الوقت يجب أن ينام في مكان آخر .
وقتنا يجب أن ينام كما ينام الهواء ، كي يظلّ بعيداً عن الأنظار.
لقد انقضى وقت الأزمنة التي تدفعنا إلى داخلها ، ومن
الأفضل لنا نحن العرب أن نظلّ وراء الهواء ، لأننا الكائنات الوحيدة التي تبدع في صناعة القبور !
الآن كلّ عربي يستهلك عِظامه حتى العظم ، وإن كان يتداول أحياناً قصائد مشرقة تحت ضوء القناديل.
الدموع تنهمر من الأمكنة، والأصابع القديمة في أمكنتها
القديمة.. لئلّا يعبث ضوء القمر بقصائد الشعراء ، وأن
لا يتحوّل طريق الحياة إلى طريقٍ للجماجم !.
الأيديولوجيا العربية ، لا ولن تتساوى مع الأزهار، مع أن عيوننا لا زالت تشاهد تساقط التضاريس ، وإنتاج
التعاويذ والطلاسم والأقنعة إلخ .
هل يترجّل الحلم العربيّ ويطأ الأرض؟ هناك مثلاً شعراء يبيعون قصائد جاهزة وقوية لنوع معيّن من الملوك .. والمفترض هنا ، أن يكون الغبار كثيراً ، والزمن ، يجب أن يكون أكثر كي لا تصبح أرواحهم
حقولاً من الصبّار ... لأنها باتت على ما فعل الزمان بها
حقولاً من الدم .
هل علينا استعادة السيّرة الهلالية جيداً ، لأنهم كانوا يستخدمون ضوء القمر في تصنيع الأزمنة، والقصائد
المفلّقة في تصنيع دقات القلوب ؟ بمعنى ، كلّما كان العربي بدائيّ .. كلّما كانت آثاره اكثر ، ولذلك ، لا أحد
يستطيع تفريغ الشعراء العرب من أرواحهم الفارغة .
في هذه الأيام الجليلة ، علينا أن نترك الطحين يقتل الطحين ، لتعيش أمريكا ، ولكثرة ما سمعنا شعراً وتنظيراً عن الوطن ، قررّنا ان نعرف الفرق بين _ جدّنا
يعرب بن قحطان _ وفرنسيس فوكوياما _ لعلمنا مسبقاً انّ صَلاتنا لا تفتح وحدها أبواب السماء.
هل حقاً أن قلوبنا صارت أوعية للسراب؟ وهل الغيوم
تمشي في أصقاع أجسادنا لتختزل هذه الأهوال؟
نقول يا الله .. بعد كلّ هذا الذي يجري في بلادنا / بلاد
العرب ، ألا تزال تعتقد أن ثمّة حاجة إلى الجحيم ؟!
لقد صرنا مأوى للأحصنة الهرمة .
العربي اليوم ، أخذَنَا إلى النهاية ليقتلنا ، ماذا يحدث حين يقف الحاكم العربي أمام الضوء ، وانا لا زلت ممسكاً بحياتي مع أنني لم أفعل شيئاً سوى إثارة الشغب ، والبكاء ينهمر من بين أصابعنا، ويتهادى ما بين
صوت الذهب ، وصوت الدم .
الآلهة تأكل الصدأ ، وحاكم عربي هناكَ يتعقّب الزمن الذي ولِدَ في الأزقّة ، و قبائلنا العربية المجيدة لا تزال تجلس القرفصاء داخل سراويل القشّ ، وهياكلنا العظيمة أصابها الخجل من الشهداء الذين هم أهلنا وقد
تحوّلوا إلى تِلال من الصقيع .
هل نعرف لماذا تداعت شعوب العرب ، وتحولت إلى صفقة حيناً مع الدم الذي هو التاريخ ، وحيناً مع المقبرة ؟
يقول سياسي عربي : مرة قال ليَ الحائط، إنني أدعوك إلى العشاء لأخبّئ تحت قميصك الداخلي قبيلة من العصافير الهائلة ، وأتمنى أن يكون لديّ الوقت الكافي لأغسل وجهك جيداً كي لا يتقيّأ الملح !
وفي حديث عابر قال لي أحد الشعراء الأشاوس: إنه
يستمع إلى الشعر العربي من داخل الضوضاء ، كي لا
يستيقظ الشيطان .. وينكسر كما لو أنه قطعة من الفخّار .
قلت : وهل ماتت الأيام التي جعلتنا نعاني من قلّة الواقع وقلّة الحياء ، وربما قلّة الخيال؟ يبدو أننا أصبحنا غلطة واضحة في اللغة ، ولا بدّ أن يتحوّل
الجدل في ماهية كلمة - عربي - إلى عِراك بيننا وبين
الوحل . يعني انه لا يوجد أمكنة كي نموت فيها ، وعلينا أن نكون في أمكنة مدلهمّة .. وتأجيج القبور
بإضرام النار حول الموتى لتظلّ الجثث ساخنة !
هل تسنّى لنا مشاهدة هذا التشكيل الفوضوي للدم ؟
الخلاص لم يعد بين اسنان المستحيل، فلنسمح للرياح الباردة أن تحلم داخل أرواحنا. لكن المشكلة أننا سنجد الجليد أيضاً وليس فقط الرياح ، قد نستقبل قرع الطبول بالتصفيق ، لأننا لا ندري بالعاصفة من اين تهبّ علينا ، لان الدم العربيّ أصبح الناطق الرسميّ باسم العالم ، ولا نعرف ماذا تفعل في داخلنا الاشياء التي خُلقت وماتت في داخلنا وبقيَت هناك.
أيها التاريخ العربي العزيز : باسناني سأعضّ جدار المقبرة لأعيد صياغة تاريخيَ الذي أعيشه بواسطة القضاء والقدر " وسأشخّ " على كل الأيديولوجيا العربية ، وعلى الذين داخل قصورهم الكئيبة ، /طبعاً
لأن أسوأ قادة على وجه الأرض الذين يعتبرون أنفسهم
ملوكاً وَ - قادة على البهائم -
الأموات يصفّقون لبعضهم البعض، وفتاة عربية قادمة من الغيب ، تريد الزواج من شاب أصابعه تشبه الأسلاك الشائكة ، وشاب ايضاً جاء من الغيب يريد الزواج من فتاة يأكلها كما يؤكل الدجاج الساخن ، واعاصير العرب
أكثر من رائعة ، حين تحوّلت إلى سراب ، وتغيّرت قبضة السكين حين تحوّلت السكين نفسها إلى ضحيّة.
وإن دورها قراءة الكتب المقدّسة لتغطية الحرائق!
لا أحد يعرف ماذا يحدث حين يسّاقط الدم من الجغرافيا؟ ولماذا يدير التاريخ ظهره لنفسه .. لأن
الجغرافيا قلّما تذكر الذين يبيعونها، حيث الأيديولوجيا كما قلت : لا تعرف احداً حين تسقط عنها الثياب !
التاريخ العربي أمام خيارين الآن ، إمّا أن يعمل نادلاً في
أزقة الأمم المتحدة، أو أن يستقيل .
_ السياسي العربي يمشي متوهجاً وراء وجهه الذاهب إلى السماء
_ الشاغر العربي حوّلنا بقدرته الفذّة إلى كائنات من السخام ووقف مزهوّاً على حافة الريح
_ الناقد العربي بكل أشكاله جمع ما بين الخبز والوردة
وبين عيني امرأة ، وحجر على قارعة الطريق
_ الثائر العربي قال : عيوننا هي التي تحفر في الزمن
" سأجعلها " تعمّر حائطاً بينها وبين الموت
_ الطفل العربي - يا حسرتاه - يبيع دموعه على الأرصفة .
اتصوّر الآن .. انّ كلّ عربيّ ، أو كل واحد منّا ، يربّي
ثعباناّ في فمهِ لتخليص محيطه الحيويّ إن وجد من
البربرية.
إن القتل المنظّم للزمن العربيّ ، وللقيم التي يحملها ،
دون غطاء، وهذا ما جعلنا نشعر بشكل جليّ في هبوط
حاّد في الحلم .
حتى فلسفة العربي منهكة .. وهي الآن - أمكنة لإيواء
الأقنعة - وإن ما ينتجه العربيّ ؟.. بوجهه فوراً إلى الغابة .. والوحوش بدورها وضعت يدها على الهواء ،
وأمّنا الفلسفة خلعت حذاءها لتتعايش مع قطّاع الطرق.
نحن الآن نشبه الثلج ، ولدينا من يغرز السكين في خاصرة الثلج ، وأصابعنا قد فرغت من الصراخ ، ولا ندري كيف يتعامل التراب مع جثثنا .. مع انّ هذا التراب العزيز وقد ابتلعته البطون الفارغة .
سلاماً لهياكلنا العظمية وهي تقف مكتوفة الأيدي مذهولة من بعضها البعض وهي تتساءل : اين هي وجوهنا ، بل اين كانت وجوهنا ؟!
السؤال الآن : هل من المنطقيّ أن نعطي الملاعق وحدها صلاحية التعبير عن الصراع ؟ لنصنع إذن تماثيل لملاعق تتسوّل الحرية ، وبالتالي: نقول للذين
ملأوا الملاعق والأرواح بالفلسفة .. إنّ إبادة الإنسانية
هي آخر أمنية دموية في التاريخ _ إنهم يحفرون بالملاعق ذاتها / الخنادق في أرواحنا _
هذه ملاعقنا تنافس الوعي واللاوعي لأننا تحولّنا إلى حالة عبثية ميّتة.
يقول شاعر : إن ظَلّ العربيّ مثلما هو عليه الآن ..
سأعاهده أمام كلّ الهزائم التي عاصرها وقرأ عنها ، ان
أرحل بسرعة الضوء كي لا أرى وردة واحدة تتألّم بوضوح .
قلت له : اطمئن، سيظل هو وصوته ووردتكَ وراء القضبان ، لانّ عبقريته القديمة المحطّمة ، لا زالت محطّمة ، وستبقى محطّمة . وإن الكلام الذي ترعرع بين الخييمة والخيمة، و القبيلة والقبيلة ، نظّف نفسه
من التاريخ والجغرافيا ، وصار خطيباً مفوّهاً ناطقاً
باسم الفضائح ، مؤكّداً على هزيمته أمام كلّ حدبٍ وصوب.
هذه الايام ، من الأفضل لنا ان ننسى دماءنا التي تركناها هناكَ ، لان المرايا المهشّمة ما زالت تتدلّى من
ثيابنا التي زركشناها بفسيفساء من العصور الغامضة .
لنعترف علناً بالهبوط الحاد في الثقافة العربية ، وإنّ
هناك مسافة ضوئية هائلة بين العقل العربي ، والعقول
الأخرى. . وماذا حقّق العقل العربي- أو المبدع العربي-
على الأخص.
سيقان من القشّ للعقول العربية ، مع أن لدينا أربعة آلاف مفردة عربية في لغة الغرب .. وهذا يكفي كي تكون لنا ثقافة ( لنسميّها ) لعبة اللغة، وهي ثروة يبدو أنها شاحبة وملأى بأمراض العظَمة الفارغة .
ثمّة بكاء كثير، وراء جدران كثيرة، لذلك اصطادتنا الحياة تدريجياً حين اعتقدنا اننا سنذهب بإرادتنا
مع قليل من الورود السوداء إلى المجهول، ونعرف تماماً كيف استطعنا ان نفرض ما نشاء على موتنا
لأن حياتنا كما يقول أدموف: ليست أكثر من "كوميديا
تنهمر منها الدموع " حيناً ، والجثث حيناً آخر .
ثمة من يقترح علينا الآن .. المقبرة كمكان هادئ ، حيث لا إمكانية للعثور على منطق انساني لبقائنا..
وبالبنط العريض، افضّل أن تكون قلوبنا قطعاً حجرية
إزاء الأيدي الضاحكة ، والعيون الضاحكة ، والملائكة
الضاحكة . وما دمنا نفتقد البدائل الحسّاسة لوجودنا،
علينا أن نركض فوق الجثث لنتلذّذ بملامستها الشفيفة ،
عندها نتذكّر كيف اننا نشعر بالغبطة خين نريد ان نقطع
أصواتنا بالخناجر !
في مذكرات الصهيونية _ غولدا مائير- تقول : إن العرب
- مزيجاً فظًاً وفوضوياً من فضلات الصحراء - ولطالما
نحن العرب ، الفائض الميتافيزيقي ، نلاحظ بدقة متناهية ، كيف اننا نضحك وننتفض بصورة هستيرية
لننشر عِظامنا في الهواء. ثمّة فئة أخرى من العرب
تفضّل القتل بالهراوة الحديدية ، أو بالسكاكين لا فرق.. ما دام العراء لا يستطيع البقاء داخل هذه المغارة الزجاجية .
حتى الشاعر العربي الأخير.. امتلأ بشتّى أنواع التضاريس ، وإنه حالة فذّة وفظّة في آن .. لأنه يستطيع الفرار من كل الأشياء التي تحيط به سيّما وإنه يصرّ بكلّ ما أوتيَ من شعر ، العودة ليس فقط إلى البدائية الأولى.. وإنما إلى ما قبل هذه البدائية الأولى.
هل نستطيع تدارك كل هذه الثغرات البنيوية التي تجتاحنا ؟ حياتنا هذه ، العارية واللانهائية تماماً ..
دخلت في التهتّك ، و الإنهيار ، لاعتقادنا انّ الموت يمكن أن يموت، أو هو ميت بالتأكيد .
هل شاهد أحدكم حجارة تبتسم وبائسة؟ أو بشكل ادق: هل رأى أحدكم قِططاً ، أو كلاباً ، او حشرات بائسة ؟
يبدو أننا أمام صورة ملتبسة ، أمام هذه الثقوب التي امتلأت بالأفكار ، التي بدورها تبحث دون هوادة عن
( رميمنا ) وهذا ما أربكَ اكلة الأرواح _ وبصياغة
جديدةجداً _ العربي يأكل العربي ، وهي ملاحظة جديرة بالإنتباه . أنّ لدينا انتهاك فجّ في مشاهدة هذه
البانوراما التي اسمها صراع البقاء امام البقاء !
صهيوني يقول : العرب يجب أن يكونوا من دون أفواه
لسبب بسيط جداً / كي نعيش في بدائية نظيفة خالية
من الآفاق .. ويجب على عبقرية العرب أن تموت في
نهاية المطاف ؟
ثمّة أشياء أخرى تنبعث من بطون العرب ، غير الثرثرة والنفط ،.. إنها الفرح المعذّب والذي بالكاد يرى أو يمتلك صفقة الهدوء مع الموت . أو كما يقول الحاخام
الصهيوني عوفيديا يوسف: يجب أن يسقط العرب في الوراء اللامتناهي ، وينام في غرفة تدعى الأزل .
مرحباً أيها الأزل !
وقتنا يجب أن ينام كما ينام الهواء ، كي يظلّ بعيداً عن الأنظار.
لقد انقضى وقت الأزمنة التي تدفعنا إلى داخلها ، ومن
الأفضل لنا نحن العرب أن نظلّ وراء الهواء ، لأننا الكائنات الوحيدة التي تبدع في صناعة القبور !
الآن كلّ عربي يستهلك عِظامه حتى العظم ، وإن كان يتداول أحياناً قصائد مشرقة تحت ضوء القناديل.
الدموع تنهمر من الأمكنة، والأصابع القديمة في أمكنتها
القديمة.. لئلّا يعبث ضوء القمر بقصائد الشعراء ، وأن
لا يتحوّل طريق الحياة إلى طريقٍ للجماجم !.
الأيديولوجيا العربية ، لا ولن تتساوى مع الأزهار، مع أن عيوننا لا زالت تشاهد تساقط التضاريس ، وإنتاج
التعاويذ والطلاسم والأقنعة إلخ .
هل يترجّل الحلم العربيّ ويطأ الأرض؟ هناك مثلاً شعراء يبيعون قصائد جاهزة وقوية لنوع معيّن من الملوك .. والمفترض هنا ، أن يكون الغبار كثيراً ، والزمن ، يجب أن يكون أكثر كي لا تصبح أرواحهم
حقولاً من الصبّار ... لأنها باتت على ما فعل الزمان بها
حقولاً من الدم .
هل علينا استعادة السيّرة الهلالية جيداً ، لأنهم كانوا يستخدمون ضوء القمر في تصنيع الأزمنة، والقصائد
المفلّقة في تصنيع دقات القلوب ؟ بمعنى ، كلّما كان العربي بدائيّ .. كلّما كانت آثاره اكثر ، ولذلك ، لا أحد
يستطيع تفريغ الشعراء العرب من أرواحهم الفارغة .
في هذه الأيام الجليلة ، علينا أن نترك الطحين يقتل الطحين ، لتعيش أمريكا ، ولكثرة ما سمعنا شعراً وتنظيراً عن الوطن ، قررّنا ان نعرف الفرق بين _ جدّنا
يعرب بن قحطان _ وفرنسيس فوكوياما _ لعلمنا مسبقاً انّ صَلاتنا لا تفتح وحدها أبواب السماء.
هل حقاً أن قلوبنا صارت أوعية للسراب؟ وهل الغيوم
تمشي في أصقاع أجسادنا لتختزل هذه الأهوال؟
نقول يا الله .. بعد كلّ هذا الذي يجري في بلادنا / بلاد
العرب ، ألا تزال تعتقد أن ثمّة حاجة إلى الجحيم ؟!
لقد صرنا مأوى للأحصنة الهرمة .
العربي اليوم ، أخذَنَا إلى النهاية ليقتلنا ، ماذا يحدث حين يقف الحاكم العربي أمام الضوء ، وانا لا زلت ممسكاً بحياتي مع أنني لم أفعل شيئاً سوى إثارة الشغب ، والبكاء ينهمر من بين أصابعنا، ويتهادى ما بين
صوت الذهب ، وصوت الدم .
الآلهة تأكل الصدأ ، وحاكم عربي هناكَ يتعقّب الزمن الذي ولِدَ في الأزقّة ، و قبائلنا العربية المجيدة لا تزال تجلس القرفصاء داخل سراويل القشّ ، وهياكلنا العظيمة أصابها الخجل من الشهداء الذين هم أهلنا وقد
تحوّلوا إلى تِلال من الصقيع .
هل نعرف لماذا تداعت شعوب العرب ، وتحولت إلى صفقة حيناً مع الدم الذي هو التاريخ ، وحيناً مع المقبرة ؟
يقول سياسي عربي : مرة قال ليَ الحائط، إنني أدعوك إلى العشاء لأخبّئ تحت قميصك الداخلي قبيلة من العصافير الهائلة ، وأتمنى أن يكون لديّ الوقت الكافي لأغسل وجهك جيداً كي لا يتقيّأ الملح !
وفي حديث عابر قال لي أحد الشعراء الأشاوس: إنه
يستمع إلى الشعر العربي من داخل الضوضاء ، كي لا
يستيقظ الشيطان .. وينكسر كما لو أنه قطعة من الفخّار .
قلت : وهل ماتت الأيام التي جعلتنا نعاني من قلّة الواقع وقلّة الحياء ، وربما قلّة الخيال؟ يبدو أننا أصبحنا غلطة واضحة في اللغة ، ولا بدّ أن يتحوّل
الجدل في ماهية كلمة - عربي - إلى عِراك بيننا وبين
الوحل . يعني انه لا يوجد أمكنة كي نموت فيها ، وعلينا أن نكون في أمكنة مدلهمّة .. وتأجيج القبور
بإضرام النار حول الموتى لتظلّ الجثث ساخنة !
هل تسنّى لنا مشاهدة هذا التشكيل الفوضوي للدم ؟
الخلاص لم يعد بين اسنان المستحيل، فلنسمح للرياح الباردة أن تحلم داخل أرواحنا. لكن المشكلة أننا سنجد الجليد أيضاً وليس فقط الرياح ، قد نستقبل قرع الطبول بالتصفيق ، لأننا لا ندري بالعاصفة من اين تهبّ علينا ، لان الدم العربيّ أصبح الناطق الرسميّ باسم العالم ، ولا نعرف ماذا تفعل في داخلنا الاشياء التي خُلقت وماتت في داخلنا وبقيَت هناك.
أيها التاريخ العربي العزيز : باسناني سأعضّ جدار المقبرة لأعيد صياغة تاريخيَ الذي أعيشه بواسطة القضاء والقدر " وسأشخّ " على كل الأيديولوجيا العربية ، وعلى الذين داخل قصورهم الكئيبة ، /طبعاً
لأن أسوأ قادة على وجه الأرض الذين يعتبرون أنفسهم
ملوكاً وَ - قادة على البهائم -
الأموات يصفّقون لبعضهم البعض، وفتاة عربية قادمة من الغيب ، تريد الزواج من شاب أصابعه تشبه الأسلاك الشائكة ، وشاب ايضاً جاء من الغيب يريد الزواج من فتاة يأكلها كما يؤكل الدجاج الساخن ، واعاصير العرب
أكثر من رائعة ، حين تحوّلت إلى سراب ، وتغيّرت قبضة السكين حين تحوّلت السكين نفسها إلى ضحيّة.
وإن دورها قراءة الكتب المقدّسة لتغطية الحرائق!
لا أحد يعرف ماذا يحدث حين يسّاقط الدم من الجغرافيا؟ ولماذا يدير التاريخ ظهره لنفسه .. لأن
الجغرافيا قلّما تذكر الذين يبيعونها، حيث الأيديولوجيا كما قلت : لا تعرف احداً حين تسقط عنها الثياب !
التاريخ العربي أمام خيارين الآن ، إمّا أن يعمل نادلاً في
أزقة الأمم المتحدة، أو أن يستقيل .
_ السياسي العربي يمشي متوهجاً وراء وجهه الذاهب إلى السماء
_ الشاغر العربي حوّلنا بقدرته الفذّة إلى كائنات من السخام ووقف مزهوّاً على حافة الريح
_ الناقد العربي بكل أشكاله جمع ما بين الخبز والوردة
وبين عيني امرأة ، وحجر على قارعة الطريق
_ الثائر العربي قال : عيوننا هي التي تحفر في الزمن
" سأجعلها " تعمّر حائطاً بينها وبين الموت
_ الطفل العربي - يا حسرتاه - يبيع دموعه على الأرصفة .
اتصوّر الآن .. انّ كلّ عربيّ ، أو كل واحد منّا ، يربّي
ثعباناّ في فمهِ لتخليص محيطه الحيويّ إن وجد من
البربرية.
إن القتل المنظّم للزمن العربيّ ، وللقيم التي يحملها ،
دون غطاء، وهذا ما جعلنا نشعر بشكل جليّ في هبوط
حاّد في الحلم .
حتى فلسفة العربي منهكة .. وهي الآن - أمكنة لإيواء
الأقنعة - وإن ما ينتجه العربيّ ؟.. بوجهه فوراً إلى الغابة .. والوحوش بدورها وضعت يدها على الهواء ،
وأمّنا الفلسفة خلعت حذاءها لتتعايش مع قطّاع الطرق.
نحن الآن نشبه الثلج ، ولدينا من يغرز السكين في خاصرة الثلج ، وأصابعنا قد فرغت من الصراخ ، ولا ندري كيف يتعامل التراب مع جثثنا .. مع انّ هذا التراب العزيز وقد ابتلعته البطون الفارغة .
سلاماً لهياكلنا العظمية وهي تقف مكتوفة الأيدي مذهولة من بعضها البعض وهي تتساءل : اين هي وجوهنا ، بل اين كانت وجوهنا ؟!
السؤال الآن : هل من المنطقيّ أن نعطي الملاعق وحدها صلاحية التعبير عن الصراع ؟ لنصنع إذن تماثيل لملاعق تتسوّل الحرية ، وبالتالي: نقول للذين
ملأوا الملاعق والأرواح بالفلسفة .. إنّ إبادة الإنسانية
هي آخر أمنية دموية في التاريخ _ إنهم يحفرون بالملاعق ذاتها / الخنادق في أرواحنا _
هذه ملاعقنا تنافس الوعي واللاوعي لأننا تحولّنا إلى حالة عبثية ميّتة.
يقول شاعر : إن ظَلّ العربيّ مثلما هو عليه الآن ..
سأعاهده أمام كلّ الهزائم التي عاصرها وقرأ عنها ، ان
أرحل بسرعة الضوء كي لا أرى وردة واحدة تتألّم بوضوح .
قلت له : اطمئن، سيظل هو وصوته ووردتكَ وراء القضبان ، لانّ عبقريته القديمة المحطّمة ، لا زالت محطّمة ، وستبقى محطّمة . وإن الكلام الذي ترعرع بين الخييمة والخيمة، و القبيلة والقبيلة ، نظّف نفسه
من التاريخ والجغرافيا ، وصار خطيباً مفوّهاً ناطقاً
باسم الفضائح ، مؤكّداً على هزيمته أمام كلّ حدبٍ وصوب.
هذه الايام ، من الأفضل لنا ان ننسى دماءنا التي تركناها هناكَ ، لان المرايا المهشّمة ما زالت تتدلّى من
ثيابنا التي زركشناها بفسيفساء من العصور الغامضة .
لنعترف علناً بالهبوط الحاد في الثقافة العربية ، وإنّ
هناك مسافة ضوئية هائلة بين العقل العربي ، والعقول
الأخرى. . وماذا حقّق العقل العربي- أو المبدع العربي-
على الأخص.
سيقان من القشّ للعقول العربية ، مع أن لدينا أربعة آلاف مفردة عربية في لغة الغرب .. وهذا يكفي كي تكون لنا ثقافة ( لنسميّها ) لعبة اللغة، وهي ثروة يبدو أنها شاحبة وملأى بأمراض العظَمة الفارغة .
ثمّة بكاء كثير، وراء جدران كثيرة، لذلك اصطادتنا الحياة تدريجياً حين اعتقدنا اننا سنذهب بإرادتنا
مع قليل من الورود السوداء إلى المجهول، ونعرف تماماً كيف استطعنا ان نفرض ما نشاء على موتنا
لأن حياتنا كما يقول أدموف: ليست أكثر من "كوميديا
تنهمر منها الدموع " حيناً ، والجثث حيناً آخر .
ثمة من يقترح علينا الآن .. المقبرة كمكان هادئ ، حيث لا إمكانية للعثور على منطق انساني لبقائنا..
وبالبنط العريض، افضّل أن تكون قلوبنا قطعاً حجرية
إزاء الأيدي الضاحكة ، والعيون الضاحكة ، والملائكة
الضاحكة . وما دمنا نفتقد البدائل الحسّاسة لوجودنا،
علينا أن نركض فوق الجثث لنتلذّذ بملامستها الشفيفة ،
عندها نتذكّر كيف اننا نشعر بالغبطة خين نريد ان نقطع
أصواتنا بالخناجر !
في مذكرات الصهيونية _ غولدا مائير- تقول : إن العرب
- مزيجاً فظًاً وفوضوياً من فضلات الصحراء - ولطالما
نحن العرب ، الفائض الميتافيزيقي ، نلاحظ بدقة متناهية ، كيف اننا نضحك وننتفض بصورة هستيرية
لننشر عِظامنا في الهواء. ثمّة فئة أخرى من العرب
تفضّل القتل بالهراوة الحديدية ، أو بالسكاكين لا فرق.. ما دام العراء لا يستطيع البقاء داخل هذه المغارة الزجاجية .
حتى الشاعر العربي الأخير.. امتلأ بشتّى أنواع التضاريس ، وإنه حالة فذّة وفظّة في آن .. لأنه يستطيع الفرار من كل الأشياء التي تحيط به سيّما وإنه يصرّ بكلّ ما أوتيَ من شعر ، العودة ليس فقط إلى البدائية الأولى.. وإنما إلى ما قبل هذه البدائية الأولى.
هل نستطيع تدارك كل هذه الثغرات البنيوية التي تجتاحنا ؟ حياتنا هذه ، العارية واللانهائية تماماً ..
دخلت في التهتّك ، و الإنهيار ، لاعتقادنا انّ الموت يمكن أن يموت، أو هو ميت بالتأكيد .
هل شاهد أحدكم حجارة تبتسم وبائسة؟ أو بشكل ادق: هل رأى أحدكم قِططاً ، أو كلاباً ، او حشرات بائسة ؟
يبدو أننا أمام صورة ملتبسة ، أمام هذه الثقوب التي امتلأت بالأفكار ، التي بدورها تبحث دون هوادة عن
( رميمنا ) وهذا ما أربكَ اكلة الأرواح _ وبصياغة
جديدةجداً _ العربي يأكل العربي ، وهي ملاحظة جديرة بالإنتباه . أنّ لدينا انتهاك فجّ في مشاهدة هذه
البانوراما التي اسمها صراع البقاء امام البقاء !
صهيوني يقول : العرب يجب أن يكونوا من دون أفواه
لسبب بسيط جداً / كي نعيش في بدائية نظيفة خالية
من الآفاق .. ويجب على عبقرية العرب أن تموت في
نهاية المطاف ؟
ثمّة أشياء أخرى تنبعث من بطون العرب ، غير الثرثرة والنفط ،.. إنها الفرح المعذّب والذي بالكاد يرى أو يمتلك صفقة الهدوء مع الموت . أو كما يقول الحاخام
الصهيوني عوفيديا يوسف: يجب أن يسقط العرب في الوراء اللامتناهي ، وينام في غرفة تدعى الأزل .
مرحباً أيها الأزل !