محمد مصطفى العمراني - انتقام غريب!

فوجئ الحاج أحمد عبد السلام بطقم عسكري يتوقف أمام منزله ، وبسرعة خاطفة تقافز منه مجموعة من العساكر أحاطوا بالبيت ، ومن الطقم نزل أحد الضباط وتقدم نحوه وسأله بعد أن ألقى عليه السلام :
ـ أنت أحمد عبد السلام محمود ؟
ـ نعم
أشار الضابط نحو الطقم :
ـ تفضل معنا
ـ تفضلوا أنتم عندنا ، أنتم ضيوفنا .
رد الضابط بغضب :
ـ أقول لك يا حاج : تفضل معنا بدون كثرة كلام .
ـ طيب ألبس ثيابي وآتي معكم .
ـ معك خمس دقائق ما لم سنقتحم البيت .
بد دقائق كان الطقم يغادر القرية بسرعة جنونية وقد جلس أحمد عبد السلام بين العساكر وفي يديه قيد حديدي يلمع في الشمس ، ومن نوافذ المنازل تطلعت النساء باستغراب بينما هرع بعض الرجال إلى منزل أحمد عبد السلام لمعرفة أسباب القبض عليه .
ظل القبض على العجوز أحمد عبد السلام لغزا محيرا لأهالي القرية الذين قرروا إرسال أحد الشباب إلى إدارة أمن المحافظة لمعرفة الحقيقة .
كان الحاج عبد السلام يعيش مع زوجته المسنة بعد أن هاجر كل أولاده للغربة في دول الخليج ، يعرفه الجميع ببعده عن المشاكل وببساطته وطيبته .
وحده نجل أخيه العائد من الغربة في أمريكا من يعرف أسباب القبض على عمه ، لقد ذهب إلى مدير الأمن في مكتبه ، فور وصوله أشهر جوازه الأمريكي وقدم له شكوى بأن عمه قد أستولى منذ عشرين عاما على أملاك والده ظلماً وعدواناً .!
وحين قرأ المدير عريضة الشكوى نبهه إلى أنه لم يحدد نوعية هذه الأملاك فقام بإعادة صياغة الشكوى وأتهم فيها عمه بأنه قد أستولى على ثلاث شجر بجوار أرضه التي في القرية ، فور توقيعه على الشكوى طلب من المدير إرسال طقم عسكري للقبض على عمه ومحاكمته .
قال المدير ساخرا :
ـ طقم عسكري من أجل ثلاث شجر ؟!
وأضاف :
ـ عاد معك خبر ؟!
ـ معي خبر وعلم الطقم ضروري يخرج اليوم .
ـ إذا كنت مصر على الشكوى سنرسل له عسكري واحد يكفي .
ـ أنا مصر على خروج طقم عسكري لإلقاء القبض على عمي ، ولابد أن يتم تقييده أمام كل الناس .!
ـ لكن عمك لم يرتكب جريمة كبيرة مثل القتل أو التخريب أو الإرهاب .
دس الشاب المغترب في جيب المدير ثلاثة ألف دولار وعلى الفور أصدر المدير أوامره بإخراج طقم عسكري للقبض على الحاج أحمد عبد السلام وأوصى الضابط بأن يتم تقييده وعدم الرأفة به .
ودون أن يخبروه ما هي تهمته ومن هو غريمه زجوا به في أوساط عشرات السجناء .
بعد أيام استدعاه المدير وواجهه بالتهمة الموجهة إليه فما كان منه إلا أن ضحك قائلا :
ـ هذا كله علشان الشجر ؟!
وأضاف :
ـ خلاص أنا متنازل بالشجر لابن أخي .
سر المدير من موقفه وسأله :
ـ مستعد تكتب وثيقة بذلك ؟!
وعلى الفور حرر بخطه وثيقة التنازل التي وقع عليها وشهد عليها المدير ورغم تنازله إلا أن المدير أعاده إلى السجن .!
أتصل المدير بابن أخيه وفور وصوله قدم له وثيقة التنازل قائلاً :
ـ قد ضغطنا على عمك حتى تنازل لك بالشجر .
لم يبد اهتماما بالتنازل ..
سأل المدير ساخرا :
ـ ومن قال لك أنني أريد الشجر ؟!
استغرب المدير منه وسأله :
ـ حيرتنا معاك قل لي : ماذا تريد بالتحديد ؟!
ـ أريد إذلال ابن عمي ، وإهانته ، عمي هذا طيب وعلى نياته ، لكن قلبي لن يصفى لولده عبد الكريم ، لو كان موجود كنت قد لفقت له تهمة وسجنته وجعلت العساكر يضربونه ليل نهار وأنا أتفرج ، لكنه للأسف مغترب هو وعائلته في الكويت ، أنا سجنت عمي علشان يعلم بما حدث لوالده ويموت من القهر .
تعرف يا فندم :
ـ في بداية شبابنا قبل سنوات كنت أحب واحدة من بنات الجيران ، كانت بيضاء وجميلة كأنها قمر منور ، أخبرته بحبي لها وطلبت منه أن يكتب لي رسالة حب أرسلها إليها ، الملعون رفض ، ثم بدأ يكتب لها رسائل حب ويرسلها مع أحد الأطفال ، ثم فوجئت به يخطبها ويتزوجها ، صدمني موقفه فسافرت وتركت اليمن ، ومن يومها وأنا حاقد عليه ، أنا لم أتزوج حتى الآن ولن أتزوج حتى أشفي غليلي منه .
أبدى المدير دهشته مما سمعه وكتم ضحكة كادت تخرج منه ، لقد وقع الطائر في يده كصيد ثمين ولن يفلت منه إلا وهو منتوف الريش .
بعد أيام كان المدير يطلبه من جديد وحين وصل إليه فاجأه :
ـ للأسف أنا مضطر أفرج عن عمك .
أبدي الشاب استغرابه وسأله :
ـ لماذا ؟ ماذا حدث ؟!
يجيبه المدير وهو ينظر في الأوراق التي أمامه :
ـ لأنه ببساطه لا توجد الآن قضية ضده ، أنت أتهمته بالاستيلاء على الشجر وهو تنازل عنها ، انتهت القضية .
وأضاف :
ـ المشكلة أن معنا لجان تفتيش ستمر على السجون وسيسألون عن ملفه وقضيته فماذا نقول لهم ؟!
يصرخ الشاب كمن عثر على فكرة جديدة :
ـ وجدتها .. سأتهمه بتهمة جديدة .
يتوقف المدير عن القراءة ويسأله :
ـ ما هي التهمة ؟!
ـ سأتهمه بأنه أستولى أوراق تابعة لوالدي .
يضحك المدير قائلا :
ـ سيخرج منها لأن الأمين في منطقتكم والناس سيشهدون معه .
يبدي الشاب حيرة ويضرب كفا بكف ، يقف ويخطو وهو يفكر ثم يسأله :
ـ وما هو العمل يا فندم كي يبقى في السجن ؟!
يعده المدير بأن يخفي عمه نهائيا ، يفرح بهذا الوعد ويسلمه خمسة ألف دولار دفعة واحدة .
بعد رحيل الشاب يطلب المدير عمه ويصارحه بالحقيقة :
ـ ابن أخوك يريد سجنك لينتقم من ولدك عبد الكريم .
يضحك العجوز ساخرا ويهز رأسه ، لم يسأله ماذا فعل نجله بابن عمه ؟ ، هو يعلم مدى تفاهة ابن أخيه وقلة عقله ، يشرد إلى بعيد ويلوذ في الصمت .
المدير رغم حبه للأموال إلا أن الانسان قد أستيقظ داخله في نهاية الأمر ، لقد وخزه ضميره ، يشرد في تفكيره ثم فجأة يأمر بالإفراج عنه .
ـ يا حاج أرجوك ، عد إلى منزلك سرا ، يجب أن تختفي تماما عن الأنظار حتى نؤدب ابن أخيك .
لا تمر عدة أيام حتى يطلب الشاب ، يخبره بأنه قد أخفى عمه في مكان سري ، حتى الجني الأزرق لن يعرف طريقه ، يأخذ منه مبلغا كبيرا من المال ، وهكذا كل أسبوع يأتي به ويفتح قضية عمه ثم يغلقها بألاف الدولارات .!
عندما أكمل الشاب نقوده وغادر القرية عائدا نحو بلاد الغربة غادر عمه منزله إلى حقله وأنهى عزلته .
حين أتصل به المدير للمرة الأخيرة كان هاتفه مغلقا ، لقد غادر اليمن إلى أمريكا وخسر المدير زبونا سكب في جيبه الاف الدولارات التي كانت حصيلة سنوات من العمل الشاق في أحد مصانع السيارات بميتشغان .
وحين عاد إلى المصنع ذات صباح سأله زميله السوري :
ـ بشر حبيبي ما هو المشروع الذي أنجزته في بلدك ؟
ـ ................
ـ أكيد بنيت فيلا في القرية أو اشتريت عقار في المدينة ؟
أجابه بندم :
ـ لقد سجنت عمي .!

*************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى