الوقت مبكر والضباب كثيف، قررت أن تبكر بالخروج لتضمن مكانا فوق الرصيف، رأت عمود النور منهكا يبث الضوء خافتا وكأنه يتثاءب، أيضا الرجل الأربعيني الذي يسند ظهره إلى العمود كان يتثاءب، رد تحية الصباح بصوت شاحب، ولم يلتفت إليها، وكانت السيارات القليلة التي صحت مبكرا، تمرق مسرعة، تومض لثوان قبل أن تختفي، ومع كل وميض يبين وجه الرجل الذي يتشاغل بفرز ثمرات الليمون، يصنع منها كومتين، يرصهما فوق أوراق الجريدة المفروشة فوق القفص المقلوب، يفصل بين الكومتين سور صغير أقامه من علب المناديل الورقية، تقلب قفصها وتخرج من جوالها حزم النعناع، وهي تقول لنفسها أن الرجل سبقها بوقت غير قليل، بالأمس غادرت مكانها بعد العصر، بينما بقي الرجل، لا تدري متى غادر، أو لعله يبيت هنا في العراء.
كانت ترتجف وهي تتمتم بأدعية تحفظها واعتادت أن ترددها صباح مساء لتطارد خوفا لا يغادر قلبها، تنتبه لكتلة سوداء في مواجهتها تماما، يفصل بينهما نهري الشارع ورصيف بينهما، يستبد الخوف فيدفعها إلى معاودة التحديق في الكتلة السوداء، ينبعث منها خيط ضوء أخضر لامع، تزداد رجفتها وتصطك أسنانها وهي تتمتم بالبسملة، تنظر إلى رجل الليمون، يفرغ من فرز بضاعته، يحكم لف التلفيعة حول رأسه وكتفيه، يخفي كفيه في طرفي التلفيعة، تسأله لتطمئن نفسها بأنها ليست وحدها:
_ بكم الليمون النهاردة؟
يرد باقتضاب:
_ زي إمبارح
تشير إلى الكتلة السوداء فاقدة المعالم، الكتلة تتمدد ببطء ولازالت تومض، فيتمدد خوف المرأة، يخرج صوتها الخائف خافتا وهي تسأل الرجل:
_ إيه الأسود ده يا عم؟
_ يعني يكون إيه؟
_ مش عارفة
_ ما تخافيش، ما عفريت إلا بني آدم
بدا وكأنه يحاول طمأنة نفسه أولا، انشغل بالتحديق في الكتلة التي رقت لحالهما فأعلنت عن كنهها بعد ثوان، حينما تمطت ووقفت على قوائمها وأصدرت نباحها، عندئذ اطمأن الرجل فتضاحك قائلا:
_ دا كلب يا عبيطة
يبدو أن الكلب قرر أن ينضم لهما، فراح يعبر الشارع الملفوف بالضباب، بدا لهما وهو يتمطى فوق الرصيف الأوسط وكأنه شبح أسود، ثوان واتجه نحوهما، لم يكن قد أفاق جيدا من نومه فلم يستطع تفادي سيارة مسرعة، انتبها على صوت الارتطام والنباح المستغيث، ثوان واختفت السيارة وسكت النباح، قالت للرجل:
_ عدا لقضاه
يهز الرجل رأسه موافقا، وكانت كلما ومضت سيارة تنظر إلى حيث الجثة التي كانت كلبا، اكتشفت أن الجثة تتناقص تدريجيا، فكرت قليلا ثم أدركت أن بعض الجثة يعلق بالسيارات المسرعة، خنقتها عبرة وهي تحوقل، وفجأة انتبهت إلى قطة تتمسح بجوال النعناع، كادت تصرخ خوفا لكنها خشيت من رد فعل الرجل الذي غفا تحت عمود النور، أمسكت بالقطة التي استسلمت لها، فراحت تمسد شعرها، كان باردا ففكرت بأن تضعها داخل الجوال، وجدته باردا ومبتلا، وضعت القطة في حجرها، أحكمت لف الشال على كتفيها، شدت أطرافه لتغطي القطة، تسرب بعض خوفها مع دبيب أقدام المارة، أفاق الرجل من غفوته، سمعته ينادي:
_ شفا يا ليمون
وراحت تسمع المارة ندائها الواهن:
_ النعناع البلدي
SADAZAKERA.WORDPRESS.COM
نعناه بلدي. قصة: أحمد رجب شلتوت
الوقت مبكر والضباب كثيف، قررت أن تبكر بالخروج لتضمن مكانا فوق الرصيف، رأت عمود النور منهكا يبث الضوء خافتا وكأنه يتثاءب، أيضا الرجل الأربعيني الذي يسند ظهره إلى الع...
كانت ترتجف وهي تتمتم بأدعية تحفظها واعتادت أن ترددها صباح مساء لتطارد خوفا لا يغادر قلبها، تنتبه لكتلة سوداء في مواجهتها تماما، يفصل بينهما نهري الشارع ورصيف بينهما، يستبد الخوف فيدفعها إلى معاودة التحديق في الكتلة السوداء، ينبعث منها خيط ضوء أخضر لامع، تزداد رجفتها وتصطك أسنانها وهي تتمتم بالبسملة، تنظر إلى رجل الليمون، يفرغ من فرز بضاعته، يحكم لف التلفيعة حول رأسه وكتفيه، يخفي كفيه في طرفي التلفيعة، تسأله لتطمئن نفسها بأنها ليست وحدها:
_ بكم الليمون النهاردة؟
يرد باقتضاب:
_ زي إمبارح
تشير إلى الكتلة السوداء فاقدة المعالم، الكتلة تتمدد ببطء ولازالت تومض، فيتمدد خوف المرأة، يخرج صوتها الخائف خافتا وهي تسأل الرجل:
_ إيه الأسود ده يا عم؟
_ يعني يكون إيه؟
_ مش عارفة
_ ما تخافيش، ما عفريت إلا بني آدم
بدا وكأنه يحاول طمأنة نفسه أولا، انشغل بالتحديق في الكتلة التي رقت لحالهما فأعلنت عن كنهها بعد ثوان، حينما تمطت ووقفت على قوائمها وأصدرت نباحها، عندئذ اطمأن الرجل فتضاحك قائلا:
_ دا كلب يا عبيطة
يبدو أن الكلب قرر أن ينضم لهما، فراح يعبر الشارع الملفوف بالضباب، بدا لهما وهو يتمطى فوق الرصيف الأوسط وكأنه شبح أسود، ثوان واتجه نحوهما، لم يكن قد أفاق جيدا من نومه فلم يستطع تفادي سيارة مسرعة، انتبها على صوت الارتطام والنباح المستغيث، ثوان واختفت السيارة وسكت النباح، قالت للرجل:
_ عدا لقضاه
يهز الرجل رأسه موافقا، وكانت كلما ومضت سيارة تنظر إلى حيث الجثة التي كانت كلبا، اكتشفت أن الجثة تتناقص تدريجيا، فكرت قليلا ثم أدركت أن بعض الجثة يعلق بالسيارات المسرعة، خنقتها عبرة وهي تحوقل، وفجأة انتبهت إلى قطة تتمسح بجوال النعناع، كادت تصرخ خوفا لكنها خشيت من رد فعل الرجل الذي غفا تحت عمود النور، أمسكت بالقطة التي استسلمت لها، فراحت تمسد شعرها، كان باردا ففكرت بأن تضعها داخل الجوال، وجدته باردا ومبتلا، وضعت القطة في حجرها، أحكمت لف الشال على كتفيها، شدت أطرافه لتغطي القطة، تسرب بعض خوفها مع دبيب أقدام المارة، أفاق الرجل من غفوته، سمعته ينادي:
_ شفا يا ليمون
وراحت تسمع المارة ندائها الواهن:
_ النعناع البلدي
SADAZAKERA.WORDPRESS.COM
نعناه بلدي. قصة: أحمد رجب شلتوت
الوقت مبكر والضباب كثيف، قررت أن تبكر بالخروج لتضمن مكانا فوق الرصيف، رأت عمود النور منهكا يبث الضوء خافتا وكأنه يتثاءب، أيضا الرجل الأربعيني الذي يسند ظهره إلى الع...