إجابات أسئلة حوار مع: القاص والروائي السعودي ناصر سالم الجاسم للملحق الثقافي لجريدة العلم المغربية.. حاورته: عزيزة رحموني

كيف تقدم نفسك للقارئ المغربي؟
القارئ هو القارئ أياً كان جنسه أو لغته أو البيئة التي ينتمي إليها أو الثقافة التي تشرّبها منذ طفولته، ففي النهاية هو ركنٌ أساس من العملية الإبداعية؛ إذ لا قيمة لنص مكتوب بدون قارئ يقرؤه، وبإمكاننا أن نستغني عن ركن الناقد المتخصص ولكن من الصعب بل المحال أن نلغي ركن القارئ العادي؛ فقد جرى العرف الأدبي بأن أركان العملية الإبداعية ثلاثة: الكاتب وهو منشئ النص ومرسله، والنص الإبداعي وهو الرسالة، والقارئ وهو متلقي النص أو المرسل إليه، أما الركن الرابع فهو ركن هامشي بإمكاننا حذفه كما قلت سابقاً أو الاستغناء عنه، وهو الناقد المختص بالفحص والدرس، أي الأستاذ الجامعي، أو من اتخذ النقد هواية أو حرفة يعتاش منها كالناقد الصحفي، وهي الأركان نفسها في نظرية الاتصال اللغوي أو في الإعلام.
ويبقى القارئ المغربي من وجهة نظري قارئاً حراً ذا أفقٍ مفتوح غير منغلق على أفكار محددة، هو متلقٍ فاعل ومشارك في النص السردي الذي أكتبه، لا يمارس السلبية إزاء نص لي يكون بين يديه، هو لا يتوجه إلى النص بحمولة ثقافية معلّبة أو جامدة أو مؤدلجة، ديدنُه النورانية، ولا يصدر أحكامه على نصي كتابع لفتوى صادرة من المشرق، لذلك فأنا أجلّه وأحترمه كثيراً وأحب تواصلي معه، وإن كنت أجده مغرماً بقراءة الكتب النقدية أكثر من الكتب الإبداعية.

كيف دخلت عالم الكتابة ولماذا؟
كانت الانطلاقة الأولى حين دخلت في تحدٍّ مفاجئ وغير مخطط له مع صديق لي يتعاطى كتابة المقال الأدبي، فأثار غيرتي وأطلق ماردَ القصّ الكامنَ في نفسي من مخبئه حين طرح على طاولتي قصة قصيرة أولى له لأنقدها وأبدي رأياً حولها، فقررت المحاكاة في هذا الفن ونجحت وكتبت قصتي القصيرة الأولى "العرس" في العام نفسه، وهجر صاحبي كتابة القصة القصيرة وظللت لمدة ثلاثين سنة في توحّد معها وفِي حالة عشق لها أشبه بالعشق المَرضي، وإن قلت إنني في حالة قصّ دائم سواء أمسكت القلم وكتبت أو لم أمسك به ولَم أكتب، فأنا في الحقيقة أكتب وأدوّن قصصي على الورق، وأحيانا أبقيها في نفسي وفِي مخيلتي من دون تدوين، أبقيها معلقة كفاكهة في شجرة تنتظر اكتمال نموها ومن ثَم قطفها، أبقيها في هيئة عنوان منتصب في رأسي كراية، أو كاسم شخصية من الشخصيات أتعهدها بالبناء حتى تنضج ومن ثم أطلقها على الورق لتلتقي مع قرائي، أو كجمل وصفية متناثرة تنتظر مني أن أكون حائكاً يضعها في نسيج محكم على الورق، أو يقوم بتطريزها حتى تخطف لبّ القارئ لها.
ولا شك أنك كقاص حين تقرأ نصاً أدبياً خالصاً عاليَ القيمة في مضامينه، أي أنه يسمح لنا بأن نصفه بأنه نص فاخر، فذلك مدعاة لاستثارة قلمك، لإدخالك في منطقة تحدٍ معه، وقد يكون صراعاً غير متفق عليه، على أن تأتي بنصٍ يغلبه أو يتسامق فوقه، وأن تحقق الفوز عليه لتحصد ما حصد هو من إعجاب من قبل القراء، وما كسبه من إرضاء للنفس، أو مما يسمى في التنمية البشرية "تحقيق الذات" لذلك قالت العرب: "احذر ثلاثة، ومنهم ابن مهنتك"، فالتنافس بين المبدعين أو كتاب الجنس الأدبي الواحد هو حرب باردة، هو جمر تحت الرماد، عدا أن النصوص الفاخرة بطبيعتها مغرية، وعندما يغار المبدع الطبيعي الخالي من الأمراض النفسية فإنه يحاول الإتيان بنص أكثر جمالاً من النص الذي حرّضه، ولا يلغي كل ما سبق أن قراءتك للآخر يعدّ فعلاً توليدياً للكتابة،فكما قال الجاحظ: "المعاني مطروحة في الطريق".

أي بعضك أقرب إليك منك: الروائي،القاص،الناقد، المدرس؟
أنا كائن تتنازعني أمور شتى، وتتجاذبني هوايات كثيرة، وأؤمن بأن التميّز في الشيء لا يتحقق إلا إذا كنتَ شغوفاً به واتبعت شغفك وحرصت على أن تقوّم نفسك بالدربة المستمرة، وتحسن من إنتاجيتك فيه بالقراءة عنه، وتعي وعياً تاماً كلَّ ما يمتّإليه بأي صلة، وقد اختارتْني القصة القصيرة واخترتُها، حتى صار نعت "القاص" يُخلع عليَّ وأُقدَّم به للصحافة والإعلام وفي محافل الأدب، القاص نعت لازمني، ولا يعني هذا أن نعت "الروائي" كان نائماً أو كسولاً أو غائباً عني، فأحياناً يجيء هو بدون نعت القاص، وأحيانا يأتيان معاً قبل اسمي.
أما نعت "الناقد" فأُلقّبُ به نادراً، ربما لكوني حصلت على ماجستير في الأدب والنقد، أو لأنني أنجزت دراساتٍ نقديةً محدودة في القصة وفي الرواية،عدا إظهاري حسي النقدي أو إبرازي ذائقتي النقدية في بعض الأحيان في الصالونات الأدبية، أو من على منابر الأدب، أو بشكل حِبّي في المراسلات التي تكون مع أصدقاء وصديقات الأدب، وهو بالتالي نعت لا أحرص عليه، وأعترف أنني أشعر بهيبته، وأنه نعت سلطوي فيه كثير الخيلاء وربما الغطرسة.
أما النعت الرابع "المدرس" فهو مسمى وظيفي وليس له الآن إشعاع يتجاوز مسماه، أي أنه فقد هذا الإشعاع في وقتنا الحاضر وتجرد من فخامته وتراجع مركزه في منظومة الألقاب الاجتماعية، فلم يعد ذلك النعت الجاذب أو المغري أو المهيب- طبعاً أنا أتحدث عن النعت في مجتمعي- وليت المسمى كان "المعلم" ولم يستبدل به "المدرس" لينعم حامله بالبريق الحاد الذي كان له، وبالمكانة الرفيعة التي وضعتْه في أيام خلت من علية القوم، ويبقى التدريس مهنة سامية أحببتها بجماع قلبي، وأفخر بانتمائي لسلك التعليم ولن أغادره ما حييت.

ما هي أحلامك ككاتب عربي؟
أحلم بأن يزداد عدد قرائي على مدار الثانية والدقيقة والساعة واليوم، وليس على مدار الشهر أو السنة، أحلم أن أكون كالكاتب الأوروبي أو الأمريكي، يمتلئ بريدُه كل يوم برسائل القراء والقارئات، وأن تنفدَ كتبي من الأسواق، وأن تطبع عشرات المرات، وأن تترجم قصصي ورواياتي إلى كل اللغات العالمية الحية، وأن أُقرأَ شرقاً وغرباً، وتتحول بعض من قصصي ورواياتي إلى أفلام تفوز بالأوسكار.

ماذا يعني لك الصيف؟ القصيدة؟
الصيف هو الفصل الوحيد الذي لا أتناغم معه أبداً من فصول السنة، ولستُ في وفاق معه، فهو يضيع مني كل شيء؛ هدأة نومي ومزاجي الحسن، وحبي للقراءة وللكتابة، وعشقي لرياضة المشي، وحميمية لقاءاتي بالأصدقاء؛ فالحرارة العالية والرطوبة الشديدة تُدخلان القلق والتوتر الي نفسي.
أما القصيدة فالجيدة هي ما تعنيني، أما القصيدة غير الإبداعية فلا أُدخلُها في منطقة الشعر، إن القصيدة العظيمة هي قطعة موسيقية، هي جمال يضاف إلى الجمال الكائن في الطبيعة، تضاف إلى أشجار الفواكه وإلى ينابيع الماء والأنهار وإلى المطر الناعم وأصناف الطير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى