سيدة بن جازية - حلم موؤود

استغرب النزلاء الضجة الكبرى التي أحدثتها صافرة الإنذار، و ترددت التساؤلات و الفرضيات ،
_ماذا يحدث؟
_ من يفتح لنا البوابة؟
_ من؟ ....
ازدحمت الأصوات و اختلطت الفوضى الداخلية بالفوضى الخارجية ولم يظهر أحد من الأعوان أو الحراس.

_ فرصتنا الأخيرة في النجاة، هيا نتعاون لاقتلاع كل الحواجز .
بعضهم رفض الإنصات للخطة، و بعضهم تحمس للفكرة و لمع وميض الحرية و بعض الانتهازيين شجعهم دون المشاركة وقد أسر في نفسه رغبة و خبثا.

اقتسموا الأدوار وانهالوا بالأظافر و الأسنان و بعض الأدوات يخربشون الجدار و بعضهم يحاول فتح البالوعة. ..

رقعة الأمل طفقت تتسع شيئا فشيئا وقد لاح نور خافت من بعيد، نال منهم التعب و الإرهاق، فنام جلهم مفترشا الأرض دون طعام أو خبر يشفي الغليل غير واحد ثابر و ناضل ولم يطلع صباح يوم جديد إلا و قد تحرر من سجنه البغيض. هرول مسرورا بنسائم التحرر تراوده ألف نجمة و نجمة.
قاصدا المدينة حتى نهشه الجوع و الضمأ فراح ينبش القمامة عله يجد ما يسد الرمق إلى حين انفراج.
لم يعرف أي اتجاه يسلك و استغرب حالة السبات العميق الذي تغط فيه المدينة، مع مظاهر الخراب و الفوضى.
طرق بابا لبيت خرب فلم يجب أحد دفعه دفعات حثيثة ودلف إلى الداخل، تهالك على بقايا كنبة خشبية مهترئة وقد أسلم نفسه إلى نومة عميقة بين غطيط و شخير مرعب دام ساعات و ساعات.
مر أحدهم أمام البيت فسمع ما سمع و ظن المكان مسكونا، صاح يستخبر :
_
_ من بالبيت إنس أم جن؟
_
_ جن.
_ ما اسمك؟
_ زوبعة .
_
أين تسكن؟
_ في ن جان
_
_ وماذا تريد؟
_
_ دماء المنتهزين و الغشاشين و المرتزقة و مصاصي الدماء الأشرار و خونة الأوطان،
ارتعب مما سمع، لم يصدق ما سمع بين لغط و أضغاث أحلام،
شاع الخبر مثل لهيب مستعر، و اختلطت أهداف الثورة بأسطورة الجن، فاقتحموا المكان ليجدو السيد ملقى دون حراك ، لمزوه بالعصي حتى استيقظ منهكا، التقت عيناه الباهتة بعيون الجموع، رفع يديه مستسلما، " أنا ناضلت من أجل حريتي أعترف أنني الفاعل، خرجت من ذلك القمقم و سأعود إليه ذليلا بين الرفاق " .
لكن الجموع هتفوا: " زوبعة، زوبعة ، نحتاجك قائدنا، نحتاج قواك الخارقة حتى نتحرر جميعا. "
لم يفهم شيئا، حملوه على الأعناق و طافوا به الساحات الكبرى، يحيا زوبعة، يعيش يعيش منقذ الأمة، وباعث الأمل.

أعجبته اللعبة رغم أنه لم يفهم ما يحصل ، و سكنه الغرور، فطلب من أحدهم بعض الغذاء، أحضروا له ما لذ وطاب ، خمن كثيرا وأراد أن يبوح بحقيقته لكنه لم يجد من يسمعه، فقط عقول خاوية تردد بعض كلمات لم يفقه كنهها ولم يأخذها مأخذ الجد . اندمج في لعبة الجني و قائد ثورة الجياع وانتعشت لأيام تجارته الواهمة ، حتى بلغ الأمر رجال الدولة فاحتاروا في أمره أ سياسة الجن تتشابه كثيرا مع سياسة الإنس فيتقاسمون نفس الشعارات؟!
استدعوه إلى جلسة مع كبار المسؤولين ، تملكه الرعب للحظة ، و نالت منه الخيبة لكن ما من مفر وما عليه إن خاض التجربة الجديدة .
حملوه على الأعناق إلى القصر، أجلسوه قبالة الحاكم وتفاوضا على اقتسام شؤون الدولة، وافق كل شروط الحاكم، وحال خروجه من المكان المقدس دنست لوثة السلطة عقل المسكين ففض النزاع وأسكت المجموعات الثائرة واعدا إياهم بكل حلول منشودة لقضاياهم المشروعة.

دون تفكير شعر بالقيود الجديدة تكبله و يئس من استعادة روحه القديمة التي كابر من أجل إحيائها فتحين الفرصة و عاد إلى السجن بمحض إرادته ليلا سد الفتحة التي هرب منها وغط في نوم هادئ.
في صباح اليوم التالي، ايقظه سجين محبط :
_ما الذي عاد بك إلى هنا أجننت؟
رد هازئا : من يتعود نعمة السجن لا يهجرها، دعنا نقبع خلف هذه القضبان أفضل ألف مرة من الاحتراق بوهج المنشود .

ضحك صديقه ملء شدقيه فأيقظ الجميع وعادت الفوضى من جديد في دوائر اللانهاية.

سيدة بن جازية تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى