أحمد غانم عبدالجليل

منذ أن بدأت أعمال تشييد القصر الرئاسي الجديد وكل شيء تغير تقريبًا، ليس بالنسبة لي فحسب، بل لغالبية شباب الحيّ، من أكمل دراسته الجامعية ومن لم يكملها بعد. مشروع ضخم تم الإعلان عنه منذ فجر الثورة الأخيرة في البلاد وانتظره الكثيرون في أغلب المجالات، وها هي الوعود تتحقق، مجمع قصور حديثة الطراز تحل...
مضى عام أو أكثر وأنا أترصد خطوكِ، عند ذهابك ورجوعك من المدرسة القريبة من بيتكم، قد أمر من أمامه عدة مرات عسى أن أحظى بإطلالة من وجهك المشرق ناصع البياض، ما أكثر ما شدني احتضانك لحقيبتك لدى سيرك النشط، برأس محنٍ يداري عن العيون ألق جمالك، ضحكتك الرائقة وأحاديثك مع زميلاتك المغلقة على أسرار...
لمَ عدتَ بعد أن اعتدنا غيابك، بل نكرانك من حياتنا؟ لم ترضَ أمي رد سلامك، دخلتْ غرفتها مسرعة، أوصدت الباب وراءها، وقد أصاب وجهها شحوبًا على شحوب. وقفتُ أمام جسدك النحيل، جامد الحركات والمنهار على الكنبة، لا أزيح عينيّ عن غضون وجهك المترهل، توشك حدقتا عينيك الملبدتين ضبابًا رماديا على الخروج من...
حمَلني فوق كتفه مثل شوال مفتوح تتسرب من الدماء وركض بي بين وهج النيران، مشهد لا ينفك أن يتردد في ذاكرتي وينغرس في أحلامي لحد الآن، رغم مرور عمر على انتهاء تلك الحرب، ورغم أني كنت شبه مغيَب عن الوعي، فيما كان جسدي ينتفض مثل سمكة خرجت لتوها من الماء، مع تدافع أنفاسه بين أضلع صدره طيلة المسافة...
مرحبًا، اسمي آدم، سأكون في خدمتكم طيلة فترة إقامتكم هنا، أرجو كما ترجون ألا تطول، لتعقبكم وجبة إثر أخرى في دروب الرحيل، أما أنا فحياتي هنا، في هذه القرية الجبلية النائية، ذاكرتي لا تتسع لأي مكانٍ آخر، وعيت وكبرت وأنالا أعرف شيئًا عنعائلتي، ولا أدري إلى أي جنسية أو قومية أنتمي، بين أناس ألفت...
مثل مراهق خرج أهله وتركوه وحده في البيت، قد يخرج علبة سجائره المخبأة ليدخن منها ما يشاء دون خوف من رائحتها التي تأبى الانزياح عن الغرفة، يعب بانتشاءٍ من زجاجات الخمر التي اشتراها تحضيراً لهذه الفسحة الزمنية النادرة، يرفع صوت المسجلة إلى أقصى حد، يتعرّى من ملابسه، باستثناء لباسه التحتاني، أو قد...
شعرتُ فجأة إني عارية تماماً وجميع الجالسين في الكافيتيريا التي لجأت إليها بعد تجوال طويل يحدِقون بثنايا جسدي، وانا شاردة النظرات هنا وهناك، أتفحص ملامح الوجه الذي أطل عليّ من مرآة الكوافير بعد قص شعر رأسي حتى الكتفين وصبغه باللون البني الفاتح، ووضع المكياج الساطع تحت وهج الـ “سبوت لايت”، مرتدية...
في جوف ليلةٍ مظلمة يبدو السائر تحت جنح سوادها كشبح مبهم الملامح، وبعد تأكده من خلو الشارع تمامًا من الحركة، وأن ستائر شبابيك كل البيوت لا تشف عن أي نور، راح الحاج حسن يتسلل باتجاه البيت الكبير الذي يتوسط الشارع، بخطواتٍ مرتبكة وقلب خاف أن ييقظ دويّ ضرباته الجيران من نومهم فيفتضح سره. أدخله أحد...
سقطت أشعة الشمس على الجدران الرمادية العالية ومتطاولة الشروخ بعد أن فتح كافة شبابيك الصالة من أجل تجديد الهواء وتبديد الرائحة العطنة، كما أنه أبقى باب الدار، الخشبي العريض، مفتوحًا على وسعه، وكأنه ينتظر قدوم أحدهم، مشى بين الغرف المركومة بالأتربة والرطوبة الطاعنة في الزوايا أكثر من أي مكان آخر،...
لا يستطيع المرور من أمام غرفتها دون إطلاق تنهد شاب غر ينال من هيبةٍ فرضها على الجميع خلال السنوات الأخيرة بعد بروز إسمه، الذي أضيف إليه لقب شيخ، بين التجار الكبار القلائل في المنطقة وتراكم الأموال في خزائنه، وتعدد النساء في بيته العامر، عتبة بابها أمست بمثابة خط أحمر لا يُسمح لأحد بتجاوزه، كل...
"سبحان مغيِّر الأحوال..." تمتم أحد الطلبة لدى تعلق نظراتهم بما صارت ترتديه منذ فترة، الحجاب المحكم يخفي خصل شعر كانت تعتني بتصفيفه وصبغه باللون الأصفر المتدرج نحو سواد الأطراف المنسابة نحو القد الرشيق، الوجه مغسول تمامًا من أي ذرة مكياج كان يتوهج في حدقات العيون المتطفلة على جمال زهرة تتفتح...
"رواية حقيقية طرّزها الخيال... شربت من خمر الخيال لكنها لم تسكر... حلقت بجناح الخيال دون أن تضيع في سمائه ولم ترفع قدمها عن أرض الواقع". بهذه الخطوط، أو الإشارات، ألمح الكاتب في مقدمة الرواية إلى طبيعة البنيان السردي الذي ترتكز عليه الرواية الطويلة نسبيًا، 475 صفحة، متوخيًا الحذر في عدم تعدي...
جاءتني أمه باكية، تندب حظها وتعض شفتها السفلى غيظاً، تتوسلني البحث عنه في أي مكان يمكن أن يفر إليه بعد عراكه مع والده غليظ القلب، لم تأخذه شفقة على حدة بلائه، تلك الصعقة الكهربائية التي تحتل جسده الثقيل، ترجه بشدة من شعر رأسه المنتصب حتى أخمصي قدميه المرتعشتين، أربعة رجال بالكاد يستطيعون تكتيفه،...
ذاكرة الكاتب العراقي مثخنة بتتابع الأحداث العصيبة التي مر ويمر بها وطنه في استمرارية من القيود السلطوية، تتغير واجهاتها السياسية ـ الأيدولوجية حد التناقض إلا أنها تتوحد ضمن ذات التوجه الديكتاتوري في رصد مواقف المبدع والمثقف عموماً الذي يظل يشكل خطراً على الأنظمة المتعاقبة، بينما المبدع يحاول من...
وقفتُ جامداً أمامه لدى وصوله وأنا ألعب مع أصدقائي في الشارع قرب الدار حتى صرخ في وجهي، يؤكد حضوره بهيئته التي تزداد بعداً عن ذاكرتي خلال كل فترة أبدأ اعتياد حياتي دون وجوده فيها، انسقتُ وراء خطاه العسكرية إلى الداخل مطأطئاً الرأس. يهصر أمي إليه بقوة، كفاه تمسحان ظهرها وخصرها، بالكاد أبعدت وجهها...

هذا الملف

نصوص
18
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى