سيثيركِ العنوان ويغريكِ للقراءة، حينها أكون قد نجحت!
هذا السطر وجدته مكتوبًا بخطِ يده الجميل على أول ورقة وكتب تحت السطر اسمه.
أثارني العنوان، فلم أكن أعرف قبل هذه اللحظة أنَّ لزوجي الراحل رواية بهذا الاسم ربما لأنني لا أدخل مكتبه إلا نادرًا ولا أحاول ترتيبه بناءً على طلبه فقد كنت أعد ذلك مضيعة للوقت.
ما حاجتي للدخولِ وهو غارق ليل نهار بين أشعاره وكتبه، لا يرفع رأسه إلا حين يحتسي بصمت القهوة دون إبداء رأيه فيها، يبتسم لي ثم يعود ليحتضن القلم بدل السيجار الفاخر الذي يفضله.
يبدأ في رحلة الكتابة ثانية دون أن يتذكر أن في الغرفة امرأة.
أحياناً كانت نظراته تخبرني بقلقه من وجودي وأشعر بأنه بدأ يفقد تركيزه، فأخرج لأن إحساسًا بأني ذبابة مزعجة قد تمكن مني.
مرة قال لي:
- ما رأيكِ لو تعطيني رأيكِ بما أكتب أو تناقشيني في كتاب نقرأه سوية؟
منذُ تلك اللحظة وحتى مماته لم يكرر هذا الطلب لأنني أخبرته أن القراءة لا تستهويني وعالم الكتبِ بعيد عني، وبدلاً عن ذلك، طبعت قبلةً على شفتيه ودسست يدي في يده وأنا أهمس في أذنه:
- الليلة، أنا كتابك!
ابتسم وهو يخبرني بعد مغادرته لمقعده:
- وأنا قارئ نهم!
ازداد صمته مع عدد الأعوام التي عشناها سوية حتى أنني أطلقت عليه لقب الرجل الصامت.
كنت أضحك كثيرًا حين تخبرني شاشةُ الهاتف: الصامت يتصل بك. فاردد مع نفسي: ها قد نطق!
بهدوء وسلام، انقضت الأيام بيننا فقد تعودت على انشغاله عني، ألفتُ صمته بل وأحببته!
بعد مرور أيام على وفاته، اجتاحني حنين كبير لدخول مكتبه. قوة لم أستطع مجابهتها جعلتني استسلم للبكاء، عطره الذي مازال يملأ هواء الغرفة استرجع الزمن، صمته تردد الجدران صداه.
لأول مرة أجلس على كرسيه، ما زال دافئًا. لوحة الغروب في الأفق التي يفضلها، شدتني وكأني أراها لأول مرة، أتذكر كلماته حينما علقها:
- هذه اللوحة تشّبهكِ!
- بماذا تشبهني الشمس؟!
- واضحة وبعيدة، لكني اعشقها!
سكتُ، وهذا حالي عندما تعييني الحيلة في فهم كلامهِ!
بقايا القهوة في الفنجان الأبيض الذي كان يفضله، تيبست وتشققت، لقد حرصت على ترك كل شيء على حاله، ربما لأنني أريد أن أشعر بأنه ما زال معي.
أنواع كثيرة من الأقلام كان يهوى اقتناءها، رتبها بشكل أنيق .. منفضة سجائره البراقة .. أوراقه .. الجائزة التي حصل عليها .. صورتي معه .. الأشياء التي على المكتب كانت تنتظره وكأنها لا تعترف بالموت والنهايات!
أغراني عنوان الرواية "ظلها ما زال في الشرفة" فتحت حزمةَ الأوراق التي لم تطبع بعد، وبخط يده الرائع كتب:
الإهداء ...
إلى زوجتي التي أحبها بصمت .. كتبت روايتي.
هذا السطر وجدته مكتوبًا بخطِ يده الجميل على أول ورقة وكتب تحت السطر اسمه.
أثارني العنوان، فلم أكن أعرف قبل هذه اللحظة أنَّ لزوجي الراحل رواية بهذا الاسم ربما لأنني لا أدخل مكتبه إلا نادرًا ولا أحاول ترتيبه بناءً على طلبه فقد كنت أعد ذلك مضيعة للوقت.
ما حاجتي للدخولِ وهو غارق ليل نهار بين أشعاره وكتبه، لا يرفع رأسه إلا حين يحتسي بصمت القهوة دون إبداء رأيه فيها، يبتسم لي ثم يعود ليحتضن القلم بدل السيجار الفاخر الذي يفضله.
يبدأ في رحلة الكتابة ثانية دون أن يتذكر أن في الغرفة امرأة.
أحياناً كانت نظراته تخبرني بقلقه من وجودي وأشعر بأنه بدأ يفقد تركيزه، فأخرج لأن إحساسًا بأني ذبابة مزعجة قد تمكن مني.
مرة قال لي:
- ما رأيكِ لو تعطيني رأيكِ بما أكتب أو تناقشيني في كتاب نقرأه سوية؟
منذُ تلك اللحظة وحتى مماته لم يكرر هذا الطلب لأنني أخبرته أن القراءة لا تستهويني وعالم الكتبِ بعيد عني، وبدلاً عن ذلك، طبعت قبلةً على شفتيه ودسست يدي في يده وأنا أهمس في أذنه:
- الليلة، أنا كتابك!
ابتسم وهو يخبرني بعد مغادرته لمقعده:
- وأنا قارئ نهم!
ازداد صمته مع عدد الأعوام التي عشناها سوية حتى أنني أطلقت عليه لقب الرجل الصامت.
كنت أضحك كثيرًا حين تخبرني شاشةُ الهاتف: الصامت يتصل بك. فاردد مع نفسي: ها قد نطق!
بهدوء وسلام، انقضت الأيام بيننا فقد تعودت على انشغاله عني، ألفتُ صمته بل وأحببته!
بعد مرور أيام على وفاته، اجتاحني حنين كبير لدخول مكتبه. قوة لم أستطع مجابهتها جعلتني استسلم للبكاء، عطره الذي مازال يملأ هواء الغرفة استرجع الزمن، صمته تردد الجدران صداه.
لأول مرة أجلس على كرسيه، ما زال دافئًا. لوحة الغروب في الأفق التي يفضلها، شدتني وكأني أراها لأول مرة، أتذكر كلماته حينما علقها:
- هذه اللوحة تشّبهكِ!
- بماذا تشبهني الشمس؟!
- واضحة وبعيدة، لكني اعشقها!
سكتُ، وهذا حالي عندما تعييني الحيلة في فهم كلامهِ!
بقايا القهوة في الفنجان الأبيض الذي كان يفضله، تيبست وتشققت، لقد حرصت على ترك كل شيء على حاله، ربما لأنني أريد أن أشعر بأنه ما زال معي.
أنواع كثيرة من الأقلام كان يهوى اقتناءها، رتبها بشكل أنيق .. منفضة سجائره البراقة .. أوراقه .. الجائزة التي حصل عليها .. صورتي معه .. الأشياء التي على المكتب كانت تنتظره وكأنها لا تعترف بالموت والنهايات!
أغراني عنوان الرواية "ظلها ما زال في الشرفة" فتحت حزمةَ الأوراق التي لم تطبع بعد، وبخط يده الرائع كتب:
الإهداء ...
إلى زوجتي التي أحبها بصمت .. كتبت روايتي.