هجيرة نسرين بن جدو - تنظيم الوقت في تجربة نجيب محفوظ.

تنظيم الوقت هو السر وراء غزارة إنتاج الكاتب، فالموهبة العظيمة وحدها لا تصنع كاتبا كبيرا و إنما الكاتب في عصرنا المضطرب هو الذي يأخذ عمله و رسالته التي كرس لها حياته بجدية و صرامة لا تعرف الهوادة، و لذلك فهو يضع لعمله برنامجا زمنيا لا يحيد عنه منذ البدء بالكتابة.
لما سئل نجيب محفوظ عن سر توفيقه بين الفن و الحياة الإجتماعية أجاب:
"هو المعروف عني بل و يعاب عليا كما أن الكثير يقولون لي أن الفن ليس هكذا... الفنان لا ينكر أن يكون منصبا... الفنان فوضوي و ساهر ... إلخ... و الحقيقة أنا فرض عليا التنظيم لتعدد الهوايات حتى و أنا طالب لأنني كنت أريد أن أكون "طالبا يجب أن ينجح" لأن ظروف حياتي لا تسمح لي بالرسوب، و في الوقت نفسه أنا رجل لاعب كرة فيجب أن ألعب كرة ، و أحب السينما فيجب أن أذهب إلى السينما يوم الخميس، و أحب أن أسمع لأم كلثوم فيجب أن أستمع لأم كلثوم... فكيف نجمع بين كل هذا؟
بالتنظيم، و هو أن تعطي لكل شيئ وقت ، إن تركت هذا الوقت وراء ظهرك إما أن تكون لاعب كرة فاشلا أو موظفا فاشلا. فتنظيم الوقت من تعدد الهوايات.
بعد أن توظفت كان كل المتاح لي هي الفترة التي بعد الظهر ، فإما أن أنظمها و أثقف نفسي و أكتب و إما أن تذهب عليا، و خصوصا أن حب الثقافة و القراءة لم أنقطع عنه أبدا ، فكان لابد من أن أتنظم، فهذا التنظيم فرض عليا فرضا من أجل حياتي الأدبية ، فالحقيقة أنني كنت أقلق و أنهض في الثالثة ليلا و أجد أن الرغبة تأخذني للكتابة، و أعلم أنني سأصحى باكرا لأذهب لعملي في وزارة الأوقاف [ضروري و أمضي في الساعة] فأترك نشوة الكتابة و أنام و أقول سؤأجلها، فكان يجب أن أكتب ما بين الرابعة زوالا و السابعة مساءا، و بالتعود بدأت نشوة الكتابة تأتي. هذه هي النقطة التي تغيب عن الكثير، مثل أن تعود نفسك أن الغذاء الساعة الثانية زوالا ففي الثانية إلا ربع تجد نفسك أنك ستموت جوعا. فالخطأ أن تظن أنك تكتب و لا رغبة لك في الكتابة ، إنما الرغبة دخلت التنظيم فبدأت تأتي في وقتها.
السنة بالنسبة لي تبدأ في أكتوبر و تنتهي في أبريل، لأنه بعد ذلك لا أصلح لأي شيئ ، في هذا الوقت أتفرغ للكتابة إلا الخميس و الجمعة، أما فترة العطلة الطويلة عندما تكون هناك فكرة ، و أنا أتفسح على شاطئ النيل أو أنا جالس في مقهى أشتغل بطبيعة تلقائية فتجدني أكتب في أول الرواية و لكنني أفكر في نهايتها ، أو أتوقف هنا أو هناك... و هكذا ، و لما تبدأ السنة تكون هناك أشياءا كثيرة قد حصلت.
في بعض االأحيان، قليل من الكتابات أبدأها من الصفر لما تكون في القصص القصيرة التي لا أستطيع أن أجربها في الرواية و أضيع السنة كاملة.
التنظيم لا يختلف عن التلقائية ، لأن التنظيم مسبوق بتلقائيات في ظروف عديدة ، مثل أن تكون جالسا في مقهى أو أثناء الأكل و عند الذهاب للنوم ... قد تحصل أشياءا ، أليست هذه كلها تلقائيات ؟ لكنها تحتاج تنظيما".
حسن إدارة الوقت ، الإبداع و الإستفادة من الوقت أمثل إستفادة جعلت من نجيب محفوظ الكاتب المبدع و الأديب العربي الأول الذي تحصل على جائزة نوبل للأدب.
لنجيب محفوظ رحلة طويلة و مثيرة مع فن السينما، فما مدى علاقة الأدب بالسينما و الدراما؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى