الدكتور عائد حفيظ - الصور الشعرية المكثفة عند المبدعة أريج محمد.. قراءة في نص "نخب ضياعنا الأخير"

وأريج كما تقول أحلام مستغانمي لا ترتب أثاث نفسها لتبهر أحداً ، ولكنها تمتلك القدرة على أن تفاجئنا وتُدهشنا متى أرادت ذلك .
وقد فعلت بإستعادتها لنص نخب ضياعنا الأخير والذى نشرته فى القارئ/ة السوداني/ة يوم 20 أبريل 2021 . . وهى أيام وتواريخ مثلت منعطفات مؤثرة جداً فى حياتى .
كتبت تعليقى المبتسر على النص بعد عدة شهور وأنا أحاول العودة للحياة من جديد .
(آخر شئ قرأته قبل أن اتوقف عن أى شئ
علقت أكثر من مرة ولم تكتمل وضاعت
أتذكر اننى ركزت على كثافة الصور فى نصك . . وأهمية أن يقرأ مرات عديدة . .
للإستمتاع أولاً ثم
للإستيعاب
لازلت تحت تأثير الصدمة والذى أسعى جاهداً للخروج منه)
كتبت كثيراً كقارئ متابع عن كثافة الصور عند أريج ، وعن خيالها الجامح ، وعن اللغة التى تعبر بها عن أفكارها ورؤاها وأحلامها ، وعن تلاعبها بالكلمات ، وإستخدام كلمة فى غير موضعها الذى تعودنا عليه ، وهو تلاعب أو لعب ليس بقصد اللهو ولكن لخدمة الفكرة ، والرؤى .
كيف يمكن للكلمات أن تتحول لصور تمر أمامك وكأنها شريط سينمائى، أو كأنها حياة حقيقية أمامك .
حدث وأنا طالب برومانيا فى مدينة ياش أن كنت أقرأ لغادة السمان كتاب كوابيس بيروت ، وظللت لعدة ساعات أقرأ من دون أن أتحرك من مكانى ، وفجأة كان دوى القنابل وأزيز الرصاص ورائحة البارود والدخان والدم تملأ الغرفة ، وأستمر ذلك للحظات قصيرة ، إنفصلت فيها عن غرفتى وعن ياش ورومانيا . ثم عاد كل شئ كما كان . لكن ما حدث لى ظللت أستعيده كحدث حياتى حقيقى ، وليس تخيلاً أو وهماً .
وحدث لى ذلك فى النصف الثانى من الثمانينات فى مدينة عطبرة فى ليلة شعرية للراحل المقيم الشاعر محمد الحسن سالم حميد ، وسأكتفى بالأولى .
كيف يمكن للكلمات أن تتحول لواقع أمامك ، تراه وتسمعه وتشم رائحته وتكاد تلمسه؟؟
هذا ما يفعله المبدعون
هذا ما تفعله أريج المبدعة . .
من التعريفات البسيطة للصورة الشعرية أنّها رسم قوامه الكلمات .
والصورة وليدة لخيال يبلغ بالشاعر ثم بالقارئ أفاقاً بعيدة .
تقدم الصور الشعرية أسئلة مدهشة وإنفعالات وجدانية جديدة وعالماً جديداً للجمال والحلم والرؤيا تستفز القارئ وتدهشه وتجعله طرفاً ثالثاً فاعلاً فى العملية الإبداعية .
تقرأ . . أحزم أمتعتي
فتستدعى الذاكرة صوراً لحقائب سفر بمقاسات مختلفة تنتظر من يحملها .
لنجد أنها سنديانة ومقطع موسيقي .
وتبحث عن عربة أجرة أو ترحال
ويمر بخاطرك قطار أو طائرة
ولكنك تتفاجئ ب
وألاحق دخان سجائرك
عبر الأثير
علّهُ يرسم لي خارطة طريق
فالبوصلة بيدي
وسهم كيوبيد يأبى مفارقة قلبي
فتختلج الإتجاهات
أضيع
تتنهد المسافةُ
ما بين يدك وكتفي الأيسر
أرتعش
وتتوالي الصور المدهشة، المُحيرة
صه ...
إني أسمع بوضوح همهمة قلبك
وهو عائد مترنح
من عمق خاطرتي
حيث
السماء في متناولِ اليد
والأرض
ترقص التانغو
بين ذراعي القمر
والنهر
يشربُ من نهدِ المساء
نخب الظمأ
وعند الإنحناءةِ الأخيره
تُصفق نجمة
وتُرسل جدائلاً من ذهب
من يرغبُ في الخروج ... ؟
(يا للجمال ، صور أو لوحات متتابعة غاية فى الجمال رغم غرائبيتها أحياناً)
دعنا نختبئ
(ولكى يتم الإختباء لا بد من أن : )
ينام الصحو بيننا
وتغفو شمس
الواقع
عن خيالاتنا
ولا بد من أن
ننير عتمة المستحيل
و
نحيك ثوب زفاف الأمنيات
حتى نصل لذروة القصيدة :
نشرب نخب ضياعنا الأخير
أسفل السنديانة الوحيده
**************
نخبَ ضياعنا الأخير ...
تخونني قُدرتي
لُغتي
رعشتي
أنا امرأة
يهزمها
حُبك
في الليلةِ عشرات المرات
لتصحو منتصرةً
على
قيدِ المسافةِ و الممكن .. !!
أحزمُ أمتعتي
سنديانةً و مقطع موسيقي
ألاحِق دُخان سجائرك
عبر الأثير
علّهُ يرسِم لي خارطةَ طريق
فالبوصلة بيدي
وسهم كيوبيد يأبى مُفارقة قلبي
فتختلجُ الإتجاهات
أضيع
تتنهدُ المسافةُ
مابين يدك وكتفي الأيسر
أرتعش
صهٍ ...
اني أسمعُ بوضوحٍ همهمةَ قلبك
وهو عائدٌ مترنح
مِن عُمق خاطرتي
حيثُ السّماء في متناولِ اليد
والأرض ترقصُ التانغو
بين ذِراعي القمر
والنهر يشربُ من نهدِ المساء
نخب الظمأ
وعند الانحناءةِ الأخيرة
تُصفق نجمة
وتُرسل جدائلاً من ذهب
من يرغبُ في الخروج ...؟
دعنا نختبئ
ينامُ الصحو بيننا
وتغفو شمس
الواقع
عن خيالاتِنا
دعنا ننيرُ عتمةَ المستحيل
نُحيك ثوبَ زِفاف الأمنيات
ونشربُ نخبَ ضياعنا الأخير
أسفل السنديانة الوحيدة ...

أريج محمدأحمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى