أسماء أبو بكر - المنعطف الأخير: جدلية الموت والفقر والغنى

عرفت مسرحية: “المنعطف الأخير” للدكتور السيد إبراهيم أحمد طريقها إلى القارئ العربي عندما اختارتها ونشرتها الإعلامية الناقدة بشرى عمور، مؤسس ومدير موقع، ثم صدرت إلكترونيا عن “دار حروف منثورة للنشر الإليكتروني”، وفاز صاحبها بشهادة تقدير لفوزها لعامين متتالين بأنها من النصوص الأكثر تنزيلا على مستوى الوطن العربي، وتم نشرها على صفحات احد المواقع، ثم تم إصدارها مع مسرحية “العائد الذي ما عاد” للمؤلف أيضا ضمن سلسلة كتاب طيوف، وقد كتبت الكاتبة الكبيرة عزة أبو العز تقدمة نقدية عن المسرحيتين.

كما عرفت لمسرحية: “المنعطف الأخير” طريقها إلى المشاهد أو المتفرج العربي عندما اختارها المخرج الجزائري الكبير لطفي بن سبع، وقد قدمت على مسرح “باتنة” الجهوي من إخراج توفيق بن رابحي، ونجحت والحمد لله وكتبت عنها الصحافة الجزائرية، ثمتم اختيارها لتقدم في مهرجان جامعة صحار المسرحي في نسخته العاشرة الذي أقيم على خشبة مسرح الجامعة بمشاركة أربعة عروض مسرحية تنافست على جوائز المهرجان وحصل عرض المسرحية على جائزة لجنة التحكيم، وجائزة الإضاءة، وكتب عن العرض أستاذ السرديات والنقد الحديث بجامعة صحار الدكتور نضال الشمالي ضمن مقال له بعنوان: “مهرجان جامعة صحار للمسرح: الإدراك يسبق الطموح” قائلا: (وجاء العرض الثالث بعنوان “المنعطف الأخير”، ويعد من أكثر العروض إقناعًا في مهرجان صحار للمسرح، وهو نص كتبه السيد إبراهيم، يوازن بين الأداء والديكور والموسيقى والأحداث والحوار، وقد اعتمدت المسرحية من ألفها إلى يائها على شخصيتين فقط اشتغلا على حوار راقٍ بالفصحى لكنه طويل ومرهق قلة من الفنانين يستطيعوا أداءه بالشكل الذي تمّ.

وخلال الحواريّة المعقدة والمركّبة التي نشأت بين الشخصيتين الرئيسيتين جرى تمرير العديد من القضايا والثنانئيات الضدية الخلاقة، كثنائية المال والحياة، والضوء والظلام، والحياة والموت، والاستخفاف والجدية، والغنى والفقر.

وتتحدث مسرحية “المنعطف الأخير” عن أحد الفقراء الذين اضطروا للسطو على بيت أحد الأغنياء للبحث عن دراهم تعينه على صعوبة الحياة، لكنه يفاجؤ بقدوم صاحب البيت، فيفتضح أمره، فلا يجد مناصاً إلا أن يتقمص دور ملك الموت، وهو تقمّص له ما له وعليه ما عليه. المهم أن الحيلة تنطلي ابتداء على شخصية الغني، ويقتنع بأنها النهاية. وقد كان هذا التحوّل إلى تقمص شخصية غيبية مفصلاً مهماً في العمل عزّز من قيمة الحوار الماراثوني بينهما، فتعرّت الكثير من الحقائق القاسية التي نعيشها في مجتمعنا؛ بل وفي نفوسنا الضعيفة، أطلّ أدب الاعتراف جليّا لدى الغني كاشفاً عن تشوهات خطيرة في نفس الإنسان. وفي الفصل الأخير من المسرحيّة يُفتضح أمر اللص الفيلسوف فيعترف هو الآخر بما يعانيه.

ومما لفت انتباهي أن هذا النقاش لم يغيّر كثيرًا في سلوك الغنيّ مع أنه حاول أن يتصدق ببعض المال للص الفقير، لكن هذا الأخير رفض أن يأخذ المال لأنه مال مشبوه، وهنا تكمن المفارقة؛ إذ دخل هذه اللص قبل هنيهةٍ ليسرق من مال الغني، وإذا به يترفع عنه وعن ماله لتحوّل طارئ على نفسيته وقناعاته. ومما يؤخذ على هذه المسرحية عدم تناسب الموسيقى مع الأحداث، وحاجة الممثلين إلى تدريب على التلفظ الصحيح والمؤثر، إلا أنها تبقى من الأعمال المقنعة التي قدمت نمطا ثالثا من الصراع إلا وهو صراع الأفكار). انتهى كلام دكتور نضال.

وأخيرا عرف النص طريقه للمتفرج المصري مثلما عرف طريقه من قبل للمتفرج الجزائري والعماني، عندما اختاره الفنان أيمن مرجان المخرج والمعيد بالمعهد العالي للفنون المسرحية مشروعا للتخرج في مرحلة الدبلوم، وبموافقة وإشراف أستاذ دكتور سيد خاطر رئيس قسم التمثيل والاخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، وقد تم تقديمه بالفعل على خشبة مسرح المعهد.

لقد نجح الكاتب المسرحي دكتور السيد إبراهيم أحمد في أن يكتب نصا مسرحيا تسكنه الكثير من الأفكار والرؤى والاتجاهات، حاول أن يشد القارئ إلى قضايا حياتية حيوية، تتسم بالجدل سواء على المستوى الديني أو السياسي أو الاجتماعي، ولا تخلو من الأفكار الفلسفية التي صاغها باقتدار بدءا من الفكرة ثم الشخصيات واختلافاتها، ثم العقدة التي تفجر الصراع الذي يدور دوما بين “الغني الجامح والفقر الجائح” كما شبهه الكاتب في المسرحية، ثم انتقل لمناقشة الجدلية الأبدية حول تلك الأفكار الموروثة أو الإنسانية حول الحياة والموت، والحوار الذي تطرق في سلاسة ويسر في مناقشتها بين شخصيتي العمل، وقد نجح في نقلها للقارئ وكأن كل شخصية تمثل جانبا من كل إنسان، وأسئلة وجودية تأتي إجابتها من ذات الشخصية التي تنقل أحاسيسنا وأفكارنا عن الموت.

كما نجح المخرج أيمن مرجان في نقل أفكار الكاتب ومسرحيته بكل أمانة، وقد شكل المخرج والكاتب وحدهما فريق عمل من التناغم وتفهم النص وإبراز أهم ما فيه من قضايا عالمية إنسانية، لا يخلو منها مجتمع ولا يمكن أن تمر على أفراده دون مناقشتها أيضا في السر والعلن، ومثلما حاول الكاتب أن يتضمن نصه المسرحي بما يسمى بكوميديا الموقف، زاد أيضا المخرج بعضا منها حتى يخفف من الأفكار الجادة التي نقلها الحوار بين شخصيتي العرض، وهو حوار لا يمكن للقارئ أو المتفرج على السواء أن يمل منه؛ فقد جاء منضبطا في مفرداته، ووقفاته وسكناته وأسئلته وإجاباته.

لقد جاء تقديم العرض على مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، وإذا كانت الإشارة قد سبقت إلى النص الذي يقترب من المسرح العالمي، لكاتبه دكتور السيد إبراهيم، وذكرت براعة ومهارة المخرج أيمن مرجان في تفهم النص وإبرازه في العرض، وقيادته لفريق عمل من أبناء وبنات المعهد على رأسهم الفنان صلاح المصري والفنان كريم عبد الكريم وهما من مثلا شخصيتي العرض، ومن قاما بمساعدة المخرج: إيمان أبو سنة وآن سليمان، ومن قامت بتصميم أزياء العرض روضة مرجان، كما كان للديكور دوره الذي جاء خادما للنص تماما وقام به سامح محمد، كما ساهمت الإضاءة في نجاح العرض وقامت بها آلاء رسلان، وقد كانت نور رامز هي المخرج المنفذ للعرض وأحد أدوات نجاحه، والواقع يشهد أن المسرحية نجحت في أن تربط المشاهدين في مقاعدهم وأنظارهم متجهة نحو خشبة المسرح بين ضحكات أثناء العرض ودموع في نهايته لتؤكد أن في مصر مسرح مازال، وأننا نمتلك من يكتب النص الجيد، والمخرج الجيد، والممثل الجيد.



* هذه المقالة بقلم الكاتبة الصحفية أسماء أبو بكر بجريدة المساء العربي:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى