بعد ألف عام من الآن, سيطوق الناس رؤوسهم بالبَردياتِ الحِنطية, وستخرج الآه من صدورهم مُدَوية لتنام في مسامع الإذاعات الكُبرى؛ والتي سَيضيع مقدموها نصف أعمارهم يَلهثون من الرَكض, ونصفها الآخر سَيحملون أبواقهم (الفضية) للإذاعات المحلية, و(الذهبية لتلك التي تصدر بلغاتِ عِدَة, سيحملونها وهم ينصحون أهالي البلاد بإحكام رَبط البرديات حول رؤوسهم للتَخفيف من عذابات "صُداع الحضارات", وعندما تُرَدد ألسنتهم لفظتي "صدع وحضارات", سيطبقون على أنفسهم تلك التعليمات التي أملوها على الخَلق, وسيركضون إلى الخَلف حتى تصطدم مؤخراتهم بالحائطِ الخالد, عندها وفورًا ستهتز الدنيا من حولهم, وستغمز السماء بعينيها فتبكي السُحب, وتتجمهر الغيوم فوق بعضها في فوضى تعهدها كُلما نما إلى الأعلى صوت ارتطام أرداف الأهالي بالحائط الخالد, ذاك التقليد الذي ستفسره الطبيعة بعد ألف عام بأنه نداء استغاثة لا محالة.
وحينها سينتقل خوف البشر إلى ذرات الهواء, تلك الدافئة ها هي تستحيل دَمعًا وثَلجًا, وها هو الخوف يَلف الجميع, ليبدأ موسم "أمطار الأفكار الخائفة", والتي سيتنبأ بها موسى الفيلسوف عندما تُفاجئه ثورة شباب البلدة, بينما كان يقرأ "عُطيل" لشكسبير, ويضع قدميه في صَحن ماء بارد لأن عقله كان يغلي, وسيهتف بأعلى صوته في حشرجة: لن تنتصر الثورة لأن الخوف أكبر, في تلك اللحظة تحديدًا ستتزحلق إحدى قدميه المُكَرمشتين من صحن الماء, وسيوشك على تقبيل الأرض بفمه عندما ينقلب على وجهه إلا أن زوجته ليلى التي ستضحك من أعماقِ أعماقها على كونه مقلوبًا كما الصرصور, ستمد إليه يدها, وسيؤثر هو شَدها لتُجاوره وضعية الحشرات عن عَمد, لا يكرهها, ولكن سَيمقت فيها التقليد, فهي كما لقبها مجرد قِردة تُقَلد كل ما تراه.
وكَم سَيضيق بعقلها ونكاتها الشعبية الثقيلة! وكَم سيتوق لأن يخنقها بيديه إلا إنه سيخشى أن تُمسيها جريمته أكثر أهمية منه! وهو الفيلسوف الصابر الذي سَتبصِق عقليته يومًا على جهالةِ الجُهلاء!
رغم استنارته وتَحرره من أغلال مجتمعة الفكرية, إلا إنه كان يرى دائمًا أن ثوراتهم لن تنتصر, وعندما سيسأله الصحفي البدين صاحب الأسئلة النبيهة في البلاد عما إذا كان هذا تشاؤمًا زائدًا عن الحَد؟ حينها سيبتلعه فيلسوفنا بعينيه في قرف بالغ وسيسعل في قبضة يده التي غطاها الشعر, وسيقول: مادام الخوف موجودًا, لن تفلح الثورات, وسيكرر على مسامع الناس تلك الكلمة وكأنه يُغَني: ثورات .. ثورات, ولن تفهم يومًا الجدة عائشة ما يقوله الفيلسوف لذا ستقول دومًا بأن جميع الخَلق لديهم أمخاخ , وهذا الرجل استبدل مخه بحذاء!, ستكرهه تمامًا كما تكره الشيطان وجارتها "سوسن", تلك التي ستسقط على رأسها بعد ألف عام مائة فكرة خائفة, عندما تذيع القنوات العالمية أن موسم الأمطار يستهل أولى انتصاراته بفوران فكري من الأعلى, حينها ستبدأ سوسن العَد إلى عشرة, وستدعك وجنتيها بمنشفة المطبخ الخضراء, وستعدو كفتاة عشرينية ساذجة أسفل سموات البلدة وستكون أول امرأة يقتلها الخوف في البلاد, وستكتب عنها الجريدة الرسمية أنها ضحية ومُندَفعة, سيقولون: خرجت بدافع الخوف, وقتلتها مائة فكرة خائفة, وعندها سيسأل موسى الفيلسوف عن رقم الفكرة التي لاقت سوسن حتفها بعدها؟, وسيتنحنح رئيس المجلس المحلي ليُجيب في حَذلقة: وزعنا المظلات على الجميع, وسوسن فقدت مظلتها, الأفكار قاتلة والإهمال أيضًا.
بعد ألف عام من الآن سيضاعف صُداع حضارات أهل البلدة من آلامه, وحينها سيتأوه الناس, وسترتفع أصواتهم ألمًا, وسيأتي اصطدامهم بالحائط الخالد, سترتعب الطبيعة وترتجف, وستقذف بوابل من الأفكار الخائفة, وهناك مَن ستحيل مظلاتهم بينهم وبين الأفكار, وهؤلاء ممَن يحملون المظلات المُلَونة, أما الذين يحملون مظلات سوداء, سيضاعف اللون الأسود من خطورة الفكرة الخائفة الواقعة على رؤوسهم, وبدلاً من أن تكون فكرة واحدة, وتندثر بعد ارتطامها بالمظلة, سيولد من رحمها فكرة أخرى خلال سقوطها, وسيصعب على المظلة الواحدة الصمود أمام فكرتين خائفتين؛ لأن مظلة واحدة لا تقدر على أفكار الخوف ولو كانت من حديد, ذاك المعدن الذي ستظن ليلى أن قلب زوجها الفيلسوف صُنِع منه, ليقينها بأن زوجها يبخل بعلمه عن ناسه الطيبين, ويكتفي كل يوم بجَرجرة عصاه من خلفه, والضرب بها على أرصفة البلدة بأشد قوة يملكها ليحرر نفسه من الخوف, هذا طبقًا لنظريته الأثيرة في علاج الخوف, وفي المستقبل ستصدق ليلى نفسها, وستخرج إلى الشارع لتحكي للناس جميعهم أن زوجها هو مَن يُحَرض السموات عليهم, وعندها سيصدقها البعض, وسيتهمها البعض الآخر بالغيرة, والكذب, وستحلف لهم بأوراقِ البردي الحنطية والفضية, وستلجأ إلى المنطق كغير عادتها, وستقول وهي تدندن بالكلمات وكأنه يَلذ لها أن تراه مُعَذبًا, وستصرخ بملء فيها: إذا كان مثلنا .. لماذا لا يخاف أبدًا؟!
وسيصدقها الناس بالطبع, وسيركض البعض إلى حيث الفيلسوف, وسيدقون رأسه بالعصا التي يستخدمها لتحرير نفسه من الخوف, ولن تصدقوا! حتى عندما ستفلق العصا رأسه نصفين, وعند وقوعه مقلوبًا على وجهه في وضعية ميت بامتياز, سيبحلق فيه الناس عن قُرب, ولن يجدوه خائفًا!, وقبيل أن تطلع روحه للأعالي سيخرج لسانه لزوجته كمَن يغيظها, وابتسم للجَمع وهو يُشير إلى قلبه كمَن يقول: أنا شُجاع.
بعد ألف عام من الآن وبعد موت الفيلسوف الذي لم يخاف يومًا في حياته, ستضاعف آلام صداع الحضارات لدى الناس, وستتساقط مظلاتهم من تلقاء نفسها, وسيضطرون لمواجهة الأفكار الخائفة من دونِ وَسيط, حينها ستغرق البرديات, وبتمزقها بَغتة ستنكشف الأسرار فيها, وستتوقف الأمطار, وستلف الآذان أصوات عواء قادمة من الحائط الخالد, الذي سيتشقق ليخرج منه رجلاً يوجه ملامحة آدمية منحوتة, ولحية اغريقية, وجسد ثعبان الكوبرا الفرعوني, وسيحوم الرجل خلف الناس, وجوارهم وأمامهم, وسيتشمم بحرصِ بالغِ كصانع عطور, وعندها ستفوح رائحة الخوف من أحدهم, سيأتي الرجل من خلفه, ويقضم قضمة من قفاه, وعندها سيلصق بردية ويكتب عليها: جبان!
وهكذا كُلما تفوح رائحة الخوف من أحدهم, سيقضم الرجل العجائبي قضمة من قفاه, ويكتب على برديته رجل جبان.
بعد ألف عام من الآن, سيتوقف الناس عن الخوف ليس بسبب تأملاتهم لكلام موسى الفيلسوف, ولا لإعمالهم المنطق, ولا تنفيذًا لتعليمات الإذاعات الصحية, ولكن لأن رجلاً غرائبيًّا قضم قفا الكثير والكثير منهم, مما خَلف ثقوبًا مُهينَة؛ أدركوا من مدى عُمقها أن وردة الكرامة لا تَنبت في قفا مَصفوع.
وحينها سينتقل خوف البشر إلى ذرات الهواء, تلك الدافئة ها هي تستحيل دَمعًا وثَلجًا, وها هو الخوف يَلف الجميع, ليبدأ موسم "أمطار الأفكار الخائفة", والتي سيتنبأ بها موسى الفيلسوف عندما تُفاجئه ثورة شباب البلدة, بينما كان يقرأ "عُطيل" لشكسبير, ويضع قدميه في صَحن ماء بارد لأن عقله كان يغلي, وسيهتف بأعلى صوته في حشرجة: لن تنتصر الثورة لأن الخوف أكبر, في تلك اللحظة تحديدًا ستتزحلق إحدى قدميه المُكَرمشتين من صحن الماء, وسيوشك على تقبيل الأرض بفمه عندما ينقلب على وجهه إلا أن زوجته ليلى التي ستضحك من أعماقِ أعماقها على كونه مقلوبًا كما الصرصور, ستمد إليه يدها, وسيؤثر هو شَدها لتُجاوره وضعية الحشرات عن عَمد, لا يكرهها, ولكن سَيمقت فيها التقليد, فهي كما لقبها مجرد قِردة تُقَلد كل ما تراه.
وكَم سَيضيق بعقلها ونكاتها الشعبية الثقيلة! وكَم سيتوق لأن يخنقها بيديه إلا إنه سيخشى أن تُمسيها جريمته أكثر أهمية منه! وهو الفيلسوف الصابر الذي سَتبصِق عقليته يومًا على جهالةِ الجُهلاء!
رغم استنارته وتَحرره من أغلال مجتمعة الفكرية, إلا إنه كان يرى دائمًا أن ثوراتهم لن تنتصر, وعندما سيسأله الصحفي البدين صاحب الأسئلة النبيهة في البلاد عما إذا كان هذا تشاؤمًا زائدًا عن الحَد؟ حينها سيبتلعه فيلسوفنا بعينيه في قرف بالغ وسيسعل في قبضة يده التي غطاها الشعر, وسيقول: مادام الخوف موجودًا, لن تفلح الثورات, وسيكرر على مسامع الناس تلك الكلمة وكأنه يُغَني: ثورات .. ثورات, ولن تفهم يومًا الجدة عائشة ما يقوله الفيلسوف لذا ستقول دومًا بأن جميع الخَلق لديهم أمخاخ , وهذا الرجل استبدل مخه بحذاء!, ستكرهه تمامًا كما تكره الشيطان وجارتها "سوسن", تلك التي ستسقط على رأسها بعد ألف عام مائة فكرة خائفة, عندما تذيع القنوات العالمية أن موسم الأمطار يستهل أولى انتصاراته بفوران فكري من الأعلى, حينها ستبدأ سوسن العَد إلى عشرة, وستدعك وجنتيها بمنشفة المطبخ الخضراء, وستعدو كفتاة عشرينية ساذجة أسفل سموات البلدة وستكون أول امرأة يقتلها الخوف في البلاد, وستكتب عنها الجريدة الرسمية أنها ضحية ومُندَفعة, سيقولون: خرجت بدافع الخوف, وقتلتها مائة فكرة خائفة, وعندها سيسأل موسى الفيلسوف عن رقم الفكرة التي لاقت سوسن حتفها بعدها؟, وسيتنحنح رئيس المجلس المحلي ليُجيب في حَذلقة: وزعنا المظلات على الجميع, وسوسن فقدت مظلتها, الأفكار قاتلة والإهمال أيضًا.
بعد ألف عام من الآن سيضاعف صُداع حضارات أهل البلدة من آلامه, وحينها سيتأوه الناس, وسترتفع أصواتهم ألمًا, وسيأتي اصطدامهم بالحائط الخالد, سترتعب الطبيعة وترتجف, وستقذف بوابل من الأفكار الخائفة, وهناك مَن ستحيل مظلاتهم بينهم وبين الأفكار, وهؤلاء ممَن يحملون المظلات المُلَونة, أما الذين يحملون مظلات سوداء, سيضاعف اللون الأسود من خطورة الفكرة الخائفة الواقعة على رؤوسهم, وبدلاً من أن تكون فكرة واحدة, وتندثر بعد ارتطامها بالمظلة, سيولد من رحمها فكرة أخرى خلال سقوطها, وسيصعب على المظلة الواحدة الصمود أمام فكرتين خائفتين؛ لأن مظلة واحدة لا تقدر على أفكار الخوف ولو كانت من حديد, ذاك المعدن الذي ستظن ليلى أن قلب زوجها الفيلسوف صُنِع منه, ليقينها بأن زوجها يبخل بعلمه عن ناسه الطيبين, ويكتفي كل يوم بجَرجرة عصاه من خلفه, والضرب بها على أرصفة البلدة بأشد قوة يملكها ليحرر نفسه من الخوف, هذا طبقًا لنظريته الأثيرة في علاج الخوف, وفي المستقبل ستصدق ليلى نفسها, وستخرج إلى الشارع لتحكي للناس جميعهم أن زوجها هو مَن يُحَرض السموات عليهم, وعندها سيصدقها البعض, وسيتهمها البعض الآخر بالغيرة, والكذب, وستحلف لهم بأوراقِ البردي الحنطية والفضية, وستلجأ إلى المنطق كغير عادتها, وستقول وهي تدندن بالكلمات وكأنه يَلذ لها أن تراه مُعَذبًا, وستصرخ بملء فيها: إذا كان مثلنا .. لماذا لا يخاف أبدًا؟!
وسيصدقها الناس بالطبع, وسيركض البعض إلى حيث الفيلسوف, وسيدقون رأسه بالعصا التي يستخدمها لتحرير نفسه من الخوف, ولن تصدقوا! حتى عندما ستفلق العصا رأسه نصفين, وعند وقوعه مقلوبًا على وجهه في وضعية ميت بامتياز, سيبحلق فيه الناس عن قُرب, ولن يجدوه خائفًا!, وقبيل أن تطلع روحه للأعالي سيخرج لسانه لزوجته كمَن يغيظها, وابتسم للجَمع وهو يُشير إلى قلبه كمَن يقول: أنا شُجاع.
بعد ألف عام من الآن وبعد موت الفيلسوف الذي لم يخاف يومًا في حياته, ستضاعف آلام صداع الحضارات لدى الناس, وستتساقط مظلاتهم من تلقاء نفسها, وسيضطرون لمواجهة الأفكار الخائفة من دونِ وَسيط, حينها ستغرق البرديات, وبتمزقها بَغتة ستنكشف الأسرار فيها, وستتوقف الأمطار, وستلف الآذان أصوات عواء قادمة من الحائط الخالد, الذي سيتشقق ليخرج منه رجلاً يوجه ملامحة آدمية منحوتة, ولحية اغريقية, وجسد ثعبان الكوبرا الفرعوني, وسيحوم الرجل خلف الناس, وجوارهم وأمامهم, وسيتشمم بحرصِ بالغِ كصانع عطور, وعندها ستفوح رائحة الخوف من أحدهم, سيأتي الرجل من خلفه, ويقضم قضمة من قفاه, وعندها سيلصق بردية ويكتب عليها: جبان!
وهكذا كُلما تفوح رائحة الخوف من أحدهم, سيقضم الرجل العجائبي قضمة من قفاه, ويكتب على برديته رجل جبان.
بعد ألف عام من الآن, سيتوقف الناس عن الخوف ليس بسبب تأملاتهم لكلام موسى الفيلسوف, ولا لإعمالهم المنطق, ولا تنفيذًا لتعليمات الإذاعات الصحية, ولكن لأن رجلاً غرائبيًّا قضم قفا الكثير والكثير منهم, مما خَلف ثقوبًا مُهينَة؛ أدركوا من مدى عُمقها أن وردة الكرامة لا تَنبت في قفا مَصفوع.