عبدالله قاسم دامي - معقل الجنرال...

إنها السابعة والنصف صباحا، هدوء يعم شواطئ البحر الكاريبي وكأن أمواجه في نوم عميق، ثمة نسائم تداعب أوراق الغابة المطلة على شمال المطار، وفي الشرق ما وراء سلاسل الجبال لم تبرز الشمس أنيابها بعد.

برودة ساحرة ترحّب الضيوف وتودّع المغادرين، أجنحة طائرة تقارب ملامسة المياه ثم تنحدر نحو المدرج في مطار متهالك شبه خالٍ، بضع طائرات دولية من طراز الأيرباص، مقاتلات محطّمة من حقبة السوفييت، كوبا أيرلاين المتوجهة دوماً نحو بنما، رجل يحمل في يده لافتة حمراء يؤشر إلى كابتن الطائرة.

صمت رهيب، خوف يقلقني، رجاء ينتظرني وبؤس أخشاه، يُخيل إلي وكأني هبطت إلى إحدى القبور الضيقة السوداء، أهكذا استغربها آدم عندما هبط إلى الأرض فوجدها ساكتة صمّاء!

لا أدري لماذا أخذني الزمن هناك، معقل الجنرالات المنبوذين في أقصى القارّة اللاتينية البعيدة، التيه ربّما، الشقاء أو لعلها كانت من إحدى حظوظي السيئة. إنني يا سادتي على دراية بأن ثمة حرب معلنة بين حظي وأنا، لم يرحمني أبداً، إلا أنه لم يودّعني السجن بعد.

العنصرية تفوق الخيال، إنها في كل مكان، ولكن كونك أسمراً تعني حزناً آخر وشقاءاً بلا نهاية، آه يمكن فرزك ببساطة والإعتداء عليك بسهولة، إن لها يا سادتي مرارة غريبة وذكريات لا تُنسى. كانت نظرات الجنرال نحوي تخبرني بكل شيء، كان رجلا أبيضا طويلا، على كتفه شارة بيضاء كتبت عليها بخط أحمر NCA كان يجلس في كرسي مخصص للمراقبة، كان صامتا كالحجر ذو نظرات ثاقبة ووجه عبوس، أقدر أحلف أنه أباد قرى كاملة إبان الحرب الأهلية الفنزويلية.

بنادق في كل ناحية وزاوية، لوحة رسمية لتشي جيفارا، صورة ملونة لجوزيف ستالين، جنرال آخر لعين ساكت كالصنم يتحرك بين الصفوف. هنودٌ تعساء، عربٌ لاجئون وأفارقة تم إيقافهم تحسبهم أسرى في إحدى الحروب العرقية.

"أريد أن أواصل رحلة دولية أخرى نحو الجنوب الكاريبي"
"جيّد، إنتظر هناك، ولكني لا أعرف لماذا سيعبر إفريقيٌ مثلك هناك".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى