أنا الذي رميتُ الحجر في المياه الراكدة، كنتِ مغمضة العينين عندما وقع الحجر وتفرقت بعض المياه، لم تمر على أنفك رائحة المياه الكريهة التي هربتْ من القاع، تنفس الماء الصعداء فظننتكِ لم تفتحي عينيك، أدركتُ حين أدركتُ أنكِ مهملة ولا يعنيك الحب، وأن الماء الصافي بعد الكدر سيبتلع زفراتي، هناك حول الماء نوارس تصفق بجناحيها فرحة، عرفتُ أن النوارس قد رأتْني من بعيد وأنا أفرِّقُ المياه الراكدة، لم أرفع رأسي إلى أعلى كي أراها، كان همِّي أن أراكِ مستمتعةً بلونِ الصفاء، فرحتُ أن الطيور جاءت لتنشر حول قلبي نبضاتِ السعد بعد حالةِ الانكسار من جفائك، أقبلتِ الطيور البيضاء واحدًا واحدًا كي ترطِّبَ مناقيرها قبل أن تشرب وتغني للماء ثم تملأ جوفها، هربتْ من حولي النوارس وتركتْني أضرب بكفي على الأرض من حظي العاثر؛ فلا النوارس زفَّتْني في فرحٍ حول الماء، ولا أنتِ غردتِ مع المساء كي يحلو المساء، أغمضتُ عيني مثلكِ وعزمتُ على المغيبِ لحظةَ المغيب، فجأة فتحتِ عينيكِ، قالت لي وقد أنارت المكان بعينيها الجميلتين، أردتُ أن يحلَّ المساء كي أراكِ بعيدًا عن أعين النوارس وعن أعين النهار، اسودَّ المكان وابيضَّ في آن معًا، قلتُ لها، لاتفعلي ذلك ثانية، ربما تفقد النوارسُ توازنها وتُجاورني حول المياه الراكدة، قالت لي لو فعلتْ ذلك سأتولي بنفسي قذفَ الماءِ بالأحجارِ حتى يصبح الصباح.