حسن حلمي - حديث الغيمات..

الغيمةُ التي خبّأتها في ثلاجة البيتِ
ولدتْ غيماتٍ أخرياتٍ, سوداوات,
يتراشقن النِكات على البازلّاء الخضراء
ويرسمن وجوهاً للعابرين بملامح جديدة
تصلح لحفلات السمر كل مساء
هنالك,
حيث ترقد الأرض على البيضِ,
تنتظر حادثاً سعيداً,
لتُفرخ لنا كل صباحٍ نهاراً كفيفاً,
يعيدُ تشكيل الغيمات كما يُرتأى لها
وتُطلقفي فراغها الكوني كتلاً من الصياح
ثم تسكتُ بغتة عن الكلام المباح

قالتليغيمةٌ,
قفزتْفجأةفي أروقة الأذن الوسطى, :
هليمكنك الآنأنتجتازالمسافةبينرئتيك,
دونأنتصاببالبلل؟
أوتستعيدوعيكالمفقود,بين أروقةالأزهرالشريف,
قبلأنيُعلِنعنمطلع الشهرالكريم ؟
أوتخططلمقلتيك . .
أنتصطادغيمةتائهةفيصحراءقلبك الظمي ؟
أوتتسلقمئذنةجامحة . .
تجريوراءطيرٍخطفمنهاآذانالفجر؟
. . . . . . . . . . . .
الغيمات لا يمللن حديثهن الغبي .

لذا . . .
سأبتلعُ غيمةً واحدةًمنهن هذا الصباح
لأتجشأ بعضاً من ضوء,
ينسابُ من بين عينييَ المُثملتين
قبل أن أحلّق بعيداً عن تلك الأرضِ
أضعُ نظارتي الرقمية في وجه الشمسِ,
أصنعُ ثقباً في ظلّي الممتد أمامي,
كي أراقبَ السماء من بعيد,
وهي تراوغُ النجوم في حروب المياه الجديدة .
ولم أنسَ أن أمرَّ هنيهة على مقبرة الحُسَين
لأختم جواز العبور من أغلفة الحياة الأربعة
أتذكّرُ مشهداً بدائياً,
وأنا أعبر الطريق اللبني إلى السدرة :
ــالرجلُ الذي يتمسّح بخدّيه على عتبات المشهد الحُسَيني,
كي يبقىقيد الإقامة الجبريةفي مقام العارفين.
ــ والمرأةُ التي تبلل يديها بنفثة من رحيق الملكين الموكلين برأسه الشريف,
وتغسل عينيي وليدها الوريف كي يُبصر من جديد .
ــ والبنتُ التي تنسلُّ خُفيةوراء حلمٍ يراودها كل مساء,
ليأتيها بفارسها الحبيب . .
. . . . . . . . . . .
أُطلُّ على رأس بائع العرقسوس القرمزي,
وهي تنسابُ إلى السماء في شموخ,
أنزوي خلف الشيوخ,
الحاملين للبيارق والنمارق والسيوف
ويهللون لشيخهم الكبير,
الذي يرتدي ثوب النبي,
ويعتلي فرس النبي,
ويلوّح من فوق عمامته الخضراء بسيفه الخشبي
أمُدُّ يدي لأتشبّث في جلباب أبي
حتى لا أتوه مجدداً في شارع الموسكي العتيق

هاأنذا . . .
أتأرجح بين غيمتين أُخريتين
وضعتْإحداهما رأسي في زجاجة خلِّ,
وذراعاها يتشبثان بروحي المُرسَلة . .
بينما تجري الأخرى في مدارٍ لولبيٍ خلف مرآةٍ تتبعني,
غير عابئة بصياح البَيض الراقد على الرفوف
أتزيّنُ بكامل طاقتى السالبة,
كيما أفرَّ منهما إلى براح لا يروق لي
لكنه براحٌ يمنحني لذّة المرور في اللاشيء
فالبراح ليس معتماً تماماً
والغيمات يتخذْنَ مواقعاً ليست للبيع,
ويتسلقن أشجاراً لا ظلال لها,
ويرسلن كوابيساً ساذجة, لصيد الأحلام السعيدة
وأحلامي تراقب الطريق من بعيد,
قبل أن تنفذ من الغيمات المتّشحات بالسواد
كنتُ غبياً حينئذ . .
حين تركتُ أحلامي تتسرّب من ذاكرتي في الليل
لتأخذ الأرصفة المكتظّة بالغيمات مأوىً لها
فتعيدُ ترتيب الفوضى من جديد
فتُطلقُ الشوارع ساقيها للريح
وتهربُ المنازلُ من نوافذها المغلقة
وتترك أبوابها معلّقة على أسلاك أعمدة النور
وترفع الأشباحُعلامةَ النصرِ
بينما تجلس الملائكة الطيبات على نمارق مصفوفة الجانبين
يتلقّين واجب العزاءِ الروتيني,
على روحغيمةٍ ضلّت الطريق نحو قوس قزح,
فتنساب الدموع من ينابيعهن الطازجة
ويمرحن في بهاء بين القلب والرئتين
بينما تأخذ غيمة منفلتة مساراً جديداً,
كي تلاحق جسدي المعبّأ في علبة كانز,
ــ تم إلقاؤها عمداً في سلّة المهملات ــ
وتتسلّقُ فجأة ( حائط بلانك )*الضوئي
لتعود بذلك الزمانِ من جديد .
. . . . . . . . . . .

حســــــن حلـــــــمي
قها ــ مصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حائط بلانك : أقل وحدة زمنية لا يمكن أن يتخطاها العلم, وهي = 5,39 × 10 أس – 44 ثانية


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى