ابتسام ابراهيم - بعض نبض الشاعرة ابتسام ابراهيم

ما كتبهُ الروائي والناقد العراقي حسن حافظ السعيدي عن ديوان (بعض نبضي)
بعض نبض الإعلامية والشاعرة ابتسام ابراهيم
ها نحن اليوم امام الاعلامية والشاعرة المبدعة (إبتسام ابراهيم الاسدي )التي طالما أدهشتنا بلوحاتها الفنية ،هانحن اليوم وهي ترسم لنا علامات الدهشة بقلمها النابض ،كنبض قلبها ..! في ديوانها البكر (بعض ُنبضي ) ولو جاء كلّ النبض ؟ فماذا ستكون عليه الحال ..؟؟هذا الخفق المتفاوت قوة وخفضا ً،وأحيانا اضطرابا من قلب ووجدان الشاعرة ابتسام الاسدي ،فالشاعرة تقدم لنا نموذجا شعريا يعتمد الجمل المكثفة التي يحدثها البعد والغياب عن الحبيب المعشوق من خلال منطق جمالي وبلغة تعتمد التكثيف والايحاء بدلالات متسعة وهما يتساوقان معها ومع منطق الحياة ذاتها ،يدفعها الى ذلك هذا الحس المرهف في دواخل قلبها النابض والمتدفق المشاعر ،والمشحونة أحيانا بالالم وأحيانا اخرى بالعتب المرير وثالثة تتعلق بتنصل الحبيب عن التزاماته في محاولة منها للبحث عن موقف يمتلك رؤيا واضحة في قصائدها التي تعتمد البنية الحركية والسردية في أحايين كثيرة برومانسية عذبة وغنائية أعذب ،تحاول فيها الشاعرة النأي فيها عن الاحداث القاسية ،وكأنها بذلك تقوم بسكب جرار العسل في شفاه متذوقيها ليجدها حلوة المذاق ..مع أمل ٍكبير في هذا الحب الرمز وهي تنظر بإفق شمولي نحو كونية جديدة للحياة ( من اجلك وحدك / اعتنقتُ الديانات كلها / وتعلمتُ اللغات كلها /وقرأتُ الكتب السماوية كلها ) لكنها – استثناء- تقول (ووفرت الوقت على مدّعي المساواة ؟؟)فهذا البطل المعشوق لم يكن فردا بالذات ،إنه الانسان ، أينما حط ّوحيثما ارتحل (نظراتي تسح /على سفن وجهك / وجهك الموجود في كل الجهات ؟) قصيدة(ألف شيء) وهذا البطل يذكرني برواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ ،حيث نجد البطل صابر السيد وهو يبحث عن أبيه المفقود ،علّه يجد السلام والوئام معه ؟ولعله كان يبحث عن نقطة ارتكاز يقف عليها في هذا العالم المكتظ بالناس والحوادث والمتاعب ؟؟الا ان مسالك الطريق الفرعية ضيعت عليه الفرصة ،فيتوه وسط الزحام ..!الا ان الشاعرة لم تفصح لنا بعد عن نتائج رحلتها بعد وفيما لو تاهت هي الاخرى وسط الزحام،أمْ انها ارتضت ان تكون (أسيرة !) لديه ( وتحولت أسيرا / على راحتيك / أسيرا لايبغي النجاة ) الا ان الشاعرة ابتسام تتحدث عن نفسها وكأنها ذكرا وليست انثى ؟ فهي تقول (أسيراً) وفي مكان آخر تقول (ضائع) فلقد ألغت عنصر (الجندرGender) الذي هو الجنس ،سواء أكان ذكرا كان أم انثى ؟ على خلاف من بقية الشواعر ،فهي تنظر اليه كإنسان ، لاغية صفته الجندرية تلك ! فهي تنظر الى هذا الإنموذج العالي من العشاق ضمنا فهي تراه مثل (وطن آمن /يتسع في مقلتيك انسي ) ومادرت ان الاماني صعبة التحقيق ،خصوصا بعد ان (تطايرت أشلاء صبري / وتمزق ../ من تحت ردائي / بعض نبضي ) ومعها ذلك الخوف القابع في قعر الذات ،ليتركها قلقة وحائرة (أخاف دوماً منك / لذا...انا اهرب / منك إليك ؟) وهي تلك الانسانة الرقيقة الحالمة ،وقد بحّ النداء منها اليه ،فلا يبدو في الافق ثمة أمل يلوح ،إذ ينطلق هذا النداء واهنا ومعها إيماءة من اليدين : أن تعال َ( اخترق زجاج قلبي / قلبي الشفاف / كالضوء / كحبات المطر الرقيقة ) الى ان تصل فيها الى درجة (الاحباط ) بعد ان دبّ اليأس والخوَرفي عروقها ،بعد عناء ومعاناة وشقاء ،لتصل فيها الى درجة التوسل اليه ،فهي في حالة يرثى لها ( ابتسم لي ولو كذبا / انها خطوة تعبر بها جسور عقلي )..الا انها وفي خيالها الجامح الذي إنطفأ تلقي بالراية وتسلم بالهزيمة والانكسار ( منذ أن استباح اليأس افكاري / اعتقتُ الاقلام / وفككت أغلال الورق ) على الرغم من انها قد إحتطات للأمر ( وإشتريت بعض الدفء / لشتائي ) فهي مازالت مُحبطة !اما في قصيدة (وجهك الاخر ) تلمحُ الشاعرة وهي تردد في بداية كل مقطع (لوجهك ) مما يزيد القصيدة ألقا ًوايقاعا ً،ومثل ذلك تردد مقطعا آخر (ليس مهما ) بينما نجدها في محاولة ذكية تجري الربط فيها بين الشِعر (بكسرالشين ) وبين الشَعر (بفتح الشين )اي انها تجد ذلك الارتباط العضوي بين الجسد وبين الروح في توليفة جميلة ( لوجهك القابع في أوراقي /أكتب شِعري / اسرح شَعري / أمزق ماتبقى ...من جفوني /فأرى قلبي ..الخافق فيك يلتهم / مابقي من عيوني ) ففي الحالة الاولى نجد ان هناك محاولة إغرائية للتقرب من الحبيب فهي تخبره (أكتب شِعري وأسرح شَعري ) وحيث انها لاتلقى إستجابة من المقابل ،لذا نراها تلجأ الى البوح والاعتراف بانها ستتخذ موقفا بالتصعيد ،فإن هذا القلب لابدّ له وأن يثور تضامنا مع الشاعرة بعد ان تمزّق مابقي من جفون لديها..؟؟ولعل المفهوم ضمنا بان تلك الجفون قد تمزقت من كثرةالنواح عليه! فماذا تبقى منها سوى التآكل لتك الجفون ؟ كما ان القلق الذي يطن في رأسها كالنحل يعمل هو الاخرعلى تمزيق مابقي من أفكار كسرب ٍمن نحل يطن في الدماغ ،وحينما تلجأ المرأة الى حقيبتها لعلها تبحث عن حبوب اوكبسولة تعمل على تسكين قلقها المتأزم ، الا انها نجدها مازالت تبحث عن حلم او وهم ..؟ ( افتحُ حقيبتي / اقلبها ..ابحث فيها عن حلم / لايغادر إطلالة الصباح ) وكأنني بالملك الضليل (إمرؤ القيس ) وهو ينادي (ألا أيها الليل الطويل ألا إنجلي / بصبح ٍ، وما الإصباح منك بأمثل ..؟)وهكذا نجد كيف ان القلق قد تحول الى خوف مازال يطاردها أنّى ذهبت ،وهكذا فهي تخاف الآتي من الايام ( أخاف على نفسي منك / من شتائك القادم نحوي / من زمهرير عينيك /وما خلفهما من أسرار )
وهذا الرمز ( المثال ) للحبيب ،يتركها ضمآى للشوق الذي يتفتت على صخرة الواقع وقلق التسآل يموج حائرا في عينيها : متى يعود ؟لانها تقرّ أخيرا بأن ماتفعله شيء أشبه بالسراب ،وإذن فلا حياة لها بعده !(كل ما أفعله دونك /هو موت بطيء ) خصوصا وقد إغتال براءتها ،فالحيرة عندها تكبر ،إ ذ ان جرحها لايندمل ،بعد أن مزق الحبيب كبرياءها وكل اعتباراتها امام الناس (ماذا سأقول لأصحابي / إن سألوني ..عنك ؟) التي تذكرني بالأغنية الشعبية الرائعة ( الناس لو سألتني عنك ، شأرد أجاوبهم ؟شأكول ؟) وقبل ان تختتم الشاعرة ديوانها تطل علينا بقصيدة (قاتل بلا أجر ) إذ ان المعروف هناك الكثير من القتلة من الذين يقومون بإغتيال الناس مقابل اجر معلوم ، لكن القاتل هنا نجده متطوعا بلا أجر وكأنها تقول لنا إن إغتيال روحها من قبل الحبيب سيكون مجانا ! ومع كل هذا الاحباط ،فما زال في يقينها الكثير من الامل في عودته حتى وإن رحل عنها (فإذا كان عليك الرحيل يوما ،فإرحل إليّ) بعد ان حولها الى دمية في مسرحية يشد خيوطها بإحكام ويتلاعب بأهوائها ؟ ولعل الفاجعة هنا تكبر عندما ندرك انها ستكون (الفدية) للعشاق فهي ترسم لهم دربا ًيسيرون عليه ستكون لهم (عند الطرق خطوطا بيضاء ) ..واخيرا وأنا اودّع ديوان الشاعرة والقراء
،مع تقديري للشاعرة ابتسام الاسدي التي جاء شعرها رومانسيا إنسيابيا ًعذبا ً بعيدا عن الخطابة والمباشرة وإنني اجلس الان على بساط الصحو بإنتظار البقية (من نبضها ) في ديوان آخر تطل به علينا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى