د. سيد شعبان - سؤال عن الشجر!

حاولت أن ألملم جراحي التي نزفت، تمضي السفينة إلى وجهتها التي تسير فيها، أخبرني بأنه راحل عما قريب؛ حين هاتفته كان صوته متهجدا، أسرعت إلى لقائه غير عابيء بالليل الذي خيم على المكان، أدركته وقد سرت صفرة الموت في جسده، هزأ بجزعي؛ يكره الضعف الذي يخور أمامه الرجال، استدعى كل أحبته ليودعهم، سألني عن أشجاره كيف تركتها وحدها!
من يعتني بعده بها؟
اجمع حبات الليمون قبل أن يصيبها العطب؛ بعها فالمال يا بني عصى الفقير وسند الغريب، والعنزات لا تتركها تفترس أوراق الشجر، هذه الأرض سأتركها لكم لتعتاشوا منها، تلفت إلى الصغار الذين أحاطوا بفراشه؛ كان أشبه بولي يهب أحبابه نفس الحياة الأخير.
يوسف يتلو "يس" كم كان يحبه؛ يراه صورة منه، يداعبه في حنو، حين هاتف الصغار منذ فترة أخبرهم بأنه سيأتي إليهم ولن يغادرهم، كان له مع ربه سر.
تمهلت قليلا ثم أخبرته: قريبا ستعود إليها وترويها، أنت بخير؛ لم تهزمك الشدائد التي عاركتها، حين تمطر السماء ستأتي فالشتاء من غيرك لا يقاوم، ابتسم ثم أردف: حان موعد الرحيل يا ولدي.
إلى أين يا أبي؟
هناك من ينتظرني، ثمانون عاما يا بني زمن طويل يجب علي أن أركب دابتي وأرتحل إلى الجهة الأخرى، أحبتي أنا على موعد معهم.
انتابتني رعدة؛ هل حقا حان موعد رحيله إلى العالم الذي يسكنه الطيبون؟
إنهم هناك ينتظرونه، ليكمل معهم حكيه الذي توقف هنا، ربما يسألونه عنا، أو لعل لهم شأنا آخر.
كثيرا ما أمسك بمنجله وفأسه؛ كان يبدع بهما وشيا جميلا، والآن أراه وقد توجه إلى القبلة وقد رفع يديه مكبرا؛ ياله من ولي صلى العصر؛ على عجل أتم صلاته؛ أرخى يديه، ابتسم وهو محاط بأحبته، صار طيفا علويا، سريعا مع دخول الليل سكن بيته الآخر، كما تغيب الشمس وتذهب إلى الضفة الأخرى من العالم العلوي ارتحل.
انتابني الذهول، حاولت أن أناديه؛ جف الصوت في حلقي، يغشى البيت حزن، يتأوه الباب الذي شهد خروجك من عتبته إلى هناك.
بدأت الذكريات تعاودني؛ تلح علي في شغب متواصل؛ أتلمس ثيابه وأتنفس ذلك الهواء الذي سكن حجرته، في حنو داعبت عصاته.
يغمرني ملح دموعي المثقلة بالحزن؛ تحاصرني الوحشة؛ يتملكني الخوف فقد رحل الجدار الذي كنت أحتمي به؛ شرعت أغلق النوافذ جيدا؛ أتأكد مرة ومرة من قفل البيت، أنام بنصف عين، يزورني طيفك يهبني العصا، أقوم مسرعا فأجد السماء تمطر، يرن في الخلاء صوت المؤذن!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى