محمد مزيد - فاتنة الرماد

نصحني المترجم، أن تكون نظراتي الى أعضاء اللجنة الطبية، نظرات بلهاء، وعندما يسألونني عن السبب الذي من أجله غادرت بلادي، أن تكون أجاباتي عن إسئلتهم لا علاقة لها بالاسئلة .
عرفت ما يريد المترجم، فبادرته بالقول مازحا " أعرف هذه اللعبة وأجيدها" سألني: كيف؟ فقلت له : أنت مثلا تقف الان في وسط المطر، لكنك لا تشعر بالبلل، لديك فاتنة، كما هو شكل موظفة الاستعلامات الواقفة الان، وهي تؤشر على المراجعين يمينا وشمالا، هذه الموظفة يعجبها شكلك، كانت قد نهضت صباحا وهي تحتضن الوسادة ولا أثر لرجل بين ذراعيها ، في تلك اللحظة تتمنى أنت أن تجد غرفة فارغة في هذا المستشفى الكبير، تريد هي ان تتبلل بالامطار، وانت بالوقت نفسه لاتريد ان تتبلل " فرح المترجم وهمس باذني " ماذا تقول انت كلامك لا رابط له، ثم ضحك وقال " هذا هو المطلوب، يجب الا تكون مجنونا أمام اللجنة بل مكتئبا، وستفهم إنك مصاب إصابة بالغة بالكآبة قعلا وستحصل على درجة 50% ، وهي الدرجة التي ستؤهلك للقبول في ترشيح المهاجرين الى كندا او استراليا او اميركا .
في تلك الاثناء، راقبته كيف يرسل نظرات عابرة الى موظفة الاستعلامات الفاتنة التي تضع صبغة الاحمر الداكنة على شفتيها بشكل صارخ، ترتدي تنورة تضيق على ردفيها لتبرز مفاتنها بالغة الجمال.
اخذت الاستمارة الخاصة باللجنة الطبية ، قام هو بتسجيل المعلومات التي تخص حياتي ، ميلادي وزواجي ووظيفتي السابقة ونوع التهديد الذي تعرضت له من قبل الجماعات المسلحة، ثم وقعت، اخذ الورقة واعطاها الى الفاتنة موظفة الاستعلامات، ابتسمت له ابتسامة واضحة المعنى لاتخفى علي وأشارت الى المكان الذي تتواجد فيه اللجنة.
انتظرنا بحدود ساعة عند باب اللجنة، ولما جاء وقت دخولي عليها، مرت الفاتنة بالقرب منا ، اعطته ورقة صغيرة، قرأها وطواها ، ثم دخلنا .
طُلب مني الجلوس على كرسي متحرك، يجلس امامي ثلاثة أطباء، إثنان منهما اصغر مني سنا، وثالت في الخمسين قريبا من عمري.
سألوني أسئلة تقليدية عن الاسم والعمر والوظيفة السابقة وكم لدي من الأولاد ، ثم تنحنح الطبيب كبيرهم وسألني " بماذا تشعر الان ؟ " فقلت وانا امثل البلاهة " اشعر كأنني في امتحان يوم القيامة، وهناك ميزان توضع فيه ذنوبي وحسناتي على جهتيه" عندما قلت ذلك ، نظرت الى المترجم الذي ابتسم لي بطرف خفي كما لو انني حفظت الدور بطلاقة ، نزع كبير الأطباء نظراته وبادرني بالسؤال " ما هي أسباب كآبتك ؟ " تجاوزت سؤاله فقلت " وعندما يكون الميزان مثقلا بالحسنات سأدخل الجنة، ولما تكون كفة الذنوب ثقيلة يجرجروني الى المرحاض حتى آكل .. " ثم توقفت. استغرق الثلاثة بالضحك الهستيري، كاد أحدهم يقع ارضا، ثم وقعوا فورا على استمارتي ومنحت 50% درجة الكآبة. خرجنا من غرفة اللجنة، ثم طلب مني المترجم الجلوس في مكان، وذهب هو الى نهاية الممر ، لاحظته قد أستل الورقة التي طواها، وأخذ يعاين الى ارقام الغرف، تتبعته من دون ان يدري ، وفي احد الممرات وجد الغرفة التي بحث عنها، ولما طابق الاسم على الباب بالورقة التي بين أصابعه دخل الغرفة ، بقيت انتظر، وتصورت ان الفاتنة ذات الردفين ستكون بانتظاره، بقيت انا اطوف رواحا ومجيئا بحدود نصف ساعة حول الغرفة، فشعرت بالملل، ثم صعدت الهسهسة والفضول في نفسي، اقتربت من الباب، ولاحظت رسما صغيرا يدل على إنها غرفة الموتى، فتحت الباب ببطء، فوجدت المترجم مع الفاتنة في وضع اندماج كامل، بقرب جثة، كانت قد ازيحت من مكانها على السرير قليلا، أغلقت الباب، وانتظرت، لما خرج من الغرفة، ظهر وجهه باشا سعيدا فوجئ بوجودي جالسا عند الباب، قلت له ماذا فعلت هنا ؟ فقال هذه غرفة الموتى، نفخت الرماد في جسد ميت وتوهج، صار مشتعلا ، فضحكت ، " يظهر أنك أنت أبو الكآبة وليس انا " ، ثم خرجت الفتاة سعيدة، تصفف شعرها الذهبي باصابعها البيض، ووجدت ثمة إشتعالات في عينيها لا يلاحظها أحد سواي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى