاستثناء لا يكون إلا لمشتر يعلم قيمة ما سيحصل عليه، ولذا كانت القصائد والحكايا ولوعة الغرباء، هنا يثقب الشاعر جدار المجاز في وصف محتويات قلبه المريض، وإلحاقه بسؤال ينزف منه الوجع "من يشتري قلبي المريض"، وكأن التكرار عبارة عن آآآه، ما زالت تنخز روح تجل.
لم يتركنا كثيرا حتى يوافق مابين العرض الأول (القصائد والحكايا ولوعةُ الغُرباء)، وهو عرض يختص بالحرف، ومابين العرض الآخر (بكسل النجوم ورحلة للمنافي، بتفاح الشتاء)، وتلك انعطافة جمالية، وازنت بين كفتيّ ميزان ذائقة قلب سلطان مي بين الحرف والوصف.
ورغم هذه الحالة، كان انفجار حائر في التنقل الثاني (خذوه وتصرفوا بمن فيه)، أخذ وتصرف، وانتظار مغلف بعرض ظاهر، لكنه في حقيقة الأمر شراء ذاته لا بيعها!

من يقايضني؟!
أعطيه قلبيَّ الطافحُ بالدّماء
ويعطيني عتمة كونيّة وخمسة عشر أغنية لفيروز .
من يشتري القلب الأخير لدي؟
من يشتريه بأنثاه الأخيرة دونما سَبَبٍ
بشايهِ الخفيف دونما سَبَبٍ
بعشر قصائد غزلية
من يشتريه بخمس رسائل لم تبتلعها الحرب.
من يشتريه بقليلٍ من الحُب؟
قلبي يقولُ أنه لم يبلغ العشرين بَعد!
وأنه لم.... ولم
وأنا أصدّقُ كلُ ما قال المريضُ.
من يشتري قلبي ويعتلي ظهريّ العاري
أنا السفينة والبحرُ من زَغَبٍ .
من أين أبدأ رحلتي وأنا الطريدة
أنا أسماء من ولدوا بقلبٍ مُعافى وآلاف الهدايا.
أنا من اخترع القصيدة بحُلّتها الجديدة
أنا القلبُ المريضُ من غناءٍ وحُزن.
من يشتريني ليسافر في انحناءات القصيدة؟
تتهافت الحالة في شعر سلطان مي نحو التيه المنظم، فعلى الرغم من أن الابتداء كان "من يشتري" "سأبيعه" إلى المقايضة ثم تخصيصه في "من يشتريه" "من يشتري" "من يشتريني"!
يرسم سلطان مي عبء الكلمات من شبح التلظي لا لشيء إلا لاقتباس فلسفة بوح، يؤتي أكله، ويحاول ترتيب ما تناثر من شماله، وفي ناحية أخرى؛ رتل ذكر قلبه الطافح بالدماء، والذي لا يكون أمامه إلا قمة بركان أمان، فكانت "ويعطيني عتمة كونيّة وخمسة عشر أغنية لفيروز."، وعلاوة على صورة نامت على أسرة الخيال؛ كان عرض مائز، فك شيفرة النص بشيء من رموز حين باح سلطان مي بتجربته الأخيرة في رمي نباله لقلبه العاشق، والذي أتى ذكرها في
"من يشتريه بأنثاه الأخيرة دونما سَبَبٍ
بشايهِ الخفيف دونما سَبَبٍ
بعشر قصائد غزلية
من يشتريه بخمس رسائل لم تبتلعها الحرب"
وهل يعلم أن حالة القلق الجاثمة على صدر النص قد أوجعت جماليات تحاصر فوائح صراخ قلب الشاعر وذكرياته التي تعبت من سفر الكلمات على سطور المكان، كرقص لا يمل من موسيقاه، في تسامر القلب المريض مع تضاريس المكان، وتفوهات دمائه على هيئة قصيدة، أعلن اقتداره في نسجها رغم قلبه المريض
"أنا أسماء من ولدوا بقلبٍ مُعافى وآلاف الهدايا.
أنا من اخترع القصيدة بحُلّتها الجديدة
أنا القلبُ المريضُ من غناءٍ وحُزن."
وفي ختمة نص؛ أشرع سلطان مي عبور خوفه، راجيا ابتعاد اسمه وصفاته وأسئلته، واختار سؤال الظل الوحيد النافر نحو المسمى الناحر لكل ما سبق؛ وأنجب السؤال الحقيقة "من يشتريني ليسافر في انحناءات القصيدة؟".
والنص مطبوع بمعنى رومنطيقي هو الذي يوجهه: أعني معنى الغربة (القصائد والحكايا ولوعة الغرباء) وفي زمن الغربة يصبح الموجب سالبا. والقلب المليء بالحب والاغاني والألوان والذوق والحكايا والشعر بضاعة في سوق التفاهة. وما الاتحاد بين القلب (من يشتريه) وأنا الشاعر (من يشتريني) إلا دليل على أن النص نعي. أنه ينعى الشاعر الغريب بين أهله.
وأراقص ظل قلبه لأقول: كيف هو حال قلبك يا سلطان!

طلعت قديح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى