عندما رأيت تلك الأزرار الذهبية في جاكيت جارنا التي جاء متدثرا بها على اثر مطر غزير لمعت في ذهني فكرة الاستحواذ على هذا الكنز الثمين ، كنت أرى أن كل ما يلمع ذهبا ، لذا فقد تسللت إلى تلك الأزرار الذهبية ونزعتها كاملة وأخفيتها في مكان آمن ، وبدأت بعدها أفكر في كيفية استثمار هذه الثروة الكبيرة التي هبطت علي فجأة .!
لم أفكر حينها أنني قد سطوت على ذهب جارنا ، قلت في نفسي حينها :
ـ لديهم الكثير من الذهب في ملابسهم لكنهم لا يعرفون كيف يستثمرونه .!
انتصف الليل ونام الجميع وهدأ كل شيء سوى صرير الجدجد ونباح كلاب من بعيد ، أتقلب في فراشي وأفكر جديا ماذا سأصنع بهذه الثروة الكبيرة ؟!
كنت كطفل في العاشرة من عمره وكسب في مسابقة يانصيب مليون دولار دفعة كاملة ، وأستلم المبلغ سرا وأخفاه ولا يدري ماذا يصنع به ؟!
هل أشتري مجموعة من الحراثات التي تعمل في الحقول وأوظف عليها مجموعة من العمال الماهرين ثم سأجلس وأستلم الأموال ؟
المشكلة أن أهالي المنطقة كلهم أقاربنا وبالتأكيد كلهم سيسعون لأن نحرث أرضهم مجانا ، أو حتى بنصف القيمة وعليه فلن أحقق الأرباح المطلوبة ، وحتى إذا كسبت بعض الأموال سيأتون لطلب القروض مني ، بالتأكيد سأحرج نفسي مع أهلي وأقاربي ، وأنا في النهاية طفل صغير كلهم سيتحولون إلى أوصياء علي .
بعد نصف ساعة من التفكير ألغيت هذه الفكرة ، وقررت التفكير بمشروع آخر .!
سأبني مزرعة دجاج كبيرة بطول 5 كيلو تنتج كل يوم ألف فرخة على الأقل ، وسأشتري عشر سيارات للتوزيع على كل القرى والمناطق.
وسأبني بجوارها مزرعة للخراف ، سنبيع كل يوم منها مائة خروف ، لكن هذه المشاريع تحتاج إلى جيش من العمال ورواتب وسكن وإدارة ، هذا طبيعي كل مشروع كبير يحتاج لطاقم عمل كبير .
وبقيت أفكر في مشاريع شتى حتى بدأت الديوك تصيح مؤذنة بقرب الفجر وحينها تسلل النوم إلى أجفان رجل الأعمال الصغير ونام .!
في الصباح أفقت على سيل هطل علي فجأة ، قمت مذعورا لأجد أمي قد صبت فوقي دلوا من الماء بعد أن ظلت لساعة كاملة تحاول إيقاظي دون جدوى .
بدلت ثيابي وكلي ضجر من الإهانة التي تعرضت لها كرجل أعمال لا يقدره أهله ، لكنني صبرت وتحملت فغدا ستظهر مشاريعي وتثمر وسيعرفون قدري .
في المدرسة كنت شارد الذهب أفكر بالمشاريع والثروة والحسابات والإدارة والربح والخسارة ، سألني المدرس :
ـ محمد ما هي عاصمة سوريا ؟
أجبته وأنا شارد الذهن :
ـ مزرعة دجاج ومزرعة خراف
ضج الفصل بالضحك ، انتبهت على ضحكاتهم وعدت إلى الواقع .
قال المدرس :
ـ ركز يا محمد معنا في الدرس .
بعد قليل عدت بذهني إلى إدارة مجموعة شركاتي وإذا بمدرس الجغرافيا يباغتني بالسؤال التالي :
ـ محمد أذكر اسم ميناء سوريا ؟
أجبته وأنا في قمة نشاطي التجاري :
ـ عشر حراثات جديدة .
ضج الفصل بالضحك .
صاح المدرس :
ـ أنت لست معنا يا محمد .
ـ هاه ، ما هو السؤال يا أستاذ ؟
ـ تعال يا محمد
قمت وذهبت إليه وسط نظرات وضحكات الطلاب والطالبات الذين لا يعرفون قدر رجل أعمال سيفخرون يوما أنهم كان زملاء له .
بقيت واقفا رافعا يداي للأعلى ووجهي للحائط ، لم تمض سوى لحظات حتى عدت إلى مشاغلي التجارية وأنزلت يداي ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ذهبت إلى الكرسي المخصص للمدرس وبدأت أدير شركاتي ، ، كان المدرس منهمك في الشرح عندما طلبت منه أن يقدم لي كشف حساب بإيرادات هذا الشهر ، تخيلته موظفا لدي ووجهت إليه أوامري .!
ضج الفصل بالضحك ، طردني المدرس وألقى بحقيبتي بعدي وأغلق الفصل فحمدت الله أنني قد تفرغت لحساباتي التجارية .!
بقيت لأيام غارقا في مشاريعي الافتراضية ذاهلا عن العالم حولي ، تركت الدراسة وبقيت أدير مشاريعي من المنزل .!
تناديني أمي فلا أجيبها ، بين يدي الأوراق والأقلام والحسابات والمخططات ، لقد اعتقدت أمي أنني قد أصبت بالجنون فجعلت تحوقل وتبسمل وترقيني من العين والأرواح الشريرة ومن شر حاسد إذا حسد .
تركتها تمارس طقوسها وتتلو تعاويذها علي وغرقت إلى أذني في مشاريعي التجارية .
ذات صباح وبينما كنت غارقا في حساباتي انتبهت لأمي تشكو من نفاذ المواد الغذائية وانعدام السيولة المالية ، قلت في نفسي :
ـ كيف تكون والدة رجل أعمال وتشكو ؟!
قررت أن أعطي أمي جزء بسيط من الذهب تسد فيه حاجتها المالية ، ذهبت إلى المكان الذي أخفيت فيه الأزرار الذهبية وجئت بزرار منها وذهبت إليها وهمست إليها :
ـ خلاص أمسحي الفقر بهذا الذهب
وضعته في يدها فنظرت إليه باستغراب ورمت به إلى الأرض قائلة :
ـ ماذا أفعل بهذا الزرار ؟
ـ هذا بيعيه وأشتري حاجاتك
ـ ومن قال لك أنه ذهب ؟!
جف ريقي وتكركبت أحشائي من الخوف لكنني تماسكت قائلا :
ـ كيف ليست ذهب وهي صفراء مثل الذهب الذي معك تماما ؟!
ضحكت أمي وأكدت لي أن هذا صفر ولا يساوي شيئا ، وفجأة انهارت كل شركاتي التجارية ومشاريعي وطموحاتي ، بكيت بحرقة وسقطت مريضا ، كنت كمن خسر كل أمواله في صفقة بالبورصة ، ومن حسن حظي أنني لم أصب حينها لا بجلطة ولا نوبة قلبية ولا سكتة دماغية .!
***********
لم أفكر حينها أنني قد سطوت على ذهب جارنا ، قلت في نفسي حينها :
ـ لديهم الكثير من الذهب في ملابسهم لكنهم لا يعرفون كيف يستثمرونه .!
انتصف الليل ونام الجميع وهدأ كل شيء سوى صرير الجدجد ونباح كلاب من بعيد ، أتقلب في فراشي وأفكر جديا ماذا سأصنع بهذه الثروة الكبيرة ؟!
كنت كطفل في العاشرة من عمره وكسب في مسابقة يانصيب مليون دولار دفعة كاملة ، وأستلم المبلغ سرا وأخفاه ولا يدري ماذا يصنع به ؟!
هل أشتري مجموعة من الحراثات التي تعمل في الحقول وأوظف عليها مجموعة من العمال الماهرين ثم سأجلس وأستلم الأموال ؟
المشكلة أن أهالي المنطقة كلهم أقاربنا وبالتأكيد كلهم سيسعون لأن نحرث أرضهم مجانا ، أو حتى بنصف القيمة وعليه فلن أحقق الأرباح المطلوبة ، وحتى إذا كسبت بعض الأموال سيأتون لطلب القروض مني ، بالتأكيد سأحرج نفسي مع أهلي وأقاربي ، وأنا في النهاية طفل صغير كلهم سيتحولون إلى أوصياء علي .
بعد نصف ساعة من التفكير ألغيت هذه الفكرة ، وقررت التفكير بمشروع آخر .!
سأبني مزرعة دجاج كبيرة بطول 5 كيلو تنتج كل يوم ألف فرخة على الأقل ، وسأشتري عشر سيارات للتوزيع على كل القرى والمناطق.
وسأبني بجوارها مزرعة للخراف ، سنبيع كل يوم منها مائة خروف ، لكن هذه المشاريع تحتاج إلى جيش من العمال ورواتب وسكن وإدارة ، هذا طبيعي كل مشروع كبير يحتاج لطاقم عمل كبير .
وبقيت أفكر في مشاريع شتى حتى بدأت الديوك تصيح مؤذنة بقرب الفجر وحينها تسلل النوم إلى أجفان رجل الأعمال الصغير ونام .!
في الصباح أفقت على سيل هطل علي فجأة ، قمت مذعورا لأجد أمي قد صبت فوقي دلوا من الماء بعد أن ظلت لساعة كاملة تحاول إيقاظي دون جدوى .
بدلت ثيابي وكلي ضجر من الإهانة التي تعرضت لها كرجل أعمال لا يقدره أهله ، لكنني صبرت وتحملت فغدا ستظهر مشاريعي وتثمر وسيعرفون قدري .
في المدرسة كنت شارد الذهب أفكر بالمشاريع والثروة والحسابات والإدارة والربح والخسارة ، سألني المدرس :
ـ محمد ما هي عاصمة سوريا ؟
أجبته وأنا شارد الذهن :
ـ مزرعة دجاج ومزرعة خراف
ضج الفصل بالضحك ، انتبهت على ضحكاتهم وعدت إلى الواقع .
قال المدرس :
ـ ركز يا محمد معنا في الدرس .
بعد قليل عدت بذهني إلى إدارة مجموعة شركاتي وإذا بمدرس الجغرافيا يباغتني بالسؤال التالي :
ـ محمد أذكر اسم ميناء سوريا ؟
أجبته وأنا في قمة نشاطي التجاري :
ـ عشر حراثات جديدة .
ضج الفصل بالضحك .
صاح المدرس :
ـ أنت لست معنا يا محمد .
ـ هاه ، ما هو السؤال يا أستاذ ؟
ـ تعال يا محمد
قمت وذهبت إليه وسط نظرات وضحكات الطلاب والطالبات الذين لا يعرفون قدر رجل أعمال سيفخرون يوما أنهم كان زملاء له .
بقيت واقفا رافعا يداي للأعلى ووجهي للحائط ، لم تمض سوى لحظات حتى عدت إلى مشاغلي التجارية وأنزلت يداي ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ذهبت إلى الكرسي المخصص للمدرس وبدأت أدير شركاتي ، ، كان المدرس منهمك في الشرح عندما طلبت منه أن يقدم لي كشف حساب بإيرادات هذا الشهر ، تخيلته موظفا لدي ووجهت إليه أوامري .!
ضج الفصل بالضحك ، طردني المدرس وألقى بحقيبتي بعدي وأغلق الفصل فحمدت الله أنني قد تفرغت لحساباتي التجارية .!
بقيت لأيام غارقا في مشاريعي الافتراضية ذاهلا عن العالم حولي ، تركت الدراسة وبقيت أدير مشاريعي من المنزل .!
تناديني أمي فلا أجيبها ، بين يدي الأوراق والأقلام والحسابات والمخططات ، لقد اعتقدت أمي أنني قد أصبت بالجنون فجعلت تحوقل وتبسمل وترقيني من العين والأرواح الشريرة ومن شر حاسد إذا حسد .
تركتها تمارس طقوسها وتتلو تعاويذها علي وغرقت إلى أذني في مشاريعي التجارية .
ذات صباح وبينما كنت غارقا في حساباتي انتبهت لأمي تشكو من نفاذ المواد الغذائية وانعدام السيولة المالية ، قلت في نفسي :
ـ كيف تكون والدة رجل أعمال وتشكو ؟!
قررت أن أعطي أمي جزء بسيط من الذهب تسد فيه حاجتها المالية ، ذهبت إلى المكان الذي أخفيت فيه الأزرار الذهبية وجئت بزرار منها وذهبت إليها وهمست إليها :
ـ خلاص أمسحي الفقر بهذا الذهب
وضعته في يدها فنظرت إليه باستغراب ورمت به إلى الأرض قائلة :
ـ ماذا أفعل بهذا الزرار ؟
ـ هذا بيعيه وأشتري حاجاتك
ـ ومن قال لك أنه ذهب ؟!
جف ريقي وتكركبت أحشائي من الخوف لكنني تماسكت قائلا :
ـ كيف ليست ذهب وهي صفراء مثل الذهب الذي معك تماما ؟!
ضحكت أمي وأكدت لي أن هذا صفر ولا يساوي شيئا ، وفجأة انهارت كل شركاتي التجارية ومشاريعي وطموحاتي ، بكيت بحرقة وسقطت مريضا ، كنت كمن خسر كل أمواله في صفقة بالبورصة ، ومن حسن حظي أنني لم أصب حينها لا بجلطة ولا نوبة قلبية ولا سكتة دماغية .!
***********