إبراهيم العميم - تبًّا لأتراحها

بعد الستين يكبر أنفُك وتتمدّد أذناك

ويطول وجهُك ويقصر عمرُك

تترهّل فيكون كلُّ شيءٍ فيك مسترخيًا يتدلَّى

وما في تدلّي الرجال جمال

في المرآة تحسب أنك ترتدي قناعًا فتحاول خلع وجهك

فيزداد قبحُك بشاعة

في كل سنة تفتح ابتسامتك نافذة

يهجرك الصفير.. يطلُّ لسانك من دون حياء بين شفتيك

لا ثاء تحتجزه.. وضادك استرقت لا يجدي معها إشباع

بعد السبعين.. وهل بعد السبعين عمرٌ نحكي عنه؟

كان هنا مشى من هناك

ظلّه خطاه عَبَرَ كما الريح

لا تقل ثمانين فأي صبر أنت حامله

في كل ليلة شبح الموت زائرك

على أنفك يرقص رقصة الوداع

افعلها تبًّا لك

سئمت حياة قوارعها صروف

ما أنت فيها إلا

سفير مستشفيات

طريح عناية

صريع ممرّضات

في كل وخزة إبرة زفير معاناة

وشهيق سكراتها

تتمنّى القبر وإن ضاق بك

تراه فسحة جنة من عذاب المشفى

دار الشقاء

كاد يصطدم بي طيف على ظهر مسرج

انحنيتُ معتذرًا فطاب له جور الانحناء

تراه لم يرَ طيف ركعتي الأخيرة

كل اصطدام له عواقب

ما في الصدام غير الخسائر

سليل الموت لا ينبس له جفن

يعانق صدر الحياة ولو بظهره سهم

نصارع ضيم الكبر بافتعال هرولة

زلّتها كسر عظام

نتسلّى وما من تسال

هو انتظار يعقبه انتظار

أدقّ الباب أم جاوزني

لجار عانقه البخت

لربما نسي معطفه الأبيض

أو رحمة اليوم زادت يومًا في آجالي

عذاب المرء فقد أحبّته يواريهم جوف القلب ولا يلذّ له منام

يعزّيه كل شهر جمع قوم

في كل عزاء شريان يخرم من فصاد

كأنما يُحرق مع كل فوج

تصافحه الأيادي والصدر فيه اضطرام

جمرة الموت حديدها يُذَاب

لو كنت من السابقين الأوّلين إلى الثرى

لما تمزّقت أشلاؤك أوصالًا

أرحت نفسك وأشقيت أنفسًا

تَظُنّ أن من حقِّك الخلود

إذا مات قريبٌ تحسب أن عظامك

تفتّت

وإذا فقدت صديقًا تدرك أن خريفك اقترب

لك الله يا تيك الذكريات في أوجّها

تشعُّ ابتسامًا وتملأ الفراغ فرحًا

عادت ذكريات تلهب بؤبؤ القلب حرقة

إذا صددت عنها نزيف العين منه انسكاب

طابور منايا لا ترتيب له

ولا قرعت فنقترع

خبط عشواء شعث نوائبها

سريرها ثرى

ودارها ظلماء ..

أحبّة كانوا حولنا هم الأهل والجار

والأخلاء

طابت لنا معكم أماس وصباحات

كان الربيع صحوًا والصيف على حرِّه سمر

والشتاء على برده عليل ودافئ

ليت نواميسنا بقيت على ما نشتهي

والموت لا يد له ولا أقدار

نصحو كما النجم لا خاتمة لنا

في فلك نجري بلا مستقرّ

فيه لا نشيخ ،زمن خلّي من الشطط

ليت البحر لم يكن له مرفأ وشطآن

نسير في لجّته يرمينا الموج حيث ما يشاء

معًا في أي برزخ لا يفرِّقنا انشقاق أو إعصار

حريق الراحلين من حولنا جنون الفَقْد

عقل ذكرياته تأبى النسيان

تجادلنا على صخرة الوجد إخوة

خرجنا بعد العزاء أرباب أحزان

أعِيدوا الماضي على لوحة

لأرسم صورة الماضي حبًّا أبديًّا

أضيفوني

على قائمة اللاحقين فالصبر عذابه أشد إيلامًا

رَحَلت وما بقي لنا بعدها وجود

وهل يورق الورد بلا ماء

أنخنا ركاب الصبر يا أم محمد

حتى عسرنا روح دنيانا

وأي جنح كابدناه لنشقى

هجير الصحراء لا يشفع

لظمآنٍ

تكبّدنا سنين القحط مجاعة

وشربنا من كؤوس الدهر

حناظل الردى والحقران

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى