أسماء محمد مصطفى - اللوحة الأخيرة

تسللت شمس الصباح الى قاعة الرسم في المدرسة، تشاكس جدائلها الحريرية عيون الأطفال من ذوي الإعاقات الجسدية، الذين كانوا يجلسون على امتداد أشعتها العابرة عبر نافذة عريضة. كانت أصابعهم تداعب أوراقاً بيضا أمامهم على رحلاتهم الدراسية، حيث موعد حصة الألوان التي يحبون العبث بها.
طلبت منهم معلمتهم أن يرسموا مايفكرون به، بينما ثمة أصداء لانفجارات بعيدة أخذت تدوّي بين جدران القاعة المزينة برسوم تمثل وروداً وفراشاتٍ وحمائمَ وطائرات ٍ ورقية.
بدأ الصغار يرسمون على أوراقهم، ويضحكون ويتمازحون بتلوين وجوه بعضهم البعض، لكنها ضحكات كان يقاطعها زئير الانفجارات بين وقت وآخر، فيما تقوم المعلمة بطمأنتهم ودعوتهم لمواصلة الرسم التنافسي قبل انتهاء السنة الدراسية، لتعطي اللوحة الأجمل الدرجة الأعلى.
بدا التوجس واضحا في عيون الصغار حتى وجدوا الفراشات والحمائم والورود والطائرات الورقية تغادر الجدران، وتحلق حولهم بانسيابية على إيقاع موسيقى انطلقت مع رقصة التحليق. ضحك الصغار مطمئنين وعادوا يركزون على أوراقهم، بينما انسحبت الفراشات والحمائم والورود عائدة الى أماكنها تاركة موسيقاها تصدح في القاعة.
رسم طفلٌ أبكم فماً وردياً وسط وردة امتدت على فراغات لوحته. بينما رسم طفل أصم بيانو تتطاير منه بالونات ملأى بأشكال النوتات. كان ثمة طفل فاقداً لذراعه اليسرى يرسم باليمنى ذراعاً تمسك بالشمس، وتقطفها كثمرة من شجرة. على مقربة منه ، رسمت طفلة مُقعدة ساقين وقدمين وحذاءً وردياً مزيناً بالورود. وهكذا فعل الأطفال الآخرون، انهمكوا برسم أفكارهم وتلوين أحلامهم.
عصف في القاعة دوي انفجار عنيف ابتلع صوت الموسيقى. هلعت المعلمة والصغار. تطايرت الأوراق برسومها البكر بين أذرع العصف الوحشية، فيما الصغار مع أول لحظة فزع سببه العصف رسموا لأجسادهم أجنحة حلقوا بها، وتناثروا بين الورود والفراشات والحمائم على جدران القاعة، بينما العصف مستعر، يواصل عبثه باللوحات الورقية.
كانت اللوحات تتناثر في الفضاء بين الطائرات الورقية التي قاومت محاولة أصابع الدخان لف بعض خيوطها حول البعض الآخر.. قاومت كثيرا.. قبل أن تواصل صعودها نحو السماء.
بغداد 2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى