د. سيد شعبان - دقن الباشا!

تلفت فإذا كل من يقف على الرصيف ينظر إليه؛ تعثرت خطواته؛ بدا عليه الارتباك؛ تساءل:
أكل تلك العيون مصوبة ناحيتي؟ أسرع في مشيته؛ كادت قدمه تخذله!
الساعات الأخيرة؛ وصية أمه؛ تلك الأحلام التي ترفرف أجنحتها في خياله! الناس يتذكرونه؛ لقد كان حديثهم عنه الليلة الماضية دافئا؛ ترى ما الذي دعاه لأن يعود وقد مضت السنون!
استند إلى جذع شجرة ضربها الزمن بمعوله الذي يقسو على الموتى؛ أخذ يتمايل يمنة ويسرة حتى أسلم جسده إلى الأرض؛ أسرع إليه الصغار يمسكون به حتى لايقع، تنفس بعض الهواء برئتيه المعتلتين، هذا أوان تساقط أوراق الأشجار؛ شرد بعينيه بعيدا حيث أجران القمح وحكايات الصبايا وغناء العرس؛ رجال يحجلون ويتراقصون بالعصي؛ يوم رمقها بعينيه كانت حلوة؛ يتشمم رائحة عطرها مع عشية يوم تحت شجرة "دقن الباشا" تلك الشجرة التي تعطر كفر مجر فتحيله إلى ما يشبه العرس، لها ورد أبيض؛ كنا نداعب به وجوهنا الغضة؛ أما الفتيات فكن يضعن نثاره على شعورهن؛ ويسرح الخيال بكل واحدة؛ تنظر فتاها!
قريبا من قهوة جاب الله، يشرب ماء الحياة وقد يحلو له أن يسرح بخياله بعيدا؛ البر الثاني من النيل؛ يقال سحر هناك وفتيات تتهدل شعورهن ووجوههن قمر أربعة عشر؛ فتيات في عمر الزهور؛ ينظر ثيابه التي تقاصرت؛ شقوق في قدميه يتسع الواحد منها ليسكنه فأر الحقل الأبيض، يجري في جرن البحر؛ يخلع ثيابه ويلقي بنفسه في النهر؛ يشعر بدفء أنفاسها وسط أمواج نهر يهدر كوابور طاحونة الكيال! يرفع يديه سابحا، يشعر بأنه في عالم وردي.
تدور في ذهنه خيالات عروسة البحر؛ فتاة لها ذيل سمكة ويتماوج كماء البحر شعرها.
يغمض عينيه حتى لايراها، بدأ الخوف يتسرب إليه: سمع أنها ستسحبه إلى باطن النهر، تطبق على أنفاسه، ستمسخه حجرا، يرتعد جسده، سيموت قبل أن تمسك به!
يحاول أن يرجع إلى ضفة النهر، ابتعد حتى أوشك النهر أن يجرفه، من بعيد يلقي صياد بشباكه، يجذبه إليه!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى