أحمد غانم عبد الجليل - اختيار..

عفوك العطوف سيدي، لم أكن لأجرؤ على التبجح في عهد الحرية أبداً، ولا التشكي من القوانين والإجراءات التي اتخذتموها للمحافظة على النظام والمد الثوري الذي رصفتُ كل آمالي طريقاً معبداً في انتظار قدومه، فقط كنت أتمنى أن يطول بي الحلم ولو قليلاً، علّي أنسى بعضاً من أبجدية اتهامات لم أفقه من معانيها شيئاً في ذلك السن الصغير من عمري.
ما أنا بكافر زنديق، ولا أتذكر أني كنت برفقة أبي لهب أو أبي جهل ذات يوم، وبالطبع لم أكن من أصحاب الفيل، وما أنا بجاسوس، ولا بالخائن العميل، لست من ضمن السادة القدامي ولا الذيول، ولو ساقني الجنون إلى مثل تلك اللعنات التي يتجدد توجيهها ضدي، عهداً تلو الآخر، ما صلحت لذلك والله، فما من دولة غبية إلى هذا الحد تعوِّل على مدمن خوف مثلي، حتى في أتفه الأمور.
أصَّلي؟ حسب حالتي المزاجية الملتجة بتواثب الأحداث من حولنا، ولكني بالتأكيد سأكون من أشد الملتزمين، وكما يحبَذ إليكم الالتزام، أطلق لحيتي بالقدر الذي تشاؤون، فأنا لم أرتَد خمّارة ولا أتيت بالفحش في حياتي، حتى للفحش أناسه سيدي المبجل، ما شاغبت مشاغبة الأطفال ولا ولجت نزوات المراهقين، فكيف يعقل أن أكون قد شاركت في قطع طرق وإحراق وتدمير وخراب وليس لدي من الجرأة على قذف نعل ـ أعزكم الله ـ مهترئ قديم ما لي... لقدميّ من حامٍ سواه، ولك، أقصد ولجنابك، سؤال حراسك عن تهاوي قوايّ من أول صفعة تفضّل بها أحدهم على وجهي، الحمد لله أن سيل دمائي هذه المرة أتى بفائدة إضحاكهم من القلب، فالترويح عن النفس مهم جداً لمن يشقى بحماية البلد وشعبه الأبي.
لا داعي لتأففك الغالي سيدي، رغم أن لأنفاسك عبق السلطــ... أعني عبق الثورة النفّاذ ورونقها البهي الذي سيوصلنا إلى أبواب جنان الخلد، بعونه تعالى وسمو الإيمان المتغلغل في أفئدتكم النقية التقية الطاهرة، أعرف أني شخص ثرثار مزعج، لا أنتقي كلماتي باللياقة اللازمة، أرجوك أعذر لغوي المخبول واضطراب أفكاري، سأريحك من ثرثرتي والخبل المرتسم على قسمات وجهي المقززة، وأنَقي هواء الغرفة من عفن رائحتي، فلم يلفحني فوح مسك روضكم الشريف بعد.
لا، لا... لا تجهد معاليك بطلب الحارس، أعرف جيداً طريقي إلى زنزانتي، أقصد تلك الزنزانة القديمة، أرجو ألا تكون مشغولة الآن، فلديّ من الذكريات في ضيق ذلك المربع، واطئ الجدران الظلماء، أكثر بكثير من تلك التي طوّقتني خارجها، وإن كانت تحتجز مجرماً لم يتعلم معنى الحرية التي وهِبنا الله إياها من خلال زحفكم المبارك، فأنا متمسك بحقي في الاختيار بحكم الأقدمية، بعد إذن سماحة قلوبكم الرحيمة طبعاً.

17 ـ 9 ـ 2012 عّمان
أحمد غانم عبد الجليل/ العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى