خالد السيد علي _ كتاكيتو أخضر وقسوة الدراما


عالم الطفولة لم ينته بداخلي منذ أن كنت طفلًا ألعب بالكرة والسبع طوبات والحجلة وفتحي يا وردة ورسم اللوحات الحالمة وتشكيل الأشكال بالصلصال والطباعة على كراسة الرسم-بالحبر-في حصة الأشغال التي سميت فيما بعد حصة النشاط.

الطفولة هي العالم الحالم الذي دفعني إلى الكتابة عنه بعد كتابة الشعر حيث رأيت من واجبي التعبير عن هؤلاء الأطفال الذين يصنعون عالمًا مغلقًا لهم بالبراءة والصفاء والنقاء تلك المناخ الذي طالما حلمت أن أعود إليه مثل غيري، ولكن هيهات.!

إن أجمل الأوقات عند إنسان هو أن يجلس مع الأطفال ويتفاعل مع عالمهم قلبًا وقالبًا.. أذكر دومًا كلما اشتقت لهذا العالم النقي أجلس بينهم وأروي لهم عن زمن طفولتنا..كيف كانت وكيف تعلمنا مثلًا من قصص القرآن الكريم قيمًا تربوية نافعة وجدناها في الطير والحيوان والحشرات؛ فالغراب علم ابن آدم كيف يواري سوءة(جثة)أخيه، والهدهد أعطى درسًا في الجندية لسيدنا سليمان والسعي لتبليغ دين الحق، والفيل جندي من جنود الله أبى أن يهدم بيت الله..حتى الطير جند من جنود الحق لقد ساعد في قتل جيش أبرهة المعتدي على الكعبة، وقصة سيدنا يونس مع الحوت.. نجد الحوت ابتلع سيدنا يونس ليحميه في البحر من الهلاك، والنملة أعطت درسًا بخوفها على إخوتها فلا يحطمنهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون..وإلى أخره من القصص..

نهدف من هذه القصص-وهذا ما نزرعه في أطفالنا في أي زمان وأي مكان-أننا تعلمنا بعدين..البعد الواقعي والبعد غير المعتاد(الخيالي)فالحوت يبلع سيدنا يونس ويحميه بدلًا من أن يأكله ويهضمه، والنملة تتكلم والغراب يُعلم الإنسان درسًا والهدهد يتكلم ويشاهد ويساعد..

إذًا على كاتب الأطفال الذي يكتب أعمالًا أدبية أو فنية أن يدرك تمامًا أن المهمة صعبة جدًا إلى أبعد حد يتخيله لأنه يحتاج لثقافة واسعة وقدرة على تحقيق المعادلة الصعبة ألا وهي الجمع بين الواقع والخيال(غير معتاد)بحرفية مع استخدام وسائل التواصل المستجدة تكنولوجيا ليصل تلك النتاج الأدبي والفني للطفل المصري العربي وذلك لترسيخ العادات والتقاليد والتعاليم الدينية مع الحفاظ على اللهجة العربية الفصحى بجانب العامية.. حيث للأسف الشديد أطفالنا-كتاكيت أغصانهم خضراء صغار ضعفاء-يتجهون لمشاهدة الأعمال(المدبلجة)والتي تقدم قيم ومبادئ وعادات وتقاليد وطقوس حياتية تخالف أصالتنا المصرية ولا تمت للطفل بهويته المصرية شيئًا، فعظم هذه الأعمال تؤدي إلى كارثة فكرية ووجدانية للطفل في جميع مراحله السنية..

للأسف الجهات الإنتاجية التي تنتج هذه النوعية من الأعمال والتي أكثرها تدعو للعنف والقسوة والانتقام هي أعمال لا تهدف إلى قيمة بل إلى ربحية من وراء تسويقها سواء في القنوات أو دور النشر.

وأخيرًا الكارثة، وأعتذر أنها كارثة ولكنها حقيقة.. الكل سمع عن مبادرة إعادة بناء الشخصية المصرية التي دعا إليها فخامة رئيس جمهورية مصر العربية السيد عبد الفتاح السيسي..

أظن أن المبادرة تسير كالسلحفاة.. لذلك أرى أن رجوع الدولة للإنتاج الدرامي والثقافي والفني وعودة المسرح المدرسي وتفعيله، وتخصيص قناة مصرية للطفل المصري العربي خطوة هامة جدًا نحو بناء الشخصية منذ الطفولة؛ فكيف لمصر بحجمها وتاريخها الحضاري في مجالات كافة تتقاعس عن أبسط الحقوق للطفل المصري في بث قناة خاصة له_وإن كان هناك بوادر لقناة تحت التجريب_هذه الخطوة الهامة بمثابة إنقاذ ما يمكن إنقاذه لمواجهة ما تبثه بعض الأعمال المدبلجة أو العربية وتحمل أفكارًا وتوجيهات ومفاهيم -بل وعبارات لا تمت لنا كشرقيين بشئ-تتعارض مع الشخصية المصرية وانتمائها.. أما إذا تحدثنا عن تقويم الشخصية للمواطن البالغ فهو يرجع إلى ذاته وثقافته؛ فكل إنسان وقدراته على التغيير للأفضل ليفيد نفسه والمجتمع الجديد التنموي الذي نحن كتنويريين نسير على دربه بلا توقف.

تمت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى