بقيت لأيام أدرس بعناية كيف سأغالط ذلك العجوز الذي يطوف القرى على حماره ، يبيع البسكويت والحلويات للأطفال ، لم يكن في جيبي ريالا واحدا ، لكنني قررت أنني أمتلك 100 ريال دفعة واحدة .!في كتابي المدرسي صورة لمائة ريال ، جئت بالمقص وقصصتها بعناية تامة ، ولكي أخدع ذلك العجوز يجب أن أترقبه وهو عائدا من القرية المجاورة بعد أن يبدأ الليل بإسبال ظلامه على القرية ، حينها لن يفحص النقود كثيرا وستنجح الخطة .
نحن الآن في العام 1989م حيث الـ 100 ريال بالنسبة لطفل عمره عشر سنوات مبلغا كبيرا لم يحلم بالحصول عليه ، وأقصى مبلغ حصلت عليه هو عشرة ريالات ، كان في يوم العيد الكبير .
أرتفع أذان المغرب ، وحين بدأ الرجال يتوضؤون استعدادا لصلاة المغرب تسللت من بينهم ، ذهبت إلى تلك التلة أنتظر مرور العجوز ، وحين رأيته قادما على ظهر حماره هبطت إلى الطريق حيث سيمر وانتظرت .
هل طال انتظاري حينها وأنا نفذ مخططي الإجرامي بحق ذلك العجوز ؟! أم أن ارتباكي المشوب بالخوف ودقات قلبي جعلت الوقت يمر بطيئا علي ؟!
العتمة تزداد من حولي وأنا أتحسس جيبي لأتأكد أن الورقة ما تزال فيه ، ، لم يكد يظهر في المنعطف حتى قفزت إلى أمامه ، جفل الحمار ثم توقف ليصرخ بي العجوز :
ـ ما تشاء يا ولد ؟
ـ هذه مائة ريال أعطني بسكويت وحلوى بعشرة ريال ورجع الباقي .
ناولته الورقة :
تحسسها ثم رفعها إلى الأعلى :
ـ هذه المائة صغيرة ، هذه مزورة
فاجأني بملاحظته فكدت أنهار وتفشل خطتي كلها ، لكنني تماسكت وصحت به :
ـ هذه مائة ريال صحيحة أعطاني إياها عمي العائد من السعودية ، أنت قدك أعمى يا شيبة ، ما عاد تشوف بالنهار فكيف بالليل ؟!
صمت العجوز فواصلت هجومي بثقة :
ـ إذا ما تريدها رجع لي فلوسي سأذهب لأشتري من الدكان .
وصرخت بحدة :
ـ هات فلوسي
أدخل العجوز الورقة في جيبه وأنا غير مصدق ، فتح الخرج وأعطاني بسكويت وحلوى بعشرة ريالات ، ثم أعاد لي بقية نقودي 90 ريالا .
لكز العجوز حماره وواصل مسيره ، عدت أدراجي وأنا غير مصدق أنني قد خدعت العجوز ونجحت خطتي .!
أخفيت البسكويت والنقود عن أهلي ، بقيت أتناول البسكويت سرا ، أنفقت النقود خلال أسابيع ، لكنني لم أتمتع بها كما ظننت .
بعد أن أكملتها بدأ ضميري يؤنبني على مغالطتي للعجوز ، وبدأت أتساءل :
ـ هل سيكتشف الأمر ويشكوني إلى أهلي ؟
ـ هل سيعاقبني الله على هذا الذنب ؟
أم أنني ما زلت طفلا صغيرا لا ذنب له ؟
كل ليلة تؤرقني هذه التساؤلات ، أتقلب في فراشي ولا أنام إلا منتصف الليل .
في ليلة الإسراء والمعراج جاؤوا بشريط كاسيت فيه محاضرة عن ليلة الإسراء والمعراج ، وضعوه في المسجلة وتحلقنا كلنا نسمع ، الحديث مخيف وفيه ترهيب ووعيد للمجرمين ، يروي الحديث عن صعود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء ورؤيته للمجرمين يعذبون بأسلوب زاعق مخيف .
حين وصل الحديث إلى ذكر اللصوص صرخت بأعلى :
ـ لا لا لا لن أذهب إلى النار
أوقفوا الاستماع للشريط وألتفت الجميع إلي ، وكي أوضح لهم الأمر قلت وأنا أرتعش خوفا :
ـ أنا سرقت
وبدأت يسألونني :
ـ من سرقت ؟
ـ غالطت العجوز الذي يبيع فوق الحمار بمائة ريال .
ـ كيف غالطته ؟
ـ قصيت صورة المائة ريال من الكتاب المدرسي وناولته فظنها 100 ريال فعلا .
وجد أخي الإجابة على السؤال الذي حيره طويلا :
ـ هو أنت الذي قصيت صورة الـ 100 ؟
وأضاف :
ـ كنت أبحث عنها فما وجدت غير الخمسين فقصيتها وغالطته بخمسين .
وبدأت الاعترافات :
ـ أنا غالطته بالعشرين
ـ وأنا غالطته بعشره
حتى أخي الأصغر أعترف بأنه غالطه بالخمسة الريال .
ضج الجميع في الضحك.
عمي العائد من السعودية والذي جاء ضيفا عندنا أدهشه الأمر :
ـ كلكم غالطتم هذا الشيبة ؟!
وأضاف :
ـ هل هذا العجوز أعمى ؟!
سألتهم :
ـ أنا تبت ولن أغالط أحد ، لكن كيف سأدفع له 100 ريال ؟!
ضحك عمي وأكدنا لنا أنه سيدفع للعجوز نقوده ، وإذا كررناها فسيضربنا دون رحمة .
في تلك الليلة نمت باطمئنان بعد أن تبت عن الجريمة التي اقترفتها بحق ذلك العجوز ، وأيقنت أنني لن أدخل النار .
******