رسائل الأدباء رسالة من ريم نجمي الى طارق امام

عزيزي طارق إمام،

قرأت روايتك "طعم النوم" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية وهي أول رواية أقرأها لك. فاجأني العمل وسعدت بقراءته كثيرا ولا أبالغ إن قلت إنك أصبحت واحدا من كتابي المفضلين. أعترف لك بسر أني لا أقرأ الروايات العربية كثيرا، وهو أمر يعيبني بالتأكيد، لكن هذا راجع لخيبات قرائية متتالية وأيضا إلى نصيحة تلقيتها من كاتب مغربي، شخص قريب أثق في آرائه، كان قد نصحني في بداياتي أن أقرأ الأدب العالمي لأتعلم الكتابة وأن أقرأ الروايات العربية من باب المتابعة فقط، باستثناء أسماء محددة غير مختلف على جودة نصوصها. [/HEADING]

[HEADING=2]قرأت روايتك وتورطت في سطورها وفي عوالمها الغريبة، أستطيع أن أقول أعجبتني الرواية دون أن أستطيع تبرير إعجابي بأدوات نقدية لا أمتلكها في الحقيقة.[/HEADING]

[HEADING=2]غلاف روايتك جميل جدا وتلك الورود تجعل لروايتك رائحة جميلة تغري بقراءتها، هكذا يشكل الغلاف عتبة مثيرة لدخول نصك لكنها عتبة خادعة في الوقت نفسه، لأن وجه فتاة الغلاف يوحي بالاسترخاء والطمأنينة، وهو إحساس مختلف عن شعور الفتاة في روايتك، لكن عندما أطلتُ تأمل وجهها هُيّأ لي أنها ربما تصطنع النوم وستفتح عينيها فجأة على طريقة أبطال أفلام الرعب. [/HEADING]

[HEADING=2] أثناء القراءة استحضرت طبعا رواية كاوباتا التي كنت قد قرأتها في مراهقتي بينما لم أقرأ رواية ماركيز "ذكرى غانياتي الحزينات". هكذا تلقيت نصك كمعارضة أولى لرواية "منزل الجميلات النائمات" وكأنك أول من يفعل ذلك. سمعت صوت الفتاة لأول مرة وعرفت ما يدور في رأسها وكأنك لا تكتب نصك فقط وإنما تكمل بشكل ما نص كاوباتا الذي بقي راسخا في ذاكرتي، كنص جميل ومرهق بالنسبة إلى الفتاة الصغيرة التي كنتها. أذكر جيدا أني كنت أنتظر استيقاظها من غفوتها أن أسمعها، إلى أن انكسر الانتظار بنهاية الرواية.[/HEADING]

[HEADING=2] أعتقد أنه يمكن قراءة عملك دون أن يكون القارئ بحاجة ماسة لقراءة نصي كاوباتا وماركيز لكن لم أستطع أن أقرأ روايتك بمعزل عن ذكريات قراءتي لرواية "منزل الجميلات النائمات" ولا بمعزل عن صور أخرى من فيلم ألماني كنت قد شاهدته مبني على رواية كاوباتا وصور فيلم أسترالي متأثر بالرواية نفسها، غير أن النائمة فيه اختارت أن تنتقم بالتصوير، إذ وضعت كاميرا خفية صغيرة في الغرفة، لتشاهد ما يحدث معها وهي تحت التخدير.[/HEADING]

[HEADING=2]قرأت روايتك على الآيباد في نسخة إلكترونية فلم أكن أعرف حجمها لكني قرأتها بسرعة وكأن حبلا خفيا كان يسحبني برفق حتى النهاية فيما يشبه دخول "حلم شخص آخر". الأحلام تتداخل أحيانا، قلت ذلك عندما قرأت جملتكَ: "الكتابة انتقام أيضا" لأن هذه الجملة التي وردت في الصفحات الأولى من روايتك هي الجملة نفسها التي كتبتها -قبل أن أقرأ روايتك - في روايتي الأولى والتي ستصدر بالمناسبة عن دار النشر نفسها التي خرجت منها "طعم النوم". تلك الجملة كانت أساسية في نهاية روايتي وأعترف أني غيّرتها حتى لا تبدو هاربة من حلمكَ. فاستبدلت كلمة الكتابة بكلمة التذكر وصارت عكس جملة صديقنا بورخيس "النسيان هو الانتقام الوحيد" لكن في النهاية لم يختلف المعنى كثيرا، فالكتابة هي نوع من أنواع التذكر. بالمناسبة جملة بورخيس عن النسيان، كان قد قالها قبله الشاعر والمسرحي الألماني شيلر لكنها اشتهرت أكثر على لسان الكاتب الأرجنتيني.[/HEADING]

[HEADING=2] انبهرت باختيار عوالمك، أعتقد أن تحليقك عاليا في الخيال والذهاب بعيدا إلى مستويات عالية جعلني أفكر، كروائية في مرحلة التعلم، في جرأتك وقدرتك التي لا أمتلكها، فلازلت على الأرض متشبثة بنص متخيل و"واقعي". رغم ذلك كان "لطعم النوم" طعم آخر بالنسبة إليّ وهو "طعم الطمأنينة " لماذا؟ لأن روايتك أكدت لي بشكل ما، كروائية مبتدئة، صحة رهاني على كيفية الكتابة وتناول الموضوع. فقد كتبتُ رواية قصتها بسيطة تكاد تكون فكرتها عادية لكن قلت لنفسي: "المهم كيف سأتناولها" وهكذا جاء الجواب ناعما وشافيا من سطور روايتك.[/HEADING]

[HEADING=2] أحببت كذلك تقنياتك وتعلمت منها: توظيف القصاصات، دخول الكاتب كشخصية في النص الروائي، الكتابة عن الكتابة، توظيف النص التراثي، توظيف التاريخ دون أن يصبح ثقيلا على الرواية...ولا أبالغ إن قلت إن تقنياتك ذكرتني بنصوص عالمية لكتاب كبار وأستحضر بالأخص بول أوستر. أما لغة الرواية فهي لغة أنيقة ومعتنى بها على عكس بعض الأعمال التي تكون فكرتها جيدة لكن ترهقها لغتها. دعني أقول إنها لغة روائي يرتدي قبعة شاعر. من الواضح أن الجمل نحتت بعناية. لا أعرف كيف تبني نصك الروائي لكن كان لدي انطباع أن بعض الفقرات والجمل كتبت مستقلة كقصائد نثرية ثم حكتها بدقة مع باقي الفقرات دون أن تترك أثرا. إنها صور رائعة وقصائد وجمل قوية هزتني عندما قرأتها، انظر مثلا إلى هذه الجملة: "لا شيء يفض بكارة عاهرة سوى الحب"، أو هذه مثلا: "يحب الكتاب أن يحلموا نيابة عن الآخرين، لكن ذلك يعني شيئا واحدا: أنهم لا يملكون ما يحلمون به." أو "في النوم يصبح الجميع شعراء..." جمل كثيرة سطرت عليها واحتفظت بها في دفتر قراءاتي.[/HEADING]

[HEADING=2]ثم دخلتُ أجواء مخيفة من باب صور صادمة، كالرجل الذي لديه مسدس بين فخذيه، صورة رهيبة لرجل متعدد، لا يموت، قادر على التسلل إلى أحلامي، لأجدني في ممر من ممرات البيت في الاسكندرية، أشم رائحة البحر وأسمع صوت الموج وأفكر في مصير الفتيات اللواتي يختفين بمجرد جلوسهن على ذلك الكرسي...[/HEADING]

[HEADING=2] لقد فتحت لي رواية طعم النوم طريق اكتشاف كتاباتك الأخرى، ليس فقط الأعمال الروائية وإنما المقالات النقدية التي أتعلم منها كيف أسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة وكذا حواراتك وندواتك التي تضيء بداخلي أفكارًا موجودة لكنها كانت في مكان معتم. في ندوتك الأخيرة مثلا استلهمت من كلامك فكرة رواية. كنتَ قد تحدثت عن عمل تجمع فيه شخوص قصصك وروايتك وهي فكرة جميلة، غير أن فكرتك تلك قادتني إلى فكرة أخرى: رواية تجمع شخوص روايات عالمية معروفة، تلتقي كلها وتتبادل خبراتها مع الحياة ومع كاتبها وربما تكشف لنا وجها آخر غير ما قدمته الروايات الأصلية، فكرت في الخيط الحكائي الذي يمكن أن يربط بينها أو القصة الإطار وتناسلت الأفكار في رأسي...عموما رواية من هذا النوع في حاجة إلى كاتب يكون قارئا جيدا أولا.[/HEADING]

[HEADING=2] ما أريد أن أقوله إني حريصة على قراءتك ومتابعتك ككاتب وناقد وقارئ تشاركنا بكرم أفكارك وأسرار عوالمك وهو أمر لا يقدم عليه الجميع، خصوصا وأن الأفكار تطير ولا تنسب إلى أصحابها. صحيح أن الأفكار موجودة على قارعة الطريق وأن التحدي الأكبر في تحويلها إلى نصوص، رغم ذلك فإن بعض الأفكار من ذهب.[/HEADING]

[HEADING=2][/HEADING]

[HEADING=2]محبتي وتحياتي من برلين [/HEADING]

[HEADING=2]ريم نجمي[/HEADING]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى