محمد آدم - نشيد الجحيم وقصائد أخرى (1)

الشمس الميتة
إذهب
إذهب أيها الشاعر بعيداً إلى أقصى الأرض
واترك العشب
والنوافذ
وجلاميد الصخر
وتوكأ على عكازٍ أعمى
وابحث لنفسك عن شمس أخرى غير هذه الشمس
التى تطلع من الشرق
إلى أن تحين لحظة الغروب
هل هو غروب شمس هذا اليوم فعلاً
أم غروب الحياة أصلاً
وبمنجلٍ وحيدٍ اقطع كافة الأشجار الميتة
وامح من على جلابيبك كل وسخ الطريق
فليس هناك سوى نهاية واحدةٍ
تنتظر كل شىء
الشمس
والقمر
النجوم
والكواكب
الإرادة الإنسانية
والعنب الجاف
إنه الموت الذى يلملم كل شىء
فى عباءته الضخمة
ويقذفُ به إلى اللاشىء
ثم يفتح فمه مرةً أخرى
ليتطلع إلى القادمين الجدد
ودون أن يرفّ له جفن
إذهب اذهب أيها الشاعر بعيداً فى الحقول
واترك العالم وراءك يعوى
إترك العشب
والنوافذ
وجلاميد الصخر
وتوكأ على عكازٍ أعمى
وابحث لنفسك عن شمس أخرى
غير هذه الشمس.
الغرفة المجاورة
حين أجلس وحيداً فى الغرفة المجاورة
وأكلم نفسى
لا أرى غير صورتى التى تنعكس على الجدرانْ
وبضع كلمات كان قد تركها المارة
على جانب الطريق
مثل أوراق ساقطة فى فصل الشتاء
فأمدّد رجلىّ فى الفراغ الغويط
وأسأل عن شجرة الجميز التى كانت تطل على نافذتىْ
لماذا تركتنى الأم وحيداً
فوق هذه الترعة الجافة
ولماذا ساق أبى العربة المعطوبة على حوّاف الأنهار
ليجلب لنا وفى نهايةالليل
بضع خفافيش
ولحم غرابٍ ميت
ولماذا تركتنى القابلة فى غرفة التبن
الى أن تعود أمى من عند ماكينة الطين
وقبل أن تقطع القابلة حبل السرة تماماً
أو أتخلص نهائياً
من كافة كوابيسى الليلية
عن شجرة الخلد
وحكايات دفن الموتى
الآن فقط
علىَّ أن أسند رأسى إلى الجدار
لعل فراشةً
سائبةً
تأتى إلىّ
لتأخذنى معها فى رحلةٍ خلويةٍ إلى المحيط.

أبو العلاء المعرى
هل كان حقاً أبو العلاء المعرى
يجلس وحيداً وبمفردهِ
على دكةٍ خشبيةٍ وفى معرّة النعمان
وهو يكتب أشعارهُ الغويطة
عن العبث الإنسانى
والوجود المنحرف للشمس
والقمر
والنجوم
وبقية الكواكب
ولماذا ترك لنا كل هذه الأشعار الحائضة
على دكةٍ خشبيةٍ
ولم يشأ أن يغسّل لها رأسها
أو يمسح عنها عكنبوتات العبث واللاجدوى
ويقدمها مثل ذبيحةٍ مرتجزةٍ
فوق طبق طائر
من أطباق النوستاليجا
ألم يجلس فى ليلةٍ من ليالى الصيف الرنّان
وهو يحدق إلى القمر الأزرق من خلف بنطالة الكهنوتى
وعينيه الكهربائيتين المظلمتين
ويقول أيها القمر
أود أن أراك فى الحقيقة
لا من وراء الغيب
وأن أمسح عن عينيك غشاوة الطرق
وعلب الصفيح والمنجنيز
وأن نجلس معاً أنا وأنت
كصديقين قديمين
على حرف ترعةٍ بائسةٍ
إلى أن أرعى كافة أغنامى المهجورة
فى العراء الطلق
وأنا أرتب لك بعض الكلمات والحروف
والتى سوف أتركها أمانةً فى عنقك
لتنقلها إلى الدود والصراصير
أنا البارحة قلت لشجرة الصبير
لا تخافى يا أخت
أنا مثلك فى العراء الطلق
وأجلس وحيداً على دكةٍ خشبيةٍ
وهانحن نشارك العالم
فى كل أوجاعهِ
وخرافاتهِ
إلى أن نرى الله جهرةً
أو من وراء حجاب
فما جاوبتنى شجرة الصبير هذه
وقالت لى
أيها الراعى الأعمى
انظر إلى شجرة المانجو
كم هى خضراء
ووارفة
ولا تنظر إلى كتلة العجين
التى تشبه الخراء
لتعرف حقيقة البانوراما
الإنسانية
أنا
تنقلت من حانةٍ إلى حانةٍ
ومشيت فى الطرق التى تمتلىء بالمطبات
والحفر
ألف غيمةٍ أمسكت بيدىّ
وعلى النهار تنصتُّ من فرج البيوت
لم يكن لليل فى بيتى مكان على الإطلاق
فقط
أطلقت كافة عصافيرى على الماء
أردت أن أجرجر الشمس من جلبابها الأزرق
وأحبس القمر فى خزانة القش
لا لشىء
إلا لأننى أردت أن أقول لهذه النملة أو تلك
نحن جميعنا حشرات الله التامة
فلا تخافى يا أخت
من جنود فرعون
أو عصا موسى
وألواحه المبعثرة فى اليم.

الحلم والحقيقة
على ضفات الأنهار تتساقط الثلوج بامتياز
ويهرب المارة
إلى سفينة نوح
سفينة نوح التى لم يعرفها بشر قط
ولم تتوقف أبداً لا فى البحر الأبيض المتوسط
ولا فى الخليج الباسيفيك
فقط
وكما قالوا لنا
كانت راسية هناك فى كتابٍ قديمٍ
كنا نقرؤه على حافة المقابر الجماعية
ونحن أموات.

شهادة زور
الورقةُ
والقلمْ
كانت شهادة زور لعالم يمتلىء بالشر!
على حواف البورصات العالمية
تتساقط الدموعْ
ويفقد رجال أشداءُ أرواحهم
ولا يتبقى من السماء
غير قمر يتيم
أو شمس تتأرجح فى الغرفة
تحت حبل غسيل
وليس ثمة شىء فى آخر الممر
سوى غرفةٍ ضيقةٍ وتكتظ بالجماجم
إصرخى أيتها السموات بعنف
أبناؤك هناك تركوكِ للريح
تحتك تسيل أنهار الدم
وعلى شواطئك الملآنة بالنجوم والسحب
يصرخ البوم ليل نهار
وأنتِ
أنتِ هناك غائمة وصامتة
ومذ أن رأتك عيناى
تلبسين نفس الحلة الخرسانية
بنفس كل هذه النجوم السوداء
وجغرافياتك التى تكتظ بالخرائط
من لهذا العامل الذى يموت جوعاً
فى شوارع كاليفورنيا
من لتلك المرأة
التى تتجلد فى ثلج إدمنتونْ
هناك
قمر أحمر ويتيمْ
يلبس شراباً فى رجليه
ويجلس على الأرصفة
ليبكى فى الليلْ
إلى أن يأتى أحدهم وفى يده مكنسة كهربائية
من بقايا العصر الحجرى
ليهشه بعيداً عن الأرصفة
والوعى.

يوماً ما
يوماً ما سوف تتحول كل هذه السمواتِ إلى رماد
كل هذا النهر إلى كلابٍ ميتةٍ
وسحليات
يوماً ما سوف تبكى هذه الحديقة
على غصن الوردة
وسوف يتقيأ القمر من ركبتهِ
على سقالةٍ متهالكةٍ
وسوف تلعق الشمس أحذية المارة
لا
لن يكون هناك أغنيات عن الحبْ
ولا كلمات عن السلامِ
فقط
السلاسل فوق الأرض
والمارة يخبئون الضحكات
فى صناديق القمامة
والأطفال عبارة عن علبٍ كرتونية.

اسبينوزا
إنه يجلس الآن على معدته الخربةِ فى الليل
وحيداً
منضوياً
وغارباً
يداهُ معقودتان خلف ظهره و تصقلان الضوء بالأزاميل
وتمسكان بالمسامير من أجل ان يصلح فردة حذائهِ
البالية
فيما هو ينكبُّ على كراساته القديمة
ويضحك من التوراة
وكافة الأكاذيب التى صنعها الرواة المخنثون
عن الله
الذى أقعدوه فوق ساعاتهم الميكانيكية وتحت لحاهم الضخمةِ
من أجل ان يصلحوا عطباً هناك أو هناك
فى فراديسه الخنفسائية العرجاء حتى
تتواءم مع مخيلاتهم
الإسفنجية
وفى آخر الليل
وحينما كان يزهق من الوحدة ويصيبهُ المللُ
والضجر من كل ما رأى أو سمع
كان يكتب على جدران غرفته الثلاثية الأبعاد والتى امتلأت بالكوابيس
وحبات البطاطا
أن المتعدد فى الواحد
وأن الواحد فى المتعدد
وأن نقطة الصفر هى هى مركز الدائرةِ
وحقيقة العالم
وما ثم فرق
بين نقطة على المحيط
ونقطة المركز
وفى آخر الليل كان قد كسَّر كل فوانيسه
ولعب شطرنجه المتناثرة على الأرض
وأخلد إلى النوم
فى انتظار إطلالة الفجر
الملتاثة
وألقى بكل عدساته المقعرة والمحدبة إلى المحيط
ولم يعد يشغل باله لا بنقطة المركز
ولا بالدائرة من الأساسْ
وراح يبول بضجر وحميميةٍ
على كل ما كتبته يداه
بدءاً من اللاهوت
وانتهاءً بالسياسةِ
وأخيراً قال لنفسهِ
كيف كان بسكال يعيش فى هذا العالم
ودون ان يدرك الحقيقة؟!

ذات مرة
ذهبت بمفردى إلى الحقل بالليل
كانت النجوم تسطع كالعادةِ
والقمر يلبس شالاً من الكتانِ الأزرق
ذهبت وحدقت فى البئر المنكوشة جيداً
فرأيت صورتى تنعكس على الماء
بينما عجول البر والبحر تنظر إلىَّ بأسىٍ بالغٍ
حدقت وقلت
ماذا هناك يا أمى
أنا حاصرتنى الأشباح من كل جانبٍ
وأخذوا يضرطون كما تتبول امرأة حائض
فقلت لهم من أنتهم أيها الملاعين
ومن أين أتيتم
هل أرسلكم الربّ لتعيثوا هنا على الأرض
قالوا وأفواههم تبك بالضحك
نعم
نحن ملائكة الرب أيها الأحمق
جئنا لنقف إلى جوار هذه الشجرة الوحيدة ونلعب الإستغماية
ونسخر من كل شىء فى هذا العالم
الذى يبكُّ بالدم
ويمتلىء بالقتلى
هل تأتى معنا إلى الحديقة المجاورة
أم ستظل هناك واقفاً
تنتظر أن ينزل إليك كتاباً من السماء
لا وجود لقدس الأقداس
ولا وجود لعناقيد الذهب أو الحوريات
نحن فى بئرٍ واسعة وغويطة
تذهب أرواحنا لتغتسل من لزوجة العدم
مثل ورقةٍ ساقطةٍ
وتعصف بها الريح.
حلم نخاع شوكى
أنا أريد أن أكتب قصيدة
قصيدةً واحدة فقط
وتحمل كل أوجاع العالم
لكن القصيدة الملعونة تتأبى ولا تأتى أبداً
وتظل تتنطط أمامى
مثل أمرأة لزجةٍ
وكلما أحاول أن أمسك بطرف ثوبها
أو حتى أضع يدى على صدرها
إلا وتفرُّ هاربة إلى الشوارع
وهى تصرخ من الشهوة
وأظل أصرخ وراءها مثل كلبٍ يعوى
أيتها القصيدة المناوئة
توقفى توقفى أريد أن أراك
أن آخذك فى حضنى
أن أضمك بين ذراعىّ مثل طفلٍ يلهو
أتنفس من خلال رئتيك
وعجين سرتك
ولا أرقد إلا على مخداتك
المحشوة بالحروف
والأساطير
ولكن القصيدة الملعونة تفرُّ هاربة إلى الشوارع
وتختفى بين الأزقة
وأنا أظل أدور وراءها من شارعٍ إلى شارعٍ
ومن زقاقٍ إلى زقاقٍ
إلى أن أتعبنى السهر بالليل
فركنت كراساتى العميانة وكافة أغنياتى المالحة عن الألف والياء
وأدرت ظهرى للعالمِ وأنا أدور فى السكك كالضالين
وقلت فى نفسى فلتذهب كافة القصائد إلى الجحيم.

دانتى ورامبو
ترُى
ماذا فعل دانتى فى الجحيمْ
ولماذا ترك رامبو فى العشاءِ الأخيرِ كافة قصائده إلى الماء
وذهب بعيداً إلى جنة عدن الصغرى
ليفتش عن امرأةٍ باذخةٍ
تفرّغ أحشاءها بين ركبتيه
وتنام معه على سريرٍ واحدٍ من المغناطيسيات
وماذا فعلت القصائد للمعرى
وهو يتحسس الجدران
والأوردة
بساقٍ مقطوعةٍ
القصائد عاريةً وتسير فى الشوارع
ولا تجد من يسأل عنها
بين صدر امرأةٍ
وعلى مؤخرة امرأةٍ
تفرد فخذيها للنجوم
وليس ثمة غير الخراء الذى تطمره قصائد الجوعى
فلتأخذى القطار أيتها العصافير
ولتسافرى إلى حيث يسيكن الآب والإبن والروح القدس
أو حتى عجل هارون الذهبى
فليس ثمة مرساة هنا أو هناك
سوى سفينة اللاشىء
مثل سائق قطار معتوه
لا يتوقف فى كافة المحطات
إلى أن يسقط أخيراً
فى البحيرات المرُّة
وأنا سوف أهىء القصائد
صوب قطار اللانهائى ودائماً!!

تقريباً تقريباً
تقريباً سننسى كل شىء
المال
والبنون
وتلك الصورة المعلقة على الجدار ومنذ قرن
ضحكة الأم والرؤوم
وحدائق بابل المعلقة
سننسى النورج
وحبل الغسيل فوق السطوح
غرف الدفن
وطباشير المعلمين
رجال المظلات
وأركيولوجيا العدم
وحبات البطاطس التى نسيها الفلاح الفصيح
تحت عُقلةِ محراثهِ القديم
سننسى الماضى
والحاضر
ولا نعود نفكر فى أى شىء
سوى الإنتظار على الرصيف المقابل
ريثما يأتى أحد الآلهة الذين طواهم النسيان
فى برزخ الدود
وأكلتهم العتة من فرط ما استغرقوا طويلاً فى النوم
وهناك تحت سفح جبل فى صحراء سيناء
لكى نعيد ترتيب كل شىء
من الألف وحتى الياء
مثلاً أن نوقف عمل كل تلك الساعات
التى تدورُ فى العالم
ولا نعود نسمع عن تكتكة الزمن
أو صوت الأرخبيلات
المنشورة
مثلاً
أن لا يكون هناك وجود
لا للآب
ولا للإبن
ولا للروح القدس
أن نقول عن مريم العذراء أنها كانت أكبر مومس فى التاريخ
وعن يوسف النجار
إنه قاتل
ولص
أن نقول عن الشرق إنه حانة كبيرة لمزورى النقود
ومزيفى القوانين الدستورية
عن الغرب إنه غرفة توابيت
عن الشمال إنه جزيرة للعميان
عن الجنوب مقبرة للهنود الحمر
تقريباً
تقريباً
سننسى كل شىء إلى أن تكف الأرض عن الدوران
وتتوقف عجلة التاريخ
أمام مقبرة هيباتيا
ومجزرة الرأسمالية المتوحشة
وأنا أشخر
لمعرفتى اللانهائية
باللاشىء
أنا كفرت بجميع الآلهة الذين ينتظرونى هناك
فى غرف الدفن
لكى يقوموا بتعذيبى
وتقطيع أوردتى
وأوصالى
وإحراقى بالنيران
لالشىء إلا لأننى كنت أكتب القصائد الملوثة بالدم
كل تلك القصائد التى لن يقرؤها أحداً سواى
فى هذا العالم
آه
آه
يا أناى الزائفة
يا نفاية التاريخ
ونشارة الجغرافيا.

الزمن الضائع
أحياناً
ما أتوقف فى عرض الشارع وأسأل
- ودون أن أعبأ لا بإشارات المرور
أو رجال الشرطة
ولا بسيارات الإسعاف
أو حتى بطائر مفعوص تحت عجلة روبابيكيا –
لم لا ينزل الرب من السمواتِ
وينظر إلى هذا العالم
تلك الحرب الباردة بين الشمال والجنوب
الأرصفة المغطاة بالجثث والتوابيت
والحيوانات المنوية
الدم الذى يسيل للرُّكب بين الأبيض
والأسود
ملايين السجون التى تغص بالمعتقلين والمعتقلات
والقوانين الرجعية المخبولة التى صنعها رواة الأساطير
فى دار الوثائق الرسمية
كل هذا والرب ساكت وأبكمْ
وعندما أزهق من كل هذه الاسئلة
أغلق جميع كراساتى
وأوراقى
وأذهب لأغلق كافة النوافذ
على صحراواتى الشاسعة
ومراياى المكسورة
على حائط الزمن الضائع.
حلم
أنا
لم أعد أرغب فى أى شىء من هذا العالم
الحرية إسطوانة مشروخة صنعها الأنبياء الكذبة
الحب كلمة مراوغة على مؤخرةِ امرأةٍ
ومرمية على الرصيف العام
ويدوسها المارة بالأقدام
الجنس عجلة أتوبيس متعطل فى مفارق الطرق
النهاية مثل البداية
والكل دائماً لاشىء
فقط أريد أن أعود إلى الطفولة المنسية
على عتبةِ التاريخ
إلى حيث الساقية المعطوبة
وغيطان الذرة
وفراشات الحقل
وجذوع النخل المنقوشة على الحيطان
وأنا واقف أقشر البازلاء
بين أسنانى
وآكل حميضة يابسة
وأجلس فى الليل تحت السماء الصافيةِ
لأعد النجوم على أصابعى.
آه
آه
كم من حياة عشتها على الورق
كم من طرق مشيت فيها على حواف الذاكرة
كم من خيالات كسّرتها على الجدران
وأوقعت دماءها على الأرض
كم من شمس رافقتنى فى نومى وحتى الصباح
وكم من قمرٍ
أمسكت بأذنية
وجرجرته ورائى
حتى فى دورات المياه
كم من سماءٍ نقشت عليها كلماتى
ووضعت فيها أوانى الخزفية
وكافة رسومى التشكيلية
كم من أفلاطون عاش فى مخيلتى
وكم من سقراط أزحته من على المائدة وعلقته فى طرف حذائى
كم من سرفاتس أخذته إلى المستشفيات
وغرف العناية المركزة
وحضانات الأطفال وهو لا يعرف أى شئٍ عن أطفال الأنابيب
كم من أنبوبة بوتاجاز كنت
وكم من رغيف خبزٍ أرجوانى أردت أن أكونه
لأطعم الجوعى والفقراء
كم من قصيدة خبأتها فى جيبى
وبين سراويلىْ
وأخفيتها عن أعين المارة فى الصباح
وأطعمتها رغيف خبزٍ جافٍ
وفى الليل
أخبئوها تحت سريرى حتى لا يأخذها اللصوص
أو خونة التاريخ
والمتحدثون الرسميون باسم الله
كم مرةً كنت نوحاً الذى يبحث عن سفينة
لتنفذه من الغرق
وكم من مرة كنت بيلاطس النبطى
الذى يبحث عن يهوذا
ولا يقرُّ بحكاية صلب المسيح هذه
آه
أنا تعبت من السفر
أما آن لكِ أن تستقرى ياباذنجانة الروح
فوق جذعَ نخلةٍ
أو حتى خنفساءٍ محبوكةِ
كم من حياةٍ عشتها على الورق
آه
يالخسارتى الدامعهْ ؟!

خراء
الخراء لكل هذا العالم
الخراء لكل تلك السموات والأرض
الخراء لكل تلك السحب الجرارة التى تمشى على الماء
لكل تلك المسامير التى تملأ الذاكرة
وتنفلق فى الرأس
الخراء لكل تلك الأيديولوجيات التى بدأت
من أفلاطون
وحتى ماركس العجوز
الخراء لكل تلك الأساطير المحبوكة
عن الوجود
وزنزانة العدم
الخراء لكك تلك الخيبات التى تسكن فى الشوارع
وتتنطط على الأرصفة
وتركب الأتوبيسات العامة
وتنام فى صناديق الزبالة
وعلى أبواب العمارات
الخراء لوأوأة الطفولة
وحليب الأمهات الساذج
والذى جلبنا إلى هذا العالم
لنذهب وفى نهاية المكان
إلى القبر
الخراء للساعات
والدقائق
للشرانق
وسرادقات العزاء
لكل تلك المتوسيكلات التى
تذهب وتجىء فى أبنية الرأس
وتعمل على جدران الجسد الإنسانى
بلامحطةٍ أخيرةٍ
أو حتى ساعة توقف
وتعمل بانتظام
انا أمعائى تتقطع من أجل الوجود
أتقيأ على الهواء المرصوص فى الطرق
وأكتب على فسفور المادةِ العمياء
الكل باطل
وقبض الريح
من شاهد هناك ملائكة الربّ وهى تغدو وتروح
من راقب سفينة نوح وهى تمرُّ بين العمارات
وعلى أرصفة المخيلة
لماذا كان المسيح ولم يكن يهوذا
الوعى خراء
واللاوعى خراء
من ينصب كل هذه الشبكة العنكبوتية الكسيرة
التى تلف حول العالم
لتجمع كافة المياه
والبحار
والأنهار
والسحب
الشمس
والنجوم
فوق حصيرةٍ واحدةٍ
ويُلقى بها فى نهاية المطاف فى صناديق الزبالة
الضخمة
وفى حركة مغناطيسية لتكون الممر الأخير
لكونشيرتو العدم اللانهائى
الخراء لكل هذه المسرحية الهزلية
التى يبدأ فصلها الأول من حرب النجوم
وينتهى فصلها الأخير
على مسرح من مسارح الدرجة الثالثة
حيث لا ممثلون خالص
ولا جمهور على الإطلاق
فقط خشبة المسرح فارغة
وضحكات الجدران
من هروب النوافذ
إلى حائطٍ أجير
أنا
سأذهب الآن لأتبول على حقيقة العالم
أنا أمعائى منقوشة على الماء
وكلماتى تصطف فى طابور طويل فى انتظار
أنا يأخذنى المركب السكران
إلى مثلث برمودا
أو انسكلوبيديات هيرمس
أنا ميت من الضجر
وآخذ أبا الهول فى حضنى لأنام
وأقول لجسد هيباتيا
لماذا قطعوا جسدك بالشراشر
يا هيباتيا ؟!!

إلى والت ويتمان
أنا كائن غريق يا والت ديتمان
أنت كتبت عن الديمقراطية التى مزقوها إرباً
إربا
وأنا أكتب عن سلة المهملات
أنت أخذت تبحث عن فراشةٍ وتقف واثقةً
تحت ضوء القمرْ
وأنا أخذت أجفف الشمس فى علبة كبريت
أنت صنعت لنفسك طائرةً ورقيةً
لتذهب بها إلى المنافى
ومعتقلات الهنود الحمرْ
وأنا
ذهبت إلى هناك
إلى الرَّبع الخالى لأقدم صلواتى
إلى إله الصحراوات العقيمْ !!
لا تذهب بعيداً عنى ياوالت ويتمان أرجوك
ولا تتركنى هنا فى العراء الطلق أبحث
عن أنبوبة غازٍ
أو عن سيارة مركونةٍ منذ ألف عام
إلى جوار حائط المبكى
ربما
سنذهب معاً وفى آخر الليل
لنتسول حبة أرزٍ ناشفةٍ
من بائع خبز ضرير
أو عامل نظافة ينام على الأرصفة
ويتغطى بالوحلِ
أو ربما سنسكن معاً وفى قبو مغلفٍ بالأراجيح
والخشب
إلى أن يأتى طائر صغير
لنطعمه خبزنا الجاف
ولنقرأ عليه وفى عزّ الليل بعض القصائد
التى كنا قد كتبناها معاً
عن الحرية الإنسانية
والعدل
عن المساواة واللاعنصرية
لا
لن أتركك هناك لوحدك فى مجاهل كاليفورنيا
ولا فوق مياه الباسيفيك
وربما سنأخذ معنا بعض الدقيق والشعير
لنذهب إلى أرض أخرى
غير هذه الأرضْ
ونجلس معاً تحت عشبةٍ يابسةٍ
كان قد نسيها المسيح منذ ألف عام
لنغنى معاً
أغنيتنا الأخيرةَ
عن أوراق العشب
ونشيد أدم
وغابة الحليب والفحم ودرب البرابرة ومتاهة الجسد وبئر أيوب
فى زمن البورصات العالمية
وعبادة رأس المال!!
هوس
أنا لدى هوس بما أكتب ولا أعرف إن كان
ما أكتبه ينتمى إلى الشعر حقاً أم لا
يجب أن نغير عاداتنا فى النظر إلى كل شىء
اللغة
والجسد
التواريخ
والمستنقعات
يجب أن نعثر على طريقنا الخاص
وطريقتنا المبتكرة
طريقنا الذى يأخذنا من متاهة
إلى متاهةٍ
ومن قارة غارقة إلى قارةٍ غارقة
لنرى ماهية التعريفات
لنرى عمق هذه الشجرة
وتلك الريح
أن نخرج من المحسوس إلى اللامحسوس
أن نرى
ونفكر بعمقٍ
فى طريقةٍ أخرى للوجود
غير تلك التى قرأنا عنها فى الكتب
وتركها لنا الأباء والأمهات فوق السطوح
وفى كراسة الديانات.
خطة سفر عادية
إلى الأمام أيتها الوردة
إلى الأمام أيتها الفراشة الأم
إلى الأمام أيتها المرأة المجاورة
لنصنع معاً طائرةٍ إسفنجية ونعبر المحيط
لنتسلق سوياً جبال الألب
ونتشمم رائحة العشب
لنتعلم أن نحمل الندى بين أصابعنا الخمس
وقبل أن تجرحنا الريح
علينا الآن
أن لا نفكر فيما كان
أو ما هو كائن
أو ما سوف يكون
المصير الإنسانى واحد
والرحلة مبتورة من الأساس
ها نحن نصلب كل يوم فوق الدراجات النارية
وعلى أرصفة القطارات
وفى سجون المنافى
وفوق دفاتر الغيابات
أعرف
أعرف
أن المسيح قد صلب لمرة واحدةٍ
وجعل منه الرب أسطورةً
فى الزمان
والمكان
وها نحن نصلب فى اليوم الواحد ألف مرة
ولا أحد يبالى
ونذهب إلى اللاشىء
أما كان الأحرى بالرب أن يهتم بنا
بدلاً من كتاب الطبوغرافيات هذا
هل أنت حقاً نائمة إلى الأبد يا إيزادورا
الجميلة
هناك وفى تونة الجبل ؟!
إلى الأمام أيتها الوردة السيدة
إلى الأمام أيتها الفراشة الأم
غداً سوف تأتى الريح
سوف تشرق الشمس
وسوف نضم الليل إلى ساحاتنا الخربة
وسوف نصنع معاً جمهورية
للنسيان
بدلاً من جمهورية أفلاطون الخربة
فوق شواطىء الرمل
ومنارات الإسكندر الأكبر.
أقمار بلاستيكية
تستحق كافة أحاسيسنا أن تكون تحت المجهر
بدل أن تكون رصاصات حية
أو أركيولوجيات ميتة
فى سفر التكوين هذا
تستحق كافة كلماتنا أن تكون مقدسةً
بدلاً من كل أولئك الأنبياء الكذبة
ورواة الأخبار
واللصوص
على بوابة الرب المعطوبة
نستحق أن نكون أنبياء
فى زمن الزكائب الرأسمالية
وبورصة ال وول ستريت
ولنركب قطاراً واحداً إلى الشرق السريع
هناك
حيث النجوم تملأ الأفق
وليس فى جعبتنا سوى حدائق الدهشة
وعدة أقمار
بلاستيكية.

دعوة
أيتها السفن الراسية بعيداً بعيداً
إذهبى إلى الميناء
والبواخر
وغناء البحارة
وطيور النوارس
والنواتيين
لم يعد بعدُ ثمة شىء سوى صفير القطارات
لم يعد هناك على السفر سوى إشارة واحدة
بعدها سوف تطفىء كافة الأنوار
سوف يتكدس الركاب الجدد فى موانىء
آفلة
وتأتى العصافير من كل فج
كما لو كانت تأتى من الجحيم حقاً
لتصل هى الأخرى إلى هذا المرفأ أو ذاك
لا معنى للوصول إلى مكان ما
الزمن نفسه تركيبة إصطناعية صنعها
أحد البحارة الهولنديين
ساعة على الحائط
وساعة فى اليد
ساعة فى مترو الأنفاق
وساعة فوق الغائط
ولا خلاص لروح واحدةٍ على الإطلاق
الكل جاء ليموت
الكل جاء ليذهب
إلى أين
لا أحد يعرف
ولا يتبقى عن الرصيف الخالى سوى عامل بناء مبتور الأصابع
ومفقوع العينين
واسطوانة مشروخة لأغنية قديمة
لبحَّارٍ مات
وهى تعلن عن الخلاص بالزيت أو بحفنة من الدقيق
إصغ إلىّ أيتها السيمفونيات الغرائبية
والمتروكة هناك فى دور العجزة
والمسنين
وأنا أجفف دموع الشمس
أو أخلع عن القمر أرديته البردانة
فى لحظة الشروق هذه
حتى لا تأخذ السماء فى البكاء فجأة
أو ترحل طيور النوارس
إلى جهةٍ غير معلومةٍ.
جهة غير معلومة
أنا
اليوم ركبت سفينة إلى جهةٍ غير معلومةٍ
وقلت لقائد السفينة
أرجوك توقف وخذنى معك إلى البحر
أنا تعبت من الإحساس بالحياة
تعبت من الضجر
والوحدة
تعبت من الشروق والغروبْ
من انتظار الموت الذى لا يأتى
الموانىء كثيرة
والأرض شاسعة
وفى كل ميناء ثمة بناؤون
وحجّارة
ثمة نساء وأطفال
ثمة ضحكات
وموامس
لا تجعلنى أموت على هذه الأرض الرطبة
كلنا فى غابة البحار
كلنا على ظهر سفينة غارقةٍ
منا من يبحر إلى الشرق
ومنا من يبحر إلى الغرب
أحياناً تتصادم السفن
احياناً تغرق البحار
ولا يتبقى هنا أو هناك على الشاطىء
غير صفارة الإنذار
فضحك قائد السفينة العجوز
وقال لى
يابنى اركب معنا
إلى جهةٍ غير معلومةٍ
إلى كل الموانىء البعيدة سوف أذهب
أنا وناقلتى هذه
إلى أن تتوقف الأرض عن الدوران
أو يصيبنا الغرق
فجلست فى غرفةٍ ضيقة
وقلت لنفسى
أين أنت يا حبيبتى
إلى أن غلبنى النعاس
على دكةٍ فضفاضةٍ
من الذكريات
والألم المنفوش الشعر.

إقتراح
فى يوم ما قلت لنفسى
من الآن وإلى نهاية العمر عليك أن تكون شاعراً
وذهبت إلى جبل موسى
وقلت ها أنذا أصعد إليك ياربْ
أنا لا أريد عجل هارون الذهبى
ولا أريد خواتم المصريين
ولا أريد حُلى نسائهمْ
لا أريد أن أكون بيتاً مقدساً
ولا حتى حانة تحت بئر سلم
لا أريد أن يتبعنى الشعب لأربعين سنةً فى العراء
ولا أريد حتى كتاب الألواح
فقط اعطنى صنارةً أجيرةً يارب
لأجلس على حرف ترعةٍ
وألقى بالشصِّ إلى الماء
لأصطاد سمكة وحيدةً
أحملها على ظهرى إلى أمى وفى عز الليل
ولأجلس أنا وحبيبتى معاً
فوق طاولةٍ مهجورةٍ
لنبحث عن فراشةٍ ضالةٍ
نأخذها إلى غرفتنا فى نهاية الرحلةِ
ونغنى لها أغنيةً مرحةً
عن الحب
والشهوةِ
فى يوم ما قلت لنفسى
عليك أن تكون شاعراً وكفى
وها أنذا أجلس إلى الحوائط المجففة
بالتشققات
وأحمل فوق رأسى خبزاً تأكل الطير منه
ألملم فيها كافة حروفى
وكلماتىْ
عن أحلام العالم التعسة
ولا أحد يسمع
فقلت لنفسى لابأس
سوف ألملم كافة الحروف والكلمات
كل القصائد التى كتبتها
والتى سوف أكتبها
وأحملها فوق ظهرى مثل بائع سجائر سرِّيح
إلى أن ألقى بها فى نهاية الأمر
من فوق جبل المقطم
ربما تحملها الريح إلى مكانٍ ضرير
أو يعثر عليها بائع روبابيكيا
ليبيعها كعلف زائد عن الحاجة إلى الرمل.

الطيور السماوية
ما أسعدكن أيتها الطيور السماوية التى تعبر الأفق
من قارةٍ
إلى قارةٍ
ومن خليج إلى خليج
بلا جوازات سفر
أو حتى إشارات مرور
ليتنى كنت مثلكن أرفرف بجناحىَّ
ولا أحمل فى يدى تذكرة ذهاب أو عودةٍ
ولا ألبس بنطالاً قديماً
أو ساعة يد مبرقشةٍ
ولا أعرف النشيد الوطنى لقارةٍ غارقة
كنت ساعتها سأنام مسروراً على قمة جبل
ولا يهمنى فى شئ إن كان أفلاطون قد كتب جمهوريته
فى اليونان
أو داخل السجن
ولا يهمنى فى شىء إن كان سقراط قد أعدم بالسم
أم مات مخنوقاً داخل زنزانته الخربة
ولم تكن لتشغلنى فكرة الواحد أو المتعدد
أو جنة عدن الصغرى
أو بنات آوى
ولم أكن لأبحث فى يوم ما عن محراث الحقل
أو عشبة الدود
ولن أشغل بالى على الإطلاق بكل
ميكانيكيا الكوانتم
وميتافيزيقا الجسد
ولا إن كان موسى قد حطم الألواح فعلا
فوق جبل الطور
أم تلك من أكاذيب الرعاة
فقط
كنت سأرفرف بجناحىَّ إلى أن أموت
على ساحل الضوء
وأضع الزمن تحت رجلى
وأنام كالفراشات
بلا لحظة واحدة من الضجر
أو كل هذا الجفاف الكونى
ولا أحلم لا بأرض الميعاد
ولا بعودة المُخلِّصِ
أو كافة ترسانة الديانات
التى تطّلعُ على الأفئدة
يالها من حياة شاسعة
شسوع الصحروات.

من يدرى
من يدرى أين كنت قبل هذه اللحظة
ربما كنت حجراً فى صحراء
أو وردة تحت سفح جبلْ
ربما كنت نحاتاً أصنع عجلة الكواكب
وأمسح تراب الأظافر
عن كوكب زحل
ربما كنت من سكان الأرخبيلات
أو هناك فوق سفينة وتعبر المحيطات
إلى أن ألقت بى الريح فوق هذه البقعة أو تلك
وها أنذا أجفف الأراجيلَ
من تراب الأزقة
وكلمات ورقة بن نوفل
وأجلس أنا واسبينوزا فى حانةٍ قديمةٍ
من حانات فان كوفر
لنقرأ معاً وبأناقةٍ تامةٍ
عن كل تلك التواريخ التى نسيها الربان
فوق خرائب الجغرافيا
ربما ندير عجلة الكون نحو الوجهة الصحيحة
لكل هذه الإنسانية المغدورة
بحثاً عن معنى واحدٍ لكل هذه المهزلة.


وفاء المصرى
ياوفاء
أنا الآن أكتب الأشعار
وأنتِ تجلسين الآن فى غرفتك الضيقة
وتصنعين من خيالاتك المهووسة بفؤاد وحدّاد
وأحمد فؤاد نجم
وصلاح جاهين
ونجيب سرور
أرجوحةً وتجلسين عليها بمفردك
وتلطخين الحائط الكبير بشمسٍ محترقةٍ
وبضع كلمات عن جسدك المخذول
بطراوة شجرة مانجو
وشهوة فراشةٍ محترقةْ
وإلى أن تفتحى كافة نوافذك لكل عصافيرى
سأظل أتيك فى النوم
واليقظة
وأقف على جسدك الرطب
مثل سيمفونية لبيتهوفن
إلى أن تفتحى فخذيك الجهنميتين
لكافة عرباتى المصفحة
بالرغبة
أنت أيتها البلقيس الباحثة أبداً
عن عرش سليمان
ومزامير داوود
وبدون حتى أن تكشفى عن حدائق صدرك الفيروزية
أو عن ساقيك
المرمرتين
أنا أعرف أننى سوف أكون كلمةً واحدةً
فى صحروات روحك التى غذَّتهاالهزائم
وغرقت فى مستنقعات
الرجال الجوَّف.

رسالة
أيها الجنرالات السفلةْ
إصلبونى على بوابات قصوركم الرخوة
إجعلوا من عظامى الهشة
تابوت أخشاب لأحلامكمْ
خلّوا دمى يسيل على الأفاريز والشوارع
وتحت أرجل العامة
واصنعوا من أحلامى مشنقةً خالصةً
على قدر أحذيتكمْ
إصلبونى وكما صلب المسيح من قبل
إقتلونى كما قتلتم الحلاج
وابن رشد
إشعلوا النار فى كافة أوراقى
وانثروا كلماتى على الأرصفة
لتأكلها الكلاب
والقطط البهلوانية
أنا قلت لكم اصلبونى وكما صلبتم المسيح من قبل
انا لا أحى الموتى
ولا أشفى المرضى
ولا أبشر بكلمة الله
أنا الابن العاق للإنسان الكامل
محبوبى الخالص هو الانسان فى أى زمانٍ
وفى أى مكانٍ
الإنسان الجالس وحيداً تحت قبة السماء
بلا لقمة خبزٍ واحدة
او حتى بارقة أمل
ديانتى الخالصة هى الإنسانية الكاملة
التى تجعل الأعمى يبصر
والأعرج يتسلق شجرة الجميز
والشمس تشرق من جديد بلا عدة مَراوحٍ
وحتى القمر يتلألأ فوق جبال الروح
وصحراوات اللامعنى
انا لا أريد شيئاً من أحدٍ
انا لا أحتاج إلى أى شىءٍ من أحدٍ
أنا حر
فلتكونوا أحراراً مثل حركة المد والجزر
ومثل فراشةٍ وتمتلىء بالأحلام
إلى أن تكف الأرض عن الدورانْ
وتشرق شمس الحرية
على كينونة الجسدْ.
فراغ يحترق
ثمت بداخلى فراغ يحترق
أرض روحى لم أطأ
خيباتى بلا حصر وتطاردها الريح
أشجارى تقع على الأرصفة ويقطِّعها المارة بالفئوس
والبُلَطْ
مخيلتى تبيض وتفقس فى اللاشىء
وتحلم بالمطباتِ
أنا ورقة ساقطة من شجرةٍ كانت نائمة عند حدود المجرة
وهى تكتب تاريخ وثائقيتها
فوق مؤخرة امرأةٍ تحلم برجلٍ يأخذها إلى البحر
ويشاركها الوحدة
فوق حصان طائر
أو حتى يسقيها قطرةً ناشفةً من بين شفتيه
الجهنمتين
إلى أن تكف الأرض عن الدوران
سأبحث عن أرض أخرى
وسموات بلا شمس
وتغرق فى المحيط
يا أرخبيلاتى الضالة
يوماً ما أحسست أننى لم أعد قادراً على فعل
أى شىء
بداخلى يتوقف المقود.
المقاهى التى فى العراء
المقاهى التى فى العراء تجلس لوحدها على الأرصفةْ
وتتناوب الضحك حيناً
والبكاء أحياناً أخرى
كثيراً ما تقف المقاهى على الكراسى الفارغةْ
لتدخن الصمت
بحيرةٍ
وحذر
وتصنع كوابيساً تليق بالجدران
والمارة
وغالباً ما تأتى امرأة ما متأخرة
وفى آخر الليل
لتجلس لوحدها على هذه المقاهى
ربما تداعب سرتها
أو تقرأ كتاباً عن سلفادور دالىْ
وهى تفتش فى جيوب بنطالها
عن حبةٍ واحدةٍ من الأورجازم
إلى أن يأتى أحد المارة المخبولين
ليأخذها معه إلى حارةٍ ضيقةٍ
ربما ليناما معاً لبعض الوقت
ويمارسا اللذة تحت ضوء النجوم
وها هى غيمة ساقطة
وراء بحر ينتظر
وما من شمس أجيرةٍ
تقف هناك على الشاطىء
لترقِّع لها ثوبها المبلل بالعطش
وها هى سفينة الموتى
تبحر – وحيدة – إلى شاطىء النسيانْ
بتأشيرة صاخبةٍ
من رجال حرس الحدود
وترسانة الطبوغرافيات
وأنا
ماذا أفعل فى هذه الساعة
سوى أن أجلس على شاطىء الرمل
لأمسح عن ذاكرتىْ
أسطورة المرايا.

الكلمات
آه
كم من الأشعار كتبت فوق هذا الرصيف
كم من الكلمات المبقعة بالخراء
تلك التى كنستها من أمام نافذتىْ
وألقيت بها فى صناديق القمامة
وقلت لنفسى سأغلق علىّ باب حجرتى وأرتاح
ولكن الكلمات الملعونة
كثيراً ما كانت تأتى وفى عز الليل
وهى تضحك وبضراوة
من بلاهتى الشخصية
وتقف أمام النافذة
أو تخبِّط على الباب لكى أفتح لها
خشية أن تصاب بالبرد
أو يأخذها عابر سبيل فى سلة مهملات
وما إن أفتح لها الباب
حتى تدخل وبضراوة فرسةٍ عاهرةٍ
لتجلس معى على السرير
أو تنام تحت مخدتى
وهى تشخر شخرة قوية
وتقول لى إحملنى على ظهرك ياملاكى
ويا أرشيفى المحفوظ فى دار الوثائق
الرسمية
أنا لم أسع إلى أحدٍ فى العالم إلا لك
وها أنذا أجلس تحت رجليك كالكوابيس
أنا أعرف أن حبيبتك غاليتك
قد خانتك فى يوم بائسٍ
وذهبت لتلقى بنفسها بين أحضان رجلٍ آخر
أعرف أن الوردة التى زرعتها فوق شرفتك
قد ساقوها إلى محاكم التفتيش
وسجن العقربْ
وقطعوها أمام عينيك بالمناجل
أن الشارع الذى كنت تسير فيه ليل ونهار
قد هرب هو الآخر إلى شارع جانبى
وألقوا به إلى الطواغيت
لأنه قد اعتاد رسم خطواتك
أن الأحلام التى كانت تأتيك فجأة أخذها رجال الحرس الليلى
وألقوا بها إلى المعتقلات
باعتبارها من مخلفات عصر ما بعد الحداثة
أنا هنا معك على السرير
أخرج
وأتنطط
وأشرب الشاى الساخن
وأدخن الأرجيلة
إلى أن تأخذنى معك فى رحلةٍ خلويةٍ
إلى السماء السابعة
ونجلس هناك بين المجرّات
نعم
نعم
قد أحمل روث العالم فى جلبابىْ
قد تكون ذاكرتى مثقوبة إلى حد الألم
نعم
قد أكون شاهدت المسيح وهو يمشى فى الأسواق
وسكنت مع المجدلية فى بيتٍ واحدٍ
وأكلت مع الفراشات
أو سكنت فى ذاكرةِ فأرٍ ميت
ورحلت إلى مقابر الهنود الحمر
وتعفنت على الأرصفة من كثرة النسيان
وضربنى الناس بالجزم
ووقفت أمام قاض القضاة لأنطق بالحق
ولكنى أبداً أنام تحت بيت الشاعر
لا أفارقةُ
الشاعر الذى يربى اللغة كالفراشات
ويتركها فى الحدائق العامة
ويكتبها على الأرصفة
والمجرات
ويذهب معها إلى المعتقلات والسجون
لكى تكون الكلمات هى الشاهدة الأخيرة
على مقبرة العالم
وسراديب الأنبياء
الكذبة
ولكن وقبل أن أموت أيها الشاعر
أرجوك
أغرس وردةً أخيرةً
فوق جثتى.

كاريكاتير
سماء بمخيلة صرصار
وأرض بأصغاث أحلام
رجل ينزل عميقاً إلى قاع البحر ليفتش عن قارةٍ غارقةٍ
وامرأة
تنام تحت سقف بيت مهجور
بلا ملاءة
أو مخدات
لتصنع لنفسها قططاً من اللازورد
أين هى الحقيقة
فى شجرةٍ أصلها ثابت
وفرعها فى السماء
ولا يجلس تحت ظلها أحد.
كاريكاتير2
أشعر أن بى رغبة جارفة فى إعادة بناء هذا الكون
أن أتخلى تماماً ونهائياً عن الفيزيقيات السابقة
والكوانتم
ونظرية الضوء
والنسبية
وإرشادات الشمس
والقمر
والهبوط الإضطرارى فوق قارةٍ جديدةٍ
أن بى رغبة إلى الذهاب إلى عالم آخر
غير هذا العالم
عالم بلا أسلاك شائكة
أو كهربائية
عالم بلا غابات الاسمنت
وقاذفات القنابل والصواريخ
أه
أريد ان أمتلك الكون بكامله
عندها وعندها فقط
سوف أحذف من على الخريطة المترامية
الأطراف
فكرة الجنة
والجحيم
الشاسعتين
واللامعقولتين
عالم بلا مسيح واحد
أو حتى عشبة جلجامش
شكراً
لفكرة الناسخ
والمنسوخ هذه .
حينما أموت
حينما أموت
سأترك رداء كينونتى على المنضدة
سأتخلص تماماً ونهائياً من فكرة الوجود
والعدم هذه
فيزيقياً أو غير فزيقى سأرحل
لا أعرف إلى أين
قد أذهب إلى البحر وبمنطاد أسود أو أحمر
قد أذهب إلى العدم بقدمين فارهتين
ولا أعود أنظر ورائى على الإطلاق
إذ
سأترك جلبة العالم
سأتخلى تماماً ونهائياً عن كافة أساطيره
المزدوجة
ومنحنياته الباردة
قاراتهِ وأوديته
لن أكون بمثابة أنبوبة ماصةٍ
أو حبة باذنجان باسقةْ
أو حتى فأرةٍ
تدهسها الأتوبيسات العامة
فقط سأحتضن التراب بكلتا يدى
وسأنام إلى جوار العدم وجهاً لوجه
ربما
سأقابل هناك فان جوخ
أو رسول حمزاتوف
ربما أتريض أنا والنملة العرجاء تحت سفح
جبل
تلك النملة التى قابلتها ذات يوم
على ميناء فى كازابلانكا
وأكشف لها عن ساقيها وأخذها فى حضنى
إلى أن...
لا أعرف إلى أين
لن أكون مهتمأ حينئذ بالمعقول
أو اللامعقول
ولا ما هو الهدف الأساسى أو النهائى من
كل تلك الرحلة
ولا ما إذا كان هابيل قد قتل قابيل أو العكس
هل نحن أبناء الشر الواقع فعلاً
ولماذا انفتحت السماء لمرة واحدةٍ
وتركتنا نهوى على هنا
إلى الأرض
الشر المنقوص دائماً
والخير المنقوص أبداً
إلارادة
والمعرفة
الحقيقة واللايقين
كلها
كلها
سوف نركنها على رصيف الإنسانية
المقصوفة الرقبة
ونجرى إلى هناك
إلى معتقلات العدم الراسخة
لنفتش عن حبة فاصولياء باذخة
لنضعها فى مؤخرة
هذه الكوميديا اللاإنسانية.

لعبة
أيتها الحياة
أضع إصبعى فى مؤخرتك
وأهتف
أين أنت يا الله
هل الحياة طويلة بجد
أم أطول مما ينبغى على الأقل
علام كل هذا الإسراف
فى اللغة
وأحجار الأنبياء
وبناء النواقيس
والكنائس
والمدارس الخصوصية
والحروب الأهلية
ولا شئ يحدث هنا
أو هناك
إنها نفس الأرض
التى تتعفن
بالذبات
والبعوض
والقُمَّل
تماماً

إلى أن ينقطع الخيط
وتسقط بكرة العالم
فى مؤخرة
ال.......!!
بحث
ربما يعثر علىّ أحدهم ذات يوم مرمياً
فى دورة مياة
أو خلف سحابةٍ عابرة
سيجدنى – إن وجدنى – وأنا لا أحمل فى جعبتى
سوى نظارة طبية
وبضعة أشعار
كانت تغنيها أمى خلف الساقية المعطوبة
وهى عارية الرأس
عن القمر الجريح
والرأس المقطوعة ليوحنا المعمدانْ
عن وردة وذهبت بمفردها إلى الحاكم بأمر الله
فأجلسها أمامه على الطاولةِ
وأخذ يقطع رأسها بالسكاكين
ويمددها أمامه على الطاولة
وهو يعدَّد لها خيباتها اللاتنتهى
ربما
فى يوم ما سوف أكون مثل هذه الوردة
أجلس بمفردى فى وسط الشارع
وأنا أبحث عن الله فى السككْ
وتحت الأرصفة!!
المنافى
أنا
فى كل يوم أنهض من النوم
أسير وأمشى فى الشوارع
وأتعثر بالريح
أكتب على الحوائط والجدران
مراكبى غرقت أيها الناس
والشمس التى كنت أخبئوها تحت نافذتى
قد أخذوها إلى المعتقلات
وغلَّقوا عليها الأبواب
ولم تعد تسمع عن أى شئ فى هذا العالم
وأنا فى كل يوم أذهب إلى هناك
فى سجن العقرب
لأفتش عن غاليتى حبيبتى
الشمس
وأترك لها على البوابة العمومية
قطعة خبز جاف
وعدة أطباق من المعكرونة المجففة
إلى أن تنتهى من غسيل المواعين
وآخذها
معى فى آخر الأمر إلى المنافى.

خرائط
(1)
حجر وإسطوانة من الأورانج
يقفان خلف الباب
إلى أن يأتى قمر ضرير
ليقدم لهما وجبة صباحية
فى طبقٍ من الموسيقى!!
(2)
الريح تعزف أغنيتها الوحيدة ببطء
والقمر يذهب بعيداً إلى نوبته الليلية
فى الحراسة
وتقليم أظافر النجوم
وليس هناك على الطاولة سوى حكمة ضالة
تفتش عن رجل وحيد يأخذها معه إلى الشارع
ويعلمها أصول السير فى السكك
وهى عارية الساقين
بين المجرات
(3)
تخففى
تخففى من ثيابك الليلة أيتها المرأة فلم يعد بعد هناك من أحدٍ فى هذا الوقت
غير فردة حذائك
وسترتك التى تعلقينها على مشجب الذكريات
والقليل القليل من الأحلام
واالتى تسير عارية الرأس
وتبحث عن جنازة رسمية
لديكتاتور سابقٍ
فى معهد الأورامْ
(4)
فى كل يوم أذهب إلى مستشفى السلام الدولى
لأبحث عن الكرسى المتحرك الذى كانت تقعدُ عليه
فى غرفة العمليات
عن الضحكات الأخيرة
ونوبة السعال
التى تركتها هناك فوق السقف
وهى تنظر إلى الموت بفارغ الصبر
عن فردة حذائها المركونة هناك تحت جهاز الأشعة
وحمَّالة الصدر
عن الكتاب الذى كانت تود أن تقرأه
وهى فى غرفة العناية المركزة
عن العصفورة التى كانت تراودها فى الأحلام
وتأتى كل يوم إلى غرفتها
لتقدم لها المن والسلوى
وحبات البطاطس وهى ترفرف بجناحيها
عن الشجرة التى كانت تنظر إليها بانتظام من فتحة الشباك
وهى تشير إلى القمر أن ينام تحت ظلها
وتقول للشمس
تعلمى يا أخت أن تكونى مثل هذه الشجرة
ظلها للجميع
وثمرتها حلوة فى حلقى
عن خاتم الزواج
وقرطها العاجى
وأدوات المكياج
وكتاب الصلوات الذى كانت تحفظه عن ظهر قلب
عن دمعة أخيرةٍ
كانت تحتفظ بها بين الأوراق الرسمية
لحياة الروح
فى غابة البوتاسيوم
وجلسة العلاج الكمياوى
وهاأنذا
وأخيراً
أسند رأسى إلى الحوائط المبللة باليتم
وأسأل عن سفينة غارقة.
الإسكندر الأكبر
الإسكندر الأكبر؟!
ماذا يصنع فى هذه الغرفةْ
هل يفتش عن طبق دافئ من الفاصولياء
أم يبحث عن قبعتهِ وأوراقهِ
فى زاويةٍ ما من زوايا التاريخ المدفون تحت الأنقاض
وأنهار الدم؟!
أتراه الأن يسجد للشمس
أم للقمر
أم يبحث عن جسد أمرأةٍ كان قد تركها عارية
فوق فراشها الليلى الخالى من الأسلحة
والذخائر
وهو يضع كافة أوسمته
ونياشينهُ
بين فخذيها المدرجتين بالحمُرْة
وفى فتحة المضيق التى لم يعبرها أحد من قبل
سوى تلك الريح الخفيةِ
التى قد تلطخ وجهه بالخساراتْ.
شولميت
آه
يا شولميت
لماذا تنامين عاريةً ومتوجةً على سرير سليمانْ
عيناك مفتوحتان
وصدرك يخرُّ باللذةِ
يدك على الزمن
لتضبط إيقاعه المتعرج
وصدرك يعزف بأغنياته على منجل الحرس
والوصيفات
سرتك كأس مدورة
وبين فخذيك ألف طائرٍ يرفرف يحناحيه
فمك صِبَّرةُ حنطة
ويداكِ على بطنك مسبوكتان بالذهب
هكذا جلس سليمان ذات مرة
وهو يمسك بكنَّارات داوود الحارة
لكى تسمع غناءه الملائكة والطير
ثمة ملاكان أبيضان ساهران
ويرفرفان الآن فوق هضبة مؤخرتك
وهو أى سليمان الملك يضع فى فمه مزامير اللذة ويجلس على أرائك المَّرانِ والذهب
وهو يهتف لنفسه
آه يا ابن داوود لمَ تذهب الآن إلى أقصى الأرض
وأنت لديك كل هذه الأتية من الذهب الفضةِ
وخميرة الاجساد
جسد شولميت
إهتفى
إهتفى ياشولميت
ها هى صخرات السماء تتشقق
والقمر ينفلق إلى أخاديد
وطلسمات
إمسكى القمر بيمنك ياشواميت
والقمر بيسارك
وانزلى إلى روضة الجنات
والسحر
هنا
أو هناك
وفوق كل هذه الأرض
إجعلى من كنَّارات داوود أغنية خالصة للجسد
أسكبى بين شفتيك عسل اللذة
ووردة الحب
فها هو ذاعرش سليمان كله كله لكِ
وها هو ذا قد أتى سليمان وجنوده من الحرب
وأخذ يركع أمامك على الأرض
من أجل أن تكشفى له عن ساقيك
المعجونتين بالحناء
وسبائك الذهب
عرشك على الماء
وخمرة سرتك
تتفوق على كل آنية اللذة
إدخلى
إدخلى
ياشولميت تحت سقف بيتك فها هو ذا ملك قد أسرَ بالخُصَلْ
وراح ينشر أساطيرك
وأغنياتك
بين كل الشعوبْ
وكل كلمات جسدك بين كافة الأمم
وإلى أن يفئ النهارُ
وتنهزمَ الظلالُ
وأنت
أنت ياشولميت
تدقين طبول الحربُ
وتسألين كل عابر سبيل
ترى
أين ذهب حبيبى
وماهو ميعاده؟!
قاعة المسرح
هانحن ذا واخيراً
نقف على الخشبة الدولية للمسرح العالمى
وبلا مسرحية واحدة
أو مؤلف أكيد
انطفأت كافة المصابيح فى السكك
وأخذت السيارات الدولية للألم تسير فى الشوارع
وفوق المسرح القديم
ثمة معاول لرجال السيد الرئيس
الكراسى فارغة
وأمتلأت القاعة المظلمة بالكوابيس
وأجنحة الغربان
فى جيبوبى فتشت عن الذباب
والبعوض
وبحثت عن أغنيةٍ كنت أحتفظ بها لنفسى
فى ساعات الألم
والوحدةِ
بينما راحت الكلمات تتسلل على أرضية الزمن
كالعفاريت
وهى تخرج من البوابة الخلفية
للحكايا.

تقرير إلى الرب
(1)
تقرير إلى الرب
أيها الرب الخارق للعادة تماماً
لم أخذتنى أنا من بين كل غنمك
كنت لك أرضاً
وسماءً
ذاكرةً
ونواقيس
كنت لك النهار الذى يمشى على قدمين
والليل الذى يقف وحيداً فى العراء الطلق
والشجرة التى تقف وحيدةً على النهر
المرأة
التى تنتظر عاريةً عودة
الإبن الضال
كراسة الأخطاء فى المدارس الإبتدائية
أحلام الفتيات اللواتى يطاردن الفراشات فى السكك
ضحكات الشمس الطيبة فوق حصيرة الزمن
غناء تلك الوردة
وانكسار الروح فوق سلك شائك
فى دواليب الغياب
فى يوم ما
كنت لك الآب
والإبن
والروح القدس
فى قلب مكة المحاطة بالجبال والغرابيب السود
تقطعت رجلاى بين الأشواك
مشيت فى الطرقات المكللة بالحسك
والدم
على أبوابك المدرجة بالتواريخ والجماجم
كتبت اسمى لعلك ترى
أو تحس
وبين جبال القدس العتيقة توكأت على أحلام الرعاة
وجبانات اليعازر
ويوسف النجار
نزلت إلى كافة الأودية
ووقفت
على نهر الأردن
فوق بحيرة طبرية
ورأس يوحنا المعمدان شاهدت
ونزلت إليه فى غرف السجن
وسمعت أغنياته التى كتبها هناك
على الصخر
ورأيت دمه المسكوب بعناية وهو يسيل فى الشوارع
كلماته التى تتنطط على الأرض كالفراشات
أحزان ثوبه المنقوعة فى الدم
وضحكات هيروديا النفاذة
جربت النوم فى الشوارع
وتسلق جذوع النخل فى الليل
بحثت عن عجل هارون الذهبى
فلم أبصر سوى غيمة عالقة تتأسف عليه
سألت عن موسى هناك فوق طور سيناء
قالو لى لا
لم يمرّ من هنا فى يوم من الأيام وكما قال لى فرويد الملعون
ما كان هناك من موسى قط
ورغم كل شئ صعدت إلى أعلى نقطة فوق الجبل
بقدمين ضالتين
وقلب غائص فى الميتا فيزيقا
إنتظرتك هناك عند الفجر
كل رملةٍ أخذتها هناك فى حضنى
وأخذت أحكى لها عن خديعة السراب
وفنطاس الوحدة المجنحة
أكلت من الشجر الناشف
وحبات الخروع
ليس لى من سفر خروج لأصل إليه
ولا رتبة جنرال فى جيش الرأسمالية المتوحشة
لأحمل لك فوق رأسى
كافة العملات الورقية
ورصيد أمريكا اللبؤة
من الذهب
والماريجوانا
لا
ولم ألبس فى يوم من الأيام قميصاً مزرراً
ولاكنت حتى عربة ركشا
لم أذهب
إلى طاقية الهندوسى الملفوفة
بالصلوات
إلى زارا
أو كرشنا
فى الليل
أطفأت كافة قناديلى المعبأة بالسُّلْ
وأخذت ألملم أغنياتى من على الطرق
وما تساقط من كلماتى
على الصخر
وقلت سوف أذهب إلى فراشة ضالة
طرقت كافة الأبواب فما ردت علىّ
قلت أصرخ بأعلى صوتى وأسأل
أين الله يا أخت
طاردتنى الكوابيس فى السككِ
حتى الأحلام تركتنى هى الأخرى
ونامت على الجسور
سحبت أبقارى الجافة
وأغنامى الميتة
إلى صحراوات العالم
ورحت أسأل نفسى تُرى
أين اختفى كل هذا العشب
أين ذهبت كل تلك المراكب السكرانة
التى كانت راسيةً
على البحرْ
لا طائر هناك ليطير بجناحيهِ
ولا شمس هناك لتسقط ظلها علىّ
ترى
ماذا فعلت أنا لك
أيها الربْ
لتتركنى على رصيف الحياة
الخالى
من المارةِ
تماماً.
(2)
أنت خلقتنى شاعراً ياالهى
فلمَ أتوه فى السكك
لمَ أضع يدى فى جيبى ولا أعثر على أي شئ
قلت أذهب وراءك فى المدن
والبلدان
دخلت كافة المنافى
وصعدت إلى كافة السفن
كل السفن كانت تنظر إلىّ وتهرب منى
حتى السفن الغرقانة
رمت لى حبالها الصوتية المجففة
وذكرياتها المالحة
عن الشمال
والجنوب
عن الزمن الرُّخ
والزمن القابل للذوبان
فى الماء
قرأت عن فاوست
وبرتولد بريشت
أخذت معى شكسبير ذات ليلةٍ عاصفة
إلى المقصلة
أو المعتقل
أردت أن أغير ثيابى
وشكل كلماتىْ فما استطعت
أردت أن أجلس بمفردى على دكة خشبية
ولا يشغلنى أي شئ
سوى أن أغير ملابسى فى الصباح
ومثلما تفعل هذه الوردة
كل يوم
وحيداً صعدت إلى الجلجثة
بلا رغيف خبز واحدٍ
لم يكن هناك أحد ليبكى علىّ
أو امرأة هناك لترانى
لم ترسل إلىّ سوى خنافس الزمن
الذى يتنفس على عتبة العدم
وهو يمسك بصناراته المبوبة
على حقائق التاريخ
وكلب أهل الكهف
وهو يغنى بأغنياته المجنزرة
على كونشرتو العدم الراسخ
والأرض الخراب
وديانات السيراميك!!
هل سمعت فى يومِ من الأيام عن باراباس ياالله
وماذا فعلت بعد أن صلبوه نيابة عن السيد
هناك
على الجلجثة
أحياناً أسير فى الشوارع وأبكى
أرى ظلمة الليل فأصاب بالرعب
لا لشئ
إلا لأننى أرى العالم الذى صنعت كريها
وبلا فائدة
كان خطأ فادحاً
لماذا خلقت الشر وأنت تحدق إليه بعينين زائغتين
وتعرف أنه مكيدة مدبَّرة
ألم تكن تستطيع ان تجز عنقه
أن تقلم أظافرة
أن تحوله بضربة فأس واحدةٍ
إلى لاشئ
أم أن الشر مقصود لذاته
وأن الخير مجرد قصبة عمياء؟!
فى الليل
قلت أجرجر عرباتى المعطلة
وأذهب بها إلى البحر
وأنا ومنذ يومين لم أجد لقمة خبز واحدة
ليس فى جعيتى سوى فردة حذاء
وبقايا تواريخ ميتة
عن سونيتات شكسبير
وبعض قصائد ويليام بليك
لقد مات فخر الذين الرازى مسموماً
وتبعه ابن رشد إلى المحرقة
ومات الحلاج على خشبة بائسةٍ
فى شوارع الكرخ
وفى اللاذقية ألقوا بطواسين الحلاج
إلى رجال ماركس
وإنجلز
ليعلقوها هناك على المشانق
وتحت أسرة البيمارستانات
وربطوها بالحبال
ومزقوا لها ثوبها العتيق
الرث
وأخذت المجدلية جلباب يسوع الرث
وفى ليلة شبه مظلمة
فشخت له ساقيها على الآخر
وقالت له سيدى انظر
الرب ها هنا
الرب ها هنا
وأشارت إلى عشبة نابتةٍ كانت
بعيداً فى العراء الطلق
ولوحدها تعزف أغنية
الريح
هل لك أن تحبنى ياسيدى
أنا لك بمفردك
بعد كل تلك الغيلان التى أكلت قمح حقلى
وخبزى
أنا أحببت قمرك المضئ
حليب جسدك المرّ
رائحة أنفك التى تجعل حتى العصافير
تتوقف عن الغناء
وتخر راكعةً على الأرض
كلما انظر إلى خلايا جسدك أصعاب بالدهشة
وينتا بنى الذهول وأفقد صواب نفسى
أنا رأيت الله فيك
ومن خلال جسدك أنت
وبين ساقيك تتجمع شرائط اللذة
وطبوغرافيات المعرفة
أنا فردة حذاء ناشفة
فى قدم الريح
أنا أعرف خرائط نفسى جيداً
وسفنى واقفة هناك فوق الجبال
وعلى المنحدرات
أُسقى أشجارى بينابيع الألم وأتربع على حدقة الصخر الجاف
أنا
ماذا أفعل بالزمن
وكيف أربطه فى طرف حذائى
وأتجول به عارياً على الطرقات
أو آخذه فى رحلةٍ خلويةٍ إلى المستنقعات
لكى نجلس فوق خريطة
مترامية الأطراف من الإردواز
ولا نفعل أي شئ
أى شئ
سوى أن ننتظر كسرة خبز ناشفة
من جواميس النهر
أو وطاويط الوحدة الساخرة.

ولوج
أود أن آخذكِ معى إلى السرير
أن ننام معاً جنباً إلى جنب وبجوار سلة
من الأحلام
لم أعد أطيق الوحدة
العزلة كلبة مشوشة
لم أعد أصدق كل تلك الأكاذيب اليومية
عن جنة الخلد
والحسناوات الساكنات هناك فوق الأنهار
وأنا أسند رأسى إلى حائط ضرير
وأكتب على الجدران
والشبابيك
ماذا تنفعنى كل هذه الأشعار
الأشعار التى فرت من الذاكرة
وهربت إلى المنافى
الأشعار التى تبحث عن النسيان الخالص
ولا تفتش إلا عن غرفةٍ
دافئةٍ
لكى تختفى من البرد
ومن مطاردات رجال الشرطة العميان
ورجال الدين الكلاب
الذين يقفون على الأرصفة لكى يبيعوا الله للمارة
وتجار المخدرات
فوق طبق من نارٍ
ودخانٍ
أنا
أود ان أذهب إلى الله بمفردى
وليس فى يدى سوى حقيبة من الأساطير
والتقارير المسرطنة عن حقيقة العالم
ليس فى يدى غير سلة خبز فارغة
وطفل يقف فى العراء الطلق فى درجة حرارة
30تحت الصفر
فى ثلج إدمنتون
وعشرة ملايين من الهنود الحمر
ماتوا فى سجون الرجل الأبيض
ومعتقلاته
فى داخل جلابياتهم التى تكتظ بالجماجم
وعلى أيدى رجالك البررة أتباع السيد المسيح
ومريم العذراءْ
أريد أن أذهب إلى الله بمفردى لأجرجره من هدومه
معى إلى الشوارع
وأمشى به فى الغيطان
والسكك التى تمتلئ بالدبابات
والمجنزرات
وكافة السجون والمعتقلات
وأدخل به إلى البورصات العالمية
وأنهار الدم
لأقول له
تخيل يالله لو أننى ألقيت بك إلى السجن
لو قطعت لك رأسك بالسكاكين
وجعلتك تموت من الجوع
وتنام وحيداً فى العراء
تصور معى لو خانتك أمرأتك وتركتك وحيداً
هنا على الأرض
تخيل يا الله لو أنك معى تنام على الأرصفة
فى انتظار أن يعطيك المارة
بضعة نقود
لتتناول عشاءك
فى المكدونالدز
أو حتى تحت سور مجرى العيون
ماذا كنت تفعل
وماذا فعلت لنا يا الله هنا على الأرض
سوى أن تركتنا نموت من الجوع والقهر
وأنت تقول لنا اصبروا
أنا أعدكم بجنة عرضها السموات
والأرض
أنا أعدكم بالحوريات والحسان
وأنهار من الخمر
ليل نهار سوف تأكلون وتشربون
سوف تكون هناك ملاه للرقص
وحانات واسعة للسكر
إنكحوا ماطاب لكم من النساء
والولدان
وافعلوا ما شئتم
أليس هذا ماخور كبير يا الله
وتسميه الجنة ؟!

لوليت
إسمعى يالوليت
كل ما أقوله لك
أو سوف أقوله
مجرد أكاذيب
إسمعى يالوليت
أنا أقول لك الآن كل شئ
قلبى صالة قمار
وبواب منزل
ساقية معطوبة
وطائرة ورقية
حكاية قديمة
وعملة مزيفة
عامل مراحيض فى كنيسة القيامة
ولعبة خشبية بين صنجين يتيمين
ويجلسان على دكة الزمن المُخَوَّخة
بلامفارش
أو فلاّيات
بلا أب
أو أم
قلبى ورقة فى كتاب منسى داخل محطة الأتوبيسات
وريشة لعصفور أعمى يتدحرج على الارض
ومثلما تقول العاصفة فى كتاب اللامعنى
أنا الآن
سوف أقوم وأضربه بالمقشات
إلى أن يتفتت تحت أرجل الصراصير
والنمل
ومؤخرات الموامس
إسمعى يالوليت ياحبيبتى
كل ماقلته لك
أو سوف أقوله
مجرد أكاذيب
من رجل معتوه
قلبى شجرة وتقف على الترعة فى عز البرد
ولا يسكن فوق فروعها سوى العفاريت والجنيات
قلبى طرحة
ومنجل
شعير
ودفاية كهربائية
كومة خراء
بيت دعارة مهحور
وأنبوبة بوتاجاز
طاحونة ملونة
وحبة بازلاء سمكة ميتة
وأغنية شعبية
قلبى مزامير داوود
ونشيد الإنشاد
مراثى هيباتيا
وشجرات إرميا النبى
أناشيد إيزادورا
ولغة القديسين
خطابات الشوارع المخفية
وكتلة أرانب رثة
موسيقى السلالم المعوجة
و أهرامات خوفو
وخفرع
ومنقرع
وطبوغرافيات أوريَّا الحتى
قلبى رسالة مزدوجة ومفتوحة إلى كافة الأمم
والشعوب
قلبى قالب طوب
أزرار قميص فى مستشفى المجانين
ساحة للعب اليوجا
والكرة الشراب
قلبى سقالة إعدام
ومتاهة إبراهيمْ
قلبى وردة منسية من عصر إخناتون
وابتسامة حجرية من عصر آمون رع
قلبى أكورديون مقفول
وكمنجة مفتولة العضلات
قلبى كرة سلة
قلبى محكمة العدل الدولية
ومحكوم عليه بالإعدام
قلبى يوسف الخنفسائى
وصلوات بلقيس
وهو هو قلب سليمان الجالس هناك على العرش فى نفس الوقت
تحياتى لكم جميعاً
أيها القتلة الأشرار باسم الإنسانية
والديانات الخزعبلية
تحياتى لكم جميعاً يا أبناء الأرض
على أنكم تركتم قلوبكم فى العراء
تسلخها الريح
وتشخ عليها التواريخ
وأنتم تبحثون عن
مالاعين رآت
ولا أذن سمعت
ولاخطر على قلب بشر
آه
سامحونى يا أبناء النسانيس
لقد أثقلتكم جميعكم بقلبىْ
قلبى العانس
قلبى المزدوج الشخصية
ولمَّا أنتهى بعد من الغناء لقلبى
قلبى الذى صار شاحنة
وموقف ميكروباص لكل أغنياتكم الرثة
قلبى قلب الدلاى لاما
وكراسات ماركس المكدسة
تحت البنايات
وداخل البورصات العالمية
فى قلب النيويورك تايمز
قلبى
أساطير موسى
وهارون
فى قلب سيناء
يوماً ما سوف أجلس تحت شجرة
لبخ قديمة
وأمام بيتنا الخرب هذا
سوف أشعل النار فى كافة أساطير
العهد القديم والجديد على السواء
ولن أركب سوى ذبابة ميتة
لأ ذهب إلى قرية نائية
فى فان كوفر
وأصنع أساطير قلبى
بكل خلاياى
وأوردتىْ
فاصنعى ماشئت أيتها العاصفة التى تعملُ بانتظام
فى قلب حدائق البنتاجون
أو فوق متاهات باريس
ياله من غثيان فى الرأس
وغثيان فى المؤخرة
غثيان فى العين
وغثيان فى الأذن
آه
ياغثيان كل هذه الحواس
وآه ياكل غثياناتى المؤجلة من العالم
فلتعملى وفق قانون واحدٍ
وشريعة واحدة
هى شريعة العبث واللا جدوى
وديانات النوستا لجيا المرابطة
أنا شارع
يتجول من خلالى
إلى أن تفرغ هذه الكأس
المتعلقة بالرقبة
آه
ياروحى
أنا براءة اختراع سقطت من بوابة
الجحيم حقاً
وبدون براءة واحدة
من الله.
أرشيفيات
(أ)
طلعت شمس اليوم
وأنا أقف فى الشرفة
لم يعد هناك ما أفعله
سوى البحث عن قصيدة ضائعة فى محل الخردوات
أو فردة حذاءٍ منسية
تحت الفراش
أنا لا أبحث عن الزمن الضائع وكما كان يفعل
مارسيل بروست مثلاً
ولا عن الحدائق المعلقة
فى ساحة القديس بطرس الرسول
ولا حتى عن إنجيل واحدٍ ليسوع المسيح
أوصرخات
موسى فوق الجبل
فقط
أفتش عن عينين خضراوين
قابلتهما ذات يومٍ
فى فنجان قهوةٍ
وتركتا لىْ
كلمات غريبة
على شاطئ النسيان
وأنا لا أستطيع السفر إليه الآن
حتى ولو بعبوةٍ
ناسفةٍ.
(ب)
فى غرفةٍ مجاورةٍ
تقف الأحلامُ فريسة سهلة
للكلاب
والدببةِ
وأصحاب الرأسماليةِ المتوحشةِ
بينما يقف القمرُ الأحمرُ عارياً
فى فضاء الغرفةِ
وهو يبحث عن إطلالةٍ أخيرةٍ
لشمس لا تخضع للزوال أبداً .
(ج)
الليلة
سأنام وحيدة فى القبر
فى إصبعى خاتم زواجى
وتحت رأسى
شنطة هدومى
وكافة ذكرياتى المالحة عن عالمٍ يمتلئ بالشر والضغينة
وسوف أنام كذلك
إلى جوار جمجمتى
وعظام صدرى
وقارورة عطر كنت قد اشتريتها لى ياحبيبى
من على أرصفة باريس
إلى أن يطلع الفجر علىّ
وأنا أطلُّ على النهار
بعينين
تائهتين.

(د)
متى يمكن لنا أن نسمى الأشياء بأسمائها
الحقيقة كلمةٌ زائفة
ووهم الجسدين الملتحفين
على خرائط المغفرة
اللذة
كلمة تقال على الأرصفة
ويتركها المارة تحت الأحذية
ولا يراها حتى ولو عابر سبيل
الشر
هو الكلمة الأخيرة فى مملكة الله
الخير
هو أن تموت جالساً وأمام شاشة تلفازٍ
بالأبيض
والأسود
ولا تعود تفكر فى المعبد الدموى لهذا العالم
الذى تحول إلى مجموعةٍ من الكلاب الضالة
ومحاكم التفتيش
وديناصورات المجارى الكونيةِ
للشبكةِ العنكبوتيةِ
وفيما يعرف الآن بيورصة ال وول ستريت
ومؤخرات النساء
ذات الجلبة
هل حقاً ثمة جحيم حقيقى وراء القبر؟!
وماذا عن جحيم كل هذا العالم ؟!.
(هـ)
ذات مرة
قلت لنفسى : أكتب قصيدةً وتشبهك أنتَ بالذات
كانت السماء عاريةً مثل مومسٍ
تنعظ
والأرض تتغطى برخام المجازات
إلى أن جلست ذات يومٍ على الرصيف المناوئ
للإنسانية الرثة
ووجدتك أنتِ
مثل شجرةٍ باسقةٍ
وتتفرع على الجدران
بلا أوسمة
أو يناشين
وتقف عليها كافة العصافير
التى تتحدث بكل اللغات
عن جسدك الذى يتمشى وبمفرده
على رصيف الأبدية
وهو خالٍ تماماً من المتاهات
عن نجمتك السهرانة
والتى تعرف كيف تخبئ كافة النجوم
تحت سرتك
وأنت تقولين للشمس
تعالى إلىّ يا أخت
كى نجلس سوياً على جدار الزمن
الذى يغصُّ بالساعات
لند حرجه تحت ضحكة فراشة.
(و)
أنا
أستلقى وحيداً فوق فراشى
وأتفرس فى وجه النوافذ
وصوت العصافير
ليس ثمة سوى ساعة ميكانيكية تتكتك
على الأرائك
ولا أحد يسمع دقاتها على الإطلاق
سوى قارورة عطرٍ فارغةٍ كان قد تركها أحد جنود
الحرب العالمية
الثالثة
فى قرية سرابيوم
وعلى مؤخرة يسوع المسيحِ
وفانتازيا ابن رشد
ونيكانوربارّا!!
الهاوية المفتوحة
إلقوا بى من النوافذ
علقونى على الأبواب
والشبابيك
إلقوا بى خارج الزمن
ألبسونى حلة آخرى غير هذه الحلة
أريد أن أكون مثل هذه الشجرة
أخضر ووحيداً
أن أكون مثل هذا العصفور
بلا ميتافيز يقيات
أو رصيد فى البنك
بلا ربيع واحد أو حتى خريف أخير
بلا صيف أو شتاء
أريد أن أجلس إلى جوار هذه الوردة
لأغنى لها عن جلبابها المتسخ
وضراوة الحروب والمستنقعات
أن أقول لها أنتِ طيبة وأمينة
أنا لا أعرف سوى جلباب أمى القديم
وسلسة ظهرى
ومفاتيح غرفتى التى فوق السطح
ولا أعرف من سيقودنى إلى هذا العالم فى نهاية الممر
الهاوية مفتوحةٌ
وفى حقيبتى الرملية وضعت كافة الأشعار
التى كتبتها عن الحب
وإنجيل آدم
ومن يومها وأنا ألف وأدور فى الشوارع
لأ بحث عن نسخة واحدةٍ من الحرية
أو كراسةٍ مركونة فوق سطح بيت
خربٍ
لأدون فوقها
شكل قمرى الضلِّيل
وألملم فيها كل تلك الأغنيات
التى تركتها سالومى
فوق جسد يوحنا المعمدان
وهى تركب آخر سيارة إسعاف
يجرها الموتى.
خلاص
ها نحن قد جَمَعْنا القمح
وقطّعنا أعواد الذرة
وأختفت كافة البلابلِ من الحقل
ولم يعد على شجرة الجميز العجوز
سوى بومةٍ عمياءْ
راحت تفتش عن آلاتها الموسيقية
والكمنجة الوحيدة التى نسيها هناك عن القبر
عصفورٌ ضالْ
الآن
ذهب زارعو القطن
وأعواد القمح
ولم يتبق على السلم الموسيقى
غير بندول فوكو ياما المكسور
لجلباب أمى القديم
وخالاتى العجائز
واللواتى يرقدن هناك تحت بئر السلمِ
ضريرات
وبلاأحلام
فى انتظار أن يؤذن الفجر.


الملاك الميت
استيقظ الآن أيها الملاك الميت
من شرفة القبر
من بوابة العالم الآخر
من حبل الغسيل
وكيزان الذرة
من أغنيات الطفل الرضيع
وضحكة الأرملة اللعوب
من إغفاءة الشمس على سريرها القشى
وأسمال القمر
تعال
تعال
أيها الملاك الطاهر
وقل لى شيئاً
أى شئ
عن جنة عدن
عن الجميلات النائمات هناك تحت قبة السموات
عن الولدان المخلدين الذين يحملون فى أيديهم
كئوس الخمر
عن البئر الجاف
والنهر الذى لا يجف
عن كل تلك الأغنيات التى تركها البدو الرُحل
والهنود الحمر
فوق صخرةٍ نائيةٍ
أو على كمنجة اللاهوت
والسياسة
أيها الملاك الطيب
هل أنت سكران الآن
أم بك نوبة من نوبات الصرع
أو الوجع المغناطيسى
لماذا نزلت هنا والأن على الأرض
لترعى العميان
ولترى الماشية والأغنام
وكل تلك الكاتدرائيات التى تبك بالدم
وتأكل لحم المسيح الحىّ
والسيدة العذراء
فوق عجلةٍ ذهبيةٍ
أو ليعلقوا صورتك على جداران البورصات العالمية
وليضعوا اسمك على صوامع سك
العملة
قم
قم أيها الملاك الميت
ورفرف بعيداً بجناحيك الأبيضين
عن كل هذه اللعبة المكررة
بين الله
والشيطان
وتعال
تعال
لنجلس معاً فوق هذا الجسد الشامخ
لهذه المرأة
أو تلك
أو فوق إحدى الترع الجافة
لنراقب الشمس وهى تجلس عريانة
على ركبتيها المسلوختين
فى انتظار أن تأتى طائرةً ورقيةً
لتسافر فيها هى الأخرى إلى بحر الظلمات
أو إلى كوكب غير هذا الكوكب
حيث لاحروب نووية
أو كميائية
ولاأنابيب حفظ الأجنة
أو ثلاجة الموتى
تعالْ
لنذهب معاً إلى كوكب خالٍ تماماً
من كل تلك الأكاذيب
والأمراض النفسيهَ
التى اخترعها الرواة
وحجاج بيت الرب
إلى كوكب لم يعرف أبداً فى يوم من الايام
لا عصا موسى
ولا الوصايا العشر
ولم يسمع أبداً عن السيد المسيح
ولا السيدة مريم العذراء
أيها الملاك الطيب
أنا
سوف أضع عليك بنطالى الخالى
من البق
والناموس
وأذهب معك إلى غرفتى الوحيدة
فوق السطوح
لأصنع لك فنجاناً من القهوة الساخنة
أو أعد لك رغيف خبز بائس
لتذهب هناك إلى الربّ وحيداً
وفى يدك صِبّرةُ حنطةٍ
وساعة إليكترونية
لتسجل عليها أغنيات الزمن
على حائط االمبكىْ
أيها الملاك الأخير
تحية لك
وقبل أن أموت.
النجوم
النجوم التى بلا مأوى
كثيراً ما تأتى فى الليل إلى غرفتى الشاحبة
لتجلس معى على السريرْ
أو تذهب معى إلى المطبخ
لتبحث عن لقمةٍ بائدةٍ
أو حتى قنينة ماء
وأنا
آخذها فى حضنى
وأطبطب على كفلها
وأغسّل لها رأسها
غير أنها تطلب منى أن نخرج سوياً إلى الشوارع
لنبحث عن عربة روبابيكيا
لتكدس فوقها كل تلك الأحلام
التى نسيها المارة على الطرق
وهى تبحث عن ساعةٍ واحدةٍ
من الراحةِ
فى غرف النوم!!
إلى مومس
(أ)
تركتِ لى جلبابك المشبع بالسائل المنوى
على الحائط
وشكل حليبك
سوتياناتك المزركشةِ
وخرائط جسدك المبلول
وألقيت بى إلى الماء
أيتها الكلمة المثلجة
(ب)
تموت على الطرقات تحت الأحذية
تموت على الأرصفة
بثوب بالٍ
بأرجل متسخة ٍ
بعين زائغتين
وبقلب يتسخ بالألم
وبصرخات مكتومة
وشهيقٍ
بزعيقٍ
وشخير
بشهقات تتشح بالسواد
تتشح بالسواد
وتسير على الشوك عارية ومتوجةً
تخاف من الليل
والنهار
وتترك ثيابها على المنحدراتِ
والأودية وتنام عاريةً أو فى قلب كتابِ
لاتبحث عن أى شئ
سوى الكلمة
الكلمة الراجفة
الزاعقة
الحية
الميتة
الكلمة المنبوذة
المكروهة
الكلمة التى تترك أمعاءها على رفوف المكتبات
وفى داخل أغلفة الكتب الملوثة
بالفئران
الكلمة الرحيمة
والكلمة الرجيمة
لا تبحث عن أي شئ
ولا تفتش عن أي شئ
سوى أنها تأتى وفى أية وقت
قد تأتى متأخرةً بعض الشئ
ولكنها دائماً تأتى
وهى تمسك فى وإحدى يديها
شجرة الحرية
وفى يدها الأخرى
ربة العدالة الدامية
إنها فراشة الله
بلا منازع!!
وهى تهتف وتصرخ
أنتم يا من تنطقون باسمى
ولا تعرفون طبيعة لغتى
أنا اسمى وفاء
من قرية اسطنها
جلست فى غرف التبن
والقش
مشيت خلف السواقى فى الليل
ومحاريث الحقل
حتى تشققت قدماى
وتورمتْ وديان روحىْ
وحبال نفسى
نعم
نعم
بمثل هذه الأفكار سوف يأتى الغد
محملاً بالكلمة
الكلمة التى سوف تعيد الإنسانية للإنسان
والحرية لكل شئ
بدءاً من النملة الذابلة
والفراشة المسجونة بين الدكك
وتحت النوارج
سوف نجلس معاً أنا والإنسان الحر
هناك
تحت مرجٍ أخضرٍ
وشجرةٍ ضاحكة
أنا الأنسان المحذوف من دفاتر الآلهة
وعلماء اللاهوت
والناسوتْ
الكلمة
والانسان
أقصد الكلمة الإنسان
التى هى غاية العالم
ونهاية الحقيقة
فوق كل هذه الأرض.
غيوم
عندما ترجع السماء ذات ليلة
أنا
سوف أجمع قمصانى من الماء
وأحمل فوق رأسى خبزى
وأطباقى الطائرة
وكافة المجلات التى كنت قد كتبت فيها أشعارى
حِلل أمى المركونة على السطح
وفوق الكوانين
لمبة الجاز
ضحكة القمر الجاف
كلمات أبى التى تركها لنا ذات يوم
على مصطبة الدار
وذهب بمفردة إلى القبر
كل العصافير التى صنعتها فى المخيلة
أو صنعتها المخيلة
بلا حناحين إضافيتين
أو حتى نغمة زائدة عن الحاجة
وكل تلك العصافير التى كانت أمامى
على الدكة الخشبية ودون أن يعبأ بها أحد
أعواد البامية الناشفة التى جمعتها
من حقل الجيران
وسمك الماء الذى يتنطط هناك
فى المخيلة
عجل هارون الذى سرق ذهب المصريين
التعساء
عصا موسى التى ما كانت هناك قط
فوق الجبل
كلمات المسيح الأخيرة وهو يصعد على الجلجثة
رأس يوحنا المعمدان
فوق أحذية سالومى
وجسد هيروديا النفاذ
وكذلك دمعته الأخيرة التى لا تزال
تتنطط هناك على بحيرة
طبرية
سوف أترك مذاود التين
وأحبال الغسيل
وكل تلك النجوم التى تنتظرنى كل ليلةٍ
لتحكى لى
عن عشبة جلجامش
وكيف طرأت فكرة هذا العالم
على ذهن الله
ومن أوعز له أنه لكى يخرج من عزلته هذه عليه
أن يخترع الشيطان
والإنسان
معاً وفى نفس اللحظة
عن حواء التى لاتعرف أي شئٍ عن الشجرة المحرمة
ولمَ كانت محرمةً بالأساس
- لكى يكون هناك معنى للديالكتيك –
ولم تسمع قط سوى عن لغة جسدها وعجين سرتها
وكواكبها الليلية والنهارية التى راحت تتنطط
أمامها على السكك
وحين يطلق الليل كافة صراصيره
وحكاياته
عن الأمل المسجون فى دفاتر الظلم
وتحت أحذية رجال السلطة
عن الحلم الذى يراودة الأمل وهو يعيش
مقطوع الرأس
ومعصوب العينين
وهو يصرخ إلى الأبواب
والبيوت والشبابيك
إلى الشجر
والسكاكين
إلى النمل
وبقرة موسى
أن اتركونى أيها العميان
أن أسير فى الشوارع
أن أطرق على كل البيوت
وأتسلل فى الظلمة الفادحة
إلى ضحكات الأطفال
الموامس
وتشققات الأرامل
ودور المسنين
سأرفع سريرى المختل علقلياً
إلى جبل فى صحراء نيكاراجوا
وربما آخذ نيكانوربارا فى حضنى
وأسير أنا وبابلونيرودا
فوق حرائق البنتاجون
لنعلن على الملأ
أن الرأسمالية وفوكوياما التعس
سوف تذهب إلى الخراء أو الجحيم حقاً
وسوف يحل العدل والحرية ضيفاً عزيزاً
على شجرة الأمل.

هذه المرأة
لا أحد
لا أحد يذكرنى الآن
الشجرة التى مشيت تحت ظلها
الوردة التى جلست إلى جوارها فى ليلةٍ باكيةٍ
وطبطبت لها على رأسها
ومسحت الدموع من على شفتيها
المرأة التى أخذتها فى حضنى ذات ليلةٍ
وأخذت أحكى لها عن شجرة الخلد
والحور العين
وصعدت إلى منزلها فى عزِّ الشتاء والبرد
وأجلستها هناك تحت القبة وقلت لها
إطلقى سفنك الغرقانة للريح
تعالى ياحبيبتى لنذهب معاً إلى البحر
لنأكل من عجين الشمس
وخبز الآلهة
جففى دموع عينيك التى تغسل رمل الشواطئ
وتفيض حتى على الأنهار
والسكك
واجلسى
إجلسى هناك على عرش قلبى
هذه المرأة
تركتنى هى الآخرى وحيداً
أصفِّر للعدم
بمزمار خشبى
على قيتارةِ الريح
وأملأ كراساتى بالخيبة
وترسانة اللاجدوى
حتى النخلة التى صعدت فوقها لألقى كلماتى إلى الريح
ذهبت هى الآخرى
إلى صحراء معطوبة
حتى ماتت من العطش
لا أحد يذكرنى هناك لا أحد
حتى أباريق الخمر
والطرقات التى مشيت فيها بمفردى
على ضوء الدمع
والشموع
صارت هى الآخرى تهرب من تحت قدمى
وتتركنى
لكى أذهب بمفردى إلى الخلاء المحض
وأمسك بصنارات العدم
آه لم كل هذا الألم
أيتها السماء التى تنتحب
إلى جوارى!!
الشعر
ذات ليلة جاءنى بثوب بالٍ
وأخذ يقهقهُ ويصرخ
وجلس إلى جانبى
وأخذ يفتح لى كراساته وأوراقهِ
وهو يترجل بين الخرائب
والنفايات
وقال لى : إقرأ
قلت ما أنا بقارئ
قال لى إقرأ السماء وهى ترتشح بالنجوم
وحدق جيداً إلى البحر بسفنه العملاقةِ
ومراكبه
وإخلع نعليك واصعد إلى الجبل
وكما فعل موسى من قبلُ
ربما
تعثر هناك على الكلمة
كلمة واحدةً كان قد نسيها الرب
من فرط انشغالاته
وامسك بها أنت
اسحبها من ذيل جلابيبها
إجعل الكلمة مزمارك الحرّ
ومزارك اليومى
وأنت تمشى على الطرقات
وأنت تحدّق إلى الموتى
من وارء القبر
الكلمة شقيقة الوردة
والكلمة حقيقة المعرفة
وسؤال اليقين
علَّقها هناك على الجدران
والنوافذ
وحبل الغسيل
وأمام المستشفيات العامة
وأنابيب الأطفال
واصنع
إصنع من الكلمة شجرةً باسقة
حتى لو جلست تحتها أنت
وبمفردك
مع غرابٍ جائع
فى بعض الأحيان تخيفنى نفسى
فأجلس إلى ظل شمس وحيدة
وأراقب فراشة عايرةً
وأقول البحر
تعال معى لنجلس سوياً على الأرصفة
ربما ندخن الماريجوانا
أو نتحسس بمفردنا أنا وأنت
شمساً ناصعة أخرى غير هذه الشمس
أو ربما نأخذ البحر فى رحلةٍ خلويةٍ إلى المحيط
أو جزائر الأمس الملونة
هنا
أو هناك
سوف ينبثق النور من الظلمة
لكى تنظف ثيابك أيها البحر
لا
لن نذهب إلى بحرٍ آخر أنا وأنت
لكى نمارس الغرق
أو لنبحث عن أطلنتس الغارقة
فى الفجر
وسوف أغسل لك ثبابك
المبقعة بالزرقةِ
وأسير أنا وأنت عاريين تماماً إلا من الأشعار
وبعض الكلمات التى كانت قد تركتها
امرأة
كانت تجلس وحيدة على رمل الشاطئ
عسى أن تأخذها الريح
فى رحلة زخرفية إلى أرض أخرى
لتكون – وبمفردها – وردةً
فى حقل أشواك العالم
أيها الشعر
لمَ لا تجلس إلى جانبى أنا وأنت
كشجرتين يتيمتين
إلى أن يحين وقت الغناء بالدف
أو الرقص بالمزامير
ولمَ كتب بودلير أزهار الشر
ولم تكن إلى جواره
ولو وردة واحدة؟!.
كفران
نعم أنا كفرت بكل شئ
لأننى أردت أن أقول للسماء
إنزلى من عليائك أيتها الأرجوحة المدوية
واجلسى
هنا على الأرضْ
بين كومةٍ من الأوحال والوساخات
شاهدى الوردة وهى تداس بالأقدام
إنظرى إلى البحر وقد تحول إلى ساحة قتال
النساء وهن يسرن عرايا فى السكك
والشوارع
كاللقطاء
الأطفال وهم يأكلون الحجارة
ويتنشفون بالصخر والروث
العجائز وهن يجلسن على المصاطب
فى أنتظار ملك الموت الدامى
الذى لا يأتى أبداً
والشجرة حتى الشجرة تخلصت من أوراقها
فى قلب الربيع
أنا سألت عن العدالة
فقالوا لى لقد كانت هنا
قد أتت متسللةً
بلا ثياب أو حتى غطاء لتغطية الرأس
وأخذوها هناك إلى المحرقة
علقوها على الشانق
وربطوها بالمسامير ودقوا فى فمها الخوازيق
أسالوا دمها على الساحل
و داسوا علية بالأقدام
ولم يعد لها مكان هنا على الأرض
سألت عن الحرية
قالوا لى إنها كذبة واخترعها الطغاة
إنها امرأة عاهرة
تنام فى حضن العالم
وتفتح ساقيها لكل عابر سبيل
تأكل خبزها من الدساتير
وتنام فى غرف القضاة الخونة
ولا تعرف إلى أين تتجه
ولا مكان لها هنا على الأرض
الحرية كلمة زائفة
هى فقط صناعة الأفلام الكرتونية
والخرافات
نعم أنا كفرت بكل شئ
لأننى أردت أن أسير فى الشوارع
وأرى الحمل يسيرمع الذئب
والمجدلية فى ثوب العذراء
لا
لا أريد أن أرى الجوع وهو يطل من النوافذ
ويخلع قمصانه للريح
ويتوكأ على عكّازٍ
وأعمى
ماذا تعنى الذرّة
والكوانتم
وغرف الدفن
وحدائق المالخوليا
وعربات الرش والإسعاف
وحظائر الخنازير
الشمس لا تعبأ بأحدٍ
والنهارات دائماً ما تختفى خلف الجدرانْ
وآكلوا اللحم البشرى
دائماً ما يرتدون ثوب الأنبياء
أى معنى لهذا العالم؟!
أى معنى لكل تلك الأرض؟!
السلام كلمة زائفة
والحكمة فى علب الكرتون
والمعلبات
تجدها هناك فى دفاتر الموتوسيكلات
التى تملأ الشوارع
وهى تطل برأسها المنكوش
على رأس الكهنة لوحدهم
واصحاب الرياسات
لا بد أن ينتظر الإنسان زحف العواصف
أن يجرح الريح
ويفقأعين الشمس التى لا تنام ابداً
لابد أن ينتظر الإنسان القادم
مسيح العالم الجديد
الذى لا يبشر بالموت
ولا يجلس تحت رجاء القيامة
ليجعل من العالم
كرة مطاطيةً
أو كرنفالاً إنسانياً
يكون للجميع
وتحت سقف واحد
وبلا إله مجنون!!
أنا أسمع كل شئ
أنا أسمع كل شئ
وأسمع عن كل شئ
أسمع عن الأنا
والأنا الآخر
عن سلة الغلال المدسوسة فوق صوامع المعرفة
وعن خلية النمل
الواقفة تحت أغنية سليمان
عن الرمل الذى يغنى أغنيته الأخيرة بانبعاثٍ
وضراوة
تحت أحذية العسكر
والرغيف المحمر على أرضية الفرن
عن مدرس الفصل الذى ذهب وحيداً
ولمدة محدودةٍ
إلى حقل الذرة
كى يبحث عن تعريفةٍ جمركيةٍ لتلميذٍ
فاشلٍ
وهو يضع منحوتات عن اللغة المصرية القديمة
فى سترةٍ من النحاس
عن الوردة التى سرقها اللصوص
ذات صباح دارجٍ
من قصر آمون
أو فلاحة قديمة كانت تغسل التوت وثمار الجميز
تحت أرجل الفرعون
عن طنجرة الغلال التى تعانى من اللوكيميا
فوق سطح القرية
ريثما يعود أبى من الحقل
وتصعد أمى من قرية تونة الجبل
لتغسل عن القمر بعض أو جاعهِ
وتخرج النجوم من غرفة الزنازين
أسمع عن السيمفونيات المائه التى تركها حور محب
فوق ساقية القرية
لفلاحة عجوز
أخذت تمشط شعر رأسها
على مرأى ومسمع من الكاهن الأكبر
بتاح حتب
فى حديقة المنجنيز
عن طشوط الغسيل التى نفذت بطارياتها
هنا
أو هناك تحت أرضية العاصفة
وتكويمات الريح
عن المجنزرات التى دخلت إلى القرية
ليلاً
وهى تفتش عن الحرية
أين تخبئ كلماتها
وصورها المحبطة
والمحفوظة
فوق سلة الغلال
عن السمك الميت الذى راح ضحية العصيان المدنى
والخروج عن الطاعة
عن الزهرة التى باعوها بثمن بخسٍ
ليوسف النجار
فوق مجدل شمس
وهى تشير إلى مخارج الحروف
وسلة باذنجان
وعلى مؤخرة امرأة مرمية
أمام غابةٍ من الفخار
عن المرأة التى وهبت نفسها للنبى
ومن دون أن يعرفها
أو يحبها
لا لشئ إلا لكى تدخل إلى حديقة الرب
الواسعة
الخربة
فى زمن الطوفان
والمجازر الدموية
وبيع الأعضاء الجسدية
لتجار الجنس البشرى
وفنادق الدرجة الثانية
عن البوم والغربان التى أخذت تسير فى الشوارع
وتعلن عن استقلالية القضاء
وانتشار الدورة الدموية
فوق خزائن الرأسمالية المتوحشةِ
عن الآب
والإبن
والروح القدس
الذى راح كل واحد منهم يتسول كلمةً أجيرةً
فوق خرائط الخردة
ومرض الفشل الكلوى
وحدائق بابل المعلقة
أسمع عن أنزيمات الفضة التى أخذت
تتقيأ كل يوم وعن الوجع الإنسانى
الذى يأتى من المجهول
ويذهب فى عربة منطادٍ
وخارقة
إلى شوارع الوحدة
والنعاس فوق جبل الزيتون
وكتاب الموتى
أسمع عن امرأة العزيز التى راحت
تحاكى ضحكة القمر
وانسيابية النيل
وسنابل القمح
فوق أكاذيب الرواة
والخلاخيل اليومية التى صنعها الفقراء
لقاء مليمٍ واحدٍ
من الربِّ
أسمع عن كل شئ
وأعرف كل شئ
ومن خلال وجوهكم النفاخة
التى تنتظر الذهاب إلى آخر العالم
فى سفينة معدنية
إلى شاطئ الغرق
أو داخل أنبوبة بوتاجاز
فى بيت مهجور
وأخيراً
أنا أسمع عن أغنية تلك الشجرة
التى ترددها العصافير ليل نهار
على شواطئ الجسد الرحبة للإنسانسة
المعلقة هناك
بين الأرض
والسماء
فى أنتظار تأشيرة الدخول إلى حديقة الحيوانات
عن الجندى المجهول
الذى ذهب ليغتسل من فضيحة الديكتاتور
فأخذوة إلى معسكرات الإعتقال
ورموه هناك فى الجُبَّ
حتى يتبين الخيط الأبيض
من الخيط الأسود
من الفجر
عن امرأة أوريَّا الحِتى التى تحولت إلى
كرة مائية
بين أفخاذ وجنود داوود
وفوق جبل الناصرة
حتى تحولت إلى أسطورة
برمائية
بين المزامير.
يا أمنا العذراء
ذات ليلة
دعتنى امرأة إلى سريرها المنكوش
وراحت تحكى لى عن زوحها الضرير
وأمها التى ماتت بسرطان البنكرياس
وسرتها التى تخالف كافة القوانين الشرعية
واللاشرعية
وشمسها التى تبحث عن فراشة ملونة
وقمر أحمر
وفخذيها الكلدانيتين المسبوكتين باللذة
والمعجونتين بالحرير الدمشقى
ونرجس أصفهانْ
عن عجيزتها التى مالها من مثيل
عن قصيدتها التى خبأتها تحت بئر السلم
حتى لا يعثر عليها رجال المخابرات العامة
أو حرس السيد الرئيس
عن أغنياتها التى أخفتها حتى عن أعين العصافير
عن رجل المقهى الذى يرسل إليها كل يوم
بكلمة حارةٍ
فوق كرسى متحرك
وأخيراً تركتنى لتنام هناك
فى مخزن الغبار
والذكريات
آه
لقد مشيت إليك ياحبيبتى فى أغنيةٍ
من نارٍ
ودخانٍ
ولم يكن بيننا طرق
أو شوارع
لم يكن بيننا سوى خفافيش الوحدة
وقمر ينجرح فى الظلام.

كافكا
كان ينظر من النافذة
وهويرى العالم فأرة
ويفكِّك أربطة ذكرياتةِ
عن عالم الموتى
والقلعة
وقصة المحاكمة
والتحولات
وها هو يتذكر الآن السيمفونية التاسعة لبيتهوفين
ويجلس على أريكة
من الخنادق
والمعتقلات
حيث الأزهار التى نامت تحت مجنزرات ستالين
وهوريشيوس
وقنابل هتلر وأكاذيب البنتاجون
ولم يعد يحمل فى حقيبتة سوى بنطال
اللا جدوى
وهو يسند رأسه إلى لوحةٍ لفان جوخ.



عن مريم المصرية 325م
إرقدى
إرقدى الآن يا أختاه هنا
أو هناك فى قلب الصحراوات الموحشة
حيث لم يعد يشغلك العالم فى شئ
ولم تعد تشغلك دقة الصدر
ولاردفيك المعجونتين بالماس
ولا حتى النوم على سرير من الذهب الخالص
أو القش
لا
ولم تعودى تفتشين فى جلبابك الذى صنعه لك
أحد ملوك الفراعنة
على مقاس شهوتك
فى أكياس القطن
أو فى عريشتك التى صنعها لك الأباطرة من التين والآجُرّ
وصرخات اللذة المجوفة
عن الذهب
واللؤلؤ
وعن كل تلك الشمس التى كنت تحتفظين بها لنفسك
فوق حرائق جسمك المدوية
أنت قلت فى نفسك
لا
لم تكن المجدلية أحسن منى
هى أعطت نفسها لرجال كفر ناحوم كاملةً
وأنا أعطيت جسدى لكل أبناء طيبة ومنف
حيثما اشتهيت كنت أجلس
استشرت أنفاسى
وتبعت لغة جسدى أينما حلّ أو رحل
حتى أن أحدهم ومن فرط النشوة
ظل يجلدنى
لثلاثِ ليالٍ سوياً
وهو يدلق حليبه الساخن بين فخدى
وعلى مؤخرتىْ
وأنا ومثل بطة برية بنهر كنت أشخر
وأتنعم بعصير اللذة من الصباح وحتى المساء
كانت لغة جسدى هى كتابىَ المقدس
وشرائع ديانتى المحسوسة
لم أكن أصدق لا أنبياء الفراعنة
ولاكتاَّب العهد الجديد
ولا حتى مزامير داوود
الذى مزّق جسد أوريا الحِىً
وأخذ زوحته الجميلة ليفرغ فيها كُلّ شهوتهِ
وكذلك صار أحد أنبياء الربّ البررة
فقط
قلت لنفسى
أنا الأخرى كتاب مفتوح
على مصاعد اللذة
هكذا أنا
أن تقف وحيداً فى غرفةٍ
مغلقةٍ
وعلى مرأى ومسمع من القمر
والنجوم
أن تقول لعصافيرك ارقصى أيتها العصافير
فوق جسمى كله
كُلى
واشربى
وقرّى عينا
لامعنى لأى شئ
ولكل شئ
الخلاص بداخلك أنت
لاخلاص بالزيت
أو حتى بكهنة آمون الخونة
الخلاص باللذة
والعالم أكذوبة كبرى
تأتى
لنذهب
ويذهب غيرنا ولا يأتى
صفقى أيتها الحمامات فوق جسدى
المشحون بالعبارات
والشهوة
أنا اللحظة
وأناالساكنة فى الزمن
كنت أقول فى لنفسى
تُرى عندما أموت من سيتذكرنى
عندما أصبح جمجمةً
أو حتى ذرةً من الغبار
وبقايا عظام نخرة
من سيتذكر شكل عينى
ولغة أنفى
وأهتزازة الساقين فى قلب الماء
وتحت عين الشمس
من سيلتفت إلىّ
الكل يُنسى
العدلُ
والحريةُ
الخلاصُ
والمعرفةُ
الشهرةُ
والمجدُ
كلها كلها أوأنٍ فارغةٍ
سأكون مثل سفينة غرقت فى قاع البحر
وأسفل المحيطات
بلامجداف واحدٍ
أو حتى ربابنة
إلى أن صفعنى كافة اللصوص على وجهى
ورجمنى كل زناةِ الليل
بالطوبِ
والحجارةِ
قالوا لى
هذه المرأة عاهرةٌ
ومنبوذة
علقوها على المشانق
إصلبوا جسدها على الخوازيق
اتركوها وبمفردها مع أسدٍ جائع
جرجروها فى الشوارع عاريةً
أو شبة عاريةٍ
حتى يرجمها الأطفال بالحجارة
نحن خدّام الرّب
وحراس الهيكل
وعبدة المسيح
إلى أن جاءنى المسيح ذات ليلة
وهو يحمل فوق كتفيه شالَ المجدلية
وخصلةً من شعر إبطيها
وحرير عانتها الذهبى
وقال لىْ
كونى أنت لى
كونى مجدليتى الجديدة
ومن يومها
وأنا أنام فى الصحراء
فى كل صباح تأتى إلىّ الطيور بالخبز
ويظهر لى ملاك الرّب ذاته
وهو يحمل فى طيات جلبابة كأساً واحدةً من الخمر
وفى كل ليلةٍ بأخذنى معه إلى السماء السابعة
ويهبط بى بين صف من الملائكة ويقول
وهو يغنى على المزامير ويضرب بالدف
هذه هى قد يسة الجسدْ
قد سوا شكلها وشعرها عينيها
وشكل مؤخرتها
سُرّتَها وعجين بطنها
إبنواعرشها على الماء
تقدست أنتِ
وتقدس جسمكِ
جسمك الذى فتح الباب واسعاً
أمام وسائد الشهوة
ولكل عابر سبيل
أنتِ من وخلال جسدك هذا
إستطعت
أن تعيدى كلمات الرب الخالصة إلى الأرض
لا خلاص إلا بالجسد
لا خلاص إلا بالجسد.
أغنية الملاك
أنا ما كنت أريد أن أكون ملاكاً قطً
ولا ملاكاً خالصاً للربّ
أجلس وحيداً فى الفراغ
وأحدق إلى نفسى
- نفسى الملآنة بالضجر –
لا أعرف معنى للزمن
ولا ما هو الحاضر
أو الماضى
ولا المستقبل
لا ماضى عندى
ولا أفكر فى أي شئ على الإطلاق
لا أعرف ما هى لغة الجسد بالكامل
ولا أعرف معنى أن تمشى على الأرض
وتصطدم بالشوك
ما معنى أن تأكل الخبز الجاف
أن تمشى فى الطرق الموحلة
وتنام فى الشتاء على الفرنْ
وفى الصيف
تنام تحت عريشةٍ من البوص
وأشجار الجميز
لا حلم لديك
ولا رغبة
ما معنى ان تكون ملاكاً وطاهراً
وأنت لم تعرف فى يوم ما هى حقيقة العالم
ما معنى أن لا تجرب الفقد
أن يكون لك أب ضرير
أوأم قعيدة الفراش
أن لا يكون لك إبن يجرى على الطرقات
وعلى الأرصفة من أجل لقمة جائعة
أو رغيف خبزٍ ناشفٍ
أو حتى كلمة مناورة
أنا لم أعرف معنى الظلم فى يوم ما
ولا ما هى حقيقة الشر
والإثم
ماهو شعور الرجل الأسود هو يمشى فى الغابات ويفترش السقالات
وينام على الارصفة كالجرذ
ما معنى أن تكون أجيراً أو تكون منبوذاً
أنا أعيش كالكاريكاتير
بلا ملامح
أو خصوصيات
أقوم وأقعد كاللا شئ
كاللاشئ
أنا بلا عملِ خالص
أو حتى وظيفة رسمية
مامعنى أن تكون ملاكاً أوملاطا
أن تظل هكذا جالساً أمام العرش؟
أن تكون معلقاً بين السماء
والأرض
من يعرف حقيقة لونى
من يتفقد ذاكرتى
من يجلس إلى جوارى وأنا أنظر إلى الزمن
كأنه غير موجود
وإلى العالم وكأنه سيمفونيةٍ
وبلا عازفِ واحد
أو مجرد أوركسترا عمومية
ليعزف كل منا لحنه الخاص
يا الله
إبحث لى عن وظيفة أخرى غير هذه
لأ مشئ على الأرض
وأسير بين الأشواك
لألدلدل رجلىّ
وأحدق جيداً إلى كل هذا العالم
من خلال شجرة تقف وحيدة على ترعة ٍ
ناشفةٍ
أو يمامة بريةٍ تتعطش إلى رؤية الشمس
فى الفجر
إجعلنى حتى حشرة تمشى على الأرض
نعم لتجرب ولو ليومٍ واحدٍ على الأقل
حقيقة أن تخاف
أن تتألم أن تهرب من مكانٍ
إلى مكان
أن تطير من جهةٍ إلى جهة لتبحث لنفسها عن مأوى
أن تفتش عن نفسها بين
الصخور والمنحدرات وقمم الجبال
وأشجار السنط
أن ترى الشمس وهى تطلع فى الصباح
وترى القمر وهو يلبس ثوبة المحمر
خلصنى من كل هذا الضجر
والفراغ أنا سئمت حتى من الوجود نفسه
لمَ خلقتنى بالأساس
وماذا أفعل أنا فى كل هذا الليل الذى لا ينتهى
لاتشرق فيه شمس ولا يغيب فيه قمر
لماذا ولأى شئ
تركتنى هنا
هكذا؟!


الهروب إلى مصر
حينما هربت إلى مصر لم يكن أمامها سوى
أن تأكل الحسك
وتسير فى الصحراء
ليالٍ طويلة أمضتها وهى تسير
على الرمل
والحصى
تصلى لأشباح الليل الملطخة بالدم
والشمس الغارقة فى النوم
لم تكن تعلم أن أبنها – وحيدها –
سوف يمشى هو الآخر على الماء
سوف يحيى الموتى
ويجعل من حبات الرمل ذهباً
مبثوثاً
وفضةً متاخمةً
فقط هى أرادت أن تذهب إلى هناك
إلى مصر
إلى أرض الفراعنة والسحرْ
كانت تحلم بلقاء الرب يوماً ما جالساً على صخرة
أو ممسكاً فى يده بعنقود عنبٍ
أوحبة بازلاء
وكثيراً ما كانت تأوى إلى الكهف فى الليل
وبقدمين مشققتين
وقلب جرحته العاصفة
راحت تعتصر الدمع إلى أن جاءها ملاك الربّ الحارس
وهو يحمل فى يده فراشةً حائرة
ويجلس بين ركبتيها
وقال لها
الآن الآن يامريم
إصعدى فوق الجبل
إصعدى وكما فعل موسى من قبل
وهناك
سوف يتجلى لكِ الربّ على شكل
غيمة
أو عصا
فقط
إجلسى هناك لعشر ليالٍ كاملةً
لا تتحدثى إلى احدٍ
ولا تنظرى إلى شئ
حدقى إلى نفسك جيداً
وانزعى عن قلبك كل أفكار العالم
وحشرات الأرض
كونى عارية وأنت تجلسين
فى الليل
وهناك
إخلعى عشبة جافة
وأغرسيها فى قلب الصخر
إذ ذاك
راحت تبكى
وهى تحتض ابنها يسوع
الذى ولدته من يوسف النجار
والذى سوف يطلق عليه الناس فيما بعدُ
إبن الربّ
مثل كل الأكاذيب التى أطلقها الصحراويون
لكى يكون علامةً على طوال الرحلةِ وقلة الزاد
وهناك أيضاً
لن يكون هيرودس المسكين
غير قابلةٍ
إبنك ياعزيزتى
سوف يحول الماء إلى خمر
وهكذا سوف تكتبين تاريخ ميلادك
ويكون يوسف النجار
ماشياً خلف حمارهِ على طول التاريخ
سوف يحطم الأصنام
ويجرى هناك بين الشعوب كما يجرى الدم فى المفاصل
لا تخافى يامريمُ ولا تحزنى يامريم
أنا صنعت من منى النجار معجزةً
لكل هذا العالم
لكى يعرف العالم
أن الخلاص بالجسد
وليس الروح
هنيئاً لك يامريم
يابنت الناصرة
فلما انقضت أيام العيد الكبير
وصار الأخضر
كاليابس
ورجعا أى مريم ويوسف النجار إلى بيت لحم
ظل الصبى يسوع فى أورشليم
وكانا يظنان أنه فى القافلة
فلما لم يجداه عادا إلى أورشليم وظلا يبحثان عنه
إلى أن وجداه بعد ثلاثة أيام فى الهيكل
جالساً بين المعلمين
يسمع لهم ويسألهم
إلى أن صعدَ على ألجلجثة
وهناك مات.
أغنية المجدلية أمام الصليب
إنزل
إنزل
يارجلى الحبيب
لا تتركنى هنا للذئاب والوحوش
ثمرتك حلوة فى حلقى
فى بطنى غرست ألف بذرة علامةً على المحبة
على جسدى كتبت اسمك ليل نهار
يارجلى الحبيب
أنا نزلت إلى مياة أنهارك فما ابتللت
مشيت خلفك فى كل الطرق الملآنة بالشوك
فما انجرحت قدماى قط
عشاؤنا كان فاخراً
من الخبز
والخمر
أنت أسقيتنى حبوب المحبة الخالصة
وأنا أطعمتك من جسدى بيدى هاتين بذرة المعرفة
قلت لك
ثمرتك حلوة فى حلقى
وأنت أكلت من جنائن روحى حتى شبعت
لم أعبأ بأى رجل من الناصرةِ
سواك أنت وعلى كثرة من قابلت
كلهم
كلهم مزقونى بالبلط
قطعوا أرض روحى إلى ألف قطعةٍ وقطعة
ولم يتركوا داخل نفسى سوى غثيان
الطبيعة
وأنت كنت بمثابة الإبن والآب
وأنا كنت لك مربيتك
شفيعتك
كنت تأتى إلىّ وفى عز الليل لتركبنى مثل بغلٍ
وأنا جسدى فرح بك ومنهمّ
لمْ تتركنى أضيع منك فى السكك
لا
ولم تتركنى كثمرةٍ حامضةٍ فى حلقك
أو امرأة عجوز
أنت علمتنى كيف أركض خلفك فى الطرق
أبحث بين العصافير والليل عن أغنياتك
كنت شمسى التى أتطلع إليها فى كل فجر
وكنت قمرى الذى أجلس تحت رجليه
كالأيقونات
ذاكرتى ليس فيها رجل سواك أنت
وجسدى الذى مزقة اللصوص وسرقه منى
قطّاع الطرق
لم يعد يعرف إلا طعم عسلك الحار
ولغة أنفاسك المدوية
إنزلْ
إنزل إلىّ يارجلى الحبيب
ماذا أفعل أنا بكل هاتيك السموات
والأرض
بدونك يصبح كل شئ خالياً وبلا معنى
إحملنى على ظهرك وكما حملتنى ألف ليلةٍ وليلةٍ
حتى غرقتُ فى مياة أنهارك
إجعل أنفاسك تتسلل إلى عروقى
وفضّ ظمأ روحى من أجلك
لا تتركنى هناك على الطرقات كالبرابرةِ
وأنا أبحث عنك بين الوديان
وعلى قمم الجبال
جفت الدموع من عينى
جسدى صار رطباً من كل ما فعلت
يداى لم تمسكا بعشبة واحدةٍ
وبعد أن غرقت
لماذا غدر بك الأهل والأصدقاء ياحبيبى
وأي نور يأتى من بعيد وبدون أن تكون فيه
الناصرة خربةٌ
من دون أنفاسك
ووقع خطواتك
جفت أشجار الزيتونْ
تخطّفنا الطير فى السكك
تربع اليأس فوق كل مصطبةٍ
وعلى سطح كل بيت
والمحاريث
حتى المحاريث فى الحقول توقفت عن العمل
وهى خربة وخاويةٌ أيضاً
وكل أشجار الحقل جفت
وغاض الماء فى كل يئر
روحى عطشانة إلى ظل روحك
إنزلْ
إنزل يارجلى الحبيب
دعنى أصعد مكانك على الجلجثة
ودعهم يخرقون جسدى بالمسامير
ويجعلون من دمى
ذبيحة
فوق تراب نعليك
ماذا أقول للناس فى الناصرة إن هم سألونى عنك
يايسوعى الحبيب
وماذا أفعل فى الحقل بدون محراثك أنت
وأدوات صيدك
وقنصك
أنا يتيمة بدونك
خذ
خذ منى كل شئ
خُلخال رجلىّ
أقراط ذهبى
وحُلِىّ روحى
خذ كلماتى
وخبز أمى
خذ أشجار زيتونى ونخلى
حمارى الوحيد الذى سار بى بين البلدان
وغرق فى الأزقة
خذ أغنياتى المبللة بالدم
وإنزلْ
إنزل إلىَ
إنزل إلىّ يايسوعى المحبب
ويارجل قاراتى السبع
سوف أنتظرك هناك على السكك
ألم تقل لى إنك تحى الموتى
وتبرئ الأكمهَ
والأبرصَ
وأنا صدقتك
الوحيدة التى آمنت بك من دون الناس
فلمَ لا تنزل إلىّ
لماذا تعطلتْ قوتك
وأين ذهبت بصيرتك
ولماذا فقدت كلماتك صوابها
ألم تكن تعرف أن هؤلاء القتلة
سوف يأتون إليك فى الفجر
وسوف يمسكونك
ويصعدون بك إلى الجلجثة
ألم يكن إلهك الحىّ يعرف كذلك
ساعة الذبح
وغدر رجال السلطة القتلة
فلمَ تركتنى أتوه منك فى السكك
انظر إلى الشرق فلا أجد أحداً يكلمنى
أو يرد على
وأنظر إلى الغرب فلاأرى أحداً من الناس
سوى كومةٍ
من سدنة المعبد
وحراس الهيكل الكلاب
وأنا أنتظرك أن تأتى فى كل يوم
ومثل مومس تقف على بوابات
أريحا
أنتظرك
يارجلى الحبيب
آه لو تعرف كمْ أشتاق أنا إليك
أنت
أنت وحدك يايسوعى المسكين!!
مطريركية
إصعدى
إصعدى إلى السماء
وكونى مثل حبل غسيل يربط السماء
بالأرض
والشمس بالقمر
والنجوم بالسواحل
ويغرق هناك أخيراً على البحر
إصعدى خفيفةً أو نقية مثل الفراشةٍ
أو شجرة نبقٍ
لا
لن يتبقى منك على السكك
سوى هفهفة قمصانك وشكل جلابيبك
وكلماتك التى تركتهِا هناك
بين الأسود
والأبيض
وعلى قمة جبل موسى
إصعدى حتى لا يأكلك الذئب
أو تداهمك ريح عقور
فلم يعد هناك فى الكأس سوى قطرةٍ واحدةٍ
سوف أتركها لكِ على الطرقاتِ
فى الليل
علامة
كعلامةٍ أكيدةٍ
على جفاف العالم
وظلم التواريخ
إصعدى
إصعدى ياماريا
فأنا أنتظركِ هناك عند الممر
وبعيداً عن قطارات الليل الموغلة فى العتمة
وكل الإطارات المغشوسة
وأكاذيب الرواة الخونة
وجامعى الضرائب
وسأ صنع لكِ لوحدك تمثالاً من الذهب الخالص
وأنبوبة ماصةً من التاريخ
والفنتازيا
حتى تركبى حصانك الخشبى
لنعبر معاً ومن خلال فجوةٍ ضيقةٍ
من أطراف السماوات
إلى كل أطراف الأرض

*المطريركية: هى سيادة الأم


أنت أيتها المرأة التى ما وهبت نفسها لنبى قطُّ
مالكِ من مثيل على الطرقات
شفتاكِ من ذهبٍ خالصٍ
وعسل روحك يسيل فى البحرْ
أنا
أطعمتك بيدى حليب أنفاسى
وعصير روحى الفاخرة
فلا تتركينى هناك على الطرق
أعمى
وأصم
لا تتواطئى
لا مع الشجر
ولا مع النجوم
فقط إنظرى بعينين مبصرتين
إلى الخريطة الدولية للألم
والمجرات
ستجدينى هناك على بوابات الأمل
ومثل أيلٍ جبلى
سوف أشرقٍ على أرض روحك
لنشربَ معاً وبيدٍ ولحدةٍ
من أبريق اللذةِ
المتشاكل.
ترنيمة لداوود إمام المغنين
إلهى
لمَ خضت أنا فى كل هذه المتاهة
ها أنذا أرفع مزاميرى إليك
وأجلس وحيداً
على قمة الجبل
لا شئ غير طيور السماء الزرقاء
وفقمة تعلك الشوك
قلبى لم يكن صخرةً ليستقر فوق طرقك
وروحى لم تكن حجراً لتعرف الطريق إلى أين
يسكنْ النورْ
لا ولم تكن الشمس تطلع سوى من الغرب
إيلى إيلى
أنا رأيتها
إمرأة أوريا الحِتىّ جالسة هناك على السطح
فى يدها أنبوبهاالنحاسى
وفى أنفها خرزة دامعة
وتجلس بمفردها على السطح
إنفتح قلبى
وتشققت جدران نفسى
ماعدت متماسكاً
ولا سامعاً لأى شئ
سوى لغةِ جسدها المرمرى
وصراخ نفسى التى تنحدر
ياداوود
هى لك
إمرأة أوريا الحِتى تناديك
خذها
خذها ولا تخف
إرقدها إلى جوارك على القش
إجعل من جسدها مزاميرك الخالدة
ومن خلال شفتيها إشرب ماء ينابيعك المقدسة
لا خبزٌ
ولا خمرْ
بعد هذه المرأة ياداوود
ألق بكنَّاراتك إلى الرمل
مزق ثياب روحك
على الصخر
ها قد جعلها الربّ جميلة فى عينيك من أجلك أنت
لا من أجل أوريا الحتى صحراؤها الغاصبة
خذها
خذها ياداوود
جرجرها من شعر رأسها
كوِّم جسدها الفاره تحت جسدك
العطشان
كل شئ خرب فى هذا العالم ياداوود
الرب نفسة قد أختارك أنت
بكل كنَّارتك
ومزاميرك
وكلمات أغانيك
الذين قبلك ماتوا
وما عاد أحد يتذكرهم
والذين بعدك سوف يروحون
لا ديمومة لشئ
تقدس بالجسد ياداوود
واصنع بنفسك أساطيرك
وحكاياتك
جسدها عجينة مبللة وصدرها أعاجيب
لم يبق عليك إلا أن تأخذه لوحدك
وبمفردك
تسلل إلى عرائشها فى الليل
نم إلى جوارها
وقل لها أنا الملك جئت
وأفتح ساقيها على الآخر
وستكتشف أنى هناك أنا الآخر
هذا هو مكانى
- مكمن معجزاتى –
حتى تصرخ من النشوة ياداوود
الرب قد اختارك أنت
كل ما تختاره يختاره الرب كذلك
ألف رجل من أعدائك قد قتلت
ووقفت بمفردك
على أرض أورشليم
وعلى قمم الجبالِ الرأسيات أقمت محرقاتك
وسننك
وجئت بمفردك إلى الربّ
كل البحار تنبع من أرض روحك أنت ياداوود
وكافة المحيطات تغتسل تحت قدميك
لا تقدم ذبيحتك إلى البعل
لتكون فى قصرها المنيف
وبين جدران نفسك
أقم لها صلواتك
وقدم أبخرتك
وأضحياتك
هى هى ديانتك الوحيدة
هذه المرأة بالذات
إفرش لها أرض روحك بالحبق
والنعناع
وأركبها كفرسة مدويةٍ
ومثل فراشةٍ تستحم بالذهب
إذهب
إذهب إلى غرفتها هناك فوق السطوح
وأترك كنَّاراتك
ومزاميرك
وإذهب بمفردك إلى الحقل
وهناك سوف تجدنى
مثل صخرةٍ.
ياأبانا الذى فى السماء
ياأبانا الذى فى السماء
نحن هنا جوعى على الأرض
لا نعرف أي شئ عن حقيقة هذا العالم
وأنت هناك فى الأعالى
تراقب حركة المرور الدوليةِ
وبائعى المخدرات
والدساتير المزيفة
والحرية المنزوعة السلاح
وأحذية العسكر
وأسرى الحروب الدموية
والمعتقلات
وأكاذيب الرؤساء الخونة
وبيع رجال الدين على الأرصفة
فى شرائط الفيديو
تراقب البشر وهم يمشون هنا فى الجحيمْ
الخالص
صباحاتهمْ ليل حالك
ونهاراتهم ليل مسود
أحياناً يذهبون إلى العمل
لتطحنهمْ عجلة الرأسمالية المتوحشة
أو يدورون هناك فى الشوارع
كالموتورات المجنزرة
من أجل البحث عن دودة بائسة
أو فأر يأكلونه
من أجل البحث عن خبيزة ناشفةٍ
أو عود ثقابْ
فوق السطوح يجلسون بالليل
وليس أمامهم أى شئ
سوى موقد صغير يعلقون عليه خيباتهمْ
وآمالهم اللامشروعة
عسى أن تأتى شاحنة ترابية
أو يأكلوا خراء القطط
والكلابْ
ولكنهم يموتون هناك فى صمت
أنت
أنت الذى تقدس أسمك فى السموات
وعلى الأرض ألم تكن تعرف أن حليفك الأكبر
أو عدوك اللدود
يمشى مرحاً فى الشوارع
ويسير بين السكك
وهو منتصب القامة ويقول أنا الألف
هذا العالم لى أنا
قد إنتزعته من الرب
عند الرب مملكة السماء
وأنا مملكتى هنا على الأرض!!
وإلا فلما قال ابنك المفصل يسوع الناصرى
مملكتى ليست من هذا العالم
وإذا كانت مملكته ليست من هذا العالم
وكما يزعم الرواة
وصناع الأكاذيب
فلمن خلقت هذا العالم
هل العالم كذبة مدوية؟!
هل هو الخريطة الحقيقية للاشئ؟!
ياأبانا الذى فى السماء
نحن نقدس اسمك ليل نهار
لا ,ولم يتغير أي شئ
حتى الفراشات ماتت هى الأخرى فى السكك
ونحن نأكل الحسك والنسيان
فى أي غرفة تجلس الآن
وعلى أي مائدة مستديرة تدير دفة أعمالك
وإلى أي وجهةٍ تبعث عمال تراحيلك
والمتحدث الرسمي باسم الرب؟
هلى لازلت تتسكع عند بحيرة طبرية
وماذا تفعل هناك
هل تذرى الزمن فى الهواءْ
هل تسكب خميرتك المعتقة
على مؤخرةِ يسوعك المختار
إنظر
هناك ملايين القِتلى هنا على الأرض
آلاف الجرارات التى تكنس الربيع من الشوارع
وتضع الأطفال فى حضانة الموتى!
والبيوت تهرب من الحيطان
والشمس
تلك الشمس التى كنا ننتظرها فى كل صباح
وهى فى مريلة طفل
أو كراسة رسم
أو تجلس معنا على الأرصفة ونحن نلعب الأستغماية
وننام تحت كيزان الذرة
فى الحقل
هناك إلى جوار وردة
أوسمكة نازفة
صارت هى الأخرى تأتى مجروحة الساقين
وتنام فى المجارى الكونية
وبلا شارع واحدٍ
أو عدة بنطلونات
أخذت تتقيأ الأسى
والدمع
ونحن نراها كل يوم وهى تهرب من الواقعى
إلى اللاواقعى
وتمسك بكراساتها المبقعة بالكوابيس
والفحم
وهى تفترش ظهر طائرة نفاثة
وتهرب إلى هناك إلى ماخلف السموات
والأرض
يا أبانا الذى فى السموات
تخفف قليلاً من كل أعبائك المدرسية
وواجباتك الرسمية
ودروس الحساب والجبر
وأنزل هنا على الأرض
ربما
تجد عشبةً واحدةٍ فى انتظارك
إنزل
إنزل قليلاً يا إلهى
تخفف قليلاً من وحدتك
حاول أن تركب مثلاً حماراً بثلاثة أرجلٍ
وعدة فلايات
حاول مثلاً أن لا يكون لك رصيد فى البنك الدولى
للألم
ولا تملك فى جيبك سوى بضع قصاصات
من القصيدة السوداء
أو ضحكة واحدة عن الربيع
حاول مثلاً أن تكون لك امرأة وحيدة
وتموت وتتركك وحيداً
بلا صنبور مياة
أو قلم رصاص
بلاثلاجة فى البيت
أو بندقية لصيد العصافير
حاول مثلاً أن تعرف معنى الخفافيش
وأحذية العسكر
وسجون البنتاجون
وصرخات جيفارا وهم يطلقون عليه
الرصاص
وأنت لا تجد أي شئ على ضفات الأنهار
وفى الخرائب العامة
وأجولة الطحين
حاول مثلاً أن تقول ليسوعك المسيح هذا
لاتقل مملكتى ليست من هذا العالم
بل مملكتى هنا على الأرض
وأنا هنا على الأرض
أعرف بكاء العصفورة على فرع غصنٍ ذليل
أتخبط فى ملاءة امرأة رثةٍ
أخذوها فى الليل إلى المذابح
وساقوها هناك إلى غرف الدفن
لقد كانت حكاية الآب
والإبن
والروح القدس
أكذوبة من الأكاذيب
صنعها صانع فخار أشيب
لا يعرف حقيقة العالم
ولا يعرف عن أي شئ يتكلم
أنا أنتم
وأنتم أنا
ياكل سكان الأرض.
موت ثامار
ثامار الجميلة والتى ماتت على الطريقة الإغريقية
ظلت مصلوبة لثلاثة أيامٍ
وأربع ليلٍ سوياً
فوق بحيرة طبرية
وحيث لم يكن يزورها فى الليل سوى الغربان
والوطاويط
وعناكب الغبار
وكل تلك الأغنيات
والمزامير التى صنعها أحد الرعاة
وعلى مقياس جسدها النفاذ تماماً
أخذت تتأرجح مثل مومسٍ
جامحةٍ
وهى تصرخ
أيها العشاقء
إملأوا جسدى بالحليب والخمر
واسقونى كأس نعناعٍ
وخمر
فأنا مريضة حباً
وأيقونة اللذة الأخيرة
من عصر ماقبل التاريخ
وحتى هذا العصر الحافى!
متاهة الشيطان
من أنا
لمَ كل هذا الشر الذى أسير فيه
لمَ كل هذه الطرق المليئة بالوحلِ
والإثم
أنا لمْ أكن سوى زجاجةٍ فارغةٍ
من ملأنى هكذا بالشر
من الذى صبّ كل هذا الماء بداخلى
وإلى متى
من الذى وضع يده على رأسىْ هكذا
وأخرجنى من العدم
آه
يا إلهى الذى ليس كمثله شئ
أنا بنفخة واحدةٍ منك كنتُ
وبنفخةٍ واحدةٍ منك كان يمكن أن لا أكون
فلم صنعت بى ما صنعت ؟!
عرّافة منف
وبجانب زلعة المش
وبضع حبات من الجميز الأحمر
وصبرةِ حنطةٍ
جلست عرافة منف على أرضية الغرفة العلوية
فى معبد الكرنك
وهى تدلك للفرعون رأسه
المغسول بالتوتياء
والصابون
وتضع يدها على قضيبه المنتصب عالياً
فيما راحت تطبطب على فخذيه
الخشبيتين
وهى تمسك فى يدها مبخرة من النحاس
والفخار الأزرق
والآن
أيها الفرعون العظيم
لاتسألنى عن شعبك الذى يموت جوعاً فى الشوارع
ولا عن رجال حاشيتك الذين يسرقون
القمح
والشعير
وحتى أعواد الذرة من الحقول
وبتخذون من النساء إماءً وسلعة رابحة
يبيعونها فى الأسواق
والبلدان
لقاء قرش صاغِ واحدٍ
ولاعن عجلاتك الحربية
وفتوحاتك
التى أصبحت باتساع الكرة الأرضية
فقط أريد أن أقول لك
أن امرأتِك نفرتارى تخونك بالليلِ
ومع كبير الكهنة
وحراس المعبد
وأن أبنك الوحيد يتناول حبات الكُرْكُمِ
صباح مساء
وعسى أن يضعة كبير الآلهه
آمون رع
على عرش مصر
وبعد أن يكون قد مثلَ بجثتك
ووضعك هناك فى التابوت
مع أسلافك السابقين
من ملوك مصر المحروسةِ
خلف هذا المعبد
وفى قلب مدينة الآلهة
فى الأقصر
حيث يحتضنك النيل
وتكون على مقربةٍ من عين
شمس.
من ألواح موسى
أنا الواحدْ
أنا الذى أقبض على السماء بكلتا يدىْ
وأدحرج الأرض
مثل كرةٍ من الزجاج
أو الثلج
أمسك فى يدى بكل خيوط اللعبة
التى تبدأ من الرّحم
وتنتهى إلى كتلةٍ من العظام
والجماجمْ
أنفخ فى الشمس كل صباح لتوزع نورها على العالم
وبالليل أشد خيوط الضوء
لتسكن المعمورة كلها وفى الظلامْ
أعرفكم جميعكم
يامن ذهبتمْ إلى القبر ومنذ أن خُلِقَ العالم
وأنتم ياكل أو لئك الذين ينتظرون بشعف
دوركم فى الحياة
أنتم جميعكم أطفالى الرّضع
وحليب وديانى
وأنهارى
ومثل خرافٍ فى المراعى اللانهائية
سوف ألتقط لكم صوراً تذكاريةً
هنا أو هناك
وفوق هذا الجبل
وسأحتفظ بها كلها لنفسى
حتى لا تسقط من الذاكرةِ
أنتم كلكم من الرب
أنتم كلكم أبناء الرب
لا تصدقوا كل هذه الأكاذيب
عن الشعب المختار
موسى عندى مثل فرعون
وهارون
مثل عجله الذهبى
وامرأة أوريّا الحتىّ
وسليمان بكل طاقاته الشهوانية
وفرسان هيكله
ليس أفضل عندى من بلقيس
التى وهبت نفسها لكل سكان اليمن السعيد
إلى أن أصبحت ملكة عليهمْ
طوبى لكمْ
إن أنتم رأيتم هناك
صورتىْ عند الفجر
وأنا أشق كبد السماء
بماءٍ منهمرٍ
وشمسٍ تخرج من البحر.
من أغانى هيباتيا
(1)
لا تنزعى عنى ثيابى أيتها الآلهة
أنا مركونةٌ إلى الهواء
ذراعاى لا تحملان سوى كلمات قد أغرقتها الريح
قدماى لا تخوضان سوى فى بحيرة النسيان
فى الليل
أحلم بوردةٍ
وقيتارةْ
وبالنهار أتغطى بالكوابيس
ربما يطلُّ علينا وجهك يا آمون رع
وأنت تمسك فى يدك
بمذراةِ القمح
وأجولة الشعير
وتتمشى وحيداً خلف ساقيتك المعطلة
هناك
فى بئر سبع!!
قد سينى أيتها السموات
وأنت أيتها الأرض
إفتحى رجليك الجهنميتين
لكى نعبر إلى الشرق
بعيداً بعيداً
عن الغرب المفقود.
(2)
نعم
نعم
أنا قد ساعدنى الرب الجالس هناك على العرش
قد يمدّ لى رباط عنقه الفضفاض
أو إحدى صناراته الطويلة
القوية
لكى يمسك بعراقيبى
أو يتخذنى ساريةً له
أنا أعرف أنه قد استيقظ الآن من النوم
ومتأخراً كالعادة
وليس على شفتيه سوى بقعة حبر
وعندما كان يدون فى كراساتهِ
وعلى منجنيقاتهِ
حروف الأبجدية الكاملة لكل هذا العالم
وبكافة اللغات
بدءاً من ذرة الرمل
وانتهاءً بأغنيةٍ ساطعةٍ لشمس أخرى
غير هذه الشمس
والتى يتركها فوق إحدى أرخبيلاتهِ المعلقة
هناك
تحت قبة السماءْ.
(3)
بدءاً من هذه الليلة
وكل ليلة
أنا سوف أجلسُ على سريرى المصنوع من
سعف النخل
وأعواد القش
وسنابل الغلال والقمح
ولن أقرأ فى كتاب صلواتى
غير تلك الكلمات
التى ألقاها لى الرب على الرصيف الموازى
ذات ليلةٍ خاليةٍ تماماً من النجوم
أنت ياهيباتيا
كلماتك تُسمع من بعيد
شعر رأسك عليك مثل القُبَلْ
وشفتاك كأسان مصنوعتان من الزنبق
إستديرى إلى الشرق
إستديرى إلى الغربْ
كلك صلاة
وبين فخذيك اللولبيتين قد جمعت
كافة شرائعى
وأسستُ مملكتى
لا تنظرى إلى رب منف
ولا تنظرى إلى رب طيبة
لا
ولا تغمضى عينيك عن نور العالم
البشر قد اخترعوا الآلهة
وعلى حسب مخلفات الوعى والأساطيرْ
البعض قد نحت آلهتهُ من الحديد والصخرْ
البعض الآخر قد راح يصنع آلهته من الذهب الخالص
ومدائن الرمل
والبعض الآخر قد راح يسجد للشمس
من دون القمر
لا تصدقى أبداً أن هناك شيئاً اسمه المسيح
ولا يمكن لموسى إلا أن يكون أكذوبةً
اخترعتها بعض القبائل الصحراوية
لتقتل وتسلب وتنهب
وتغتصب الأرض
باسم الربّ
دائماً دائماً ما يخترع الفقراء أنبياءَهمْ
ليسلخوا جلد العالم
لكن ديانتك الوحيدة ياهيباتيا
هى أنت
ما من إله غيرك
الإنسان هو صورة اللهِ
وما من كتاب مقروءٍ
سوى كراساتك التى تدونين عليها
أغنياتك
وأنا شيدك
الجسد بحد ذاتهِ إله ياهيباتيا
قد سوا الجسد أيها المصريون
ليس هناك من عالمٍ آخر ياهيباتيا
تلك خرافة كبرى
إختراعها أحد كهنه منف الملاعين
ليس غير الفراغ
والسديم
وأساطير العبث من جديد
من أجل استغلال كافة الشعوب
وتركيعهم
وجعلهم مثل الخرفان
أنا لم أعد مشغولاً بالعالم ياهيباتيا
لدى مشاغلى الكثيرة
غير الإنسان
والشيطانْ
الحياة دور فدور
حيوات تأتى وأخرى سوف تذهب ولا تعود
وسوف تستمر هذه اللعبة
إلى أن تأتى الحرائق على كل هذا العالم
وتنطفئ شمعة الوجود أصلاً .
(4)
هيباتيا
صمتاً
صمتاً
إصمتى الآن ياهيباتيا
إنظرى إلى صوت الحملان
وغناء الفراشات
إنظرى إلى جداول النهر
وتفريعات النيل
ليس بين معابد الأقصر وصخور أسوان
سوى رغيف خبز واحدٍ
تركته وأنا أتنزه وحيداً فى الليل
لكل تلك الطيور المهاجرة
والتى أتت من كافة البلدان إلى برّ مصر
لتأكل
وتشرب
وتنكحُ
كل الديانات تنبع من مصر
وفى مصر وحدها يجلس الربّ وحيداً على الأرائك
وفوق جدران المعابد
وحوله الملائكة
وعبدة الشيطان
الكل يعزف على آلتهِ الخاصةِ
وكنّاراته
سواءً بالليلِ
أم بالنهارْ
أنت يارب السموات
وياسيد الآلهة
أيها الجالس هناك على العرش
تقدس اسمك
تقدست كلمتكْ
قولى للعالم ياهيباتيا
أن الخير والشر وجهان لعملة واحدةٍ
ويسيران فى طريق واحدٍ
لا يوجد عالم خالٍ من الشر
الشر أساس العالم
ولولا الشر ما كان هناك وجود للخير وجود
وأنا غرست الخير والشر
فى الأرض
لكى تزهر حديقة الإنسان
وتمتلئ الأرض
بالدمْ.
(5)
ذات ليلة ياهيباتيا
أمسكت بكنّاراتىْ
وأخذت أعزف
مجدوا الرب هناك فى الأعالى لأنه وحيد
مجدوا الشيطان
لأنه رفيق درب للربْ
هل رأيتهم أبداً وردةً
وبلا أشواك
الشوكة جرح الوردة
والوردة رهان الشوك
هل رأيتهم الذهب فوق الطرق ويمشى
فى الأسواق
الذهب هناك فى الأعماقْ
إحفروا إحفروا جيداً
فى داخل قلوبكم يسكن الذهب الخالص
إخلعوا عنكم العالم الزائف
واحفروا طويلاً طويلاً
وعميقاً
عميقاً
حتى تعثروا على ذهبكم الخالص
وداخل منجم اجسادكم
وأنت ياشجرة الله المتربعة على العرش
تمدّدى على الطرق
والنوافذ
إملأى كافة الكتب والأوراق
ومعابد الكهنة
وجلابيب الموتىْ
وتعلقى
بالأرض
والسماء
فلم يعد أحد هناك بعد ليعبأبكِ
على طاولة المزايدات الموكوسةِ هذه
لساقية العناكب
والصراصير
الآن
يجلس الرب وحيداً فى العراء الطلق
ويقول لنفسهِ
أنا إله العتمةِ.
(6)
نحن أبناء الأمس التعساء
نحن الذين تركنا وراءنا كل شئ
كل شئ
المائدة
والنوافذ
زجاجات الخمر
وحبات القمح والشعير
نحن الذين تركنا ضحكات الأطفال
وكراسى المطر
الشجر
والفئوس
وفراشات الحقل
وأخذنا نبحث عن اللامرئيات
مثلاً أن تكون كتاباً مفتوحاً قى شق تمرة
أن تكون ورقةً أو كلمة فى لعبة الكريّات الزجاجية هذه
على مندولين يوحنا المعمدان
مثلاً أن تكون لك امرأة عاهرة
وتصنع لك الخبز الحافى فى الأوانى المستطرقة
وتمارس اللذة بالمجان
وتحت سماءٍ بلا غيوم
أو حراسات مسلحة
مثلاً
أن تركب وبمفردك قطار الضواحى
وتروح تغنى
عن جسد هيروديا الشفاف
أن تجلس إلى جوار هيباتيا
وليس بينك وبين السماء
سوى نقطة نظام واحدة
وعدة أوراق من المحميات الإلهية
ولاتفتش فى بنطالك الخرب
عن عجلة زائفة
إسمها الرأسمالية القذرة
أو حتى عن ضحكة طفل مناوئ
تركها هناك بين فخذى مربيته العجوز
مثلاً
أن تجلس فى وسط الطريق
أو داخل مسرح العرائس
لتكون شالاً لتلك المرأة
أو فردة حذاء لهذا النص أو ذاك
نحن أبناء الأمس التعساء
الذين وارينا النهار فى مقبرة عموميةٍ
ورحنا نبحث عن قوالب الطوب
وعلب الصفيح والقش
فى مدينة الله الزائفة.
آه لو أستطيع أن أعود طفلاً
آه
لو أستطيع أن أعود طفلاً
ماكنت لأمشى خلف الساقية لعدة ليالٍ كاملةً
ولا أضع فوق رأسى أى شئ سوى طاقية مقصوفة الرقبة
سأحلق فوق السموات السبع مثل عصفورِ
ولن أعود ثانيةً إلى الأرض
وسأقف هناك فوق نجمة بعيدة
وأبدأ فى الغناء فجأة
ولا أنصت إلا لغناء قلبى
وسوف أبحرُ من قارةٍ
إلى قارة
ومن مدينة إلى مدينة
لأرى الأرض من أولها إلى آخرها
وسوف أصنع لنفسى قيتارةً من الذهب الخالص
لأغنى أغنيات الرعاة
والزنوج
وأجلس على دككِ الهنود الحمر
ريثما تتعرف الملائكة علىّ
أو تعرف كم ليلة قطعها هذا الهندى الأحمر
وهو مقطوع الرأس
وداخل فسيفياء الميتافيزيقا
وتحت شرنقته جلس يسوع المسيح
هو والمجدلية معاً
على عشبةٍ واحدةٍ
آه
لو أستطيع أن أعود طفلاً الآن
لقلت لأمى
أرجوكِ
انتظرى قليلاً ولا تذهبى بمفردكِ إلى القبر
ضعى...أغنياتك فوق حبل غسيل
وعلقى القمر من رأسه فوق ركبتيكِ
العالم بدونك ذبيحة
والزمن مزولة وتعمل على قدمى عنكبوت
لا يعبأ
لا بطيور النوارس
ولا بالأراجيح
بلّلى شفتىّ بالماء
وقبل أن تروحى هناك إلى الربّ يا أمى
أرجوكِ
إذا قابلت الرب هناك فى غرفتك الضيقة
المظلمة
أرجوك أن تقولى له
العالم ينتظرك هناك
فى الجحيم .
أشعارى
وأنا
وكما ترون
أصبر على أشعارى صبر الكيميائى العتيق
الذى يضحى بالزمن
واللاطمأنينة
ويحرق أثاث غرفتهِ
ودراتجاتة الهوائية
وبخارياتة
لكى يغذّى نار الفرن الذى تحترق بداخلها
تجربتة الكبيرة
ولكنه
وياللأسف
لا يصل أبداً إلى قصيدة واحدةٍ
يقطع أوصالها
لكى تظل نار الفرن مشتعلة
وهو يتمنى لو يشعل النار فى كل ماكتب
من أشعارة
التى بلا معنى
والتى تمشى فى الشوارع مثل الصراصير
والكلاب الضالة
والناس يضربونها بالاحذية !
هذا هو كل شئ
أتصبب عرقاً من ضراوة الوحدةِ الشاسعة وأنا أنظر إلى الحائط
أقرأ سورة الفاتحة
وغُلبت الروم
وأيجديات هرمس
وأفتش فى دفاترى القديمة عن كلمة واحدةٍ
كانت قد تركتها لى أمرأة هناك على الأرض
لكى تقول للوردةِ
أحبك أيتها الوردة
ورغم ضراوة الشوكْ
أشعر أننى قد ولدت فى زمنٍ آخر غير هذا الزمن
وأننى مشيت فوق هذه الطرق نفسها
وأكلت من نفس الشجرة
وجميزة الحقل
أننى متّ ألف مرة وفى كل مرة كنت استيقظ
من النوم
لألف العالم فى بطانيةٍ من الفوضى والأسلاك الشائكة
أو اللامعنى
وأقف على كافة الشطوط الخربة للحياة
الغرقانةِ
مراكبى هى الأخرى تكسرت على الرمل
وكل طيورى التى أطلقتها فى الفجر
ما عادت هى الأخرى
إلى الأرضْ
ولم يعد فى طرف حذائى سوى
أغنيةٍ بائدةٍ
عن سجن القلعة
وإسطبل عنتر
وسواقى الألم الميالةِ
فوق سور مجرى العيون
أيتها الحياة الزائفة بجد
أنا ما عدت أنتظر منك أي شئ
ما عدت أريد أن أراك فى الحقيقة
إذهبى إلى كافة مستنقعات الجوعى
واكشفى عن جلاليبك المزركشة بالرغبة
أو بأمنيات بلقيس العاهرة
وسليمان المنير
تحت سفح جبل المقطم
وعلى مرأى ومسمعٍ من مؤخرةِ
سمعان الخرّاز؟!
أنا أشربُ كل يوم من نفس الإناء
فى كل يوم أحتسى هذه الكأسْ
أمدّ يدى إلى الأرض فلا اجد خبزاً ولاخمراً
أتطلع إلى محلات الجزارةَ الرسمية
والأتوبيسات العامة
وسائقى الميكروباصات
وأفتش عن رحمةٍ واحدةٍ
فلا أبصرً سوى الجدران التى تبصُّ لى من بعيد
وتحدق إلىّ بعينيها الشرهتين
إلى النوافذ التى تنفتح وتنعلق على
وجع الإنسان الخالص
لقد تتبعت خطى المسيح
وقلت ربما يكون الرب قد نزل إلى الأرض ذات مرة
ورأى
وسمع
وكما هو فى السماء دائماً
فما تحركت ورقة شجرةٍ واحدةٍ
ولا سقطت قطرة ماءٍ
على الأرض
غابت الشمس فى الأفق
وأظلمت الوديان
والبرارى
وذهب الأطفال وبمفردهم إلى حضانات العدم
وامتلأت السكك بالقبور
صارت الوردة تنظر إلى الوردة باحتقار وتعزية
والفراشة تموت من العطش
على شاطئ النهر
على جذع نخلةٍ قلت أصعد وأهبط
وأكْرز لذرة الرمل
وقوالب الطوبْ
أصلى لكل حشرةٍ تمشى على الأرض بقدمين
أو حتى زاحفةً على الماء
أصلى لابن الإنسان الكامل
صرخت فى وجه الشجر
والبيوت والعمارات
أمسكت بكافة أبواقى النحاسية
ومزاميرى
وقلت أسير فى الطرق
غنيت ألف مزمور لداوود الملك
صعدت إلى شجرة زكاّ العشَّار
فى البئر العمقة للجسد دلدلت قدمى
وقطعت جميع قمصانى
قرأت إنجيل متى
وإسخيليوس
وكل أشعار هوميروس
وكتابات يوحنا المعمدان
وكل أعمال الرسل
لا
لم يكن الرب لاهنا
ولا هناك
فقط قلت أغتسل
وأدخل إلى كهف جسدى
كان إله ويجلس هناك
وحيداً
على طرف مخدته
هو يقول من لى
إقرأنى فيك أيها الإنسان
أنا
لايعنى لى يسوع أى شئ
ولم يكن موسى سوى عليقة
وتجلس فى العراء
هناك على الجبلْ
فى طور سيناء
أنا أنت
وأنت أنا فى كل الأحوال
لست بعيداً عنك
ولا أنت بعيد عن حقيقتى
فقط أرجوك
حدّقَ
حدّقَ جيداً فى البئر
فسوف تنعكس صورتك على الماء
كما أنعكست صورتى فوق مراياك.
أنا عشت أكثر مما ينبغى
أنا عشت أكثر مما ينبغى
كان علىّ أن أكون الآن فى القبر
أنكش شعر الدود
أو ألطَّخ جدران التواريخ بحبر أسود
وكلمات من العظام
والنخاع الشوكى
للموتىْ!!
أنا عشت أكثر مما ينبغى
آه
ياحياتى التى لاتساوى فردة حذاء
أو حبة باذنجان
على ترعة مهجورةٍ
أنا كتلة خراء تمشى على قدمين نضاختين
من أجل أن تكتشف أن العالم هو عبارة عن لعبة وسخة
بين الشك
واليقين
ولا أمل هنا فى الخلاص أبداً
حتى ولو كان المسيح ذاته
والله مرجع أساسى فى كتاب اللاطمأنينة
أصبحت أشك فى كل شئ
فى الوردة وهى تميل على النهر
فى الفراشة وهى تحلّق عالياً وتبحث
عن علبة كرتون لتخبئ فيها أحلامها القرمزية
والمركونة على الطرقات
بجوار نملةٍ مقلوبةٍ
وهى لا تحلمُ سوى بإشراقة شمس باذخةٍ
وهبوط القمر الليلى
على جذعِ نخلةٍ مجاورةْ
أصبحت أشك فى الحدائق العامةِ
والمستشفيات
فى بنك الدمْ
وحزب العمال
فى الحرية المركونة هناك تحت أحذية العسكر
وداخل المعتقلات
وسجون رجال اليانكى
فى موسى الذى صعد على الجبل ليكلم الله
بينما أخوه هارون يضاجع امرأة مصرية تحت الشجرة
ويسرق ذهب المصريات الغلابة
فى المسيح وهو يصعد على الجلجثة
بينما أمه فى حضن يوسف النجّار
من أجل قراءة متوازنةٍ لجسد العالم
أو الجسد الذى لاينام سوى على كراسى اللذة
وخميرة الأساطير
أصطاد سمكةً
وأغرق فى الوحدة
أنعس إلى جنب سحلية
واقرأعن ضفادع أريستوفان
فى الليل
أراوغ الشصّ
وأعطى ظهرى كله للبحر
وأتأمل الفجر بأصابع ملوثة بالضجيج
والمرارات
أمشى على الأرض الغرقانة وأتذكر صرصار كافكا
أتشح برداء الكوابيس وأقول عن الموت
أنت أيها الحوذى الأعمى
ياسارق التواريخ
والجماجمْ
لا تتبعينى أيتها اليرقة
فأمامنا غصن خريطة مائلة
وأنت أيها البحر اهرب
إهرب بعيداً إلى الظلّ
ريثما تتوقف طبول الحرب هذه عن الدوران.


الطائر المحكى
(1)
فوق سفينة نائية
وقف طائر فى قفص
وأخذ ينظر إلى البحر بعين ثاقبةٍ
كان يحلم بالحرية
فوق طبقٍ طائر
وها هو الآن يرفرف بجناحيه الأبيضين
فى انتظار أن تصل تلك السفينة
- وفى يوم ما من الأيام –
إن كانت ستصل أصلاً
إلى جزيرة نائيةٍ
ويسمونها الحرية.
(2)
استلقت تلك المرأة لليلةٍ واحدة على الأقل
فى فراشى
صنعت من شفتيها أغتيات للعصافير
ومن فخذيها سفينة شراعية
وتعبر المحيطاتْ
من كلماتها مصطبةً للأغانى
من رنة خلخالها
حديقةً دوليةً للموسيقى
من أنفها
خرزة للتواريخ
وكراسات لأصحاب الفلسفاتِ
واليوتوبيا
على صدرها استقرت لغة جديدة
للقواميس
آه
أين راحت تلك المرأة الآن
لاشئ
يبدو أنها مستغرقة الآن فى النوم
من فرط ماتركت مزلقانات جسدها
على الصخر.
(3)
خرم إبرة فى مؤخرة الشمس
حصان يركض على الماء
نملة عرجاء وتبحث عن السمفونية التاسعة لبيتهوفن
فيما تجلس هى وخاتشادوريان
على منضدة الوحدةِ
بطة برية وتركب أربعة قطارات فى نفس الوقت
سفينة وتبحر على الرمل
المصبوغ بالحكمةِ
وتراتبل الأنبياءْ
الحياه لعبة بئيسة جداً جداً
تبدأ من الصفر
وتنتهى إلى الصفر دائماً
أية دراماتيكية هذه فى أن تسلق
ورقة جميز
فى طاحونة الغربان هذه
ياللأسف على كل تلك المهازل
التى بلا مركز خالص.
أحياناً
أحياناً
تمر عربة روبابيكيا من على الرصيف المقابل
وأنا أنظر إليها بتمعنٍ
وعمقٍ
وأقول لنفسى يوماً ما سوف تصير مثل هذه العربة
مركوناً فى غرفةٍ ضيقةٍ
بلا تذكرة سفر
أو حتى بنطال مغمور
ولن تجد أمامك سوى جدران النافذة
التى تحملق فى جثتك المرمية
هناك
تحت الأنقاض
وبلا جرس إنذار
واحد
أنا يوماً ما
استنجدت بمريم العذراء
ولم يسمع ندائى أحد
وصرخت على المسيح ذاته
مثل شجرة بلوط
مقطوعة
وقلت له يا أبت
تعال إلى
فقط اسمعنى
أنا مصلوب أكثر منك ألف مرة
فى هذا العالم
ولم أصعد قط على الجلجثة
ولم أكن صاحب رسالة
أنا فقط
إنسان من لحم ودم
جئت إلى هذا العالم بلا إرادة منى
وسوف أودع هذا العالم كذلك
بلا إرادة منى
وليس فى جعبتى أي شئ
سوء بنطال من الخراءات
وبضع كلمات مقطوعة
عن الله
والشيطان
لقدامتلأت سلتى بالدم
ورأيت الناس تموت فى الشوارع
مثل الفئران
والقطط
حتى الكلاب أكلت عظم روحى
وأطلت الشمس من النافذةِ تضحك علىّ
وتسخر منى
أنا ذهبت إلى كنيسة القيامة
ألف مرة
ورحت كذلك إلى كنيسة المهد
علنى أعثر عليك
أو أسمع صوتك البردانْ
ألف شمعة وشمعة أشعلت على الطرق
قدمت قرابينى إلى كل شئ
بدءاً من حبة الرمل المغسولة بالدم
وانتهاء بطيور النوارس
والبحر
ولم أعثر على أي شئ
حقيقةً واحدةً لم أجد
لم أجد حتى علامةً على الطريق
تهت فى السكك والأزقة
وظللت أسأل الحيطان
والنوافذ
أين الطريق حيث يسكن النور
أيتها السماء إسمعينى صوتك
كم أنتِ ضيقة علىّ أيتها الأرض!
ما هو الشعر
يوماً ما سألت نفسى
ما هو الشعر؟!
هل هو أن تكون صديقاً للجرذان
والنملْ
ومحبوباً حتى من الصراصير
والذبابْ
وعفاريت الحقل
هل هو أن تغرق فى بحر السراب الكامل
ومثل عاصفة الصحراء
وتظل تتنقل من بلدٍ إلى بلدٍ
ومن متاهةٍ إلى متاهةٍ
بحثاً عن كلمةٍ أجيرة
أو حرفٍ مسكون بالأساطير
والخرافات
هل هو أن تكون صاحب سيارة إسعاف
لتمر بها على المستشفيات العامة
ومرضى الجذام
وأمراض التوحد
وسرطان الدم؟!
هل هو أن تكون حوذياً
أو صاحب عربة روبابيكيا
لتمر بها على الأنقاض
والهزائم
بحثاً عن زجاجة فارغةٍ
أو علبة كرتون
بها بقايا فأر ميت؟!
هل هو أن تكون صاحب عقارات
وتفتش فى صناديق الزبالةِ
عن قانون قد سقط سهواً من الدساتير
الدولية
ليحمى الفقراء والجوعى
من مدرعات الرأسمالية المتوحشة
عبدة رأس المال
ورجال العسكر الكلاب؟
ما هو الشعر
هل هو أن تكون مسيحاً مصلوباً
فوق شجرة سنطٍ
بلا حواريين
أو حتى كأس أخيره
أم تكون يوسف النجار الذى أخذ زوجتة العتيدة مريم
إلى ركنٍ بعيدٍ
ضيق وخربٍ
وأخذ يلهث من اللذة
ويقول لها
العالم أكذوبة مروية ياحبيبتى
وما نحن فى نهاية الأمر سوى لعبة حقيرة
فى يد القدر الدامى
تعالى إذن نتسامى على الزمن
ونلعب لعبتنا المدورة
يوماً ما سوف نكون أنا وأنت
تحت هذا التراب
يوماً ما سوف يأكلنا الدود
وسوف تأتى أجيال وأجيال من بعدنا
ربما نكون أسطورة
أو مجرد ذكرى
لاتصدقى أي شئ
ولا تثقى بأحدٍ
سوى كلمات الجسدين الملتحمين
فى كتاب الإثم والبراءة
ما هو الشعر ياحبيبتى إن لم يكن هو أنا
وأنت
على سرير واحدٍ
وفوق طاولة واحدةٍ
إلى أن يأتى الله فى عربته المصفحة
بالقوانين
والطبوغرافيا
يومها سوف أكون أنا كتلةً من الغبار
وتكونين أنت مجرد بزرة سقطت
فى الأرض
ولم تنبت شيئاً
ما هو الشعر إن لم يكن كل تلك الأكاذيب
التى صنعها الكهنة من ذوى اللحى
الكثيفة وكاسات البخور
ومجالس النوابْ
وصناع القوانين الخونة
والرؤساء الذين باعوا كل شئ إلى
عبدة الشيطان المجيد
وأسسوا لشريعة اللامعنى
وكتاب الأمل المفقود
فوق جزيرة اليأسْ الدامىْ
إلى متى سوف أظل أبحث عن الشعر
ومثل فراشة تلهث فوق جبلٍ عالٍ
وهى تبحث عن قطرة ضوءٍ عمياء
إلى أن تكلف الأرض عن الدوران
وتمتلئ سلة الغلال بالحبوب
إلى أن يضع الجندى الأخير بندقيته
فوق مؤخرة كل تلك الأكاذيب
والتى تملأ العالم
بدءاً من يوم القيامة الأكرت
وانتهاء بالزعيق فوق طور سيناء
إلى أن يحل الله ضيفاً
فى قلب الشرايين
والأوردة
بلاجنة موعودة
أو جحيم مرصودْ
ولكنها الروح الإنسانية التى تصرخ بالسلام
والمحبةْ.
إصرخى يافراشةْ
إصرخى
إصرخى جيداً يافراشةْ
فلم يعد بعد غيرى وغيرك تحت سقف هذه النوارج
وفوق كل تلك البحار التى تنبع من السماء
وتصب هناك فى عين الشمس الحمئة
إلى أن يأتى حامل كنارات عجوز
أعمى
وأصم
وأبكمْ
ليعزف لى أو لك
عن اللحن الأخير
فوق كل كراسى العدم هذه
والمصنوعة من الورق
والقش
ولا يتبقى فى حقيبته سوى
إناءٍ
فارغٍ
لا يسكن فيه سوى الديدان
وجماجم الموتى
ألم يحن بعد أن تكشف السماء عن ثيابها القديمة
أو عن ساقيها العاريتين
وتتكور الأرض
كل الأرض
تحت عباءة شيخ مسن لا يعرف عن الزمن
إلا صوت الفراشات
وعن التواريخ لا يتحدث إلا عن السجون
والمعتقلات
فوق محيطات الدم
منذ قابيل وهابيل
وحتى نهاية التاريخ
لفولو ياما التعس.

طه حسين
أنتِ ياطه حسين
ألم تكن تعرف أن التاريخ يصنعه الأغبياء دائماً
وقتلة الشعوب
وعشاق الدم
والمازوكية؟!
الم تتناول كل تلك الحبوب المهدئة والمنومة
إلا على فراش هيباتيا
وجسد إبزادورا المنحط
فى قرية تونة الجبلْ
وأنت تحدق جيداً بعينيك الملوثتين
بالبلهارسيا
وإلانكلستوما
إلى كل هؤلاء الرهبان القتلة
وهم يجرجرونها فى الشوارع
وعلى النواصى
وتحت أعين رجال الشرطة
والدهماءعلى أمل أن تقول باسم الآب
والإبن
والروح القدس
إله واحد
أمين
وأنت تسخر وبضراوة من هذيان كل هذه
الديانات
الغارقة فى الدم
والشيزوفرنيا
ألم تكن تعرف أن الأمل هو اليأس وبضراوةٍ
وأن الدم سوف يسير يوماً ما فى قلب الشوارع
وهو مرفوع الرأس تحت أحذية
المصفحات
وحراس الهيكل الكلابْ
أما كان عليك أن تتوقف قليلاً
فى عزبة الكيلو قريتك الصغيرة
العجوز
وأنت تكتب سيرتك الذاتية الأيام هناك
تحت برج إيفل بباريس
ومعك امراتك الشقراء
وعلى مرأى ومسمع
من التالوث المقدس
وآمون رع
ومزامير نفرتارى
وأناشيد حتحور
ومراكب الشمس
والتى صنعها المصريون القدامى
ومن أجل أن يصعدا من الأرض إلى السماء
ويهبطوا من السماء
إلى الأرض
بلا تقديس للآلهة
وقبل أن تنتحر إيزادورا بألف عام على الأقل
سيدى العميد
أما كان عليك أن تتوقف قليلاً
عن الفتنة الكبرى
وأنت تكتب عن الإمام على
وقتلة الحسين
وخفة معاوية بن أبى سفيان
لتقرأ لضيوفك الأعزاء
قليلاً من أشعار هيباتيا
ونقوش الفراعنة العظام
فوق معابد أبى سمبل
أو هناك فى قلب جزيرة فيلة
سيدى
لماذا سرقنا اللصوص دائماً
وأصحاب الديانات القتلة
ونحن نغطُّ فى النوم وحتى
اللحظة الأخيرة
سلاماً لك ياسيدى العميد
وانت تتأبط عشبة جلجامش
على ساحل الأبيض المتوسط

أو تحت أنفاق باريس السرية
إلى أن يأتى يوم الدينونه الأكبر
وكما يقولون
لأسلم عليك
وأقبلك من رأسك حتى
إخمص قدميك!!

زوربا المصرى
أنا الراقص الأبدى فوق الأسلاك الشائكة
والمفتون الدائم بعربة الفانتازيا
إلى حد الغرق
أنا السائر الأزلى فى الطرقات بمفردى
بلا إشارة من أحدٍ
أو حتى صفارة إنذار من شرطى المرور
وهو يقف هناك على الحدود الفاصلة
بين قارة أطلنتس الغارقةِ
وجبال ألاسكا
وبحيرات الرب
أنا الغارق الأبدى فى جسد هذه المرأة أو تلك
إلى أن تكف الأرض عن الدوران
أو تختفى كافة المراكب فى عرض البحر
أو تنزل الشمس لتسير على الأرض بقدمين
حافيتين
فى عز الظهيرة العمياء
أو يتداولها المارة بالأقدام
أنا الباحث الأزلى عن قصيدة واحدةٍ
أو بيت واحد من الشعر
فى كل طريق أسير فيه
حتى ولو كان فى عين الشمس الحمئة
أو حتى فى بئر ماءٍ مندلقٍ
وداخل أسوار السجون
والمعتقلات
ومخيمات اللاجئين
والحروب الأهلية
وصرخات الجوعى
وتحت جماجم الموتى المسنة
وأسرى الحروب الدينية والطائفية
وقتلة الشعوب باسم الربّ
وأنا أصرخ إلى الله
أن إفعل شيئاً واحداً يالله
من أجل هذا العالم
أنا المغنى الضرير الذى يسير فى الطرقات
بلاغيمةٍ واحدةٍ
أو حتى شمس أجيرة
لقاء قطعة خبز حتى ولو ضاقت من فم كلب ضال
أنا الشاعر الوحيد والذى يصنع من العدم
كسرةً مطاطية
من الثلج
ويلعب بها مع طبقة الشعب العامل
فى وسط الشوارع
أو يخط بحبرها الأسود على جدار التاريخ
أن الكل باطل
وقبض الريح
أنا ملك الصراصير بلا منازع
وأمير مملكة الذباب
بلا لوغاريتمات
سوف أجلس على كل تلك الدكك المهزومة
لأقرأ كتاب صلواتى
إلى اللاشئ
إلى أن يأتى يوم تكون فيه
الانسانية
هى الديانة الرسمية لكل هذا العالم
بدلاً من مخلفات العصر الحجرى
وأنبياء الصحراءْ
وأنابيب المغسلة الدموية
وكلاب الـ CiA
وبورصة ال ورل ستريت
أنا الشاعر الذى ينظر إلى فراشةٍ بعيدةٍ
ويقول لها
تعالى ألى ياأخت
لنجلس معاً على الأرصفة
ونغنى أغنية زوربا الوحيدة
تحت سفح الأهرامات
أو ننام معاً على شاطئ المتوسط
أو فوق عشبة مغسولةٍ بخرائط اللذةِ
أنا الشاعر الوحيد الذى يرى أن إلهه
هو الإنسان
وأن الإنسان هو الله
وليس ثمة فرق
أنا إله مصرى قديم ويمشى فى السكك
وينام على المخددات
وفوق رؤوس الجبال
أنا رأس كليوباتر المقطوع
وعشبة جلجامس الباحث عن الخلود
والحقيقة
داخل أكياس هذا العالم
وطبقاتة الحجرية
أنا العتال الذى لا يعرف أي شئ عن هذا العالم
سوى أنه نتيجة خطأ فسيولوجى
أو سائل منوى ضريرْ
وقع فى قلب الكهف
وفى مغارة هرقل
فى لحظة غروب الشمس
أنا قرصان الزنابق الملونة
وسائق العربة الخرقاء
فى ملاحم الهنود الحمر
وتكعيبات ضحايا الحرب العالمية الأولى
والثانية
ومجازر فيتنام
وبقية الحروب التى تحدث فى العالم
من أجل ان يستريح الرب هناك فى السماء
ويرقص الشيطان رقصتة الدموية الأخيرة
فوق جثة الكرة الأرضية
أنا مغنى الكلبة الجائع
والذى تقطعت جلابيبه على الطرقات من أجل
أن أعثر على لقمة خبز يتيمة
أو أكون خبراً
فى إحدى جرائد الديكتاتورية
وكتبة التقارير العظام
وخُدّام النظام الخونة
وأخيراً
أنا الغارق الأبدى بين الأنا
والأنت
ولم أعرف لحد الآن ما هى نهاية كل تلك الأحلام
المأساوية
لكل هذا العالم!!
رجل من تلبنت
إلى صقر عبد العزيز
حين أعطيتة وردةً
ظن أنها مسروقة من جبل الآلهة
إلى أن طفت رائحتها على الماء
إذ ذاك أخذ يكرزبها ليل نهار
ويذهب بها إلى السواقى المعطلةِ
والأرض البورْ
وهو يفتش بين جدران الكهوف
والمنحدراتِ
عن إسم يليق بهذه الوردة
إلى ان جاءته حبيبته الوحيدة فى المنام
وهى تمسك بين شفتيها بقمرٍ أحمرٍ
وتقول له
ألا يكفى لكى أحبك
أن أمشى أنا الأخرى على الماء
ودون أن أصعد على الجلجثةِ
إذ ذاك
صدرت شهقتهُ الأخيرةُ من روحهِ
ومات تحت شمسٍ بالغة
الخضرة؟!



هكذا
(1)
من رخام السحب أتناول طعام إفطارى
من مخبوزات القاعةِ الدوليةِ للألم
أنسج مخططاتىْ
وأضع أسيجة شرايبنى
على ترابيزة الموتى
أعزف لحن سيمفونيتى الأخير.
(2)
فى الليل
وعندما تختفى هذه الشمس
سأشرب نخب كل أولئك الموتى
الذين تركوا لنا كراساتهم تحت معاول
الأنبياء الكذبة
لمَ لمْ تأت حتى الأن عاصفة واحدة
لتزلزل جدران كل هذا العالم.
(3)
أنا أنظر إلى أشعارى وأضحك
وأقول
الشعر حصان طروادة الأعمى وبلا أرجلٍ
ويركض فى الهواء وعبر الأزمنة
صرصار ميت على عتبة بيكاسو

أرض خالية من الشمس والنجوم
ولايسكنها سوى الاشباح
هلموا أيها الشعراءْ
واصنعوا كأساً من الذهب الخالصِ
ومؤخرات النساء
حتى لا يشرب منها سوى الفراشاتْ.








يتبع

.../...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى