سيدة بن جازية - قدّيسة

لم يرد إزعاجها، أغلق الباب بكل لطف كالمعتاد وغادر البيت إلى الدكان اقتنى ما يلزم للفطور ثم توجه ناحية الفطائري واشترى الفطائر اللذيذة التي كانت تشتهيها بل تحن إليها كلما تذكرت حنو والدها رحمه الله، يمر بالخضار يتزود بكيسي غلة يصنع منهما عصيرا حلوا ثم يعود أدراجه، يحاول فتح الباب بكل تؤدة حتى لا يحدث ضجة يتوجه بسرعة نحو المطبخ، يعد الإفطار والطاولة على أنغام فيروز الهادئة يوقظها مع قبلة الصباح الجميلة،.
_ آه ! تأخرت كالعادة في النهوض سامحني، عزيزي لن أكررها.
_ لا لن أسمح لك بالنهوض والتعب إنك تحملين ابني، فلذة كبدي يترعرع بين دواخلك، على كفوف الراحة سأرعاكما.
_ هذا دلال لم أحلم به قط، دع عنك، سأضطلع بكل الأمور.
_دعي عنك عنادك المعتاد، انتبهي إلى ابني، لن أرحمك إن أصابه مكروه.
_ سأحاول ما استطعت.
مرت الأشهر الثلاثة بين توجع وألم الوحم و الغثيان حتى استفاقت ذات يوم على شعور غريب، أخبرت زوجها بالأمر فحملها على جناح السرعة إلى الطبيب المختص، انتظرت دورها وما إن انهت المقابلة حتى انقلبت حياتها رأسا على عقب، لقد فقدت الجنين، لقد انتهت مهمته بسرعة كبيرة.
عادت تجر أذيال الخيبة، حدجها بنظرة ملؤها التقريع، حاولت امتصاص غضبه " سيعوضنا الله خيرا " .
_ من أين سيأتي الخير، لم أشأ أن أخبرك أن أيامي معدودة، بعد أن أجريت آخر التحاليل تبينت إصابتي بذلك اللعين، لم أخبر أحدا أخبرني الطبيب بمهلة لن تتجاوز السنة و تنتهي حياتي، كنت أحلم بذلك الطفل، صدى صوته يرن بين أذني.

أغمي عليها لهول الصدمة تركها بين إغماءة وفجيعة وذهب ليخفي رأسه في الرمل.
رن الجرس، لم يفتح أحد، خلعوا الباب وسارعوا لإنقاذها، في قسم الاستعجالي، يزفون لها البشرى الجنين لا زال قلبه ينبض رغم خطورة حال الأم، مكثت لأسابيع بالمشفى أين تلقت الرعاية الكافية فتحسنت حالها وحال الجنين ولم تعد تفصلها عن لحظة المخاض السعيد إلا بعض الأسابيع، فأمكنها مغادرة المكان إلى بيت والديها حيث الرعاية و الاهتمام دون حسابات ضيقة وأنانية الزوج البغيض.
حاول أن يزورها لمرات لكنه لم يجد جرأة كافية فاكتفى بالاتصالات الهاتفية بين الفينة و الأخرى متناسيا كل الأوجاع و الجماعات، حتى جاءها المخاض، نقلت على جناح السرعة إلى المشفى تحرصها العناية الإلهية و دعاء القلوب الصادقة ، رأى ابنهما النور، كان بهي الطلعة سليما معافى فسمته قبل أن تفارق الحياة أحمد الله ، تاركة لوعة بين قلوب محبيها، حزنت لأجلها الأرض والسماء واستقبلت روحها النقية بتهاليل المطر و غضب الرعد و البرق المكفهر.

حمله والده إلى بيت جده وقد أوكل لهم رعاية أحلامه فاقترحوا عليه الزواج بأختها بعد الأربعين كي لا يتعذب هذا الرضيع من ويلات اليتم والشتات ، فوافق بعد تردد غير آبه بالعروس.
يوم الزفاف حمل ابنه وزوجته وقفلوا عائدين إلى نفس الشقة، مرت السنة كالحلم، يرقبون الصغير أن يكبر وبعض المفاجآت و التكهنات...

لم يمت، لم يتطور به الألم، فزار الطبيب ليبشره بالمعجزة، لقد اختفى الورم منذ أكثر من أربعين يوما، لم يفهم السر، لماذا اقترن ورمه بمومتها، هل كابدت همه واستأصلته، كل المعجزات حققتها لي قبل رحيلها، أقسم منذ ذلك اليوم أن يعيش وفيا لذكراها ولا يقترب من امرأة مهما حصل.

سيدة بن جازية / تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى