قحطان عدنان السوداني - زيت التدليك الساخن

ما إن يغلق الباب تتساقط الأقنعة، وعلى الأَسرة تتساقط قناعاتي بهم.
للزيت فعله السحري، فما إن تتزحلق يداي على ظهورهم، تتزحلق معها ألسنتهم، وكأنها هي غيرها من كانت أَحد من شفرة السيف وهم يتحدثون عبر التلفاز..متناقضات الأمور من موجبات الأجواء، هكذا بررت لهم.. لكن ماذا يعنيني بهم؟!،طالما أنا وحقيبتي الممتلئة بأدوات الحلاقة والتجميل ، ومزيدا من الزيت،صرنا مشهورتين لديهم، حتى صار يصفني أحدهم إلى الآخر كالدواء، مع نشرة من المديح ، عن مواصفاتي وسحر يدي المعالجات، فحقيبتي لا تشبه حقائب نسائهم، ولا أنا أشبههن بالمرة، فشيئا من الغنج وكثيرا من الزيت ، كفيلات بحل مستحكمات العقد ، ليلعنوا بعدها أباء زوجاتهم.
بدأت أتلمس الطريق المُعَبد، متناسية طرق الأمس الميسمية.الخبرة أكسبتني من المهارة ما لم تعلمه أكبر مراكز التجميل أو التدليك في العالم، وصعود السلم أهم مافيه الدرجة الأولى والباقيات يأتين بالتتابع، وأيضا قليل من الذكاء وكثير من الزيت كفيلات أن يسندن ظهري على ظهور تتكأ على كراسي القرار.
محظوظة أنا إذ تلمست الطريق الصحيح، وصار حبل الهمس لآذانهم قصير.
الرب لم يسمع دعاء أمي علي، حين كانت تفتح زيقها بعد كل ليلة أرجع فيها متأخرة وتقول(إلهي لاتوفق سارة دنيا وآخرة).
لكن الله وفقني ، وها هم لايثنون لي كلمة، ولا يردون لي طلبا، فأستحمد الله على نعمة الزيت هذا ويحفظه من الزوال.
بحكم تراكم خبرتي صرت إذا ما أريد طلبا أسخن له أذن المنبطح في ملتجئنا الآمن مثلما أسخن له الزيت على نار هادئة، فأنضج ما أريد، لأجده في اليوم الثاني صار قرارا رسميا،
ومن بركات الزيت كانت سيارتي اللكزز ،فهي طبخة لأحدى المساءات التي همست فيها بكلمات الحب، متغزلة بفحولة محمود ذو الستين عاما، إذ إنتشى بعدما قلت له :
لديك قلب فراشة بقوة حصان..أهمل وصف الفراشة، وأفرحه وصف الحصان،
قال:أحقا ترينني بقوة حصان؟
قلت:نعم..وهل تعلم ماذا يسمى الحصان؟
قال: الجواد
قلت إذن أنت جوادي بعد اليوم.. إنتفض ممتعضا..لكني لا أمتطى.
قلت: معاذ الله، وهل أجرؤ..
لكنك تستطيع أن تعطي ما يمتطى أيها الجواد..قلتها بطريقة غنجة،
فضحك ثم ضحك، وفي غمرة الإنتشاء ترك لي مفاتيح سيارته اللكزز.
ضحكت في سري وقلت ..
هذا الحمار يتصور رجولته بفحولته..شرقي لا يتغير حتى وإن صار وزيرا.
بعدما صارت لدي شبكة عنكبوتية من العلاقات، بت أعرف صغائر المعلومات عن كل واحد ممن تربطني بهم علاقة وحتى الذين لا تربطني بهم علاقة، ففي المطبخ هناك من التوابل مما لاتحتاجها الأن ،وقد تكون ضرورة ملحة في طبخة ما،
وصرت أمسك بأكثر من خيط كمحرك الدمى، فخيط أحتاج به يدا لتضرب، وخيط
أحتاج به رأسا ليتحرك، وخيوط أقطعها إذا ما لمست صاحبها بخيلا. غدت سعادتي بتحريك الدمى لا توصف ،لكن سعادتي بسعيد هي الأكبر.
هذا الرأس الذي إذا ما أستطعت أن أطبخه في مطبخ الزيت، سيكون طبخة العمر على ُسفرة طموحاتي، فهو الرأس الأكبر ، وإن كان الأقذر والأفجر، لكن الضرورات تبيح المحظورات.
وأنا أقف أصفف له شعره، أحسست بمجسات الأنثى بأنه
يشغل حاسة الشم البوليسية التي معها يكاد أن يشفطني بأنفه، كلما أقتربت منه بجسدي متمايلة بقصد ماكر، فخيوط ُدماي أعرف كيف أحرك مواطن مستشعراتها ، ليسيل بعدها لعاب النزوات.
صوت حركة المقص يكسر سكون الغرفة، فيأتي كمعزوفة الى مسامع سعيد،
فيباغتني بلسان مثقل..أنت عازفة يا سارة ولست حلاقة فحسب..صوت مقصك يشي بسمفونية رائعة.. أجبته إحساسك العالي ياسيدي يعرف عزف المقص.
سألني:هل تحلقين لكل الزبائن بنفس المقص.
قلت: نعم بنفسه، لكن.. لسيادتك يعزف فقط.
عدل من جلسته منتشيا وقال:أرجو بعد اليوم أن لاتتعبي مقصك وأن تجعليه لايعزف لسواي ..فأنا أحتاجه أسبوعيا..أو في الاسبوع مرتين إذا ما إشتقت لعزفه.
قالها عازفا على وتر جعلني أتشجع بأن أقابله بعزف أستخدمت فيه كل مهاراتي وما حصلت عليه من خبر.
وهو يدون رقم هاتفي لديه، وبصوت مسموع دَوَنَ عليه،
عازفة ..المقص..الأجمل.
مددت يدي على هامته مدعية بلمسة اخيرة من التصفيف فأمسك بها.. سحبتها..أطرقت بنظري إلى الأسفل، وأنا أؤدي دور الحياء بأجادة ، محضرة في مخيلتي طنجرة كبيرة، تتلائم وحجم رأس سعيد،
وقبل أن يهم بالخروج رششته عطرا فرنسيا سيبقى ثابتا لوقت طويل..عاود مسك يدي قائلا: للعطر فأل غير حسن .إعتذرت له ، نزلت الثم قفا يده ، تاركة رسم شفتي عليها..إستدار يحكم مزلاق الباب..قلت لا ياسيدي لا لا أرجوك..قال: لاتقولي سيدي بعد اليوم..فأنت سيدتي وسيدتي..لا أعرف كيف قفزت لذاكرتي سهير البابلي وهي تغني( شبكنا الحكومة وبقينا قرايب).
أدمن سعيد الزيت وأدمنني، ومثلهن أدمن الارجيلة التي أعمرها له بمساعدة سرمد الذي يحسن تخمير تبغها بقليل من الخمر والبانجو ليجعلا سعيدي هذا يرمي من على كاهله عبء مسؤولياته طوال اليوم،وبعدما ينفث الدخان لعدة مرات،
يقول لي لا أعرف لماذا بقربك أرى حدود البلاد آمنة، وكل قراراتي صائبة..أنتهزت ذكره القرارات، فأرتميت على صدره كالقطة وقلت:ليست كلها..تعجب
قال:كيف؟!
قلت: الدليل أبقائك على محمود وزيرا.. قال: فعلا فهو عندما وصفك لي كان وقحا بعض الشيء.
عندالظهيرة ومن نشرة الأخبار التي صارت محل إهتمامي مذ صار الزيت محل إهتمامهم ،عرفت إن محمود قد أعفي من منصبه، على خلفية صفقة حنطة مغشوشة ، ضحكت ..حنطة مغشوشة!!!.
بعثت لسعيد رسالة عاجلة ألفت عنايته الى سرمد بديلا،
فجاء الرد..تم.



العراق بغداد


- القصة الفائزة في صالون الراية








القصة الفائزة في صالون الراية




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى