لن يتخلف أحد اليوم، فمن يمكنه الغياب عن فرح يقيمه أبو إسماعيل لابنه الوحيد؟
كل منهم يمني النفس برؤية أبو إسماعيل وهو يرقص، فإسماعيل هو عريس اليوم، والأب الذي رقص في أفراح الجميع لن يترك عصاه اليوم ولن يجلس لحظة، سيرقص كما لم يرقص من قبل، سيعود لسابق عهده، قبل أن يسقط من فوق النخلة، طيبة قلبه ودعاء الناس له كانا كجناحين تلقفا الجسد حين تمزق الحزام الذي يربطه بالنخلة، وهبطا به كطائر يحط بطيئا على الأرض، لكنه حط فوق بقعة عجفاء فآذته، رقد أياما في مستشفى المدينة القريبة وثلاثة أشهر في منزله، لم يكن ضجرا متبرما، كان يقبل يديه وجها لظهر ويقول "الحمد لله الذي كتب لي عمرا ثانيا"، في الشهر الرابع عاد لمواصلة حياته العادية، يزرع قراريطه، يجامل الناس في كل المناسبات، لكن هناك أشياء تغيرت فيه، مشيته أصبحت أبطأ، وفقد رشاقته وخفة حركته حين يرقص، والعصا أصبح يتوكأ عليها، يدب بها على الأرض بعد أن كان يشق بها الفضاء، فأصبح ينظر إلى النخلات بأسى وكأنه يلومها، أو يتوعدها حينما يطلعها في موسم طرحها القادم.
شباب كثيرون حاولوا تقليد رقصه لكن فشلوا على الرغم من أنه حاول تدريبهم وتصويب حركاتهم، فتحسن رقصهم لكن لم يحظ أي منهم بقدر من الإعجاب، فمهما أجادوا يقارن الناس بين رقصهم ورقص أبو إسماعيل، يرونه أفضل من الجميع، يرددون المثل "ولا كل من ركب الحصان خيال"، ويضيفون "وليس كل من أمسك بالعصا راقص"، والراقص سيرونه اليوم في فرح ابنه الوحيد، فليذهب الجميع.
تحلقوا من حوله مصفقين، فخلع الشال الأبيض عن رأسه، ربطه حول وسطه ورفع العصا، صخب تصفيقهم يغطي على صوت الطبل والمزمار، يضرب الفضاء بعصاه ويدور حول نفسه دورتين، يملأ الهواء جلبابه، يمني نفسه بأن يطير، فيدور دورتين أخريين، يؤلمه ظهره ويشعر بثقل العصا، يضرب الأرض بعصاه، جاعلا منها محورا لدورانه، ثوان ويكف، يد تزيد قبضتها على العصا، والأخرى التي كانت تزيد من محيط دورانه ترتد إلى وسطه، تضغط عند موضع انبثاق الألم، يسأله الناس:
_ وقفت ليه؟
_ أكمل
تعلو الهمهمات، يظنونه في محاولة ابتكار رقصة جديدة، اليد القابضة على أعلى العصا تنزل تدريجيا، ومعها يقترب الراقص من الأرض ببطء، حتى يقعى مستندا على عصاه، يفرد ظهره وكأنه يستند إلى جدار غير مرئي، واليد التي تضغط على موضع الألم تفك الشال عن وسطه، يمسح به عرقا ملأ جبهته، يقترب منه أحد المصفقين، يساعده على النهوض، ويطلب من الناس أن يبتعدوا قليلا ليتمكن الرجل من شم الهواء، تتسع الدائرة من حوله ويبتعد الناس، وتسكت الهمهمات والغمغمات، فيرفع عصاه يلوح بها في الهواء وكأنه سيعود للرقص، لكنه فجأة يضرب بها الأرض حينما يصله كلام وضحكات البعض:
_ خلاص راحت عليه، لن يأخذ زمنه وزمن غيره.
تضرب عصاه الأرض بأسى، يقاوم الدموع التي تصر أن تغلبه، يستسلم لها حينما يصيح أحدهم:
_ العريس وصل
تنهمر دموعه فتنفلت العصا من قبضته، يدعها تتمدد فوق الأرض، ينحني ليرفع ذيل جلبابه، يضعه بين أسنانه، يضج الناس بالضحك وهم يرونه يجري بخفة باتجاه العريس الذي فتح ذراعيه عن آخرهما.
كل منهم يمني النفس برؤية أبو إسماعيل وهو يرقص، فإسماعيل هو عريس اليوم، والأب الذي رقص في أفراح الجميع لن يترك عصاه اليوم ولن يجلس لحظة، سيرقص كما لم يرقص من قبل، سيعود لسابق عهده، قبل أن يسقط من فوق النخلة، طيبة قلبه ودعاء الناس له كانا كجناحين تلقفا الجسد حين تمزق الحزام الذي يربطه بالنخلة، وهبطا به كطائر يحط بطيئا على الأرض، لكنه حط فوق بقعة عجفاء فآذته، رقد أياما في مستشفى المدينة القريبة وثلاثة أشهر في منزله، لم يكن ضجرا متبرما، كان يقبل يديه وجها لظهر ويقول "الحمد لله الذي كتب لي عمرا ثانيا"، في الشهر الرابع عاد لمواصلة حياته العادية، يزرع قراريطه، يجامل الناس في كل المناسبات، لكن هناك أشياء تغيرت فيه، مشيته أصبحت أبطأ، وفقد رشاقته وخفة حركته حين يرقص، والعصا أصبح يتوكأ عليها، يدب بها على الأرض بعد أن كان يشق بها الفضاء، فأصبح ينظر إلى النخلات بأسى وكأنه يلومها، أو يتوعدها حينما يطلعها في موسم طرحها القادم.
شباب كثيرون حاولوا تقليد رقصه لكن فشلوا على الرغم من أنه حاول تدريبهم وتصويب حركاتهم، فتحسن رقصهم لكن لم يحظ أي منهم بقدر من الإعجاب، فمهما أجادوا يقارن الناس بين رقصهم ورقص أبو إسماعيل، يرونه أفضل من الجميع، يرددون المثل "ولا كل من ركب الحصان خيال"، ويضيفون "وليس كل من أمسك بالعصا راقص"، والراقص سيرونه اليوم في فرح ابنه الوحيد، فليذهب الجميع.
تحلقوا من حوله مصفقين، فخلع الشال الأبيض عن رأسه، ربطه حول وسطه ورفع العصا، صخب تصفيقهم يغطي على صوت الطبل والمزمار، يضرب الفضاء بعصاه ويدور حول نفسه دورتين، يملأ الهواء جلبابه، يمني نفسه بأن يطير، فيدور دورتين أخريين، يؤلمه ظهره ويشعر بثقل العصا، يضرب الأرض بعصاه، جاعلا منها محورا لدورانه، ثوان ويكف، يد تزيد قبضتها على العصا، والأخرى التي كانت تزيد من محيط دورانه ترتد إلى وسطه، تضغط عند موضع انبثاق الألم، يسأله الناس:
_ وقفت ليه؟
_ أكمل
تعلو الهمهمات، يظنونه في محاولة ابتكار رقصة جديدة، اليد القابضة على أعلى العصا تنزل تدريجيا، ومعها يقترب الراقص من الأرض ببطء، حتى يقعى مستندا على عصاه، يفرد ظهره وكأنه يستند إلى جدار غير مرئي، واليد التي تضغط على موضع الألم تفك الشال عن وسطه، يمسح به عرقا ملأ جبهته، يقترب منه أحد المصفقين، يساعده على النهوض، ويطلب من الناس أن يبتعدوا قليلا ليتمكن الرجل من شم الهواء، تتسع الدائرة من حوله ويبتعد الناس، وتسكت الهمهمات والغمغمات، فيرفع عصاه يلوح بها في الهواء وكأنه سيعود للرقص، لكنه فجأة يضرب بها الأرض حينما يصله كلام وضحكات البعض:
_ خلاص راحت عليه، لن يأخذ زمنه وزمن غيره.
تضرب عصاه الأرض بأسى، يقاوم الدموع التي تصر أن تغلبه، يستسلم لها حينما يصيح أحدهم:
_ العريس وصل
تنهمر دموعه فتنفلت العصا من قبضته، يدعها تتمدد فوق الأرض، ينحني ليرفع ذيل جلبابه، يضعه بين أسنانه، يضج الناس بالضحك وهم يرونه يجري بخفة باتجاه العريس الذي فتح ذراعيه عن آخرهما.