د. عبدالكريم المصطفاوي - وجدت ضالتي

شعرتُ بتعبٍ شديدٍ جراء التسكعِ لأكثر من ساعتين،
مررتُ بكلِ الطرقات ،علّني أراهُ أو أجدُ ما يدُلني عليه.
توقفتُ لألتقطَ أنفاسي تحتَ نُخيلة ، لقد ظللتْ تلك النخيلةُ جزءاً من كتفي الأيسر حتى منتصف فخذي ،
حاولتُ الاختباءَ بجذعِها فلم تحميني.
استجمعتُ قوايَ واستأنفتُ السيرَ ، وأنا دائبُ النظر في المحلات المتناثرة على إمتداد الزقاقِ ،ويالها من مصادفة ٍعظيمة! لقد وجدتهُ يختبيءُ بين مجموعةٍ من القمصانِ المعلقة في كشكٍ صغير جدًا ، ابتسمتُ ثم ألقيتُ التحيةَ ! فلم أسمع جوابًا!،
لازالَ يحتفظ بصفاتهِ الأصيلة، ناصع البياض ولم تؤثر فيه أشعة شمس الشتاء البراقة . مسكتهُ ثم سحبتهُ نحوي ونفضتُ الترابَ من عليه ، شبكتُ يدي بيدهِ وسرنا معًا !
عاتبتهُ كثيرًا !!: لقد كنتُ أبحثُ عنكَ ليلًا ونهارًا! ألا ترى بقع الطين تلك التي صنعتها غبرة أزقة شارع الرشيد ، والممزوجة بقطارات المطر الخفيف لتعتلي صهوة حذائي الروغان الأنيق ! غير انكَ لمْ تكلفُ نفسكَ عناء السؤال عني !!
لا يهم… لقد عادت صداقتنا ، أنتَ بحاجةٍ إلىمن ينفضِ غبار السنين .
لازال ينظر اليّ بصمتٍ وذهول!
بعد أن دلفنا سويةً الى كهفي الصغير الذي يأويني ،عانقته بحرارة حتى سقطنا معًاعلى الأريكة الخشبية ذات الأرجل الثلاثة ،أما الرابعة فقد استبدلتها بطابوقة استعرتها من رصيف شارع دانيال.
استويت جالسًا ،فأخبرتهُ بإنه قد حلَّ الوقت المناسب لاستخدام العطر الذي يفضلهُ ! فلطالما احتفظتُ به لمثلِ هذه الساعة! مضتْ ساعةٌ واثنتين…
بعدَ الاغتسال أصبحَ جاهزًا ، رششتُ عليه عطره المفضل ثم احتضنتهُ وشممته !! ومنذُ تلكَ اللحظةِ أصبحَ رفيقي في حلّي وترحالي!! ولمْ أعدْ أرتدي قميصًا آخر سواهُ ، فهو كل ما يربطني بهذا العالم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى