د. عبدالكريم المصطفاوي - أنا أنا وأنتِ أنتِ..

عادت من السوق في حالٍ لا تحسد عليه!
تحاشتْ النظرَ في وجهه بشكلٍ مباشر. ارتابَ من الأمرِ، وخشي أن حدثًا ما قد أصابها! حاولَ أن يستنطقها بأسلوب مختلف، قائلًا:
هل جلبتي لنا الفاكهة التي نحب؟! نظرت إليه، ردتْ بصوتٍ مختنق:
لا.
عندها أدركَ أن خطباً ما قد حصل لها، سيما في ظل كثرة التحرش التي تتعرض له النساء في هذه الأيام.
حاولتْ أن تتحاشاه مرة أخرى، لكنه تبعها ووضع يده على كتفها .
- خيرًا، ما وراءكِ؟
- لا شيء……
- لا أصدق…. لماذا هذه الدموع في عينيكِ؟
………….-
- تكلمي……
- لقد فقدت جزداني في السوق.
- كيف، وكم كان المبلغ؟
- أخذت الراتب كله معي!
انهال عليها بكم الاسئلة:
- لماذا تأخذين كل هذا المبلغ معك؟ ألمْ أحذركِ من هذه الأفعال؟ متى تنتبهين للأشياء التي تحملينها معك؟ لماذا هذا الإهمال؟ يجب أن تكوني حريصة أكثر.
بعيون حُمُر، غرقى بالدموع، شرحتْ له أنها أخرجتْ جزدانها لتعطي البائع حقه ثمنًا لشراء حاجة ، ثم وضَعَتهُ جانبًا على الطاولة التي يضع عليها بضاعته، ويبدو أنها قد نستْأن تعيدهُ لحقيبتها مرةً أخرى!
سردَ عليها كل النظريات التي تتحدث عن الحذر والانتباه ووو….وهي لازالت تعطُ في نوبة بكاء.
لقد وقعتْ المسكينة في ورطة كبيرة بسبب فقدان الراتب الشهري، وما زاد الأمر سوءاً تقريع ولوم الزوج لها، فتسبب لها بأزمة نفسية حادة.
الزوج من جانبه كان غاضبًا جدًا، أخذ يكيل لها كل أنواع السب والشتم والتقريع، أفرغ قاموسًا كاملًا محملًا بالإهانات، ولم يكتفِ بذلك حتى طردها من البيت.
لم تسلمْ من اللوم وتقديم النصائح في بيت أهلها، لا سيما والدها الذي قال لها أن زوجها محق بكل ما فعلهُ معها!
في اليوم التالي أعادها والدها بنفسه الى بيت زوجها، معتذراً منه عن إهمالها. ووعده بأنها ستكون حذرة جدًا في قابل الأيام!.
بعد مرور عدة أيام، صادفَ أن ذهبَ زوجها لتأدية واجب العزاء لأحد أصدقائه في منطقة بعيدة نوعًا ما عن بيتهم، ولكن في الوقت عينه قريبة من بيت أهله. حاول اغتنام قرب مجلس العزاء من بيت أهله بزيارتهم والسلام عليهم. لذا أخذ معه أحد أبنائه الصغار، تركه في دار جده ريثما يقدم واجب العزاء ثم يعود لاصطحابه إلى بيته.
أثناء حضوره مجلس العزاء، التقى عددًا من أصدقائه القدامى، الذين حضروا أيضًا لتقديم التعزية لصديقهم المشترك .
بعد أن أدى فرض صلاة الظهر، تناول طعام الغداء في عزاء صديقه، ودّع أصدقائه وعاد الى بيته.
سألته زوجته عن حال أهله وأخبارهم. طمأنها بإنهم بحال جيدة ويسلمون عليها وعلى الأولاد جميعًا. هنا قالت له:
على ذكر الأولاد ، أين حمودي، لم أره معك عندما دخلت!؟
قام واقفاً، وصفق يديه، قائلًا:
آه ….لقد نسيته في بيت أهلي!

د. عبدالكريم المصطفاوي





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى