أسامة إسبر - خرطوشة مدفع..

في محل لبيع الأنتيكات
رأيتُ خرطوشة مدفعٍ من بقايا الحرب العالمية الثانية
معروضة للبيع.
كان معدنها باهتاً كالموت.
ذكّرني بصرخاتٍ،
ودم ضاعت صورته بين الأنقاض
بطيور مذعورة هربتْ من الدويّ
وقطط بُترت سيقانها
وكلاب تعوي في شوارع مهجورة
تقتات على بقايا القتلى،
وأعضاء بشرية مبتورة ضاع الجسد
الذي كانت تنتمي إليه.
وفي الفراغ الذي حمل شحنتها
مرتْ أطياف الذين قتلتْهم
وزجاج النوافذ الذي هشمته
وخنادق ومتاريس ودشم تحرس كواها أعين،
تربّيها مناظير القناصات.
اشتريت الخرطوشة وأحضرتُها إلى البيت،
ثم ذهبتُ إلى حقل قريب وملأتُ كيساً بالتراب.
كان الجو ضبابياً والطرق موحشة.
حين لمستُ التراب
شعرتُ كما لو أن قبراً صافحني
شدّ على يدي وقادني بين القبور،
وروى لي قصصاً كنتُ أجهلها.
حين عدتُ إلى البيت
ملأتُ الخرطوشة
بالتراب وزرعت فيها بذوراً
ثم أحضرت أقلام ألوان
ورسمت عليها نوافذ صغيرة وأبواباً،
وحين انتهيت من رسمها
تركتها مفتوحة على طرق
لا تنتهي بحدود وأسلاك.
مرت الأيام
لكن البذور لم تنم في تربة الخرطوشة
رغم أنني غيّرتُ موضعها عدة مرات،
وسقيتها بانتظام.
ثم تعفنت البذور
فحملتُ الخرطوشة إلى مكب النفايات ورميتها
وعدت إلى البيت
وتمددتُ على فراشي.
كان السقف فوقي أشبه بسماء مغلقة
والسرير تحتي قاسياً على الظهر.
أغمضتُ عيني بعد صراع مع الأرق
خلف جفنيّ توالت صور الانفجارات
وفوارغ تتساقط وتتكوم فوقي
ودويّ نَثَرَ أشلاء
صارت ملامح لوجه مدينتي وهي تسير
على طرق الجنازات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى