د. سيد شعبان - سفر التكوين!

في بداية الخليقة كان ماء وسماء وأرض، ظلام ليل وضوء نهار، شمس وقمر؛ ثمة حياة، وبعد؛ فما بعث الله غرابا يبحث في الأرض؛ الليلة الأولى بعد الألف تعيد البشرية سيرتها ؛ قابيل يمرح لاهيا وينتشي حين يراقص سالومي يشرب نخب دم أخيه، يلهو سعيدا، تأتي الغربان لتعلمه كيف يمزق جسده، يقطع عضوه، في وهج الخمرة كل الأفعال مباحة، يعظه الشيطان بتمتمات كاهن يسحر؛ يرمي بحجارة من سجيل، يرويه من صدأ قيح عربيدة تاجرت بكل الأثداء، اختزنت مني الأوغاد، لا تكف ولا تهتدي.
تنوح الأم الثكلى؛ نشر الأخ أخاه؛ في بلاد الله توزعت أشلاؤه؛ يقهقه إبليس؛ ما تزال لعنة الدم تتلوى أفعى في نسلها، تندب وليدها، تبا ﻷهواء الملك التي غاصت قوائمه في بحر من طيش، تلتفت كل ناحية؛ تجري وقد ملأ الشيطان الأرض سخرية، بنيان الله في الأرض تداعى.
آدم أدركني: صرنا وحيدين، تنتحب الطير، تذرف القطط دموع الحسرة، تملأ الساعة الأرض بمشاهد حز وجز، ترتجف السماء، يتجاوب الصدى!
يهرع إلى ربه؛ في عجز وقهر، يطلب عونه، تضيق به الأرض بما رحبت، شيخ طاعن، والموت وحشة ونعيب غربان في أرض تكره الدم؛ لا تشربه!
أي قلب هذا؟ يقهقه ملء شدقيه، وللهمجية الأولى نغب دم ما يكف، حميا عربدة يزيد في دم الحسين، كربلاء جديدة، يا لجرم الفعلة لضياع الرحمة.
سمعنا مثل هذا في كتب الأولين؛ كانت آيات في التوراة وفي الإنجيل؛ وفي القرآن: " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"
لكن الهوى يغلب والنسيان عمى وضلالة.
أدركيني أم ذبيح وادي القرى، تضج كربلاء كل آونة؛ إنها تنور يفتح فاهه ما يشبع.
تدوي الفعلة النكراء، تبلغ شرفات القصر الأبيض؛ تأتي الرسل من كل مكان، تستملي جسد هابيل؛ تقلبه ذات اليمين تواريه جهة اليسار؛ عظامه اختفت، ابتلعه حوت يونس؛ عما قريب يظهر أثره؛ يسائلون اسمه!
لم تركته يفعل هذا؟
لقد كشفت عوار الدم إذ كففت يدك؛ أنت ملوم؛ دبرت له مكيدة؛ أما كان أولى أن تذهب إلى ربك في صمت؟
ما شبعت باطن الأرض بعد، الموت قدر والسياف مأمور، ألف لعنة في أولاد آدم؛ أتذر فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟
تعالى الرب في عليائه، هدى الناس فريق في الجنة وآخر في السعير.
يرغي ويزبد؛ فقد احتوت خزائنه الذهب وهو من حجر، وامتلك الجوقة يوزع عليها زيفه؛ مجنون من مس مولانا حامي البيت من جيش أبرهة؛ في بلاد الله أولياء وعمائم كاذبة ولحى مستعارة، وجلابيب شربت من نفط الخيانة.تتردد في جنبات الوادي من البقعة المباركة: للبيت رب يحميه!
تجرى حواء وقد حملت أشلاء ولدها؛ في بلاد قلوبها من صخر، تبحث عن مكان تحت ظل شحرة، تحفر بيديها وقد أرهقها السعي؛ فالبلد حرام فيه الرفث والفسوق والقتل!
قال ساخرا:
أولادك يا آدم في كل ناحية قتلى؛ منفيون في أرض الله، مخفيون قهرا، تأكل السباع أجسادهم، لعنة أبدية كتبت عليهم؛ بما كسبت أيديهم، وحدي الناجي، لم أسجد لك؛ عصيت وطردت من ملكوت الرحمة؛ أنا من دبر وأخفى في كل شبر منها جناية.
في المال نجاة لك أيها القاتل، أنت مطهر من الإفك؛ سليل بيت؛ وهل إلا سرق فيهم الشريف وقروه ومن ثم نصبوه تيجان ملك يتبختر فيه؛ لن يعيد قصاص هابيل؛ فتوى القاضي حلاوة في دكانته المنصوبة عند باب دار الندوة، سكتت الأفواه؛ فالأرصدة المتورمة مثل خصية ثور بري في بلاد بني الأصفر تشفع لربها بأن يفعل ما يشاء؛ له الحمد في الأعالي وإن كان طريق المسيح آلاما تدمي؛ نطلق ألف واش ونمام؛ لقد كان قدر الإنسان الموت سواء بالسم أو السحل أو حتى بالهذيان؛ وهل شبع جوف من هواء؟
أتحسس رقبتي، وحيدا أتيت، لا مال لي ولا حظوة؛ فالصمت دواء ؛ كف وإلا ؛ تخفيك حديقة في بيت الشيطان، ما بها شجرة الخلد؛ كل الملك يبلى عندما يسيل سم الأفعى؛ لن تفلح غير عصا موسى؛ تلقف ما صنعوا من زيف وكيد شيطان؛ يوما ستشرق شمس؛ تنبت عظمة جسد توارى؛ ربك لما يشاء قدير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى