عادل المعيزي - في الدفاع عن الشاعر صابر العبسي ضد الثقافة النظاميّة

يحدث لي أحيانا التفكير في أنّه على الوزارات كلّها أن تشبه وزارة الثقافة، أن تتبلّد مثلها في انتهاج سياسة لا وازع لها فكرا وفعلا، نهمة ومتوثّبة ودائمة الاستعداد لالتهام منظوريها عبر الترغيب والترهيب وافتراس نفسها دائسة على كل القيم الثقافية التي ندافع عنها ونحاول أن نُعلي من شأنها.. وزارة ليس لها سوى الاعتقاد بأنّ سياستها الثقافية هي الوحيدة الصالحة، والوحيدة الممكنة وأنّ عليها أن تُقنعنا بها وتفرضها علينا.. وهو ما يعادل بالنسبة إليها طغيانا معلنا أو مقنّعا وهي في الواقع دكتاتورية أنيقة سرعان ما تفقد أناقتها حين يصحبها الاقصاء والالغاء و التهميش لكل صوت مخالف..
إنّ الأخطر من تلك السياسة المنتهجة هو الاعتماد على أشخاص أكثر شبها بالجراد الذي يأتي على الأخضر واليابس.. لم أفكّر في هؤلاء إلا وخطرت لي صورة مهولة لمعنى الجوع والشر وانتابني من الأحاسيس في شأنهم ما أخشى أن أعبّر عنه فأُتَّهم بالاختلاق.. وكلّما ازددتُ تفكيرا فيهم ازددت يقينا بأنّهم لم ينشأوا على مرّ السنوات كما ينشأ المثقّفون أو المبدعون بل كما تنشأ الضفادع عندما تتحول من الشرغوف إلى الفروجليت..
إنّهم مثل كلمات عرجاء في أرض الأصوات المنخفضة مثل ذباب يحوم حول بِراز السلطة والمال الفاسد فتجدهم في لجان تنظيم التظاهرات "الثقافية" على غرار معارض الكتب و رؤساء لجانها ولجان جوائزها وتجدهم ناشرين وكتّاب و مشاركين في الجوائز وفائزين بها في تضارب فاضح مع القوانين السارية.. شأنهم في ذلك شأن الموظفين الجدد الذين حلّوا محل القدامى ولا دور لهؤلاء البيروقراطيين غير تأبيد منظومة الاستبداد والفساد وقد انتصروا علينا جميعا إلى حد الآن أو هكذا يتوهمون بفضل ذخيرتهم اللامحدودة من الخساسة واللؤم والوضاعة فقد كانت غايتهم ومازالت أن يقفزوا على كل الموائد ويرتموا في كل الأحضان من أجل الغنائم المادية وهي الطبيعة التي جُبل عليها أمثال هؤلاء الذين يعرفهم الشعب جيّدا ويعرف كيف يرد الفعل عندما تحين اللحظة التاريخية الحاسمة...
في حين أنّ الشرفاء يتكبّدون ويلات التهميش والاقصاء الممنهج.. وها هو الشاعر صابر العبسي الذي عرفته في سنوات الاستبداد والفساد مدافعا شرسا عن الحرية والكرامة يمثل يوم غد الثلاثاء 13 فيفري 2023 على الساعة العاشرة صباحا أمام مجلس التأديب بمقر وزارة الثقافة بالقصبة من أجل التُهم الغامضة إيّاها.. ولن يكون من مصلحة وزارة الثقافة القبول بافلاس قيمها في الحال إذ مازال علينا أن نفي الطوباويات حقّها من الثناء وفضح السيئات التي تقترفها و الكوارث التي تتسبّب فيها....
***
إن جنون البيروقراطية الثقافية لا تدّخر جهدا في تشويه تطلعاتنا نحو ارساء ثقافة وطنية تقدمية لا يعوزها التفكير في ماضيها والتطلع لمستقبلها...ثقافة القرب من مبدعيها ومن المستفيدين منها، ولن يتم ذلك إلا عبر المؤتمر الوطني للثقافة والابداع والذي بدوره سيكون تتويجا لمؤتمرات محلية وجهوية يستعيض عن الهياكل الثقافية التي تقادمت وتفسّخت...
لا شكّ أنّ التاريخ ليس ملاكا إذ له ثاراته ولو تمعنّا فيه جيّدا لما راودنا الشك في أنّ شيئا ما سيحدث في هذه الرقعة... وإنّ لمنتصرون (...)


1676322062301.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى