عادل المعيزي - عندما..

عِنْدَمَا كُنْتُ طِفْلاً أجُوبُ الأَعَالِي
وأَبْحَثُ في أَصْلِ يَوْم القِيامَهْ
أتَشاجَرُ مَعْ صَاحِبِي وَأَقُولُ لَهُ:
" إنَّ يَوْمَ القِيامَةِ بَعْدَ غدٍ "،
أيْ بُعَيْدَ انْحِنَاءِ الزَمَانِ ورَاءَ الغَمَامَهْ
وإذا لاَ يُصَدّقُ قَوْلي ويَشعرُ بالخوفِ
أحلفُ دُونَ يَقِينٍ: "ورَحْمَةِ بَابا"!
وكانَ أبي مُذْ عَرَفْتُ الزمانَ
يُسَابِقُ في كُلِّ يَومٍ زَمَانًا يَفِرُّ
وَ "يَجْرِي عَلَيْنَا" وَرَاءَ الرغِيفْ
وكانَ إذا عادَ في آخِرِ اليومِ
تَدْلِكُ أمّي لَهُ قَدَمَيْهِ بماءٍ،
بَحَثْتُ لَهَا عَنْ وَقِيدٍ
لِتُضْرِمَ مَوْقِدَ كَازٍ عَتِيقٍ لِتَسْخِينِهِ المَاء،
ماء أبي..
كنتُ أسْمَعُهَا تَشْتَكِي: "مُرّةٌ لقْمَةُ العَيْشِ"
كنتُ أدرّبُ جِسْمِي عَلَى العَدْوِ فوْقَ الرّصِيفْ
وكُنْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أُدْرِكَ الريحَ،
حَتَّى إِذَا مَا كَبُرْتُ أُلاَحِقُ في خِفَّةٍ
مَا سَيَهْربُ مِنْ شَهَقَاتِ الرغِيفْ
عِنْدَمَا كُنتُ طِفْلا مُصَابًا بِحُمّى الخَيَالْ
أقولُ لأختي كَلامًا غَرِيبًا،
عَن النّمْلِ في باحَةِ الدّارِ
يَحْرُسُ جَيْشًا عَظيمًا، يَفِيضُ مِنَ الغارِ يَوْمًا
ليُغْرِقَنَا في مَخَاطِ الطّفُولةِ
ثُمَّ يَشُنُّ عَلَيْنَا الحُرُوبَ، وَيغْزُو جَمِيعَ الرّفُوفْ
سَيَشْنُقُ أُمِّي وَيَفْقَأُ عَيْنَيْ أَبِي
ويُعَلِّقُهُمْ مِنْ رُمُوشٍ مُبَلَّلَةٍ إِخْوَتِي فِي السرَابْ...
وَقَبْلَ انْتِهَاءِ الحِكَايَةِ تَزْعَقُ أخْتِي
ويُغْمَى عَليْها..
فأرْكُضُ نحْوَ الغِيابْ
وأَسْمَعُ أمّي تُلاحِقُ طَيْشي بِمِكْنَسَةٍ
حَوْلَ سُورٍ قَديمٍ، فَتَعْوِي الذِّئَابْ
عِنْدَمَا كُنْتُ طِفْلاً أهَلْوِسُ
لاَ حَوْلَ لِي غَيْرُ حُلْمِي
وغيرُ انتظارِ غَدِي في الغَدِ
لِأُحَلِّقَ فَوْقَ سُطُوحِ المَنَازِلِ
فَوْقَ الحُطَامِ النَّدِيْ
وأحَلِّق أعْلَى مِنَ السَّرْوِ
في سَاحَة المَدْرَسَهْ
عِنْدما كُنْتُ طِفْلاً أُهَلْوِسُ
أنْقَذَنِي حُبُّ لَيْلَى وآمالُ مِنْ لُغَةٍ تَتَجَلَّى
وأَيْقَظَنِي عِنْدَمَا كَبُرَتْ حَيْرَتِي
حُبُّها النّرْجَسَهْ
ولَكِنَّنِي الآنَ طِفْلٌ بلا هَذيانٍ ولا هيلمانٍ
ولا هَلْوَسَهْ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى