د. محمد عبدالله القواسمة - حول فيلم "فرحة"

"فرحة" فيلم سينمائي مدته ثنتان وتسعون دقيقة، من إنتاج (شركة صندوق الحكايا للإنتاج الفني بالأردن) وقد صور في مواقع من الأردن نهاية عام2019م. ومخرجة الفيلم ومؤلفة قصته دارين سلام. وهي كاتبة ومخرجة أردنية، تحمل درجة الماجستير في الفنون السينمائية، واختيرت ضمن برنامج مواهب مهرجان برلين عام 2021. وقام ببطولة الفيلم مجموعة من الممثلين: أشرف برهوم، كرم الطاهر، علي سليمان، تالا قموه، سميرة الأسير، مجد عيد، فراس الطيبة.

حصل
الفيلم عام 2021 على جائزة تقديرية خاصة من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بالسعودية. ونال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان مالمو للسينما العربية بالسويد 2022، وجائزة أفضل فيلم أورو متوسطي في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة 2022.

الفيلم "فرحة" هو التجربة الأولى لدارين سلاّم بعد عدد من الأفلام القصيرة مثل "الببغاء، الظلام في الخارج" الذي تناول النكبة الفلسطينية. يحكي الفيلم قصة الفتاة فرحة ذات الأربعة عشر عامًا التي شهدت خروج البريطانيين من فلسطين واحتلالها من العصابات الصهيونية عام 1948. تبدأ الأحداث بعد أن يوافق والد فرحة على انتقالها من القرية لتدرس في المدينة. ولكن لسوء حظ فرحة تهاجم العصابات القرية، ويحاول الأب أن يهرب بابنته فترفض فيضطر لحبسها في غرفة "بيت المونة" (المطبخ) خوفًا عليها من القتل أو الاغتصاب، ويزودها بسكين لتدافع عن نفسها. تبقى فرحة حبيسة تنظر إلى الخارج من كوة في جدار الغرفة المظلمة ومن شقوق في الباب الخارجي المحكم الإغلاق. تستمع إلى صراخ امرأة تلد وهي هاربة مع زوجها وبنتيهما. تشاهد من الكوة ولادة المرأة لطفل صرخ والده باسمه محمدًا. تناديه فرحة بكنيته" أبو محمد" لينقذها من سجنها. ما إن يهم الرجل بمساعدتها حتى يهاجم رجال العصابات ومعهم أحد العملاء المكان، ويقتلون الجميع عدا الطفل فيتركونه ليموت وحده. تشاهد فرحة كل ذلك وبعد ذهاب الجميع تبعثر كل شيء في الغرفة، وتعثر على مسدس كان مخبأ في كيس عدس مجروش. فتطلق رصاصاته كلها لتفتح الباب. وتنجح في الخروج والالتحاق باللاجئين.

أغضب الفيلم دولة الاحتلال الإسرائيلي عندما عرض خاصة على منصة نتفليكس، وقالوا إنه يصور "أكاذيب وافتراءات، و "من الجنون أن تعرضه نتفليكس لأنه يهدف إلى خلق رواية كاذبة وتحريض ضد جنودهم". وردت المخرجة دارين سلام بأن الفيلم مستوحى من قصة واقعية لامرأة لاجئة سمعتها من أهلها ومن الآخرين. وصدر عنها وعن الجهة المنتجة بيان يدين جميع التهديدات الموجهة إلى فريق الفيلم، والاتهامات لتشويه الفيلم والحملات لخفض تقييمه على موقع "آي إم دي بي" ومحاولات وقف عرضه في مسرح "سرايا يافا". وأظهر البيان بأن تلك "المحاولات منافية لحرية التعبير، وتهدف إلى "تجريدنا من إنسانيتنا ومنعنا من سرد قصصنا وروايتنا وحقيقتنا".

ووقف كثير من الكتاب والفنانين مع الفيلم، من أبرزهم الكاتب والصحفي الأسترالي سي جيه ويرلمان. فكتب في تغريدة له بأن الفيلم يصور القصة الحقيقية للنكبة، وأن الدولة الصهيونية مجرمة قامت على التطهير العرقي ضد الفلسطينيين عام 1948.

لا شك في أن فيلم" فرحة" ينجح في تقديم صورة حية للقرية الفلسطينية والتراث الفلسطيني: المادي المتمثل في البيوت القديمة، والزي الشعبي الفلسطيني، والمعنوي المتمثل في اللهجة والأمثال الشعبية الفلسطينية. كما ينجح في تجسيد الظلم الذي وقع على الفلسطينيين عندما شردوا من وطنهم وهدمت قراهم من قبل العصابات الصهيونية عام 1948. ولعل من اللفتات الذكية في الإخراج إظهار صورة فلسطين من خلال تشكل النور وهو يظهر من ثقب الباب، الذي كانت تراقب فرحة من شقوقه ما يجري في ساحة البيت. فتابعت ولادة المرأة، ثم إعدام جميع أفراد العائلة وترك الرضيع يموت في العراء. كما لا بد من التنويه بقدرة المخرجة على تقديم الفتاة وحيدة في غرفة ضيقة مدة طويلة من الفيلم دون أن يحس المشاهد بالملل. فقد ظل على شوق ينتظر ما تسفر عنه حركتها وبحثها عن وسيلة لفتح الباب والخروج من الغرفة.

مع هذه الإيجابيات التي تحققت فإن الفيلم يركز على إبراز الجانب الإنساني للقضية الفلسطينية، وكأنها قضية لاجئين. وفي سبيل ذلك لا يبرز مقاومة السكان للعصابات الصهيونية بل هروبهم من وجهها. فنرى والد فرحة يحرص على الهروب بابنته. وفي المشهد الأخير يسحب البندقية المخبأة في حائط بساحة البيت، ويهرب مع الهاربين.

ونعجب من أن الفيلم يُظهر الفلسطينيين متخلفين فكيف يسجن والد ابنته في البيت، ويعطيها السكين كي تدافع عن نفسها، ولا يُعلمها بذلك المسدس الذي يخفيه بين أدوات المطبخ وأغراضه؟! ثم كيف تستخدم الفتاة المسدس التي عثرت عليه في فتح الباب؟! وكيف تطلق رصاصاته كلها على الباب لفتحه، ولا تحتفظ ببعضها للدفاع عن نفسها ومقاومة المحتل بدلا من السكين؟! ويستمر تعجبنا عندما ينتهي الفيلم بمغادرة بطلته فرحة القرية مع الهاربين. وكأن ليس أمام الفلسطيني غير الرحيل عن وطنه لا التصدي لعدوه.

من الطبيعي أن يغضب الفيلم إسرائيل وهو يظهر تاريخها الأسود، وقسوة تعامل عصاباتها مع سكان القرى الفلسطينية. وهو الجانب الإنساني الذي أثر في مشاهدي الفيلم فأشادوا به وبإنتاجه وتعاطفوا مع القضية الفلسطينية. تريد إسرائيل إظهار الإنسان الفلسطيني مستحقًا القتل لا التعاطف والرحمة، وأن على الفلسطينيين إما أن يتقبلوا القتل والاحتلال وإما أن يرحلوا عن وطنهم. وكأن على الضحية أن تشكر الله لأنها لاقت مصيرها على أيدي جيش شعب الله المختار.

هكذا، فإن الفيلم ينجح في إظهار الجانب الإنساني للقضية الفلسطينية، ودعوة الناس بطريقة غير مباشرة، وخاصة في العالم الغربي إلى الشفقة بالفلسطينيين الذين يتعرضون للقتل والعذاب. إنه لا يظهر القضية الفلسطينية قضية حقوق مغتصبة، ويتجاهل الحقيقة بأن لا سبيل إلى حل بعدها الإنساني إلا بعودة الحقوق إلى أصحابها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى