أسامة إسبر - في بار إيرلندي

في شارع نورث كلارك في شيكاغو
حيث يحرس المتسولون المفارق
ويتوزعون مثل ضربات ريشة سريالية
على كانفاس المدينة،
يقع بار ”غالاوي آرمز“.
كان باراً إيرلندياً
يحتفي كل عام بجيمس جويس.
داخل جدرانه الخشبية الداكنة،
وأنت تحدق بكأس بيرة سوداء،
تفتتح به المساء
في جو معتم،
ترفرف فيه ألحان إيرلندية
تحلق من الكمنجات كأنها أجنحة فراشات
تدخل في رأسك باحثاً عن عروق للتواصل
كما لو أنه منجم مهجور.
تجلس في زاوية،
تستسلم قليلاً لصور بلاد أخرى،
لشاطئ صخري
ينبثق فجأة في ذهنك
يريد أن يقنعك أن هذا البار يتوضع عليه.
قُرئت قصائد لجيمس جويس،
ومقاطع من رواياته،
وتحدث أحدهم عن ”يوليسيس“
وآخر عن ”صورة الفنان في شبابه“.
كان يا ما كان في سنة غابرة بار
كنت أذهب إليه
وكانوا يسألونني عن الشرق الأوسط
فأقول لهم مازحاً:
ستذوب خريطته في خرائط أخرى،
وستخرج منها خطوط تلتف بلا توقف
وتواصل الدوران
دون أن تعثر على أرض ترتسم فوقها.
كان يا ما كان
خطوطُ خريطة تدور
في مطلع رواية غير مكتوبة
وكان الآباء ينظرون من خلال الزجاج
إلى وجوهنا التي سبقتْهم في الكهولة
مستغربين كيف أن النطفة
التي خرجت من صلبهم
لم تعد تشبههم
وضاعت في خطوط خرائط
ما تزال تدور
في فراغ لا يكفّ عن الاتساع.
كان يا ما كان
وأنهيت كأسي الخامسة
دون أن أضلّ الطريق إلى نفسي
غير أنني وأنا أسير
عائداً في شارع نورث كلارك
نحو نورث بارك ويست
صرتُ ضربة ريشة سريالية
على كانفاس الشارع
وخلتُ لوهلة أنني
أبكي على أطلال خريطة ممزقة
متضايقاً من أنني كنت أقف
فيما كان المكان مليئاً بالكراسي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى