د. محمد عبدالله القواسمة - أسامينا

يولد الإنسان وهو يحمل اسمًا لم يكن له الخيار في اختياره، لقد اتفق والداه على اختيار اسمه من بين الأسماء التي ترتبط بزمانهم وبيئتهم. إنه لا يستطيع أن يتخلص منه، وإن استطاع فبشق الأنفس، ويظل الاسم الأول ملتصقًا بذاته ويطارده في دلالته ليلًا ونهارًا.

لا شك في أن أسامينا جاءت بعد تفكير ونقاش بين الوالدين من ناحية، وبين أهليهما من ناحية أخرى. وربما يحتدم الخلاف بين الجميع حتى ينتصر اسم على الأسماء الأخرى. إنه اختيار بعد معاناة، ولكنه ذو مغزى، ومفعم بالآمال في تحقيق ما يدل الاسم عليه. ولعل هذا ما يرمي إليه الشاعر جوزيف حرب في الكلمات التي تغنيها فيروز من أغنيتها "أسامينا":

أسامينا، شو تعبوا أهالينا تلاقوها
وشو افتكروا فينا
أسامينا، شو تعبوا أهالينا تلاقوها
وشو افتكروا فينا
الأسامي كلام شو خص الكلام
الأسامي كلام شو خص الكلام
عينينا هني أسامينا

واسم الشخص كأي اسم من أسماء النبات والحيوان والجماد من وضع البشر، فكما يرى علماء اللسانيات بأن اللغة من اختراع الإنسان واكتشافه، وأن أسماء الأشياء ما هي إلا علامات عشوائية. ولعل شكسبير قد سبق دعاة البنيوية وفرديناند دي سوسير في ما ورد في كتابه" محاضرات في اللسانيات العامة" عندما قال:" الوردة تتضوع بالعبير قبل أن تسمى وردة".

لعل هذا لا يتناقض مع ما ورد في التراث الديني عن آدم عليه السلام أن الله علمه بأن لكل شيء اسمًا يكشف عن جوهره، فالشيء واسمه مترادفان. لكن الأمر تغير عندما طُرد آدم من الجنة، فقد انفصلت الأشياء عن أسمائها، وتحولت الكلمات إلى علامات تعسفية، وكأن اللغة سقطت مع سقوط آدم على الأرض.

يقول العرب: "لكل امرئ من اسمه نصيب". لا شك أن الاسم يؤثر في صاحبه، وقد يعمل الإنسان على تحقيق المعاني التي يحملها اسمه. وفي المقابل توجد أسماء ذات دلالة مخالفة لما تدل عليه؛ فقد نرى مَن اسمه صادق غير صادق، وجميل غير جميل، ومؤمن غير مؤمن، وسليم غير سليم وهكذا. وفي كلتا الحالتين يجب الحذر عند اختيار أسامي أبنائنا.

ويحضرنا أسماء الشخصيات في روايات نجيب محفوظ، فكان محفوظ يحرص على اختيارها بدقة، ولكل اسم دلالة ومغزى، فمن الأسماء ما تحمل دلالات عكسية، مثل شخصية نور المومس في رواية "اللص والكلاب"، وشخصية كامل في رواية "السراب"، والعالمة جليلة في "الثلاثيّة". كما توجد شخصيات يتطابق اسمها مع صفاتها مثل شخصية أمينة في "الثلاثية".

لقد كان العرب قديمًا يحرصون أن تكون أسماء أولادهم الذكور حاملة معاني الشدة، والقسوة، والصلابة، والصبر ليخيفوا أعداءهم. فأخذوا أسماء من الطبيعة والحيوانات المفترسة، مثل: جبل وحجر وصخر، ومن الحيوانات كلب وذئب ونمر وأسد. ولكنهم كانوا يسمون بناتهم أسماء محببة ورقيقة، تحمل معاني الحب والجمال والأنوثة، من أجل أن يحببوهن للآخرين، مثل: ليلى ولميس وريا وعروب وغيرهن.

وجاء الإسلام ليحث المسلمين على أن يتوخوا الحذر في تسمية أبنائهم، فيختارون لهم أسماء ذات معاني سامية، مثل: عبدالرحمن وعبدالله ، لا أسماء تدل على العنف والظلم، مثل: حرب وعذاب وجمرة . لقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نختار لأبنائنا أسماء توحي لهم بالثقة في أنفسهم، وتعزز فيهم الإيمان بربهم، وتذكرهم بمكارم الأخلاق.

مازالت تطلق على الأولاد ذكورًا وإناثًا أسماء كثيرة قديمة، تتناسب وتراثنا وعقيدتنا، ولكن نعجب أن كثيرين من الآباء يختارون أسماء أجنبية لأولادهم ذكورًا وإناثًا، مما يتنافر مع أسمائهم وأسماء آبائهم، مثل: غاندي ولويس وإدوارد وإليسا وسالي وهاندي وغيرها،. وفي لغتنا العربية وفي تراثنا من الكلمات الرقيقة والعذبة ما يتناسب وهذه الحضارة التكنولوجية التي نعايشها، مثل: دعاء وشفاء وحنين وصالح وسلامة وغيرها.

هكذا فإن أسامينا توغل في عقولنا، وترسو في قلوبنا. وفي أحيان كثيرة تؤثر في شخصياتنا وسلوكنا، ونتجه بوحيها إلى معانقة الحياة، أو معانقة التعاسة من حيث ندري أو لا ندري. وفي أحيان أخرى تُظهر أسامينا ملامح من شخصياتنا وما نكون عليه من خير أو شر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى