عندما أحبَّ ليلى ابنةَ الحيِّ الضيق، كان هناك مَن يرغبها، لم يكن متأكدًا من شعورها، هل تحبُّه أم تحبُّ مرتادَ المقهى القديم، هو يحْلقُ رأسه بشفرةِ حلاقةٍ يشتريها من الدكان المجاور؛ بينما الآخر لايحلق رأسه ويتباهى بكثافةِ شعرِه وطولِه أمامَ أقرانه، ومع بروزِ تغيراتِ الشبابِ ظهر أجملَ منه مع أنه لا يهتمُّ بشكله ، قالوا له إنَّ المنافسةَ على قلبِ ليلى ستكونُ نتيجتُها لصالحك، لم يعر هذا اهتمامًا، ولم يكن للحبِّ عنده قيمة إذا هي لم تصرِّح له بذلك، مرَّ يومًا بجانبِ المقهى وأصواتُ القهقهةِ تتجاوزُ مقاعدَه العتيقة، أدارَ وجهَه حتى لا يدخل في عراكٍ مع هذا المتغطرسِ والذين معه على شاكلته، فجأةً تعثَّرَ ووقعَ على الأرض، فقدَ الرؤيةَ ووجدَ الظلمةَ تحيط به ، عيناه الجميلتان الواسعتان لم تعد ترى سوى دوائرَ من السوادِ والعتمة ، جاءتْ الأنباءُ غيرُ السارةِ تفيدُ بأنَّ ليلى سلَّمتْ قلبَها لصاحبِ الشعرِ الطويل، اعتقدَ بأنه لن يرى الحياةَ كما تراها وعشيقها، كانت أمُّه تمسحُ على جبهتِه وعينيه وتدعو له مع كلِّ حركةٍ بأن يرتدَّ بصرُه وهو يستلذُّ بيدِها ورائحتِها ولا يرى لونَ الحنَّاءِ الأحمرِ الذي صبغَ كفَّيْها ، نامَ ليلةً من الليالي وهناك شعورٌ ينتابُه بأنَّ عُروقَ الضوءِ في عينيه ستشتعلُ وسيرى، لا يدري كيف غزاه هذا الإحساس، استغرقَ في نومٍ عميقٍ وكأنَّه لم ينم من قبل، أشرقتِ الشمسُ وبرزتْ خيوطُ أشعتِها باردةً مثلَ برودةِ الظلِّ في الشتاء، عادتْ إليه لتمسحَ على عينيه كعادتها، صحا فرحًا ، أمي... أمي، إني أرى احمرارَ يديك، متى وضعتِ الحنَّاءَ على كفيك؟ قالت له لقد حضرتُ عُرسَ ليلى، أغمضَ بصره غيرَ مصدق، شمَّ رائحةَ المقهى النتنِ في ثيابِها وكأنَّها قد جلبتْها معها من العرس، قالت له : هناك ألفُ ليلى وليلى، أمسكَ بكفِّها وقبَّلها، قالت له :لاتتعثر ياولدي ثانيةً حتى لاتفقد بصرَك ، قال لها : فهمتُ؛ بعضُ حالاتِ الإظلامِ يا أمي تجعلُ الآخرين يتبعون هواهم، هزَّتْ رأسَها وتركتْه ينظر إلى السماءِ وهي صافية ، كان فيها ثلاثةُ عصافير، ناجى نفسَه :كأنهما اثنان يتنافسان على قلبِ العصفورة، عادتْ إليه وحجبتْ عنه العصافيرَ كي لا يرى شيئًا، وعدَ أمَّه بأن ينسى لحظةَ عثرتِه.