محمد آدم - نشيد الجحيم وقصائد أخرى (2)

تابع (2)

إشتهاءات
أشتهى شجرتك وهى تقف عاريةِ على السلم
أشتهى قمرك الذى يخضع مجبولاً
لعجين سرتكْ
أشتهى رملكِ الذى يبرق هناك ملتوياً
وجامحاً
ما بين الصلب والترائب
أشتهى خرزة أذنك التى تقف هناك راسخةً
تحت قبة جسدك
أشتهى كلماتكِ التى تخرج من بين شفتيك
كحرير الملوك
أشتهى عصافيرك التى تزقزق هناك
تحت القبة
وأنتِ فوق سفينتك الشراعية التى تعبر البحار
والمحيطات
ومثل حورية وبمواويل
أشتهى قهوتك الصباحية التى تتفرع إلى كلسوناتٍ
وأساطير
أشتهى حتى تراب رجليك الذى تتركينه
على السكك
ليقول لكل عابر سبيل
هو ذا أنا
وهو ذا أنت
أنا جالسةٌ ملكةْ
وليس لى من مثيل
أشتهى حتى أن أقرأك للحيطان
وضفات الأنهار
وشبابيك غرف النوم
وحكايات الجدّات
أشتهى أن أضعك هناك على عرش سليمان
الملك
وبجوار العاهرة بلقيس
وأمرأة أوريّا الحِتىّ
التى اغتصبها الملك داود وهى تغتسل هناك فوق السطوح
وقال/ هذه هى كلمات الله لى
أشتهى أن أرسم طعم شفتيك
على كل هذا الهواء
الذى يقف مبلولاً وعارياً
فى السكك؟!
أيتها العذراء
أيتها العذراء المقدسة
خذى طحينك
وأجلسى بمفردك على الحافّة
إنظرى إلى الشمس من أين تنبع
وإلى القمر أين يغيب
لملمى ثيابك المبقعة بالشهوة
وألقى بجلابيبك إلى الماءْ
إطحنى عسل قلبك
واجلسى بمفردك على الأرصفهْ
ولا تنظرى لأحد
فقط علقى روحك على حبل غسيل
وأشعلى النار فى كل تلك الظلمات
المنقوشةِ
على الصخر
دلدلى رجليك فى البحر
إنظرى إلى صورة وجهك الذى كالقمرْ
جسمك يخرج من كل ناحية
وصدى صوتك يأخذ بالألبابْ
لم لا تفاجئنى النار فى الحطب
لم لا تتركينى لجسدك أن يمسح كل أخطاء السموات
والأرض

أنت آتية من هناك
من السحب وأنا هنا ألتحف عشب جسدك
وأجلس على حافة النهرْ
لأرتل مزاميرى
إكشفى عنك نقابك
وشمرى عن ساعديك
إكشفى عن عجينة الساقين
واعبرى الأنهار
والمحيطات
خذى الرّحى واطحنينى
دقيقاً لروحك قلتُ أكون
وتراباً لنعليك تكون كلماتىْ
وحصى أرضك
تلك إذن
كانت ترنيمتى إليكِ
ياابنة روحى المعلقة هناك
على مصاعد الشهوة
وخطايا الربّ القاتلةْ
إجلسى صامتةً
أو إدخلى فى الظلام
إلى أن آتى اليكِ فى حشدٍ من الملائكة
وحرّاس الكلمة

لنقف هناك إلى جوار روحك
وقدّام بيتك
إلى أن نسمع طقطقة أنفاسك
وحليب شهوتك
التى تطرقع على الأرض
وولوج روحك إلى معارج القدس
إذ ذاك سوف ننفجر بالغناء بالدفوف
ونضع كافة المزامير إلى جوار
عرشك
إذا ذاك سوف يخرج النور من الظلمة
وتخرج اللغة من صمتها العجوز
لتجلس تحت ساقيك كالعناقيد
أنت ياشبيهة الملائكة
من مثلك فى كل هذه المدن!!
ترتيلة
لماذا تأتين إلى صامتةً فى الليل
أيتها الفراشة
ألا يكفى أنك تنامين هناك راسخةً
ومبوّبةً
على بعد أمتارٍ من رائحة الموتىْ
ألا يكفى أن الفجر الذى يمشى فى السكك
ويسير عارياً على الجدرانْ
لا يعرف أثراً حتى لجناحيك
أو حتى تعريفة جمركيةٍ لكلماتكْ
ويقف وحيداً هو الآخر وبعينين زائغتين
على بُعد خطوةٍ واحدةٍ من كوكبك
الذى يتفوق على حدودِ المجرّةِ
ويتخطى حدود الذاكرةِ
والإثم
لمَ لا تأتى إلىّ يافراشة فى هذا الوقت من الليل
ربما لنلعب السيجة فوق سطح الأرقاء
أو نراقب القمر وهو يخلع ملابسه
الشتوية
ويجلس هناك وحيداً على أرائك اللذة
أو ربما ننام عاريين
أنا وأنتِ يا فراشة
فوق مقعدٍ بالٍ
تركه الزمن كرهينةٍ جغرافية تحت وثائق التاريخ
الوسخة
فى انتظار أن تقلّب الريح صفحاتهِ
أو يقف عليه شيخ ضرير
ليقرأ ترانيم داود
والنشيد الأخير لبابلو نيرودا
أنا
وأنت يا فراشةْ
سوف نظل كوكبيين غارقين فى مجّرّات العدم
إلى أن يأتى محراث الله الأجير
ليرصف لنا بعض الطرقات
والتى لم يمشى عليها أحدُّ قط
وهناك
سوف نغرس أنا
وأنت يا فراشه
لغةً جديدةً
على كل عشبةٍ
وسنجلسُ معاً تحت أوراق الجميز
لنراقب حركة التاريخ وهى تتجه وبعفوية
نارنجانةٍ باذخةٍ
إلى أن تستقر وفى نهاية المطاف
بين فخذى امرأةٍ
تنام عارية
ووحيدةً
على ستائر اللذة
ولا تنتظر قوس قزح
لم لا تجلسى يا فراشة ريثما أتخفف أنا الآخر
من ملابس الإحرام هذه
وكل تلك الأكاذيب التى علمونا إياها
عن المصلوب
وماريّا القبطية
والقديسة سانت تريزا
وبائع الحليب والخردةِ
وملحمة جلجامش العجوز
وبنات الحور
وعرَّافات الجحيمْ
وجنة الخُلد
إلى أن نقطع تذكرة السفر الوحيدة
لنذهب سوياً إلى بلدٍ بعيدٍ
لا نفكر فى أى شىء
ولا نحلم بأى شىء
سوى أن تكتب على جدران الزمن الأطلس
بأصابع محشوة بالضحكات
واللذة
هُنا يكمن العالم
والزمن ما هو إلا مرايا تذكارية لا تتعلق
سوى بالذاكرةِ
والناس
إجلسى إجلسى إلى جوارى يا فراشة
إلى أن أجلب لك قليلاً من الماءِ
من نبعٍ بعيدٍ
كنت قد خبأته لك تحت الأرض
حتى لا ترانا الشمس
أو يدركنا الرعاة الصحراويون
بخيالاتهمْ
التى تكتظ بالجنة الزائفة
لكى يفسدوا علينا كل شىء
بدءاً من اللذة ِ
وانتهاءً
بضحكتك التى تكسرُ حواجز الجغرافيا
وكل أسس الميكانيكا
آه
منكِ يافراشة.

البار
ما لهذا البار العجوز يقف صامتاً
أمام شجرة الجميز هذه
وهو يخلع ملابسه الإيروتيكية
ويهز جذع نخلةٍ
متهتكة
ولا يفكر سوى برحلتهِ الوحيدة
والتى قطعها من وأوأةِ العماء
وحتى مراسم الدفن هذه
وهو ينظر إلى السماء بعين راسخةٍ
كالكلب
ويقول يا اله الموتىْ
ماذا فعلنا لك فى كل هذه الرحلة الدامية
ألم تنبت أمامك زهرة واحدة قط
ألمْ نشرب من مياه أنهارك
وحلاقيم ينابيعك
ألم تشاهد ضحكة القمر ولو لمرةٍ واحدةٍ
أو لم تنظر إلى الشمس وهى تتربع على خوان
الرغبةِ
وتتأرجح بين ساقى امرأة
تتمرغ على عشب الحديقة الدولية
فى مدينة نصر
أو فى أحضان رجل يتيم
هو أنا
آه
أنا رجل عجوز
ولازلت أحلم
بصنارةٍ
وشعرْ
لأنزل إلى البر وأصطاد سمكة
وحيدةً
وأبنى لها عرشها على الماء
وأكتب تواريخ العالم الاقليمية
فوق نجمةٍ
صاهلةٍ!

قبل أن تكتب القصائد
قبل أن تكتب القصائد
إذهب وتعرى وإجلس وحيداً فى العراء الطلق
وانظر إلى الجوعى
إلى المحرومين من كل شىء
من الكلمة
والضحكة
من النعمة
ورغيف الخبز
قبل أن تكتب القصائد
إنظر من النافذة
الناس فى الشوارع كالذبابْ
يطردونهم من السككْ
ويقولون لهم موتوا
أنتم فقراء
أنتم لا تستحقون حتى هذه الحياة
ثمت خطأ ما فى هذا العالم
إنكم علة زائفة
علينا أن نقتلكم من جذوركم
أنتم مجدِّفون وكفرة
ولأن الله أحبنا
هكذا جعلنا أغنياء
ولأن الله يحتقركمْ
جعلكم فقراء
انتم تسرقون حليبنا
وتشربون ماءنا
وتأكلون خبزنا
علينا أن نصدر عليكم حكماً بالإعدام
قبل أن تكتب القصائد
إمش فى شوارع هذه البلدة
أو تلك
لا تبحث عن الكلمة
الكلمة هنا أو هناك
مفروشة فى الأرض
أو فى الوحل
بين أزقة الشوارع
وعلى جذوع النخل
الكلمة مكتوبة على الطين
وفوق أجولة الرملْ
الكلمة هى انا
وهى أنت
دع الكلمة تنطق لوحدها
دعها تتسلل إليك
مثل فراشةٍ
أو أفعى
وعند ذاك إجلس إلى جوارها
واكتبها
تحسس رائحتها
شمسها
إجلس تحت نعليها
وتعلق بأكمامها
الكلمة هى الحب
الكلمة هى الحرية
الكلمة هى الله
لا تبحث عن الجنة هناك
ولا تفتش عن رائحة عدن
فى كلمات الأنبياء التعساء
قبل أن تكتب القصائد
استمع إلى الموسيقى
وانظر إلى تكويمات الريح
وغناء تلك الشجرة
تحمّل وضع هذه الوردة
وغناء هذا العصفور
بلل رجليك بوجع المحرومين
واخلع ما عليك من أثواب زائفة
العالم يسير ناحية الخراب
والجحيم قادم لا محالة
ستتحول البحار إلى أنهار دم
هذه الشوارع سوف تغصّ بالجثث
كل الأنهار
سوف يملؤها السمك الميت
لا تنظر إلى الله هناك
فى السماء
بل حدّق جيداً
إلى صراخ الموتى
قبل أن تكتب القصائد
عليك أن تنسى كافة اللغات والشواع
أن تخترع لغتك لوحدك
اللغة التى تسير فى السكك
وتنكتب على الحيطان
يقرؤها المارة
ويسمعها حتى الحجرْ
وتبنى لنفسها ليلاً مختلفاً
ونهاراً غير هذا النهار
قبل أن تكتب القصائد
عليك أن تذهب إلى الحدّادين
لتكون حدّاداً
إلى النجّارين لتكون نجاراً
عليك أن تذهب إلى البوابين
لتعرف لغتهم
وتستمع إلى شكل ضحكاتهم
لكى تكون بواباً
ولا تحمل فى شفتيك غير كلمة واحدة فقط
السلامْ
السلام لكل ساكنى الأرض
كل البشر أخوة
الأبيض مثل الأسود
والأحمر مثل الأشقر
لغة واحده تجمعنا
وكتاب واحد
هو لنا
إنه الإنسان
قبل أن تكتب القصائد
عليك أن تخترع ديانةً جديدة
إحذف منها كل شىء
نقطة ومن أول السطر
إنسان الزمن القادم هو الأمل
إنسان الزمن القادم هو الخلاص
ليس الخلاص بالزيت
الخلاص فى المحبة
والسلامْ
قبل أن تكتب القصائد
عليك أن تغير كل ملابسك
لغة جسدك
نظرة عينيك
شكل ضحكتك
لغة قلبك
لنصنع العالم الجديد
دين واحد هو المحبهْ
لغة واحده
هى السلامْ
قبل أن تكتب القصائد
إذهب إلى البحر.
بدرومونتابث
إلى المقهى كان يأتى بدرومونتابث
ويحمل فى شنطتةِ الورقية كافة الجماجم
التى خلفتها الحرب الأهلية الإسبانية
ويضحك بملء شقديه
وهو يفرد مظلة لوركا إلى جانبهِ
ويعبث بشعر أونامونو
ويطبطب على كفل إرنانديث
ويقول لى
هل قرأت ديوان الشاعر اللاتينى
بروبرتيوس
ويسأل صبى المقهى
ماذا تحمل فى جلبابك أيها الغجرى الأسود
أحمل أيها السيد ماء البحرْ
وماذا يقول لك بيثنته اليكساندره
..............
............
غير أنه حطم سفينته على البحرْ
وراح يغسل تراب رجليه
فوق صوارى السفن
وهو يغنى للكراكات
وأجوله الطحين والملح
ولايسكن إلا فوق غصن وردة.
أغنية إلى الموت
لا تأتِ أيها الموت المجانىُّ أرجوك
إلا بعد أن أنتهى من عملى
دعنى أنسج هذه الوردةَ الخالصةَ لك
دعنى أعلق هذا القمر الناصع البياض تحت سقف بيتىْ
دعنى أخيط هذه الشمس الموروثة على جلباب أمى
لا تأتِ أيها الموت إلا بعد أن أنتهى
من أغنيتى الأخيرة
أنا أعرف أن هذا العالم وهم
مجرد خيال
ولكنى أرجوك
أتوسل إليك
إترك لى هذا الوهمْ
أنا راض حتى بهذا السرابْ
الذى يحسبه الظمآن ماءَ
فليس فى يدى أية أغنية أقدمها إليك
دعنى أيها الموت
كم مرةٍ أتيت وتلصصت علىّ فى عقر دارى
وطفت حول أبواب غرفى
وشبابيكى الكسورة
كم مرةٍ تطلعت إلىّ
وأنا المحك هناك وعبر النافذةِ مثل لص
ومدجج بالسلاحِ
والخناجرْ
وكنت إذ ذاك أغض الطرف
أضمك فى جلبابي وأواصل السفر
وغير ملتفت إليك
بل إنني كثيرا
ماكنت أمنحك برتقالة
أو وردة منسية
وجافة
مثل أيامي التي كلها شحومات
أيامى التي تشبه الجحيم حقاً
وهنا على الأرض
أرجوك أيها الموت
لا تقترب منى على عجل
كأن الريح تحتى
فقط
أغمد خنجرك ببطء وتعالى إلىّ
خنجرك الذى يحمل توابيت الموت المجانى
والذى لم يتألم لمرة واحدة على الأقل
أغمد خنجرك المصقول وبضراوة
فى قلبي
ولكنى أرجوك
لا تأت إلا بعد أن أستكمل أغنيتى
أغنيتى التى ترفع قبضتها المتسخة فى وجه العالم
وذلك رغم كل شئ
رغم كل شئ.
عزلة القمر
أريد أن أغني
فى مثل هذه الليلة كذلك
ما الذى يجعل القمر باردا وإلى هذا الحد
من يقطف شعر هذه الورده كذلك
لا تجعلى السماء تبكي لوحدها
فالنجوم وحدها هناك
أيتها المرأه
شفتك عند باب البحر
وتقع فى الأسر
لا تشغلوا بالها بالليل
أيها الناس
فالقمر نفسه فى عزلة
وأنا أموت بمفردى !!
أنا
أنا مضحك
وساخر
هزلى وأكتب الشعر إلى أن أموت
أعشق النساء والخمر أحيانا ولا أبالى وأنظر كثيرا إلى البحر
البحر الذى يمتد إلى ما لا نهاية ومثل حمم بركانية
التى تغلى من فرط الحزن
والألم
ولا شئ يبقي فى يدى أبداً
أنا على الارض مثل حشرة زاعقة
وأقتات فى اليوم الواحد بضعة أرغفة من الخبز الجاف
لا أشرب غير الضوء
ولا أكل سوى بعض الألم وثمر الجميز
فى الطريق أضع يدى فى جيبي وأحدق مليا إلى المارة
الذين يشبهون شلالا يتدفق مثل السائل المنوى
لا أبالى أبداً أنا بالغيمة الجاذبة ضد كل هذا العالم
فما من قيمة حقيقية أكثر بهاءً من الأنسان عاريا ووحيداً
الإنسان الذى ياتى
ويكافح
ويموت اخيراً
فى صمت
مثل حشرةً
وبلا أيقونات!!


شمس سوداء

العصر الحجرى
في هذا العصر الحجريْ
يجب أن تنتحر الذاكره
يجب القضاء على فكرة الروح الخالصة
والإنسان الكاملْ
يجب القضاء على فكرة الأملْ
يجب القضاء حتى على فكرة الربيع
والأمنياتْ
علينا أن نتوقف طويلاً في كل تلك الشوارع
والسككْ
فى انتظار ملك الموت الدامىْ
بيده التى تمسك بالشراشرِ
والبلطْ
لكى يجمع فيأجولتهِ اللانهائية
كل تلك الرؤوس البلاستيكية
والأفكار الماقبل عصر حجرية
والتى ماتزالتحلم بالحرية تحت شجرة جوافة
أو حتى تحت سقف بيت مهجور!!
الآن
ليس ثمة شئ على المسرح العالمى للدم سوى
مجموعة من القطط والكلاب
بحركاتها البهلوانية
وهى تبول على كل شئ فى هذا العالم
بدءاً من الوردة والحلم
وانتهاءً بما يسمى بالعدالة الدولية
وحرية الشعوبْ
عند عبدة الأصنام
والرؤساء الخونة؟!


مدونة عصرية

(1)
معكِ
سوف أجلس على دكةٍ خشبيةٍ أمام الكانون ولمبة الجاز
ومخزن الغلال والطحينْ
وفي عينيك سوف أتطلع طويلاً إلى رائحة العشب المبلولِ
الذى يتراقص من فرط النشوةِ
ومن خلال ضحكتك التى تشبه الدهاليز والأيقوناتْ
في كفلك ما يشبه النعمة الزائدة
ومن منىّ أصابعك
شلال أنهار تجرى ناحية الغابة التى أخذت تجف
إبتسامتك دمعة لوحدها
وتجرح شظى التواريخ
وعلى صدرك ترقص الأيائل بانتظامٍ ياشفيعةُ
إسكبى عسل روحك
فوق أرضى العطشى
حتى لا أبحث عن جنات وعيون
ربما لايدخلها أمثالى من الفقراء
وذوى الإحتياجات الخاصة
(2)
وأنتِ
استظلى بشمس روحك المرحة
فلم يعدعلى الفجر بعيد
لحظة
لحظتانِ
وينبثق النور الشاهقُ من فواخيرك التى تعمل وبمفردها تحت ضراوة الليل
وتخرج كل شقائق النعمان من تحت أسرتك
التى تكتظ بالحكايات
والعصافير
وحتى من على أطراف أصابعك تتفرع أشجار المانجو وحبات الفراولة
على الطرقات
ليأتى إليها الفقراء من كل فجٍ
أيتها المجدلية الرسولةُ
لاحقلَ هنالك يمكن له أن يستوعب كل تلك الشموس الغارقة فى الوحل
ولاسماء بمفردها يمكن لها
أن تتسع لكل أغنياتكْ
إملئى أوانيك بالحليبِ
والسكرْ
فالملائكة هناك ينتظرونك عند كل فجٍ
ياشفيعةُ
وحتىعلى الباب الخلفى
لحدائق الرب العامرة
بالقمامة!!
(3)
عاريةً تجلسين أمامى مثل تمثال لدافنشى
أوحور محب
وأمامك وعلى الطاولة طبق فارغ
تمدين يديك إلى الملاعق
والسكاكين
ولاشئ غير صورتى التى ترتسم هنالك على كاحلك
مثل مسيح مصلوب ويقف على الجُلْجثةِ
وهو ينظر إلى الجموع بإزدراءاتٍ
وتعزيةٍ
ولكنك تنظرين إليها و كما تنظرين إلى ساعة الحائط المعطلة هذه
فى انتظار موعدٍ لن تخلفينه أبداً
ثمة أصوات حائرة فى أذنيكِ
وتحدثك عن رحلتى الدموية والتى قطعتها سيراً على الأقدام من فوق جبل موسى
وحتى بحيرة طبرية وكنيسة القيامة
ومن كنيسة المهد وحتى بئر أيوبْ
وكناّرات داود الشاهقة وهو يعزف أناشيدة الخالدة
لامرأة أوريّا الحِتى
وعن آخر كلماتى التى تركتها لكِ
فوق صينية الجسد المحروقْ
وأمام عشبِ روحكِ المدهونِ بالزبدةِ
ومثل سفينةٍ محروقة
كنت تعبرين إلى ميناءٍ مجهولٍ
وبلا ربان واحدٍ
أو حتى إسطرلاب أخيرٍ
تواصلين السفر
إلى قارات غارقةٍ!!
عادات
تعودنا أن لا ننصت إلا لخيباتنا
تعودنا أن نقول للنهارِ أنت كناس شوارعٍ
وحاملُ بيضاتٍ فاسدهْ
أن نقول لليل أنت بهيمةٌ
ومربوطة إلى ظل شجرةٍ
أو إلى ساقية معطلةٍ
فى انتظار الذبح
أو سن القوانين
أن نقول للوردةِ
أنتِ محبوسةُ بين أشواكك أيتها الوردةُ
وتنتظرين ظل عاشق !!
أن نقول لشجرة الكافورْ
آه
يا ظَلّ روحى
لمَ كنتِ هنا
ولم تكونى هناك
بالأساسْ
أن نمرّ على مقابر القرية ليلاًوالمغلفة بالعشش والصفيح
و أعواد القمحِ والذرة
لنسند جماجم الموتى
بقوالب الطوب وقراءة الفاتحة
ونقول: كل أولئك كانوا هنا مثلنا فى نفس هذه الشوارع
ويلعبون معنا السيجة والغناء فى الأفراح
ويذهبون إلى الحقل ليجمعوا سنابل القمحِ وكيزان الذرةِ
ويتعرون تحت شراشف القمر
الآن أصبحوا كلهم موتى وابتلعهم الحوت فى اليم !!
تعودنا أن نتسلق الهواء بمفردنا
لنرى الله جهرةً
أو من وراء حجابْ
تعودنا أن نحبس كلماتنا المنقوعة فى الألمْ
داخل أكياس بلاستك
ونخبئوها بين الشقوق
حتى لا يطلَّعَ عليها أحد
غير كناسى الشوارعِ
وبائعى الأحذية والخراء الناشف
تعودنا أن ندخل إلى غرفنا المغلقة ليلاً
ونركن كافة تصوراتنا عن العالمِ
إلى الحوائط حوائطنا التى ترتعش من الظلامِ
والبرد
حتى لا تصاب بالخيبة
أو تشعر بالضغينة
تعودنا أن نغنى أمام الأحجار الراسخة للأملِ
حتى لا يسمع غناءنا أحد
سوى أسرة النومِ
وغرف العناية المركزة
و أغطيتنا البرادنة مَن الخوف والرعب
تعودنا أن نقول عن الله
أين أنت أيها القابع هناك خلف السموات
أما كان أمامك من وسيلةٍ أخرى
حتى يتحقق العدل هنا على الأرض
والحرية فى هذا العالمِ
الملىءِ بالحروبِ
والدمْ
وذلك بدلاً
من تلك الجنة الموعودةِ المؤودةِ
وحريرك الزائفِ؟!
وماذا سنصنع نحن العجائز والمسنين
بكل تلك الحوريات
المعلقات هناك فوق السموات السبَعِ
وماذا يعنينا من عين الكوثر
ونحن نعانى الجوع
والهلاك
تحت بوابةِ الجحيمِ هذه
ومادخلُنا نحن فى ظل هذه اللعبة المدوخةِ
الشائكة بينك
وبين صنيعتك المنذورة لك
الشيطانُ الأكبرُ
هل نحن مجرد مجموعةٍ من قطعِ الشطرنجِ
يحركها لاعب ضَريرْ
تعودنا أن نقول للعصفورِ
إعزف بمفردك أيها العصفور الآبقُ
سيمفونيةَ الألم الطينية هذه
وبين جدران كل هذ العالم الذى تعكر
بالضغينة المسننة
وقتلى الحروب
والديانات
وأخيراً
أنا تعودت أن أقول لك أحبك أنتِ يا واحدةُ
لأفرغ من خراء هذا العالم !!
حينما كنت هناك على الجبل
أقصد جبل موسى
أنتظر لحظة الشروق
نظرت إلى أعلى
فأشرقت شمس روحك علىّ
وقلتُ يا موسى
أرنى الله جهرةً وكمارأيت
فتبسم ضاحكاً من قولى
وقال لى
حدّق
حدق جيداً
إلى تلك الصخرة التى تقف أنت عليها
هنا كان يقف الرب يوماً ما
أمام موسى التائهِ
إصغ
إصغ بقلبك
سوف ترى الله فيك
حدّق
حدّق
جيداً إلى تلك المرأة التى أطعمتك بيديها الإثنتين
وحليب جسدها الصافىْ
وغسّلت لك شعرَ رأسك
و طبطبت على عظم روحك
حتى وأنت فى مساكنِ الزلزال هذه
وفى كل هذا القفر الدامىْ
وليس هناك سواك أنت
وحمتك من كل تلك الوحوش البرية
التى تتربص بك فى كل طريقٍ تسيرُ فيهِ
فكانت بئر مائك
وشجرة ظلك
وإناء فخارك الذى يمتلئ بالشهوة
وكأس ذاتك
وكانت لك وردة الروحْ
وأنت
أنت لا تعدو عيناك عنها
ولم تعد تعبأ لا بأشواك الطريق
أو سرابات الصحراء
المحمرّ
وكنتَ أنت فى غاية الظمأ
عينين غائرتين فى محجريها
وقدمين غارقتين فى الرملْ
حدّق
حدّق
جيداً إلى جسدها الذى يشبه
خيمة الرب الهائلةَ
سوف تبصر النورَ جيداً
إسقنى من بئر مائك
أنا سنواتى من الشوكْ
كل حكاياى من غابة الرملْ
أنى توجهت ليس ثمة غير صورتك
صورتِك التى أصبحت علامةً بارزة على ضحكة الشمس
أنفاسُك خميرة الروحِ
قفى على شجرتى الوحيدة أيتها السنديانة المشرئبةُ
واعزفى بجسدكِ
سيمفونية اللذة
فى السكك التى أسَير فيها لا أجد غير صورتكْ
فى البحار التى أنزل اليها لا أبصر غيرمحاراتك الفارهةولآلئكِ
سفنك تحاصر شواطئى
وأنا ملاح ضريرْ
ولا أعرف الطريق إلى مقر إقامتكْ
آه
لو أقدر أن أذهب الى الله بمفردىْ
وأتأبطُ ذراعهُ المرحة
إذن لأتيتك به على متن دراجةٍ بخاريةٍ
ليقول لك بنفسه
هذا الرجل قيثارتُك أنتِ
وأنا شاهد عليه !!
لم أعد متيقناً أنه أنتِ
ولم أعد أعرف كيف أصعَد على ظهر هذه الكافورة الناشفةِ
ومذاود التبن
من بعد ما سمعت كلماتكْ
فقط أصبحت أقول للشمس
تسللى بهدوء إلى غرفة هذه الوردة
واجلسى مثل عروس البحر بين نهديها الأسطوريتين
وأنت أيها القمر العاكس مرآة ذاتهِ
تعلم كيف تقطع المسافة ما بين قارتىْ الفخذين
وأركيولوجيا المؤخرةِ
مثل قارب وتحت عاصفةٍ!!
لمَ كل هذا الألم يا إلهىْ
ستون عاماً من الحزنْ
و أنت لا تكتفى فقط سوى بالمراقبةِ
أغلقت عليك باب حجرتك الواسعة
وأخذت تدخن الأرجيلة
فوق غرف الشرائع وحمامات الدم
وأنا أنتظرك أن تأتىْ لتقول لى أى شىء فى هذه الرحلة المدوية
والتى بدأت من وأوأةِ الطفولةِ
وحتى غرقى فى الترعِ
والمستنقعاتِ
وجريى وراء المحاريث فى الليلِ
ومروراً بجمع اللطع والفراشاتِ
وتسلق شجرات الجميز الراسخةِ
والتقاط حبات التوتِ المعجونةِ بالترابِ والروثِ
ومروراً بكل تلك المقابر الجماعية التى تملأ الهواءْ
وتسدُّ عين الشمس
إلى أن صارت حتى المخابز العمومية لا تنتج سوى الألمِ الفردِ والدود
وهاأنذا أجلس على الرصيف المقابل
وأنتظر شارة الخلاص
تعالى إلى يا حبيبتى تعالى
فها هى الشمس قد غابتْ
وأخذ القمر يتثاءب على مائدتىْ
ولم يعد بعد فى كأس خمرى سوى قطرتينِ بائدتينِ
من الزمنْ
ولا تتركينى كالمعلقةِ
أو لوحة من لوحات فان جوخ المرمية على الأرض
أدور كالضليلِ على الأبوابِ والشبابيكِ
وغرفِ العنايةِ المركزةِ
وأنا
أفتش عن أثار نعليك العابرة
بوجةٍ
من قصديرْ
فوق طاولاتىْ!!
صرخه
أصرخ........
إيلى
إيلى
أنت أعطيت موسى الألواح
ألواح شريعتك
وها هو ذا هارون قد أخذ يعبد العجل والذى صنعه من
ذهب المصريين التعساءْ
وقلت لموسى انظر إلى الجبلْ
وجعلته دكا
فخرموسى صعقاً
وفوق الجبل قلت لى أيضاً
هذه هى امرأتك ، حبيبتك,
شريعتك المحبهْ
وشريعتها الجسدوالشهوة
إلهى
جسدها صار وردةً
وشفتاها تحولتا إلى طمى روحى
أنفها صنارة لكلماتىْ
وبطنها أصبحت أبجدية لغتى وحقيقة حروفى
صدرها بئر عطر ومودات
وسرتها رغيف خبزى
أنت أيها التائه فى البرية
ولا أنيس لك غيرك
أىُّ عاشقٍ أنت
وأى عاشقةٍ هى
من بين شفتيها تخرج حروف وكلمات عليك أن تتعلمها جيداً
فيها تتداخل الألف مع الياء
وينطبق المركز على المحيط
فى فلكها تدور كافة الأساطير والحكايات
فإذا نظرت إلى الشمال كانت قمر روحك
وإذا نظرت إلى الجنوب كانت شمسك
المنغمرة فى البحر
وإذا نظرت إلى الشرق وجدت دحرجة اليقين
على أردافها
وإذا نظرت إلى الغرب
رأيتها ساقية
وتعمل بلا مواعيد
ولا تتعطلإلاعلى سقالة الموت
فلماذا تطاردنى فى السكك
وأنت قطب الدائرة بالأساس
وهى
هى رحى المحيط !!
الآن
كل الطيور قد عادت من الدفن
وأنا وحدى أقف على رمل الشاطىء
وأكتب إسمك على شجرة الوحدة
كتعويذةٍ استراتيجيةٍ لمجرةٍ كونيةٍ
كنت أرى عينيك السيدتين مثل يمامتين بريتين
محملتين بالوصايا العشر
وتكعيبتى عنبٍ
أو كزهرتىْ لوزٍ باذختين تتفرعانِ على كافةِ الطرق
وتترصدان خطواتى بمهارةٍ وصدقٍ
مازال طعم جسدك على طرف لسانىْ
صانعاً من اللذة شبكة برمائية لتحكى للعالمِ
عن أساطيرك
وحكاياتك
ومازال صدرك يعمل كمنحوتةٍ فرعونيةٍ
بأزاميلهِ وكراكاتهِ
على جدران روحى
ولا يترك على أنبوبة الصدر سوى بقعتى ضوء
ساحرتين
كعلامتين أزليتين
على قيامةِ الجسدِ
وانصهار سبائكك الذهبية على تشققاتِ نفسى
التى تضمحلْ !
نيكانوربارا
مات نيكانوربارّا
الرجل الذى قال للنملةِ أن ترقص عاريةً فى وسط الشارعِ
وهو ملفوفُ بقنطارٍ من خراءِ العالمِ ووسخِ التاريخِ والجغرافيا
الرجل الذى خلع بنطلون الشمس الرسمى
وأجلس القمر على مذود المسيح
وجعل من القطط والفئران
أصدقاءً لطفولته الضالةِ
مات نيكانوربارّا
الرجل الذى رقدوبمفردهِ على أرِصفة القطارات
وموانىء الهنود الحمرْ
وأخذ يجرجر الكلمات خلف ظهره كالسحالىْ
وعلّم اللغة أن تنام على الأرصفةِ
وتأكل وتشربَ
من مواعين الفلاحين
وسلاسل الدببةِ
مات نيكانوربارّا
الرجل الذى علّم الدموع أن تغسّل رأسها كل
صباح بالحنطة والزيتِ تماماً
وكما كان يفعل الحواريون فوق بحيرة طبريةِ
وأن تخرج من القواميس
وغرف الأسمنت
والبازلتْ
لتجلس – وبمفردها – على المصاطبِ
وكراسى الجريدِ
وهى تمضغ حكايات الفئرانِ
فى زريبةِ الخنازيرِ الوسخةِ هذه
والتى تسمى الدياناتْ ؟!
مات نيكانوربارّا
الرجل الذى صنع أغنيةً خالصةً من البوصِ
وأخذ يدور بها علي المقاهىْ
ودورالمسنين
ومستشفيات الجذامْ
وجمعيات المحاربين القدماءْ
ليجعلها فراشةً طائرةً
بحجم الكرة الأرضيةِ
أو كيس نشارةٍ ولب
مات نيكانوربارّا
الرجل الذى خلع بنطال العالم و كنسه بالمقشات
وأخذ يبول بضراوةٍ وضجرٍ
على كافة الدساتير المزيفة
والرأسمالية المتوحشة
وبروتوكولات حكماء صهيون
واقتصاد السوق الحر
وهو ينظر إلى عربة الركشا التى يجرها رؤساء
أمريكا الكلابْ
باعتبارها شخاخ أطفالٍ
فى مستشفى المجانين
مات نيكانوربارّا
الرجل الذى قال لله لمَ أنت ساكت على كل هذا الخراء
الذى يحدث فى العالم
تحرك لمرة واحدة على الأقلْ ياإلهى
وانزل إلى الدور الأرضى من هذه المزبلةِ الكونيةِ
لتعرف حقيقة العالمِ
مات
مات نيكانوربارّا !!
عن عاشقة 1300 ق.م
سألتنى صبية ذات يومْ
قل لى يا أبتِ
ما علة وجودنا على الأرضْ
المزامير راحتْ
والدف سرقه اللصوص
والشمس التى كنا نخبؤها بين جيوبنا
- ونحن أطفال فى المدارس الإبتدائية –
ألقوا بها إلى الجواميس والنهرْ
والملاعق التى كانت بين أصابعنا ذات يوم
صارت هى الأخرى فلاّيات للعجائز
والمسنينْ
وفى داخل المقابر المتناثرة فى كل أرجاء العالم
راحت تفتش عن حقيبةٍ منسيةٍ
لتركب أول طائرةٍ
وتسافرْ
هل تذكر يا أبى ما قالته نملة السيمياءِ العجوز هذه
لشجرة الجميز ؟!
لمَ تصعد كل هذه السلالم يا أبى
وأنت فى مثل هذه الحالة من الغثيانِ
وارتجاج المفاصلِ
أليس هناك من قمر رشيد ليعتمر قبعتَك
ويزرر لك ياقة قميصك
وفى آخر الليل يصحبكَإلى مقبرتك
لتتناول طعام إفطارك
فوق مذودك الخالى من التبن
والحكايات ؟!
الديدان تملأ الأصابعْ
وعلى أرضية السكك سمكةٌ عمياءُوتعزف كل ما تركه الأطفال
للحجارةِ
ألم يعد للزمن من صنادلَ أوكرّاكات ليلبسها فى رجليه
أو كراساتٍ يدون عليها مواويله
وأغنياتهِ
تلك التى نسيها المارةُ تحت أرجل الدباباتِ
والمجنزرات
فقط
أشجار ضريرة
تركتورات
وجرارات لمستشفيات الجذام
ومرضى الفشل الكلوىْ
والإيدزْ
خنفساء سداسية الشعرْ
ثمة سلاحف و تمرّ على الشرايين
لتراقب حركة الأورطى
وجمعيات حقوق الإنسان البلا عملٍ خالصٍ
فى خمسة مجلداتْ
ثمة حاملة طائرات أمريكية وتقف بالمرصاد
أمام عجلةِ الرأسماليةِ المتوحشةِ
لتراقب حراس ثورات الربيع العربي
أمام بنك اليانصيب
والحظ
رجال شرطة محافظة دخلوا
إلى الحكاية العمومية لجار النبى الحلو
وهو يرتشف قهوتة الصباحية
ليبحثوا عن ورقة من فئة المئة دولار
سقطت سهواً من مذكرات ديكتاتورٍ سابقٍ
فى دهاليز محكمة الجنايات الدولية
للصليب الأحمرْ
البريطانىْ
ماذا نفعل يا أبى فى كل هذا العالم
ولم يعد لنا من مكانٍ لنذهب إليه حتى ولو إلى
حديقة الحيواناتِ
أو السائل المنوى للبلهارسيا
أين هى الينابيع التى حدثونا عنها فى حكايات الجدّات والأرامل
وماذا عن الشرايين التى تجزّ عنق الوردةِ
فى الحديقة الخلفية للزمن
وما هو أصل كل تلك السيمفونيات الغرائبية
التى اخترعها الهنود الحمر على ساحل النسيان
وبوابات الرب العامرة بالقسوةِ
ولماذا يا أبى يموتُ الأمل على شكل صرصارٍ
ولماذا تحيا العناكب الملونة على جزيرةِ الديدانِ واللفتِ هذه
على شكلال هو
وال أنت ؟
هل كان حقاً عبد الحكيم قاسمْ يعزف على المزاميرَ
وقبل أيام الإنسان السبعة
وقَدَرِ الغرفِ المقبضة ؟!
وما هى حكاية امرأة أوريّا الحتىّ
الذى ألقاه النبى داوود فى سلةٍ للذبابِ
وقطّع رأسة بالشراشرِ
والبلطِ
وأصبح فريسة سهلةًللذبابِ
والبعوضِ
والقمّل ؟!
ولماذا ذبح القساوسةُ الجميلةُ هيباتيا رئيسة أكاديمية الفلاسفة
على شاطىء الأبيض المتوسط ِ
وتركوها فريسةًسهلة للوحوشِ
والمشاركات الشريرة ِ
وجرجروها فى الشوارعِ الخلفية ِ
لحلقة الأسماكِ
والحيتان
فى شوارع الإسكندرية
لأباطرة اللاحقيقة
وجداول الدم
والمازوكية
وأين ذهب كل أولئك الذين جلسوا إلى الرب لساعاتٍ
طويلةٍ
فى العشاء الأخير
ولم يتركوا لنا على الارض سوى كراساتهمْ
التى يبكّ منها الدم
وتمتلىء بالأكاذيب
وحيواناتهم المنوية السائلة بين الكوانينِ
وكيزان الذرة
وقوالب الفانتازيا
أرجوك
أرجوك يا أبىْ
إسندنى قليلاً
لئلا أقع فى الهاوية
فأنا
مريضةٌ حبا !!
أحذية عابره
أنهار
و جواميس
بقر
و شجرات جوز
حورُ عينٌ
وملائكة شداد غِلاظ
وهناك
ثمة ترعة مهجورةٌ
وتحت سقف بيت خربْ
وقارورة عطرٍ مغطاة بجمجمة عاشقةٍ
كلماتُ ملقاةُ على الطريق العام للإنسانية المزورةِ
تحت سقف نورجْ
قطارات بملايين القتلى والجرحى ومركونة فى زوايا النسيانِ
فوق عجلاتٍ مفسودةٍ
و سكك حديدٍ دائرية
مواعين
و فلَّايات
أحذية لمارة ٍعابرين
وضحكاتُ فاغرة الأفواةِ للمجدفينِ
و حاملى سيوف الربّ النورةِ
سيمفونية خراءٍ
و نظارات عميان
طاولة أناناسْ
و حديقة خربة
وخاوية على عروشها
كل هذا ورجل التذاكر الضرير
يجلس على الرصيف المقابل للإنسانيةِ المزورةِ
ليقطع تذاكر اللاعودةِ
لكافة المسافرين
وراكبى الدراجات الهوائية
من كل جنسٍ
ولونٍ
هكذا
هكذا
وجدتنى فجأة
أجلس وحيداً على شاطىء الرملِ
فى الإسكندرية
وألقى بكافة قصائدى إلى النهر
وأنتظر الترامواى العتيق
ليقلنى
إلى شاطىءٍ آخر
لأبعد عن عينى شبكة المجارى
اللانهائية هذه.
زهرة البستان
سوف نسهر الليلة طويلاً على زهرةِ البستانْ
وسوف نتذكر الراحلين معاً
من سيد درويش
وحتى نجيب محفوظ
وسوف يأتى نجيب سرور كعادته متأخراً إلى الحانة
لأنه كان يمارس الجنس مع امرأةٍ شرموطةٍ من الدرب الأحمرِ
تحت أعين رجال الشرطةِ
وحرسِ الحدود
وها هو ذا فاروق عبدالقادر بضحكتهِ الصفراء
يرصّ المقاعد
ويجهز الأراجيل لكل عابرى السبيلْ
بينما يجلس عدلى رزق الله
وكامل التلمسانىْ
على مقربةٍ من كتيبة رجال السلطةِ
وسندنةِ النظامِ العظامِ
وكتبة التقاريرِ اليوميةِ من المثقفين ومدعى الشعر والحداثةِ وما بعد الحداثة
وهم يرسمون وجه الشمس على مدينة الإسكندرية
فيما سانت هيلانة والإسكندر الأكبرْ
يتضاجعان تحت باب المنشية
وهما ينظران بتثاؤب
وأنفةٍ
لكل تلك الجيوشِ الجرارِة
التى أخذت تهب على المدينة البهيةِ
الإسكندرية
بدءاً من الفرسِ
والروم
ومروراً بجرارات المغول الشرسةِ
حتى إذا هدأت الظهيرة العمياءْ
وأخذ صيادو الأسماك
يركّبون شراعاتهم
و زوارقهم المنقوعة فى العتمةِ
راح الملكان الأبيضان
كليوباترا
والإسكندر الأكبر
يستعرضان كتائب الموتى
وخرائطَ المدن والبلدان
وهما يرتشفان الخمر المعتقة
من كأسٍ واحدةٍ
كان قد تركها أحد الفراعنة العتاة
فى مقبرةِ نفرتارى
ويشيران إلى التاريخ الأبيض والأسودِ
تحت منارةِ الاسكندريةِ
وها هو ذا خيرى شلبى قد جاء الآن متأبطاً
ذراع إبراهيم أصلان
من أجل أن يجلسا معاً
وفى ساعة العصارى هذه
فى انتظار أن يذهبا معاً إلى ترب الغفيرْ
ليدخنا الحشيش والماريجوانا
ويحتسيا معاً بول الأغنام والإبل
وهما يصورانِ الشمسَ
عاريةً تماماً
على دكةٍ خشبية
ويقفان على مشارفِ القلعةِ
ويتطلعان إلى المماليك
وهم يتدحرجون برؤوسهمْالتى يخر منها الدمْ
تحت أسفل القلعةِ
وداخل سجنها الكبير
فى انتظار أن يتدخل الرب لمرةٍ واحدةٍ على الأقل
فى التاريخ المحبوكِ بعنايةٍ
وقسوةٍ على
أوجه القتلةِ
واللصوصِ
يااااااااااه
لمَكل هذا الليلْ
ولمَ ترقص الظلمة
فوق كل هذه الجثث !!
الوداعَ
الوداعَ
يا إسكندريتى الحبيبة
حين أتى الإسكندر الأكبر بجيوشه الجرارةِ
وألقى بسفنهِ
ومواعينه
على شاطىء الأبيض المتوسطِ
لم تكن هناك سوى القواقعِ الفارغةِ
وطشوط الغسيلِ
وحبوبِ الرملِ المهدئةِ
وكيزان الذرةِ
وسنابلِ القمحِ المهلهلةِ
وظلت النوارس المهاجرةُ
تنحرالماء لثلاثة أيامٍ سويا
وعندما نظر الإسكندر الأكبر إلى البرج قال!
هنا سوف أبنى مدينةَ الإسكندرية
والتى سوف تحمل إسمى إلى الأبد
وسوف يأتى إليها
النجارون
والتجار
والبناءون
وكل صانعى السفن فى العالمِ
وسوف أستدعى كذلك
الأطباءَ المهرة
وعلماءَ اللغة
والفهارس
والنحو
وأساتذةَ الميكانيكا
والجبرْ
من كل حَدَب وصوب
وفوق كل حجرٍ
سوف أقيم بيتاً للفراشاتِ أو ساقيةً
لكى أُعمّر كل هذه الصحراواتِ
وسوف أبنى مدينة كاملةً على الماء
ولا مكان فيها للبطالةِ
أو الظلم
وسوف تكون هذه المدينة – الإسكندريةُ –
عروسَ الأبيض المتوسطِ بلا منازعٍ
وأيقونةَ الشرق والغرب على حدٍ سواءْ
فى هذه المدينة
سوف يسكن الأسد إلى جوار ظبى الصحراءْ
وسوف تأوى الأبقار فى الليل إلى جوار الدببة المسننة
لا مكان للخوف فى كل أرجاء هذه المدينة
وسوف تمارسون الحب علناً
وفى الشوارع
وسوف أعمل ملّاحاً من الصباح وحتى المساءَ
ولن أسمح لأحدٍ حتى ولو كان
ربّ الأربابِ نفسَهُ
أن يحمل سلاحاً
أو حتى حربة
العدل أساس الملك
والحرية ملك للجميعْ
وسوف تكتظ الشوارع بالمغنيين
والمغنيات
والراقصين
والراقصات
وحتى عازفى الدفوف
والماندولين
لقد مضى زمن الخوف من الموت إلى مالا نهايةٍ
وسوف تكون الجميلة كليوباترا
هى الراعى الرسمى للديانةِ المصريةِ القديمةِ
من عبده آمون
و إخناتون
وحتى حور محب
وسوف يكون إله الشمس
آمون رع
هو سيد الأرضين بلا منازعٍ
وسوف نجمع الآلاف من الكتبِ
من آسيا الصغرى
و أرمينيا
و أذربيجانْ
وبلاد فارس
وما بين النهرين
لتكون الإسكندريةُ هى حجر الزاوية
فى كل تواريخ هذا العالم
وقبلة العلماءوالفلاسفة
والمهن التطبيقيةِ
وأصحاب المحاورات
وفوق جزيرة قاروس هذه
سوف أشيد منارةً
لتكونِ قِبلةً للبحارةِ
والنواتيين
وصيادى الأسماك واللؤلؤ
من كل فجٍ
وسوف أضىء شوارع الإسكندرية فى نهاية الأمر
بالفوانيس
والمشكاوات
وأقيم المهرجانات كذلك للشعراء
ورواة الأحاديث
وعازفى الطبل والدفوف والمزاميرْ
لتكون الإسكندرية فى نهاية الأمر
مدينة المدائن
وقِبلة الشرق والغرب على حدٍ سواءْ
ولما حضرته الوفاه
ونظر إلى الأبيض المتوسط قال
الوداعَ
الوداعَ
يا إسكندريتى الحبيبة
وداعاً
للإسكندرية التى أحبها بعمق !!
الفراشة
سنقتسم معاً رغيف الخبز الجاف
وكسرةَ الملح الراجحة
مثل عاشقٍ
و عاشقةْ
أنت تلعبين بالفراغِ كالفراشاتِ
وأنا أطارد النمل
والقطط
فى الشوارع الخلفية للزمنْ
ومطاعمِ الفقراءْ
وكالمحمومِ دائماً
أعلُق قمصانى فى الهواء النازف على السكك
وأنتِ تنزعين عنك ثيابك الداخليةَ
وماضيك المشبع باليأسِ والرطوبةِ
وضراوة الفانتازيا
على فلقة بطاطسٍ هرمةٍ
أو دودةٍ نادمهْ
أنفك جزيرة من الشهوةِ الغامضةِ
وشعر رأسك عليك مثل غابةٍ من الكريستالْ
كلماتك من ضحى الأغانىْ
وخطواتك على الطريق
شجرْ
بللوا
شعرها وقبل أن تنام بالبنفسج
وعلى أودية النهارات العميقة لليل
قولوا لعين الشمس الجارحةِ أن تنتظر بالباب
فمحبوبتى تغطُّ فى النومْ
دلكوا جسدها بالمواويلِ
والدفوفْ
واكتبوا
اكتبوا كلماتها على الجدرانِ والنوافذِ
خشية أن تسرقها الريح
أو يأخذها اللصوص فى الليلْ
واقرؤها
إقرؤها لأولادكم
فى الصباح
والمساء
مثل صلوات الرب الغامضة
وموسيقى الهنود الحمرْ
وقبل أن يجتاحهمْ طوفان البرابرة بالأحصنةِ
والحراب المسننةِ
والخناجرِ
حبيبتى التى تغترف من الدمع طائرةً ورقيةً
وتذهب إلى البساتين
أمس
كتبت لك قصيدةً جديدةً
وقعدت على الأرصفة لكى أغنيها لكل عابر سبيلْ
ولذوى الاحتياجات الخاصةِ
من أصحاب البنيوية
والتفكيكية
وسراقِ الحداثة
تحت سقف الجوعِ
وفقر الدمْ
- أنا لحبيبى
وإلىّ اشتياقه
حبيبى مدّ يدهُ من الكوّة فأنّت عليه أحشائى
شعر حبيبى أحمر و أبيض
ومعلَّم بين ربوةٍ –
شفتا حبيبى جنتان من أعنابٍ و نخيل
أنف حبيبى عسل نحلٍ وأرخبيلاتْ
خد حبيبى أرجوانة و مالها مثيلْ
إسقنى خمرتك يا حبيبى فأنا لستُ من أهل هذه البلدةِ
وها هو ذا الليل قد أقبل و انطفأت كافة المصابيح
فى السكك
وهدّنى التعب من السير
فى الأزقة
وغرف الكوابيس والدفن
أصدقائى
همُ
همُ
تركونى فى السكك مثل طائر يتيمْ
وما اخترعوا لى ولو كلمة واحدةً فقط
أو حتى حكاية منسية لكى تبل ريقى
أو تسدّ ظمئى إلى البابْ
وفى الليلْ
لا أجد من يسأل علىّ
أويطرق علىّ حتى باب غرفتى
قتلتنى الوحدةُ الضريرةُ
وهدّنى الضجر مثل فرس بجنازيرْ
ليس لى سوى عينيك المبهرجتين
كشفيعتينِ
أو كشمعتين باذختين فى سراديبِ الكهوفِ والعتمةٍهذه
وهى تكشف لى عن غابةٍ من الحليبِ
و الفحمْ
أمس
أمى ذهبت هى الأخرى – إلى السوق
ولن تعود أبداً
وفى يدها سلة من الغلالِ
والزيتِ
وكيزانِ الذرةِ
وأوائلِ الشعير
وأبى
راح يسأل عنى فى السكك
وتحت قارةٍ
غارقةٍ
إخوتى تركونى هناك فى الجبّ
وداخل مصنع الأسمنت
والحديدْ
مع الذئب فى الفلاةْ
فا لتقطنى بعض السيارةِ
وباعونى بثمنٍ بخسٍ
دراهم معدوداتٍ لتاجر روبابيكيا
آهِ
يا حبيبتى
يا كاملتىْ
كلماتك تسمع من بعيد
وكلماتى على الطريق صفٌ من الدموعِ
على رأسىْ وضعت علامةً على المحبة
حتى لا يتخطفنى الطير
أو تهوى بى الريح فى مكانٍ سحيق
وأنا
أنا تهت فى السكك
أخدنى الحرس الطائف فى المدينة
وذهبوا بى إلى القساوسة والحكام
ورجال الشرطة السرية
سألونى
عَنْ رقم هويتى الشخصية
و عنوان بيتى
ومن هذه العاشقة التى شغلتك حتى عن ال ...
وجعلتك تدور فىالسككِ كالضالين
أنا
لم أخبرهم بشىء
فقط قلت لهم
ليس كمثلها شىء
ضربونى بالسكاكين
والبلطِ
قطّعوا أرض روحى بالجنازير والشراشرْ
وحتى ما عدت قادراً على السمع والكلامْ
بصقوا فى وجهى ألف مرة
مزَّقوا أوردة نفسى بالأحذية
والخرزانات
فما نظرت نحوك قط
يا حبيبتى
يا كاملتى
حتى لايدلهم أحد عليكِ
لم أحدثهم سوى عن عينيك اللتين تسكنانِ فى السماءِ
وتقيمان لوحدهما فى الغابةِ
وهما ترافقان القمر فى الظَهيرةِ
والشمس فى عز الليل
عن أغنياتك التى سرقها الغجر الرّحل
وباعوها فى الأسواق
عن شفتيك المطعمتين بالحليب والنعناعِ

عن خطواتك التى تبثّ على الطريق طلاسم
وبنفسجاتٍ
لا
ولم أحدثهم ولو لمرة واحدةٍ
عن رغوتك التى تسيل على الجدران والنوافذ
ولا عن كلماتك التى يحفظها الربّ عن ظهر قلب
لا
ولم أحدثهم كذلك عن رغيف خبزك المحروق
الذى تصنعينه من عرَقَ المحبةِ و عجين ضحكاتك
لا
ولم أحدثهم كذلك عن رنة خلخالك
التى تصلح قاعدة للأغانى والمحفوظاتْ
من رأى منكم وجه حبيبى فليدلنى عليه
أنا تعبت من البحث عنك
والسير خلفك فى السكك
وعلى المنحدرات
وقمم الجبال
صباح الخير أيتها اللؤلؤة
سأستقبل حبيبتى بفمٍ باسمٍ
وأحدق طويلاً إلى عينيها السيدتين
وردفيها المعجونتين بالحليب والقشدة
وأقول لها
صباح الخير أيتها الوردة
اليوم قررت أن أخرج إلى الأسواق
لأشترى لكِ سمكةً وحيدةً
فابتلعنى الحوت الأكبر فى اليم
الحوت الذى سرق منى خبز شفتيكِ
وعجين سرتكِ
وفرض علىّ الإقامةَ الجبريةَ هناك
خلف الأسوارْ
والدبابيس
آهِ
الحوت الذى سرق منى حليب أيامى الصافى
ليجعلكِ له أمَة
و متوجة
هناك فى الأقاصى
ماذا أفعل أنا فى كل تلك الخيبات
أنا سوف أسرق لك الزمن
بكل أراجيحه
وصناجاتهِ
لتعلقينه كحليةٍ استراتيجيةٍ تلبسينها هناك
بين المقابرِ
ضد المراراتِ
والوحشةِ
وسوف أدور – كذلك – على كل بيتٍ
من بيوت أهل هذه البلدة
ليعلقوا صورك على الجدرانِ كالأيقوناتِ
وسوف أجلب لك من بنات فارس الأسطوريات
فراشةً واثقةً
لتنام هناك تحت عريشتكِ فى الليل
وبالنهار
تغنى لكِ أغنية مرحةً عن الربيعْ
وعشب الجنات
وعنبِ المواسم
وتضع تحت رأسك كافة النجوم فى الأفق
كى لا تخافى يا حبيبتى
يا كاملتى
من الكوابيس
وقططِ الله المفزعة
وحراس المقابر الليلية العميان
وبائعى الجثث لطلاب كليات الطب وأكلة لحوم البشر
آه
أيتها الحبيبة باللذات
ما أنت إلا الزمن
ذلك الحارس اللعين
بعويناته المدربة جيداً
على القنص
والقتل
وها أنتِ ذى تخبئينه بين جلاليبك
وقمصان نومك
مثل وردةٍ
أو ياقطينهْ
وعلى أوردة روحك التى تنز بالمسكِ
والمخاوف
والتى قطّعها الأطباء بالمشارطِ
وأنابيب المصل واللقاح
يقف التاريخ كشاهدٍ أخيرٍ على بزوغ شمسكِ
المبقعةِ بالدمِ
وغرفِ العنايةِ المركزةِ
و تكويمات الريح الغادرة فى المدن والبلدانْ
إسقنى خمرتك
يا حبيبتى
ياكاملتىْ
فأنا تعبت من العطش والسُّل
كونى شجرةَ ظلى الأخيرةَ
ورغيف خبزى
وقمحى!!
كونى حنانات روحى المشققة من أجلِ أحزانك
وكلماتك
وكل نوافير سككك العطشانةِ
يا كل حدائق أيامى المنكفئة
على الطرق
مثل قارورة فارغةٍ
أو مثل كرةٍ مطاطية يلهو بها الأطفال فى الحدائق
كونى مثل شريحةٍ بلاستيكيةٍ أخيرة للزمن
وأنا
سأكون لك شجرة نبقك الدائمة الخضرة
وحارسك الليلى الأمين
وقبل أن ترحلى تماماً ونهائياً عن هذا العالم
ماذا سأقول لأمى إن هى سألتنى عليك
ما هو شكل حبيبتك قل لىْ
ما لون عينيها أجبنى
يا صناجتى الأخيرةَ
وجرة مياهى المندلقة
تحت السكاكين
إرقدى
إرقدى إلى جوارى يا حبيبتى يا كاملتى
لليلةٍ واحدةٍ على الأقلْ
وفى سريرٍ واحدٍ
الأصحاب يسمعون صوتك من بعيد
وأنا هنا أنتظرك على السكك
وتحت أصوات سيارات الإسعاف
وعربات دفن الموتى
ربما نغسل عن القمر بعض تشققاتهِ
وتعب مفاصلهِ
وربما نزيل عن الشمس كذلك
بعض ضلالاتها
أو خيباتها
لايهمْ
ويحسن بك أن تقولى للزمنْ
توقف عن عملك أيها المراوغ اللص
ولو لمرةٍ واحدةٍ على الأقل
فما زال على الفجر بعيد
وأنا سأقول للزمن يالك من حطّابٍ وأعمى
إنتظرنى
إنتظر أيها الزمن
فأنا لم أنشّف بعد ظهر حبيبتى كاملتى
بالقبلات
والقناديلْ
أنا لم آخذ بعد حبيبتى كاملتى فى حضنى لأنام
إلى أن تقوم الساعة
أو حتى تطلع الشمس من مغربها
وأنتِ
أيتها الشمس الضريرة
إتركينا هنا لوحدنا
وفوق كل هذه الأرض
ذات يوم ذهبت إلى أريحا كى أرى المصلوبَ
وصعدت إلى شجرة سمعان الخرّاز
لم يكن حولى أتباع
ولا حواريون
ولا رأيت النور فى السككْ
أو حتى طقاطيق الأرض
فقط
تحولت الأوراق إلى كلمات مبعثرةٍ
والناس يدوسونها بالجذم
وراحت القصائد تتنطط على الجمرِ
وأخذت تشهق وتبكى
أيتها الأرض الملعونة
كل البشر أخوه
السلام
والحب
طريقان وحيدان إلى الله
الخلاص فى الذات
والخلاص بالذات
تلك هى الحقيقةُ الراسخة
ما جدوى الزيت إذا كانت القارورة مكسورة
وما جدوى جرة الماء
إذا كان النبع فارغا ؟!
تصور ما عن العالم
اليوم طرأت على ذهنى فكرة مجنونة تماماً
كيف أجلسها على ركبتىّ
وأحدق طويلاً إلى مخابئها الليلية
وسراديب قمصانها
ومحلات أحذيتها
وقلاع حكاياتها الموشومة بالأساطير
وكل تلك الممرات السرية التى تخبىء فيها قصائدها
وبعيداً عن كل فئران السكك
ورجال المخابرات العامةِ
وأصحاب الدقون الكلاب
والمؤسسات الدينية
ولصوص الله الخونة
وكتيبه الشعراء الكذبة
وكيف أكتب على أبواب
قلعتها المصفحةِ
احبك أنتِ
بالذااااااات
ياوفائى!!

الوحدة كلبة عجوزْ
دعها تهز ذيلها
أو ترقد طويلاً على الرصيف المقابل للعالم
لن أقدم لها قطعة خبزٍ واحدةً
أو قنينة ماء
ربما سأوى الى جبلٍ رشيد
فى آخر الليل
ومثلما فعل موسى من قبلُ
لا لأبحث عن عليقهً
أو أى شىءٍ
وإنما لأظلّل بجدران الزمن الفقيرة إلا من اليأس
ربما سأكتب قصيدةً جديدةً عن هذه المرأة أو تلك
ربما سأجمع الحطب مثل أبى لهب منكافة الصحارى
وأتمرغ طويلاً على الجدران
أنا
لا أفقه فى اللغةِأى شىءً
ولا أعرف ما هى حقيقة الرب بالأساس
غير أنى أعرف كيف أجمع قطرات الماء
قطرة قطرة
من فوق أعشاب جسمك الطافحة بالشهوة
وقد أصنع من الوحدةِ
فراشةً
مغامرةً
لتقف على شرفة نافذتكِ
الوحيدة
لتقول لك
وبعنايةٍ فائقةٍ
أنا رسولة ذلك الشاعر الضلّيلإليكِ
لتأخذك فى رحلةٍ
خلويةٍ
إلى عين الكوثر !!
لم يبق على الموت غير رصيف واحدٍ
لنعبره إذن
أنا وأنتِ
فى ساعة واحدةٍ
ولنتوكأ على فتيلة الضوءِ الناشفة هذه
ولنأخذ بعصا الرغبةِ إلى الخبازة
أو سائقى الميكروباصاتِ
والتكاتك
أنت يا محبوبتى
تمسكين بيدى وأنا أنحدر ناحية الهلاك
لا تدعينى أتوكأ على كل هذه الطيور المهاجرة أوتلك
فقط أريد أن أستبصر العالم من خلالِ
حوانيتكِ أنت
أن أخرج من بقع الفلين و محاور الغبار هذه
لنحدق جيداً إلى عين الشمس الحمئة
ولننعم معاً بسلام الروح الخالصِ
وسلام المعرفة الكاملة
أنتِ نقطة البداية إذن
فمن يقف هناك على الشط الآخر ليستقبلنا
ويهيىء لكل تلك السفن
مرافىء الغرق!!

متوالية غير هندسيه
فى الليلِأمضيت حياتى على الورق
أنا أمضى حياتى على الورق
لا يهم
أو لافرق
لا فرق فى أن تكون غيمةً أو عربة روبابيكيا
لا فرق فى أن تكون كتاباً مقروءاً
أو حتى فردة حذاء على الرصيف المجاور
من يهتم بى أوبك
وأنا أكتب الأشعار كل ليلة على أوراق السجائر
وعلب الصفيح
وأطارد الأحلام الجوالة مثل ساعةٍ بزنبرك
وها أنذا أشرب الشاى
وأدخن الأرجيلة
مثل بعوضة لزجةٍ
لا أنظر إلى شىءٍ
ولا أثق فى أى شىء
الزمن هو انعدام المعنى
ماذا يفعل رجل المقهى الجالس أمامى على الرصيف
سوى أن يحك بيوضه
بعملة مزورةٍ
وبنت القحبة اللئيمةعشيقتى سرقتنى و هربت هى الأخرى مع شخص آخر
وتركت لى عدة كلسونات قديمة
وقميص نوم فاخر
وثلاثة بطاطين
وأرنباً مذبوحاً
وأنا فى كل ليلةٍ أشاطر الكوابيس لعبة الأستغماية
ولا شىء فى جيبى سوى صورة قديمةٍ لمريم العذراءْ
أنا صنيع التقيؤاتِ البشرية
وغلطة السائل المنوى الأحمق
فى حظيرة الحيوانات الراسخة هذه
من سيعبأ بإنسانيتى التى تُداس بالأقدام كل يوم
فى طفولتى
كنت أقشِّرُ القصب وأرصُ الأحلامَ فوق بعضها
مثل قوالب الطوبْ
لدرجة أن هذه الأحلام كانت تبيض و تفقس فى السكك
بعض الأحلام تحول إلى دراجات بخاريةٍ
والبعض الآخر قد سقط فى ذريبةِ الخنازيرِ الوسخةِ هذه
وكثيراً ما كنت أضحك من نفسى وأقول
أنا منزلُ الأحلام المجاور للشيزوفرنيا
وفى الصبح
كنت أجمع كل هذه الأحلام كالقطط الميتة
وأرصها بعيداً عن أعينِ المارة
لئلا يضربونها بالقباقيب
أو يخلِّعون لها أظافرها بالشراشرِ
ولكنها الأحلام
تبيض وتفقس فى الشوارع
وأحياناً
على طاولات المقاهىوغصباً عنى
وفى أحيانٍ آخرى تهرب بذيولها الورقية
إلى قلعه محمد على
أو حديقة المماليك المجاورة
لا لشىء
إلا لتلعب الحجلةَ هى والشمس
على طبق بلاستيك فارغٍ
عند كنيسة سمعان الخراز فوق هضبة المقطم
وتحت عينى السيدة مريم العذراءْ
بالفعل!!
الآن
أتناول طعام إفطارى بمفردىْ
لاشىء سوى الوحدة الشرهة التى تقاسمنى الملاعق وأرغفة الخبز
الوحدة التى تبصُّ لى بعينيها الجارحتين
وتمد أصابعها الإسقربوطية فى حنجرتى وعند الظهيرة
وفى كل ليلةٍ
تنام معى على الأرض وربما تمد لى ذراعها البردانةَ تحت رأسى
المكدسة بالكوابيس
والنمل الأسود
وربما تسد علىّ كافة المنافذ
صارت الشبابيك قضباناً وأوعيةً دمويةً
لماذا تطرزين أصابعك أيتها الوحدة حتى على الجدران وأطباق الأكل
لا قمر هناك ليتسلل إلى غرفتى
ولا شمس هنا يمكن لها أن تخلع سراويلى المبللة
على شاكلتى بالنهارِ
إنظرى يا سمكة الوحدة الضريرة
ها هو صنبور المياه قد تعطل
والمدفأة قد فرت هاربةً من البرد
ولم يعد لدى سوى تلك الآلة الحاسبة التى تشير على
أن أمزق ثيابك
الذى اشتريته من حانوتى قديمٍ
لاينام إلا فى مقبرة الغفيرْ
فماذا أفعل بك سوى أن أتركك
للوحدة
أيتها الوحدة؟!
أل هؤلاء
نزلوا إلى أرض الله لكى يأسروا الفوانيس
والفراشات
نزلوا إلى أرض الله لكى يقولوا للدببة الجائعة أو لذبابةٍ عمياءْ
أنتِ مرجعُ أساسى فى علم تحرير الشعوب
والإرادة الحرة للجماهير
نزلوا إلى أرض الله لكى يكسِّروا القمر بالمعاول
ويضعوا الشمس فى حظيرة الحيواناتِ
أو يردموا عليها بزبل الأغنام وشخاخ الجواميس
فى حفرةٍ تحت الأرض
نزلوا إلى أرض الله لكى يحولوا الليل
إلى طاحونةٍ خربةٍ
ويفقأوا أعين النجوم بالشراشر
ترى
أين ذهب كل هؤلاء ؟!
لا شك أنهم ماتوا فى ذريبة منسيٍة.


جرس إنذار
الوحدة
تطل برأسها عبر الهاتف
والهاتف لا يرنْ
السماء معقودة الذراعين
والقلل القناوى خالية حتى من الظل
لاشىء يخبط على الباب
حتى ولو كانت كلبهْ
القفل الذى أعلقه على البابِ يصنع
شاياً وأشربه
ويتناوب الضحك والبكاء
حتى مع كل هذه الغرف المقبضة
ثمه حمار تحت نافذتى ويهز ذيلهُ الطويل بتؤدةٍوأنفةٍ
لعله قد رأى المسيح فى الأفلام
أو وهو يصعد على الجلجثةِ
فوق مؤخرة يهوذا الإسخريوطى
ماذا تفعل حبة البطاطس هذه على المائدة
لعلها أصيبت بمرض الزهايمر
أو فقر الدم
أوربما سولت لها نفسها أن تظل
هنا على قيد الحياة
إصرخ إلى نفسك
إصرخ إلى السماء
لا أحد هناك سوف يجيبْ
لا أحد هنا ليجرجرنى من هدومى
ويلقى بى إلى الشوارعْ
أو حتى يأخذنى لأقرب مقبرة
لاشك أن الموتى الآن
ينعمون
بالألفةِ
والمجاز ؟!
أنا تعبت من كل هذه الحياة الكلبةْ
أنا
تعبت من كل هذه الحياة الكلبة
الحياه الوسخة بجد
الحياة الأكثر من برازِ امرأةٍ شرموطةٍ
وحقيبة طفلٍ مناوىء
أريد أن أجلس إلى جوارى في الظل
وأرتب أوراق نفسى وهى تتنقل من قارةِ غارقة إلى قارةٍ غارقة
ومن حديقة حيوانات لزجةٍ
إلى عنبر من عنابر النوستاليجا
لماذا نشعر بالضجر دائماً ونحن نفلى عين الشمس التى لا تنام أبداً
فى النهارْ
أجلس على أريكة الميتافيزيقا
وبالليل أرتب شعر خنفساء مجروحةٍ
فوق السطوح
من يقول لى
إن هذه الحياة الكلبة وبصدق
هى هى نفس الحياة التى أريد أن أبتكرها
وعلامَ تنظر هذه الشجرة وهى تحدق إلى أريكةٍ فارغةٍ
فى الظلام؟!
فى جيبى وضعت كافة ذكرياتى المرحة
عن أجولة الطين
والقش
وخمارات السوق الداخلى
والخبز الحافى لمحمد شكرى
وحمالة الحطب
ورحت ألعب النردَ أنا و الفوضى
على يسار الساقية المعطوبة
للطفولة المنسية على ظهر حمارٍ أعرج
ونوارجِ القمحْ
ماذا تقول هذه الشجرة عن كل تلك القصائد
التى تنزو على جلباب الطبيعةِ
التى أخذت تجف
أنا سئمت من الذهاب
والإياب
سئمت حتى من كتابة الأشعار الخائبة
عن الجسد
وتكعيبية بيكاسو
واسطقسات السورياليين العظام
وعن محكمة العدل الدولية التى راحت تتخصص
فى بولِ الأغنامِ
والإبلِ
وروثِ الخنازيرِ
ونكاحِ الموتىِ
وفى نهاية كل تلك الرحلة لم أجد غير قمصانى المبقعةِ بالدودِ
وفردتى حذائى
التى تمتلىء بأعشاش الدبابيرْ
والخنافس
علام تضجون بالضحك أيها المراءون الكَذَبةُ
يا أبناء الكلاب
فى زمن الفوضى الخلاقة هذا
أنا
وعندما أصل إلىِ محطة القطار هذه
سوف أضع كافة قصائدى فى سلةِ مهملاتٍ خربةٍ
وأدعو كافة السحالى الصيادة والفئران المجنحة
أن تبول بضجرٍ و حميميةٍ
على كل تلك القصائدِ التى لم تقدم شيئاً للإنسانية المزورةِ
سوى كومةٍ من الأنقاضِ
والوساخات
لا
لا
لمْ يعد فى برزخ الروحِ من تفاوتٍ
سوى قارورةٍ منفرقةٍ
أو ربما مكسورة
ومحملة بذكريات الموتى
و جثث التاريخ
وشوارع الجغرافيا المنفية إلى أقصى محلاتِ الحلاقةِ
بى رغبةُ فى الصراخِ لحد السمواتِ السبعِ
وعندى رغبة كذلك فى البكاء لحد التبول الإرادى
واللا إرادى
على العالم الحىّ
والعالم الميت على حدٍ سواء
أشعر أن كينونتى زائفة
وحياتى معلقة فى رقبةِ فأرٍضالٍ
أن أحجار روحى الصخابة تنزلق وبضراوة ناحية المستنقعاتِ
أو داخل مطبخ من مطابخِأمنِ الدولةِ التى تغصّ باللصوصِ
ولاعبى الشطرنج فوق أكياس القانون الدولى للعدالة المنكوحة
أن الآب
والإبن
والروحَ القدس
مجرد أكاذيب أو أدوات زينةٍ فوق مائدة منمستنسخات بشريةٍ
أو كعلف زائدٍ عن الحاجة تماماً
فى الشوارع الجانبية سوف يسقط الكل
فى بالوعاتِ العولمةِ الوسخةِ
والتجاعيد الكونية
ومرضى اللوغاريتمات المحبوكة بعنايةٍ وصدقٍ
على مرأى ومسمع من الرب ذاته
وحكايات الجدات
أن حياتنا الوسخة هذه سوف
تمضى إلى الموت بثبات امرأةٍ حائضٍ أو جنيةٍ تخرج من تحت عرش الماء
لا أحدَ يعود أبداً
ولا أحدَ يرجع من هناك نهائياً
ورغم كل ذلك
نواصل الضحك والبكاء
وبقلبٍ مفتوحٍ تماماً
فى سوق الروبابيكيا الكونية هذه
أريد أن أضع روحى فى جوال مخرومٍ
وأحملها فوق رأسى كالمخدّاتِ
أو فوق دراجةٍ هوائيةٍ
و أدور بها فى الشوارع والسكك
ربما أصعد بها إلى جوار ذلك الجالس هناك على العرش
أو كل تلك الخنافس التى تملأ السكك
والشوارع
أو ربما ألقى بها تحت أرجلِ المارةِ
وأقول لنفسى
لمَ كانت البداية إذن
وما هو شكل النهاية بالأساس
وما هى حكاية التاريخ الأرجوانى هذه
وعلى أية رقعة شطرنج يجلس الله مع الشيطان
وهما يصنعان كل تلك الأكاذيب اليومية
فى مبولة اللاجدوى
آهِ
ماذا فعلتُ لكِ يا أناى الزائفة
سوى البحث عن أغنيةٍ قديمةٍ
كان قدنسيها المارة
داخل حظيرة خنازيرْ
أطل من النافذة
فأرى العالم فأرةً
والسماءَ أرجوحةً
وبلا أنشوطاتٍ
وأقول لنفسى لمَ لا استقل هذا القاربَ الشراعىّ
إلى شاطىءٍ آخرَ
لمَلا أنأى بنفسى عن أناى الزائفةِ المستهلكةِ هذه
أناىَ التى تربط الليلَ إلى سن أبرةٍ
وتكوم النهار فى سلةِ باذنجانٍ
فارغةٍ
وفى الحاراتِ الضيقة الخربةِ
أرعى العجائز و المسنات
كل الشوارع لها رائحة الموتى!!
ترى
أين ذهب كل أؤلئك الذين قابلتهم
فى دورات المياه العمومية
فى بركة السبع
وبلدةاسطنها
وتلبنت ابشيش
لا شك أنهم ماتوا
تحت أرجل الرأسمالية المتوحشة
أو فوق جبل الطورْ
موسى فوق الجبل
والِعليقة هناك فى قلب دير سانت كاترينْ
والربّ ينزل الى السماء الدنيا فى موكبه الرسمى
لكى يرعى المارة
ويطل على العالم من نافذةٍ مخرومةٍ
أحياناً ما أقول لنفسى
آه يا روحى الدبقة
ياأرض أحلامى البورْ
آهِ
يا أرض نفسى التى لم يغرس فيها أحدُأبداً ولو شجرةَ سنطٍ واحدةً
أو حتى حبةَ فاصوليا خضراءْ
ماذا أفعل أنا بكل هذا الخراء اللاإنسانى
الذى يبدأ من الصفر وينتهى على مقهى من مقاهى الدرب الأحمر
وأنا أقود مزولتى المتوقفة عن العملِ
وأركب عربة روبابيكيا
فى الشرق دائماً لاشىء
فى الغرب دائماً لاشىء
فى انتظار رحلة العودة
إلى اللاتصانيف ؟!
أزقة معتمه
ما الذى أفعله أنا بكل هذا الخراء الغويط
الذى ينحدر بداخلى ؟
ألعبَ الحجلة أنا والعناكب المسوسة على قاع نملةٍ عمياءْ؟
أنتظر النهار المبقعَ بجلابيبهِ المعوجةِ
على سقف طاولة مخلّعة؟
أتنزه وحيداً على الأرصفة الخربة لخفافيش الذاكرة المهجورة
فوق قارةٍغارقةٍ
أو جثةِ امرأةٍ متفحمة فى مقابرِ الصدقةِ
فى انتظار يوم الدينونة الأكبر
وأنا أضع يدى فى جيبى
وأكتم أنفاسى المكتظة بالهلاوسِ
والمستنقعاتِ
عن الجنةِ
والجحيمِ
وعذاب القبرِ
والخفافيش الصارّة فى جنةٍ عرضُها السمواتِ والأرض
وليس فى جعبتى سوى رغيف خبزٍ جافٍ
أو بصلةٍ منسيةٍ ؟!
أنا العاجزُ الضليّل تحت شمس هذا العالم الحرجة
أنتظر لقمة راسخة من الله الرابض هناك تحت سقفِ المائدةِ
وهو يبصُّ لى بعينيه العنكبوتين
وخراطيمِ الأمسِ المدورةِ
والمصنعةِ فى مصنع اللاجدوى الحارّ
أنا الباحثُ عن الحقيقة
فى الكوانتم
والفمتوشخرة
تحت أرجل الخيلِ المسومةِ واللامسومة
وبناتِ الحور
المزركشة بالذهب والفضة
أنا الطارقُ الأبوابَكلها بحثاً عن الزمنِ الضائعِ
أو خرائطِ الروحِ الإنسانيةِ
ومكعباتِ اللذةِ الغامرةِ
فلا أعثر على أى شىء
حتى ولو كان قرش صاغ واحدٍ لأذهب به إلى المراحيض
العمومية فى نهاية رحلة القطار الدولى
السريع الذى لا يتوقف
إلا أمام المقابر المهدمةِ
فى منشيه ناصرِ!!
من ينظف لى جريدتى الرسمية من كل ما علق بها
من خزعبلات
سوى فئران المخابرات العامة
وسحليات الفراغ الهرمةِ
وها أنذا
أدحرجُ الشمس عن يمينى
وأدوسها كالعلكة تحت صندلى المعوج
أخرجى عن مدارك أيتها الدكناء اللعينة
أو تكسرى تحت قدمىّ كالدماملِ
إلى بضعِ سيمفونياتٍ
وأخاديد
لكى تتوقف عجلةُ الزمنِ الرثةُ هذه تحت حائط مبكى
فكينى من أسرك أيتها الساعات المجوسية
من كل محاريثك التى لا تتعطل أبداً
وها أنذا أخيراً
أرقد على العشب المبلولِ كتمثالٍ خربليسوع المسيحِ
وأقول بصوتٍ صارخٍ
ماذا صنعت بنا أيها الربّ
ولمَفعلت بنا ما فعلت
أنت تقول فى نفسك أنا صنعت العالم على مقاسى
وبلا خطأٍ واحدٍ
وأنا أقول لك
عالمك هذا مملوء بالخراءِ
من حقنا عليك أنتسمعنا
أيها الديكتاتور
الأصم
الأبكم
ولو لمرة واحدة على الاقل!!
أكشط من على هواء الذاكرةِ الأحمر ملح الأنوثة الجاف
وخبز الممياوات المحمر
وأتنشف بالمرئى
واللامرئى
من هنا
ومن فوق هذه الأرض
ومن على شاطىءِ البحرِ الميتِ بالذاتِ
وأقول لنفسى
لمَلا يجرب الرب نفسه مرارة الفقد أو الموت
نحن لعبته المفضلة
والتى يتسلى بها ليل ونهار
مثل مجموعة من الفئرانِ الضالةِ
أو قطعِ الفخارِ
فى قصرة المنيفِ الأطلسِ هذا
من يفك خيوطَ هذه اللعبة المدوية
والتى تتكررُ من الأبد إلى الأزل
وإلى ما لانهاية
الله فى ناحية
والشيطان فى ناحية أخرى
وأنا بينهما مثل كلب راسخٍ وبلا إرادةٍ واحدةٍ
أوحقيقةٍ مؤكدةٍ
وماذاعن الفصل الأخير فى هذه المسرحية الفجة ؟!
وأنتِ
ياروحى الدبقة
إنتظرينى هناك على الممر الأخير لميتافيزيقا العدم
ومملكةِ النسيانِ هذه
هكذا رحت أقول لنفسى وأنا أصرخ إلى الجدران
والنوافذِ
وبقايا الأرصفة المهروسةِ بالدم
وأنتَ
أنت أيها الألمُ العجوزُ
عليك أن تتوقف عن السير فى الشوارعِ
ولو لدقيقة أخيرةٍ
ريثما أتعلم أن أعدّ على أصابعى
أو أجففَ الدمعَ
بيدٍكسولةٍ
وفمٍ أدردٍ
على جزيرةِ النسيانِ هذه
أيها الألم
ياصنو المتاهة
عليك أن تتعلم كيف تطحن صخرتين مبللتين
بيد واحدةٍ
لكى تعرف ما هو الفرقُ الحقيقى
بين الكلمةِ
والصورةِ
بين حقيقةِ المجازِ
وأركيولوجيا الموت
عليك أن تتعلم معنى السفر فى الليل بين الجدران
لكى تكون لك غرفة دفنٍ وحيدة
فى أعلى السطوح والبنايات
عليك أن تعلمّ ذاكرتك كيف تكون صالحة للنشرِ
بين الجرائدِ
والمجلاتِ
وكثيراً ما كنت أقول لنفسى كذلك
من هوذلك الميكانيكىُّ الفذ
صاحبُ السقالاتِ
والدروعِ
بعرض الزمان والمكان
والذى يرفع بجرافاتهِ المتوحشةِ
كل تلك الجثثِ والأنقاضِ
من قلبِ البيوتِ
والشوارع والسككِ
ومن تحت أسفلِ الكبارى
وعلى شواطىء الأنهار
وقيعانِ البر والبحرِ
لمَأصلاً كانت كل هذه الحياةِ الوسخةِ
والتى لا تصلح إلا كزريبة خنازيرْ
وأنت أيضاً أيها الألمُ العجوزُ
توقف – إذن – عن كل دساتيرك وقوانينك
العرجاء
وتعال بجانبى
لنفقأ معاً عين الوحدةِ السامةِ
بيدٍضاريةٍ
ولنمش معاً ونحن نقهقه
قهقاتنا الأخيرة
على سواقى الألم الميالة
والمغلفة بالجماجمْ
وأركيولوجيا
العدم ؟!
السوق الداخلى لمحمد شكرى
اليومَ
عدت من السوق الداخلى وأنا أحمل صُرةً من الباذنجان واللفت
وطبقاً كاملاً من الفانيلا المقصوفة الرقبة
فما وجدت غير عصفورتين يتيمين
وتجلسان إلى جوارى على غسقِ المائدةِ
ورحت أغنى لنفسى أغنية كاملةً
عن اللذةِ
وشرائع الدم الإنسانى المفعوصِ
والمرأة التى باعت نفسها لزهرةِقرنفلٍ
وقبلةٍ خائخةٍ
على شفتْى كأسٍ مكسورةٍ
بينما أى المرأة راحت تحاكى القمر المسحور
من خلف نافذةٍ مكلومةٍ
وأمام مطبخ يكتظ بالحِللَ
والمسكّناتِ
ولما لم أجد أحداً يكلمنى
أخذت أنشرُ ذكرياتى المالحةَ
وكراسات ألمى العجوز
عن مدرس الفصل الضريرْ
وحصص الميكانيكا السوداءِ
وحسابِ الملثاتِ والمربعاتِ
وبقايا ما في الذاكرة من جميزةٍ ناعقة ٍ
كانت تخلع ملابسها في الليل
لتنزل إلى النهر
لكى تصطاد سمكةً رابضةً
تبلل بها جسدها المنقوع بالزمن
وعندما
كانت تعود إلى طبيعتها الليلية المنكوبة
كانت تترك ثمراتها الغضة على الأرض
وهى تعوى كالثعالب ِ
وتقول لكل عابرى السبيل
هذه هى إذن صلواتى الخمس
والتى أقدمها للسماء
سوف أتركها لكم
هنا وفوق هذه الارض
كتذكارٍ أخير
على فداحة العالم.
الدكتاتور
الديكتاتور الذى يجلس الآن على العرش
يجمع سراويله
ويلقى بأحذيتهِ من النافذةٍ
ويتلصص حتى على حبةِ الهواءِ
يعرف كيف يجمع كراريسةُ
وأوراقه البهلوانيةَ
أمام ذكريات أمهِالتعسةِالمتسولةِ
وخالتهِالقحبةِالمومسِ
لا لشئٍ إلا
لكى ينقذ الشعوبَ المغلوبة على أمرها
من كافة الذكرياتِ المريرةِ
عن صورتهِ الطفلة وهو يجمع الصدقات
والحطب
في الشوارع الخلفية للزمن
مثل بوابٍ أعمى
وهو يعود إلى بيته في آخر الليل
لكى ينافس الصراصير والفئران
فى تسلق النوافذ
والحكايات
ولكى يقول للمطلقات والأرامل
وأبناء شعبه الأعزلِ
إلامن الخوفِ
والرعبِ
لقد كان صديقى أفلاطون
ولقد تعلمت من سقراط أصولَ السياساتِ والحكم
أما بالنسبة لشعبى الضريرالأبلهِ
الأبكم
الأصم
فليس أمامه سوى صناديق الزبالة
ليتعلم منها أصولَ الفقه السياسى
وإدارة الأزمات الكونية
أنا
هتلركم الجديد
في ثوب ديمقراطى
يا أيها الكلاب!!
طائر الموت الأخرق
أذكر
ذات مرة
مرّ طائر عجيب من فوق رأسها
فقالت لمَ لا تنزل أيها الطائر العجيبُ وتأكل معنا
سلة الغلالِ جاهزةُ وقنينةُ الماءِ فى الركن
وفطيرة الروحِ على المائدةِ
وها هى ذى الشمس الناعمة تشرق وتضحك مثل أرجوانةٍ
ونحن لا نملك في بيتنا سوى رغيف خبزٍ واحدٍ
ألا يكفى لكى يجتمع الكلّ حول الطاولةِ
ونحن نبحث عن الخلاصِ بالزيتِ
أو الكلمةِ
كلا
وأشربا
أيها العارفان المحبان
فتلك هى الطريقة الوحيدة حيث يسكن النور
كان ذلك الطائر الغريب هو الموت بجناحيهِ الأسودين
وفمهِ الذى يبك منه الدم
وخراطيمه التى تلتف حول الرقبة
والذى قدبنى لنفسه عشه الوحيد
خلف طاحونةِ
الزمن
العمياء!!



في الفجر
نزعت أغطيتى الصوف
ونزلت إلى الشوارعِ البردانةِ
وأخذت أحدق إلى النجوم
كانت السفن غارقةً في البحر
والعصافير تزقزق لقمرٍ ضرير
فيما كان البحر يبحث عن صديقهِ الرمل على الشاطئ
أوتحت أحذية المارة
ومشارط الجواميس
وهو يغسل ممياواته وصناراتهِ على السكك
تحت أرجل السلاحفِ العميانة
وسمك البربون
وهناك وفى البعيد
كان ثمة أمرأة وحيدة
وهى تبحث عن عجلةِ الحظ الوقحةِ
مع بائع الجرائد
والأساطير
فيما أخذت نجمةٌغريقة تقول
ياخائط العوالمِ خِطنى!!
ثنائية أخرى
(أ)
كمْ تكلمتَ كثيراً إلى الجدرانْ
وركنت كراريسى وأوراقي على عتبة البيوت
والمنزلقاتِ الوعرةِ فى الليلِ
وكثيراً ماكنت أبصّ على أشعارى وأقول لها
هكذا ظلى واقفةً لآلاف السنين
تحت قبة السماء التى لا ترى
أو تحسّ
وانا سأضع الحروف والكلمات كلها تحت مخداتى
المحشوةِ بالأراجيلِ وحجج التواريخ والجغرافيا
ولن أعبأ بكل تلك الألاعيب التى تتوافد إلىّ
عبر النوافذِ
وسلّة المواعين
وخراءِ القطط والكلاب
وعنابر النوستالوجيا
وفى آخر الليل سوف أقيم جنازةً حارةً
لكل تلك الأشعار الغائبة عن الوعى
وسوف ألملم كافة المجازاتِ
والإستعارات المكنية
والميكانيكية على السواء
لأضعها هناك في غرفة فوق السطوح
أو بداخل صندوق عادياتٍ قديم
لأعلقها في رقبة المومياوات
وأقول لها
أيتها الأشعارُ الغائبة عن الوعى
حلقى هناك وبعيداً بعيداً خلف السموات
ربما يراكِ إله واحد
يريد أن يتخفف هو الآخر
من كافة تصوراتِهِ!!
(ب)
أنا
سمعتك فى الليلتنادين على فراشةِ
كانت قد خرجت لتوها من السجنِ
لتذهب بعيداً بعيداً إلى عين الدمع
و إلى الآن
ما عادت كل تلك الفراشةٍ
بينما ظلت النافذة مفتوحةً عن آخرها و طوال الليل
فى انتظار أن تعود ذات يوم
وفى فمها شمس تشبهك
أنتِ
أو نجمة وتقف بمفردها علىالماء
لكى تضعينها على صدرك
أو تكتبين تواريخ ميلادها
فوق دفاتر الغيابات.
أفلوطين فى الإسكندرية
فى الإسكندرية
وفى يومٍ قائظٍ تماماً
جلس أفلوطين على دكتهِ الخشبيةِ وأمام المعلمة العتيدة
هيباتيا
والتى جابت شهرتها الآفاق
حتى أضحت حديثَ الناسِفى السكك والشوارع
وكانت تلبس فستاناً من الكتانِ الأبيضِ
والمرصعِبفانتازيا اللوغاريتمات المصريةِ
وفى جيبها الكثير من أوراق البردى
وعليها كافة متونُ الأهرامات
والمخطوطاتُ القديمةُ من الديانةِ المصريةِ
وأسرارُ التحنيطِ
وطقوسُ العباداتِ
والدفنِ
لإلهِ الشمس آمون رعْ
وهى تنظر إلى السماء الراسخةِ بعينيها اللازورديتين
وشعرها الذى يشبه سبيكةً من الذهب الخالص
والأرجوان المعتق
وهى تنظر إلى البحر و تقول
هذه هى إذن موسيقى الله الأبدية يا أفلوطين
ينثرها على الأرض و يكومها هناك حيث يشاء
إذ ذاك
سألها أفلوطين
عن العلاقة الوثيقة بين المحسوس واللامحسوس
عن المرئى واللامرئى فى هذا العالم
وفى أى طاسةٍ من طاسات هذا الكون اللانهائية
يمكن لنا نحن الأحياء الموتى
أن نعثر على الحقيقةِ كاملةً
ومثل لؤلؤةٍ فى محارةٍ
من هذا البحر الواسع الذى يسمى العالم
وأين هى الحقيقة يا عزيزتى هيباتيا
إذا كان العدم يتربص بنا وفى نهاية الرحلة
وما من أحدٍ قد عاد قطّ من الموت
ليقول لنا أى شىء
أى شىءٍ ؟!
إذ ذاك
ضحكت العلاّمة هيباتيا و كشفت عن ساقيها
وطبعت قبلةً ضاريةً على شفتىْ رجل أثينا المفتون
وأشارت هناك إلى سفينةٍ عابرةٍ
تحت قبة الفنارِ
وقالت
أمّا الحقيقةُ يا عزيزى أفلوطين
فليس هناك من حقيقةٍ أكيدة على الإطلاق
فى هذا العالمِ
وما نحن سوى سرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً
فإذا جاءهُ لم يجده شيئاً
و انغرس فى الرمل حتى يلفظ أنفاسهُ الأخيرةَ
ومع ذلك
إنظر إلى ذلك الخرّاف الأعمى
وهو يضع الشمسَ فى يمينه
ويبلل سراويله بضحكته الخرفاءْ
ويصنع من كتلة الطين هذه
فراشةَ ناعمةً وواثقةً
أو جرّةَ مياه عمومية
وهو يستطيع كذلك
أن يصنع من كتلة الطين هذه
تمثالاً مهيباً لأحد الآلهةِ
أو مذوداً لعلف الماشية والأغنام
فهى هى مثل الدائرة بالضبط
لا أحد يعرف من أين تبدأ و إلى أين تنتهى
وكل نقطة على محيط الدائرة
هى هى جزء من الدائرة
وبدون كل تلك النقطة العمياء
فليس للدائرة وجودٌ بالأساس
أما عن نقطة المركز يا معلم أثينا الأكبر
فهى هى صلب الدائرة
بامتيازٍ
فلا نقطة المركز تصل إلى المحيط
ولا كل نقط المحيط تصل إلى المركز
وكلا هما نقطتا المركز والمحيطِ
تريدان أن تلتحم الواحدة بالأخرى
وفى حالة تشاوفٍ
و اشتياقٍ
النقطة يا عزيزى أفلوطين هى هى جوهر الدائرة بامتيازٍ
واللغز الأكبر فى هذا الوجود
عندئذٍ
إعتدل أفلوطين على دكته الخشبية وقال
دعينى أقبلك أيتها الراسخة فى العلمِ
أيتها الفاتنة المصرية اللعوبُ يا هيباتيا
فلولا أنتِ
ومدرسة الإسكندرية هذه
لم تكن هناك من أثينا على الإطلاق !!
فى مدينة مثل هذه
(1)
في مدينة مثل هذه
سوف أبدد الزمن من بين أصابعى مثل حفنةٍ من الغبارْ
وسوف أذهب بعيداً بعيداً إلى ترب الغفير
بملفاتِ الموتى
وأسطواناتهم الفذة
وكل علب الدموع
وسوف أقرأعناوين كل أولئك الذين غادروا الأرض
إلى مملكة السماء ْ
ولم يعد ثمة شئ غير صدى أصواتهم ْ
وجلبياتهم ْ
التى ترفرف فوق جنبات المقابر
مثل علامة أستفهام لانهائية على لا جدوى الزمن
وأغنياتهمْ التى أكلتها العتة
على دكة العدم
وربما تركوها هناك لتجف بجوار أشجار
السنط والعليق
وشُنط اللوكميا
تُرى
من عاد يتذكر أغنياتهمْ
أو كلماتهم ْ
التى كانت ترفرف من بين شفاههم مثل زهرات اللوتس
أو تكعيبات العنب
فقط
لا تزال هناك آثار القلل القناوى
التى تبص على الطريق والتى جفت حلوقها من النسيان الخالص
وهى تتربع على أسطح بيوتهم الطينية
وهاهى جلابياتهم الكفيفة
وطواقيهم التى كانت تصحبها الريح
أو يحرسونها بالمناجل
والسكاكين
ولم يعد يتبقى على المقاعد الممحونة بالتواريخ
سوى بضع خفافيش
تنتظر أن ينفخ ملاك الرب في البوق
لكى تكر راجعةً إلى البحر
ولم يعد هناك كذلك غير كل تلك السموات التى يربطونها إلى حبل غسيل
لكى تجف من وسخ المائدة
من فرط ما أصابها من النسيان والتلف
ترى
من سيقول عن هذه المدينة
أنها تشبة مدينة الموتى ؟!
البيت مظلم
النوافذ مغلقة ْ
ولم يعد ثمة زيت في المصباح ليضئ لى كافة الغرف
وها أنذا
أسمع خطى الوحدة على الدرج
وهى تطقطق بعجلاتها الفولاذية
فوق بِرك الميتا فيزيقا
وأجهزة التنصت الدولية
وغرفِ الغاز
والفحمِ
والقنابلِ العنقوديةِ
والفوسفوريةِ
الظلام حالك
وها هو قدر الغرف المقبضة
وأنا سائر في الظلام
وأبحث عن مصباحٍ آخيرٍ
لديوجين المعتوه!!
كلمات المسيح الأخيرة
أنا
لم أستسلم لهم وكما خططوا بالفعل
فقط
وبالشكل الذى حدث تماماً
خشية أن يتم تعريضىللخزى أو العار
وبواسطتهمْ
وكان لأبدّ لى أن أهرب مثل ذكر البط
وأن لا أستسلم للذبحِ من أجل المجدلية
غاليتىْ
حبيبتىْ
المرأة التى أعطت نفسها لرجالِكفرناحوم قاطبةً
ولم تبخل عليهم بشئٍ
المجدلية
ذات الشعر الناعمِ
والعينين الواسعتين مثل بحرْ
والفخدين اللدنين اللذين يأخذانِ باللب
والمزامير
ويصنعانِ الأعاجيب
من خلف ظهر التواريخ
والمؤخرة المهووسة باللذة
مثل قنطارٍ من القشدة
أو سبيكةٍ من الذهبِ الخالصِ
والبطن الليلكية مثل حرير الملوك الذى لا يُرد
والسّرة التى لا تكشف إلا عن الجوهر الأسمى
للذهبِ
وكافة المرايا التى خلفها وراءه الرب
على مائدة العميان المستديرة
لكافة الديانات الرسمية وغير الرسمية
وكل بائعى المخدرات
والجرجير ولحم الخنافسِ
نعم
نعم
لقد كان رجلاً آخر سواى
ذلك الذى وضعوا على رأسه تاجاً من الشوكِ
وإكليلاً من الحكايات
والأساطير
والتى سوف ترويها الأجيالُ القادمةُ
وكأنها حقيقة مؤكدة
لقد كان رجلاً آخر سواى ذلك الذى دقوا
فى رسغيه المسامير
وجرجروهُ في الشوارع
مثل الكلابِ
والقططِ
وأنا
كنت أشخر من جهلهمْ
مثل حنفيةٍ مكسورةٍ
أو حقيبة مرمية
وعلى الطرقات
في الليل
وأنا
أتوسد سريرى الناعمَ والمزركشَ بالشهوةِ
وحقائبِ اللذةِ
ظهرَ المجدلية
غاليتى
حبيبتىْ
وإناء ذهبى الأخاذ الذى يخضُّ
وكل تلك الخمرة المعتقة في القناديل
والتى تنساب من بين شفتى المجدلية
تلك الشمس التى تشرق علىّ كل صباح
ومن غير مجدْ
وفى الليل
أمسكلها من رجليها ومثل فرسٍ بصهيلٍ
وأضمها إلى صدرى
لترقص لىْ وبمفردى
على إيقاع الجسدين اللدنين الملتحمين
على رقائقِ اللذةِ
وهى
عارية تماماً
ومثل لبؤةٍ
ساحرةٍ
وغجرية
تنام في حضنىكاللؤلؤةِ السكرانةِ
والمشربة بالحليب والخمر
وأنا أضمها بين فخذى
كآخرامرأة في هذا العالمِ
مثل فرس بصهيلٍ
وترساناتْ!!
مسامير فوق بحيرة طبرية
أكتب عن فراشةٍ متعلقةِ بسقفِ نورجْ
عن قمر ويكتظ بالغيابْ
عن لؤلؤةٍ وتبحث عن محارةٍ
عن حجرةٍ وتمارس الوحدة
فوق مقاعد الساعاتْ
عن الوحدة التى تقاسم الألمَ شطائرَ اللذةِ
عن غيمةٍ
وتقف حائلاً
عن عنكبوتاتٍ وتقرأ أبجدية
عن مريم التى نسيها الرب أمام مقبرةٍ منخورة
عن يهوذا
الذى باعَ الرب لقاء ثلاثين خردة
وفردةِ حذاءٍ بعرض إمبراطوريةٍ
عن بيلاطس البنطى الذى وقف حائراً
بين حمارِه
والسيد المسيحْ
الذى انتظر ألف سنةليؤلفَ وزارة
أو حتى سيمفونيةً
عن زكا العشار الذى باع عنزة بثلاثة أرجل
إلى رجل ضرير
ونزل إلى بحيرة طبرية ليصطاد سمكةً متوحشةً
وبنى لها منزلاً مباركاً
فوق قبةِ السماء
عن إمبراطورية الخنافس التى تبحث عن الشمس
تحت سن إبرة
عن حيونات اللغة الضالة
وأسطورة الرب المصلوبِ
وحكاية الصراصير
المنقوعة تحت أرجل نواقيس البر
والبحر
عن شجرة ويقال لها إسفكسيا الغرق
عن امرأة
ويقال لها الواحدَ والمتعددَ
عن سينيكا الذى آخى بين المحراثِ
والنفسِ الإنسانيةِ
وهو يبحث عن الخلاص
حتى في الزمن المتوقف
على حجارةٍ غارقةٍ تحت كافةِ السفنِ
العابرةِ للقاراتِ
عن روحى التى أكلتها العتة فوق أرضية اللامعنى
عن المعنى الذى يسكن
في قواقع العدمِ
الهرمةِ
وأخيراً
عن الله
الذى قالوا لى إنه هنا أو هناك
وهاأ أنذا أعدّ على أصابعى!!
رسول حمزا توف
في سمرقند
وعلى حشيةٍ من صوف الأغنام والإبل
وجلود الدبية المفترسة
جلس رسول حمزا توف يدخن أرجيلته المبوبة
المجانية
والمحشوة بحشيشة النسيان
وكتابة القصائد
وأخذ يتذكر
كيف كانت الشمسُ
تلك المرأة اللعوبتنام في حجرهِ كل ليلةٍ
ومثل لبؤةٍ مقدسةٍ
وكيف كانت زوزولا حبيبتة النائية تأتيه في الأحلام
مثل قرويةٍ
ساذجةٍ
وهى تلبس فستاناً من الموسيقى الجنائزية
وعناقيد العنب
وتلف حول وسطها خلخالاً من الفراشات
والشهد
وليس على فمها سوى أغنيةٍجافةٍ
عن صيادٍ كان قد تركها عاريةً في ليلةٍ باردةٍ
إلى جوارِ
سمكةٍ ميتةٍ
وقبل أن يأخذها إلى البحر
لتنام في حضنه الغويط
وفيما كانت تجلس إلى جواره وعلى نفس الحشية
راح يتفقّدُجسدها الملئ بالأساطير
وعسلِ النحلِ
وآلافِ الحكاياتِ
وهو يصنع من مزاميرهِ
وأرخبيلاتهِ
الآف الفقرات من الرغبة الجامحةِ
والحنينِ المضلل
وهى هى نفس المرأة التى كانت تتلا معُ
مثل سمكةٍ أخطبوطيةٍ
ولؤلؤةٍ
بعرض السمواتِ
والأرضِ
فيما كانت تخبئ الزمن بين فخذيها كالمواويلْ!!

الحديقة المجاورة
سوف يتحدث عنك الندى
إلى ألف زهرةٍ
وسيقول لك الربيع
أيتها الحديقة المجاورة
وسوف تقول لك الشمس الغاربة
هكذا
هكذا دائماً تشرقين على العالم قبلى
وقبل أن أفيق من غيبوبتى الداكنةِ
وأرتدى حللى الذهبية
وبنطلوناتى المرقعة
بالمطر
والغيمْ
وسيقول عنك البحر
لماذا أنت عنيدةُ هكذا
فوق هذه الكراتين السيارة
أيتها الزهرة العمياءُ
وتشكلين بحضورك القوى
قارة لوحدها
وستقول لكِ القصائد
فوق أشجارك العالية
دائماً ما نتوقف لنغنى أغنياتنا
الرائعة
عن الشمسِ
والبحرِ
ولانعرف إلى الآن لماذا نبنى أعشاشنا الملونة هذه فوق أعضائكِ
أنت بالذات
وسوف يقول لك النهارُ المجاورُ
أنا ما جئت إلا لأجلك
سأكسر مصابيحى في الظلام
وأجز أوردة روحى
وأنية غربتى
وظهيرات العدم الطنانة
شروقى
وغروبى
لأنك دائماً ما تخرجين وقبل أنأصحو من النوم
وسوف يقول لكِ الليلُ البهيج
دثرينى ببطانيتك الصوف
فأنا غرقت في الوحلِ
وتكسرتْ عظام روحى منى
وفقدت الأمل حتى فى الخلاصِ بالزيت والخروعِ
لأواصلَ السير فى السكك
دون أن تنيرى لى
حاراتى الضيقة
ودروبى المعتمة
أيتها المرأة
ياحديقتى المجاورة !!
مملكة مريم
البارحةَ
تسلقتُ دراجةً هوائيةً
لأصلَ إلى السماءِ السابعةِ
وأسلّم على الرب ذاتهِ
فأختفت كافةُ النجوم في الأفق
وكانت هناك جواميس الله المزركشةُ
ولما شارفت على الولوج إلى السماءِ السابعةِ
وأدخل إلى مملكة الرب الرنانهّ سألتُ عن كافة الجيران
وعن كل تلك الكلاب الصخابة التى كانت تملأ الأرض
بالصخبِ
والعنف ِ
وعن كل تلك الطيور المتوحشة ذات البهجة
وبقية الأصنام اللإانسانية
التى خلفها وراءه الرب كعلفٍ زائدٍ عن الحاجة
أو كروثٍ على المائدةِ
وكان هناك ملاكانِ أبيضانِ
ويتو شحان بالذهبِ
والفضةِ
وهما يكتبانِ التقريرَ اليوميَ
عن كافة خرافِ الرب المتوحشة
وأسعارِ العملاتِ الأجنبيةِ
وعبدةِ الطاغوتِ
والجِبتِ
عن كل ذلك الدم الذي يسيل على الأرض للرّكب
في مغارة الله الأبدية
والتى تغصُ بالأنبياء الكذبة
وأصحاب الراياتِ البيضاءِ
والحمراءِ
والسوداءِ
في انتظار أن يتحرك الرب لمرةٍ واحدةٍ
وفيما هما يكتبانِ التقرير اليومي
كانت السيدة مريمُ العذراء
تكشف عن ساقيها الأبيضين
اللدنين
والمشربتين بالحمرةِ
وهى تفصح عن حدائقِالجسدِ
وأرائك اللذةِ
وطراوةِ النهدينِ الأسُطوريتين
وعفويةِ المؤخرةِ التى تكتظ بالشهوة
وتقول لملاكىْ الرب الحارسين
وكتبةِ التقريرِ اليومي المعتادةِ
أنا لكما أيها السيدانِ
كُلا
واشربا من جسدى حتى تغتسلان
أنا أحتاج أليكما أيها المَلاَكانالأبيضانِ المبجلانِ
أكثر من ذلك الجالس هناك على العرش
وتحت تلك القبةِ
جسدى يقول لكما أنا هو الحقيقةُ
والعالمُ
جسدى هو الألف والياء في نفس الوقت
فضحك الرب في سِرّهِ
ورأى أن ذلك حسن جداً
وألقى بكافة التقارير اليوميةِ المعتادةِ
إلى صندوق زبالته الضخم
والذى يسمى العالم
وكان صباحُ
وكان مساءُ
يوماً واحداً!!
كم أنتِ شبيهة بالملائكة
1-
سأجرب هذه المرة أيضاً
أن أنام إلى جواركِ أنتِ بالذات أيتها الملكة المتوجة
يافاكهتى المحرمة
وأن أدع القمر يتمشى على شعرك الذي يشبة الكمانات
ويقترح علىّ ترميم المادة المعطلة للإنسانية
وليفتح النوافذ والشبابيك التى تحاصر أساطيرك
وخرافاتك
ليرقد هناك هانئاً
هادئاً
تحت قبةِ جسمك الواسعةِ مثل بحرِ أبيضٍ ومتوسطٍ
سأجرب أيضاً
أن أدع النجوم تقف بين أصبعين من أصابعك
لتعلقينها هناك حول رقبتك المنحوتة من الماس
والتى تشبه قائمة طويلة من الذكريات
والتواريخ
أن أقول لشفتيك الكرزيتين
أحبك أنت بالذات
أيها القمر الجريح
بينما أوقفك في المرآة إلى جانبىومثل منحوتةٍ فرعونيةٍ
-وأصطادك أنت بالشص –
لأشير عليك بعد كل تلك السنوات من اليأس
والضغينة
أن نطأ السماء بأرجلنا المعوجةِ
وأن نتمشى وحدنا على حافةِ العشبِ
ولا نقيم إلا بين المجراتِ
أرجوكِ
أتسعي قليلاً من أجل روحى العطشانة إلى ظل مائك
فسوف أحفر البئر بمفردي إلى أن يفيض الماء
وتمتلئ الأرض باليواقيت
واتركي لفراشتك التي تركض في الأفق
أن تقف على باب غرفتنا الوحيدة
في صحراء التتار هذه ولو لدقيقة واحدة ! !
ريثما نتخفف من أشباح الماضي الوسخةِ
وأسياخ الأمس التي تنحت في عظم روحينا
كالوحوش المعبأة بالديناميت
أرجوك قولي لفراشتك التى تركض في الأفق
أن تمنع الشمس من أن تتلصص على جسمك الذي يلمع
مثل حقل من الذهب الخالص
حتى لا تصاب بالجنون
أو تفقد الوعي
أنت ياأجمل النساء طُراً
أيتها الملكة المتوجة على عرش جسمك
شعرك بستدرجُ الريحَ
إلى أن تقع في اللذةِ !!
2-
أعرف أنك قد رحلت بعيداً عن هذا العالمِ وفي صباح غريب مثل هذا
وتركت وراءك حديقة كاملة من الديناصورات
وكان جسمك الذي يشبة حقلا كاملاً من اللؤلؤ
يتلوى أمامي مثل غابةٍ إستوائيةٍ
وبينما كنت أعوي خلفك كأحد الكلاب الجريحةِ
وأنكمش على نفسي مثل حشرةٍ
ضريرةٍ
كان جسمك الذي يصلح كمستعمرة
استوائيةٍ
للعراة
ينتفض وحيداً مثل إلهٍ وثني و على كامل هيئتك أنتِ
وهو محاطُ
بسلسةٍ كاملةٍ من الأفاعي
واللغاتِ
3-
أنت سمكة
وأنا صياد وأقف على الشط
فى يدى صنارتى
وبيننا بحر
وأسوارُ
وقواقع
دائماً ماأفكر فيك بعمق
وأنت تنظرين إلىّ من تحت لُجج الماء
ومن خلال جلابيبك التى بقعتها الشمس
فى كل يوم أذهب إلى البحر
وفى أصابعى نفس الفكرة
وهى أن أدع صنارتي تصطادك أنتِ بالذات
يابحري الذى يمتلئ بالذهب الحار
والأساطير
لم أعد أعبأ لا بالصيف
ولاأهتم كثيراً بالشتاء
ولاأبحث عن أى بحر آخر لأقيم فيه شعائرى أو جنازاتى
وأؤدي طقوس صلواتى
التى أرهقها التسكع والنسيان
على شطوط الذاكرةِ الخربةِ
فقط
صرتِ أنتِ كل شئ
وبحركِ هو الغابة
ياسمكتى الذهبية
عينك تفلت من الشص
وقلبى صار أرجوحةً
لعصافيرك التى تنطلق من كل حَدَبٍ
وصوبْ !!
جمجمة هيباتيا
لماذا سرق اللصوص جمجمة هيباتيا
ولماذا نكحها القساوسة بالتمام والكمال فى عرض الشارع
وجعلوا المارة يتداولونها
مثل كرةٍ من البلياردو
وها هى كراسات العدم الراسخة لا تزال هناك
تبك بالدم
أيتها السماء العالية بامتياز
هل فوقك حقاً يسكن ملائكة الربّ الرنانة
وماذا يعملون فى ساعة الوحدة
وكيف يتبادلون خرائط الجغرافيا
وتواريخ المدن والبلدان فيما بينهم
وماذا يسمعون من الموسيقى
هل هى السيمفونية التاسعة لبيتهوفن
أم أعمال خاتشادوريان العتيدة
وسونيتات شكسبير
أم ينصتون لأغنيات سيد درويش عن الاسكندرية
وأم العيال؟!
وماذا يعني الزمن لديهمْ
وهل مازال للعالم وجودُ فى تصوراتهمْ
نحن حشرات الله التامة والتى تمشى على أربعٍ
ويعلكها الزمن بين فكيه كالمساميرِ
والقشِ
فى جيوبي
وعندما أصحو من النوم
أفتش عن ساعة الحائط هذه
وزهرة عباد الشمس المجنونة
وعلى الحيطان السوداء
لا يبص لى سوى أشباح الموتى
أنتظر النهار فى الليل
وأنتظر الليل فى النهار
وأخرج لملاقاةِ الوحدة تحت سفح جبل
أو تحت عجلات قطار
لا يتوقف إلا على كوكب الديناصورات المنقرضة
من يعرف أين مكان شجرة الخلد
ولماذا ذهب جلجامش العجوز
إلى حانة سيدورى
فى نهاية المطاف؟!
فتشوا عن الله فى السكك
وابحثوا عنه فى الشوارع
ألم يكن هو هو ذلك الغارق فى الديمومة
فى انتظار أن يجلس على جثة العالم
وماذا يعمل فى غرف الدفن
وجزارة الأعضاء البشرية
وقتلى العرقيات والتشتت الميثولوجى للطبوغرافيات
وطاحونة الدم منذ قابيل
وهابيل
لماذا سرق اللصوص جمجمة هيباتيا
ولماذا نكحها القساوسة فى عرض الشارع
وجعلوا المارة يتداولونها
مثل كرة من البلياردو
هل من أجل الواحد
أم من أجل المتعدد؟!
وماذا يفعل الواحد أو المتعدد فى حكايةٍ مثل هذه؟
إفراط
لقد
أفرطت فى تناول الحياة مثل كلبةٍ
ومشيتُ فى الطرق المليئةِ بالوحلِ
والشوكِ
على بطنى زحفتُ مثل قطط الجيران
لأتطلع إلى النوافذ وهى تبكى على الجدرانْ
وأحذية المارة وهى تبك بالدم تحت الفوانيس
ورحت أغنى للأشجار التى لا تسمعُ
وللأنهار التى لا تبيض
أو تفقس
وعلى شواطىء النسيان هذه وقفت مثل أسدٍ مندكٍ
أو بيضةٍ فاسدةٍ
وفى العاصفة المدوية
أرخيت سراويلي للريح
وتحت فوانيس الشوارع بحثت عن كلمة واحدةٍ
فلم أحصل سوى على ذبابةٍ ميتةٍ
وبعض أغنيات تركها البدو الرّحلُ
لقاطفى زهر الصبار
ومصممى الأزياء الحديثة
فى دورات المياه العمومية صادفت كل أشكال
التواريخ والجغرافيا
وأصحاب الملاحم
ولصوص الله
وهم يفلّون رؤسهم من القمل والخبيزة
ويتوسدون الحكايات
والأساطير
من خرم إبرةٍ
ورحت أسأل نفسى
ما جدوى شجرة الخوخ هذه
ولماذا يطل علينا الأنبياء الكذبة من كل فجٍ
بوجوههم القردية
ومؤخرات النسانيس
ولحاهم التى تشبه روث الخيل
آه
يا شجرة المانجو
ألم تزهر أشجار الحديقة بعدُ ؟!
على باب البحر
وجدت الخراتيت حتى بملابس الأطلس والمتوسط
وقلت
ياشجرة المانجو
لماذا زرعك الله هنا
ولم تكونى هناك
وعلام تشدو العصافير
وأمام حنفية مياه مكسورة
لا ينزل عليها سوى نشارة الخشبِ
وفسيفساء الديانات
كيف أدخل هذه النجمة الغريقةُإلى بيتي
ولا يوجد على سرير قشى سوى بعض أغنيات متحجرة
وضحكات لبعض الموتى
أنا المركون على ناصية العالم والتواريخ
بلا فردةِ حذاءٍ أبل بها ريقى
من الذى اخترع اللغة فى الحرف
ومن الذى اخترع الحرف فى اللغة
قصيدتى عارية
وبلاجوزةٍ واحدةٍ
لتفّلى رأسها من الأحلام والدمامل
ولا تجد هناك
من يبص عليها
أو يقص لها حتى أظافرها
أو حتى ينقذها من المطبات والحفر
فى ساعة القيلولة هذه
وعندما أسند رأسى إلى الحائط
وأتذكر الزمن.
بيلاطس البنطى
ترى
أين ذهب بيلاطس البنطى
وفى أى مكان تنام قيثارة المسيح
وكِنّارة داوود ؟!
وأنت يا مريمُ المجدليةُ
لمَ ذهبتِ لوحدك إلى العراء الطلق
وتركتنى هنا
أو هناك
وفوق هذه الأرضِ المحروقة
جسدك الذى يتناوله القساوسة واللصوص بالحنطة
والزيت
مثل برتقالة معطوبةٍ
وبين أسنان مدورة
ومنفوشة
على عربات الكارو
والروبابيكيا
والتى يبيعها كل كلاب الرب بالإنابة
إلى مزورى النقود
والباعة الجائلين
وكافة خنازير الرب الشرعية
واللاشرعية
والتى ترعى القيلولة
وتحافظ على العهد
أين هى خمرتك يا سماء
لأبلل بها سراويلى
- مثل عجلٍ مقدسٍ –
وأرغفة خبزى المحروقة
فوق شرفة صغيرةٍ
جلست لوحدى وبكيت
وكان الرب وحيداً يتمشى فى أرخبيلاته
المدورة
وجناته التى تغصّبالجميلات النائمات الفاتنات
وأباريق الخمر
وفعصت دمى تحت رجلىّ كالبقع الشمسية
ولم أعثر ولو على ظل نملةٍ
أنا الذى أسكنُ فى الغرف المقبضة
مثل مستأجر عمومى
أو تاجر عاديات مسروقة
فى الوحدة
أصنع أساطيرى بنفسى
وأخلق حكاياتى الملونة من العدم
وأقف فى عرض الشارع
لأبيعها
لكل حارسى العقارات
وأصحاب الرياسات النّورَة
إلامَ تشيرُ كل هذه الجثث التى تملأ الشوارع
وعلامَ ينفجر كل هذا النخاع الشوكى
للبطاطس
والتوتياء بالضحك
من سيسمع غناء نفسى التى تنحدر
وإلى أى زمن سأظل هكذا محتفظاً
بأنقاضى؟!
على دكة خشبية
على دكتهِالخشبية جلس المغنى الضرير ينظر إلى طائر النورس
أو ربما ليأخذه معه فى نزهةٍ خلويةٍ إلى البحر الراسخِ
غير أن البحرالراسخ أختفى هو الآخر بدوره
فى سلةِ مهملاتٍ
وذهب إلى السوق الداخلى
ليبحث عن محمد شكرى
وجورج حنين
وأنور كامل
وكامل التلمسانى
أو ربما ليمارس الجنس مع كل تلك المرأة التى أخذها فى حضنه
ليلةَ البارحةِ
كى يفرغ فيها كل حصيلته المليئة بالصدف
والمحار
وبقايا السفن الغارقة
فلم يجد هناك
غير سفينة شراعيةٍ تعبر الليل بالنهار
لتصل إلى الأقاصى
غير أن البحر العجوز
مازال يلقى بقلوعه إلى المراكب الغرقانةِ
وهو يجدف بإتجاه كافة المراسىْ
لينجو هو الآخر من الغرق!!
ثلاثية
(1)
إلى الراحلة النبية إكرام عبد الحليم
التي ماتت منى فى غرفة العناية المركزة
وتركتنى أتردى ما بين الله والشيطان!!
أحياناً
أستيقظ فى الليلْ
ولا أعرف لماذا أضع يدى على خلفية البيانو
وأنظر إلى سيمفونية اللاشىء
تلك التى يوزعها الفراغ على أرجل الحيطان
وربما
أشعل مصباحاً مضيئاً
فى منزلِ مجاورٍ
وأحلم بامرأة تنام عاريةً على سرير رجلٍ غيرى
أو أقطف نجمةً عابرةً
سقطت فى حوض غسيلِ
وأنا أطبطب على مؤخرتها
إستيقظى إذن أيتها النجمة الأسيرةُ
فلم يبق معى سوى عودٍ ثقاب فارغٍ
(2)
أمس
ذهبت الى المقبرةِ لأتلصص عليكِ
كنت تلبسين ثيابك الصوف
وتتنططين بين الموتى
مثل فراشةٍ واثقةٍ
لم أشأ أن أقول لكِ صباح الخير
أيتها السيدةُ
فقط
أردت أن أقول لكِ
البيت فى مكانهِ
وأنا فتحتُ كافة النوافذ عن آخرها
ولكن الشمس الملعونةَ
أبت أن تدخل البيت
وأنتِ لست بداخلهِ
وأختفت بدورها هى الأخرى
فى الحديقةِ المجاورةِ!!
(3)
فى هدأة الليل
فتشت عنك فى الشوارع
والسكك
وعلى الأرصفةِ الحارّةِ
وتحت أعمدة الإنارةِ
حتى فى كل تلك القطارات التى تعبر الهواء
وبعيداً عن حركة الجاذبيةِ الأرضيةِ
ولما لم أجدك
رحت أجرجر قدمىّ مثل لاعب سِرك ضرير
وأخذت أسأل عنك حرّاس المقابر المجاورة
كان الموتى يلملمون ضحكاتهم
التى تشبه الفوانيس المكسورة
وحبات المانجو المعطوبة
ويقولون لى
هنا ترقد امرأتك
غاليتك
فى غرفة وحيدةٍ
فى انتظار أن ينفخ ملاك الرب فى البوق؟!
عام الرماده
الشجرة لا تزهر إلا تحت ضغط المنجل
أو البلطة
الوردة تداس بالأقدامِ
وأمام رجل السلطةِ
أصبح القمر على شكل أفعى
والشمس بها ألف خُراج
و دمِّل
الدم مسلوبُ الإرادة للصراصير
والجنين له رأس حشرة
ورجل الحدائق يبكى على تفاحة
فى القفص
والأقدام لا تدوس إلا على المسامير
والضحكات لها طعم الطاعون
الخنازير تمرح مع الثعالب
وتأكل على موائد الرب
فى عز الظهيرةِ
فيما
تتسول العصافير القصائد
والجثث تملأ كراسات الأطفال
بدلاً من التين
والزيتون
صارت الشوارع بألف وجه
وصار الخبز
علفاً للدود
الأطفال يتعلمون لغة السيمياء على جثث الآباء
والأمهات صرن سبايا فى بنوك
أصحاب الحظ
وشركات الإستثمار الكبرى
وغرف التجارة الكوزموبوليتانية
وأخيراً
ألف مشنقة لكل بيت
ولا جديد تحت الشمس
ولا غالب إلا الله
لا غالب إلا الله !!
أغنية للسلام
السلام على كل ساكنى الأرض
السلام على كل ساكنى السماءْ
السلام على الأبواب
والشبابيك
ومحلات التجارة الدولية
وسوق عكاظ
السلام على الأراجيحْ
والدبابات
ومحاكم التفتيش
وضحكات الأطفال
السلام على حبات الرمل المدكوكة على المحيطات
والأرغفة
على الماندولين العتيق ليسوع المسيح
فوق جبل الموتى
وعلى لوحة دافنشى الأخيرة تحت سنابك التاريخ
على صنادل الأطفال الغرقانة فى الوحل
وأفرانِ الغاز
السلام على كراسات المدارس الإبتدائية
وأكاديميات لصوص الله
السلام على حصص النحو والصرف
وجدول الضرب
وأقلام الرصاص
والبوص
السلام حتى على محفّظ القرآن الأعمى فى قلب زريبة الخنازير الوسخة هذه
وتحت سماء تمطر حجارةً أو كبريتاتٍ من نار ودخانْ
السلام على أشجار التوت
والجميز
ونباتات الخبيز
والحلفاءً
السلام على زلع الجبنة القديمة والتى تمتلئ بالدود والمش
وأفرانِ الجّلة
والقشِ
وأرغفة الخبز المحمص
السلام على الترع الجافة فى الصيف
وانتظار الفيضان فى رحلةِ الشتاء
السلام على السمك الميت تحت الجسور
وفى علب الصفيحِ
وصنارات
الفُقراءْ
السلام على قلايات الأمهات
ونهيق الحمير
وصخب البقر والجواميس
تحت سقف نوارجِ الظهيرةِ
والسواقى المعطلة فى الصيف والشتاء
السلام على سوتياناتِ العجائز المحشوة بالرّدة
وأكفان الموتى
السلام على تراتيل الفوانيس المطفيةِ على أسطح البيوت والعمارات فى الليل
والشوارع المغموسة فى اليتم والخساراتِ
السلام على النهارات السوداء
فى صبح العالم
والليل الغريب على أشرطة السكة الحديد
السلام على الأشجار
والبنايات التى تغص بالجوعى
وعازفى التنانير
وأكلة السحالى
السلام على كل من ماتوا فى الحرب العالمية الأولى
وتركوا ذكرياتهم المالحةَ
تحت أسفل الكبارى
وقلوبهم المعلقة هناك
داخل الخنادق
وكل أحلام العودة
لتتناول سيرتهم كل تلك الشياطين التى تحرس
العالم
من خلايا مجلس الأمن
ومحكمة العدل الدولية
وجمعيات حقوق الانسان
السلام على السراويل المعبأة بالدم
والخرافات
السلام على كل من ماتوا فى الحرب العالمية الثانية
تحت أعين جنرالات اليانكى
وأحذية الصواريخ العابرة للقارات
وضحك المومسات
اللواتى يدخلن ويخرجن من البيت الأبيض
وحدائق الكرملين
ومجلس اللوردات
السلام على ريلكه
وفشته
وشوبنهاور
السلام على إسحق نيوتن
وسلفادور دالى
وضحكات بيكاسو
وكل أولئك الذين تركوا حكاياتهمْ وكلماتهمْ وتصوراتهمْ
على جدران الزمن الضرير
السلام على كل تلك القطارات التى تذهب ولا تعود أبداً
والقطارات التى تعود محملةً بأسرى الحروبِ
والمعتقلاتِ
وكل أرغفة الجوعى
السلام على التواريخ
وحدائق المغول
وتنظيمات تروتسكى
وسيمفونيات إنجلز
ولينين
صاحب السيمفونية الغرائبية
السلام على غمية شانشوبانزا
وحمار دونكيشوت العجوز
السلام على الرب وهو جالس فى شرفته العمومية
وهو ينظر إلى حديقته التى تغص بالجماجم
وأجولة الدم
السلام لكِ يا مريم
وأنت تنظرين إلى مسيحك المصلوبْ
فى كل يوم
ومنذ بدء الخليقة
وحتى نهاية التاريخ لفوكوياما التعس
تحت أرجل الرأسمالية المتوحشة
ولينعم الرب فوق جبل الزيتون!!
خراء
ماذا سنفعل بكل هذا الألم المعصوب العينين
هل نعلقه على الأرصفةِ
أم ندق رأسَهُ بالمساميرْ
الألم يغزو الشوارعْ
ويتنطط على الجدران
ويقف فى الممراتِ
ويقفز على أجنحة الفراشات
ويبصٌ من النوافذ ويقف فى الحلق كالمسامير
ويركضُ فى الصيدليات
ويتبول فى مؤخرة الأمل
ويكشف عن صدره عارياً
للمارةِ
حتى الملاعق
والشِّوك
والسكاكين
لها طعم الألم
وفانتازيا الخراءْ
الألم الأزرق
والألم الأسود
الألم الأبيض
والالم البنفسجى
الألم العجوز
والألم الأعمى
آه الألم الألم
أحياناً تراه منتوف الريش ومنقوشاً
حتى على الحيطان
فى صورة امرأةٍ فى وضع ولادةٍ قيصريةٍ
وأحياناً
ما تجده ملفوفاً على الأرصفة مثل بالونةٍ كبيرةٍ
وتحسبه كرةً مطاطيةً
وما إن تقترب منه
أو تضربه بإحدى قدميك
إلا ويُخرج لك لسانه الشوكىَّ
ويكشفُ لك عن مؤخرتهِ
التى تسرق حتى لبن الأطفالِ
وحليب الأمهاتِ
وكثيراً ما تراه بجانبك وأنت واقف على محطةِ الأتوبيس أو داخل مترو الأنفاق
أو حتى وانت واقف فى انتظار وجبة إفطار ساخنةٍ
فى محلات الماكدونالدز
وهو يرقص أمامك مثل كلبٍ
مسعورٍ
وهو يفعص بيوضه ألف مرةٍ
أمامك
وفى التراب
لأنه لم يعد يعبأ بأى شىءٍ
ولكل شىء
حتى ولو كانت ذبابة عابرة
حتى كتب الأطفال
تسلل إليها الألم وهو يمسك بهراواتهِ ومعاولهِ
الضخمة
مثل دبدوب عجوزٍ
أو فيلٍ محنطٍ
وكلما حاول طفل ما أن يرسم وردةً
تراه
يخرج له لسانه
ويخربش فى كراساتهِ
إلى أن يحولها إلى كتلةٍ من طينٍ لازبٍ
أو ذبابةٍ ميتةٍ
الألم العجوز
الألم الأعمى
الألمالآب
والألم الأبن
الألم الروح القدس
كيف احتللت كل هذه المساحات الشاسعة من الروث الجاف
وأصبحت تتربعُ على عرشِ
العالم
كالأخطبوطاتِ
أيها الألم ؟!
أين هى الأرصفة
لأعلق عليها موسيقاى
أوحتى قبعاتى!!
فى ممر الموسيقى الصاخبة هذه
أسمع نغمات البيانو الحارة
هناك
وعلى أعلى شجرة مانجو
وفوق منحدرٍ
تسكن قبرّة
وتنعس بمفردها تحت سقف دراجةٍ هوائية
من أنا ياروحى
أنا الساكن فى الأدوار العليا
للموسيقى
أنا العارف الوحيد بماهية الجسد
وانسيابية الروح في السلخانة الإلهية
والمجزر البشرى
لإله الرأسمالية الحادة
من سيوقف صفير كل تلك القطارت
اللا متحركة
من الأزل
إلى الأبد
وداخل نفسى المنقرضة على الأقل
وأين هى الحقيقة في هذا العصر الحجرى
والتى تبدأ من قاعه اللوغاريتمات
وتنتهى في البلاعات الرسميةِ
لرجال المالِ
والأعمالِ
ومن الذى قام بتعليق كل تلك الصور
على جدران الزمن الرثةِ هذه
والذى يبدأ من العدم
وينتهى إلى العدم
دائماً
وأين هى الأرصفة الشاسعة
والتى سوف أخلع عليها قمصانى
وأعلق عليها قبعاتى
المسمّرة إلى الفوضى
والتى تسمىِ أحياناً بالتاريخ الحىّ
وأحياناً
بمكائد الجغرافيا
لافرق
فى ممر الموسيقى الصاخبة هذه
تركت أوردتى البردانة
أمام صيدلية عمومية
وقلت الروحى المتسخةِ
تمددى ياروحى
تمددى
في الفراغ الغويط
ولتعزفى نغمتك الخالصة بامتيازٍ
ومثل دبٍ أعمى
أمام رجال الشرطة العمومية
ومباحث أمن الدولةِ
وفقهاء الجنة
والجحيم
واللواط الكونى
على سلم اللامعى
فما عاد هناك من صنارةٍ واحدةٍفى جيبى
لألقى بها إلى النهر
وما عاد هناك من صيادٍ واحدٍ
وداخل كل هذه البلاعة التىتسمى العالم
ليلقى بأغنياتهِ
ومواويله إلى البحر
ولم يعد القمر من رحلته
الصيفية بعد
والشمس
آهِ
من كل تلك الشمس الغادرة بامتبار
لقد غاصت هى الأخرى في جلابيب
الفوانيس المعلقة
على محلات الجزارةِ
وضحكات الأطفال
وبكاء العجائز في دور المسنين
والحدائق الدولية للألم
والمستعمرات
روحى قصيدة ممتدة
من الشرق إلى الغرب
ومن الشمال
إلى الجنوب
فوق جدرانها المتسخة يكتب الزمن
أخطاءه التاريخانية
ويعلق عليها صلبانة المزركشة
بالأكاذيب
والخزعبلاتِ
عن البعث والنشورِ
والمخلص الجديد
من يعيد تسريح شعر الليل المتكئ
على حائط النهار
وفوق أرضية غرفتى
أقصدر زنزانتى الكائنة هناك
وفوق أعلى نقطة
من جبل المقطم
وأمام كنيسة سمعان الخرّاز
توقفت بإزاء الجدران
والنوافذ
وسحليات الفراغ الهرمةِ
وقلت
أيتها الجدران
والنوافذ
أليس هناك من أملٍ فى الخلاص حتى ولوكان كاذباً
لنركن كل تلك السماء الشاسعة
فى أنبوبة غازٍ
أو حتى فردةِ حذاء قديمةٍ
لنقعد ونستريح تحت شجرةِ أضاليا
من كل تعب النهار
وسفسطة الفلاسفة
وكل علماء اللاهوت
والسياسة
من يدلنى على شجرة الخلد
أو السوق الداخلى
فأنا جائع جداً
وليس فى جعبتى سوى برتقالةٍ
معطوبةٍ
وبضع كلمات من اللاتينية المنقرضة
والفرعونية العتيقة
والتى لاتصلح حتى كخراءٍ للقطط
والكلاب
أيتها السماءٍ الراسخة بامتياز
كونى طيبة معى على الأقل
وداخل مرآةٍ واحدةٍ
أو داخل علبة صفيح
بمخزوناتها الكمياوية..!!
صنارتىهذه
سوف أتركها لكِ
وشبشبى هذا الذى تعبتْ منه السكك فى الليلِ
أو تعب من السكك
سوف أتركه هو الآخر لكِ
وحتى طاقية أبى
وجلباب أمى
القديم الذى أكلته العتة
أو الكوليرا
لافرق
حتى قصائدى
كل قصائدى التى كتبتها والتى سوف أكتبها
سوف أتركها لكِ هى الأخرى
على مائدة الزمن
وسور مجرى العيون
لكى يمارس عليها لعبته المفضلة
اليوجا
أويضعها فى سلةٍ جانبيةٍ
بجوار مقبرةٍ
قديمةٍ
من مقابر الصدقة
ودون أدنى مقابلٍ
آهِ ياروحى
من سيوقف عمل كل هذه الآلات
التى تمخر بداخلى
وداخل كراساتى الورقية
ويقول لقصائدى البردانة هذه
أيتها القصائد البردانة
لقد مرّ الزمن من هنا
من أمامك
وعلى حصان خشبى
أملس
ولم يترك لك هنا على المائدة
سوى وسخ المائدة!!
أغنية حب فرعونية
إصغ إلىّ
لاتجعلنى أفتقدك حتى أنام
وحتى فى النوم
تسلل إلىّ ياحبيبى
كن بجانبى
تكلم
ولاتتركنى للوحدةِ فيأكلنى الذئب
ولاتدخل إلى الظلام
فيتركك قلبى
إصغ إلىّ ياحبيبى
ولا تنظر إلى سواى فينجرح قلبى
فأنا
ما خلقت إلا لأجلك
أيتها الهيئة التى تصنع النور
والجسد الذى يعيدنى إلى العالم
أنا
ماخلقت إلا لك
لا تدمرنى حتى بصمتك ياحبيبى
فأنا جوهرتك التى صنعت
وأنتَ
أنت كنزى الذى أغلقت عليه
أبواب حجرتىْ
لاتهرب منى ياحبيبى
أريد أن أهدأ وأستقر
لاتجعلنى أفقد البصر
والبصيرة
وأتوة منك في السكك
حتى وأنا على فراش الموت
أتحسس
رائحتك ياحبيبى!!
فانتازيا الألم
الشجرة التى زرعتها بالأمس
صارت سريراً فى زنزانةٍ
الوردة
التى غرستها في الصباح
سرقها منى الطغاة
الكلمة
التى كتبتها على الورق بالدم
أشعلوا فيها النيران
الشمس
التى رأيتها فى الليلوهى عارية تماماً
خبئوها فى غرفة تحت الأرض
القمر
الذى وضعته تحت
مخدتى بالنهار
سرقه منى اللصوص
المرأه
التى عشقتها حتى الثمالة
صارت مومساً تنعظُ
الكتب التى جمعتها من على سور الأزبكية
تحولت إلى فئرانٍ
وقططٍ
تبصّ لى بعينيها الشرهتين
النهر
الذى أغتسلت فيه مرتين
وفي نفس الوقت
حاكمنى عليه فقهاء اللغة
وزبانية جهنم
الصورة التى رسمتها على الجدرانِوالقشِ
لحبيبتى
صادرتها الرأسمالية المتوحشة
باعتبارها من مخلفات ماركس
النجوم
التى كومتها في حجرى
وأخذت أضحك من السماء
ضربونى عليها بالجزم
وقدمونى لمحكمة العدل الدولية
بأعتبارى
منشقاً على قوانين الجاذبية
ورجلاً من رجال العالم الثالث
المقهى
الذى أجلس عليه طيلة النهار
وضعوا القيود حتى على الطاولة ذاتها
والسلاسل بين قدمى
وما قدموا لى
غير منقوع البراطيش
والخراء
صارت الشوارع طريقةً مثلى للجنون
والأسّرة
لم تعد سوى حقل أشواك
أمديدى إلى الحائط
فأجد نمرة تتفرّس
أنظر من النافذةً
فأجد السماء ملفوفة في بضعة أكفان
ويحملها النواتيون
إلى مثواها الآخير
والموتى يخرجون منغرفِ الدفن
ولاأجد أمامى غير أمعائى
التى تعتصرنى
من الداخل
وأعتصرها
على براميل الغياب!!
أنا
كنت أحلم أن أذهب إلى البحر
لأرى النجوم على حقيقتها
فى طفولتها الرسمية
وربما
أجد هناك سفينة تقلنى إلى الأبد
أو إلى بلدٍ
لايباع فيه الإنسان بدينار
ولا المرأة
بكلمة
أجيرة
ولا أجد طاغيةً يتحكم في كل شئ
بدءاً من الجرائد الرسمية
وانتهاءً
بحراس الجراجات
وطقوس دفن الموتى
أنا الغريق فى هذا العالم
من يقول لى
أين هى الحقيقة
إذا كان سقراط قد مات مسموماً
في السجن
وهيباتيا
قد مزقها القساوسة
وحرّاس الرب
وأفلاطون قد ترك جمهوريتة
العتيقة
على أرفف المكتبات
وابن رشد قد أحرقوا كتبه فى الشوارع
بأعتبارةِ من عبدة العقل والمخرّف الأعظم ضد اللاهوت والسياسة
ما الذى بقى على أن أقوله عن هذا العالم
سوى كل هذا الطقس السئ
للإنسانية
تحت حركة الأرصاد الدولية
وعنابر النوستالجيا !!
عندما أدرت ظهرى للعالم
عندما أدرت ظهرى للعالم
ورحت أفتش عن الله فى السكك
قالوالى
إنه كان هنا
أو هناك
منذ دقائق
وحين سأتهم طيب قولوا لى أين ذهب وما هو ميعادهُ
قالوا لى
إن سمكةً صغيرةً قد وقعت فى الشص
فذهب إلى صياد السمك
ليخلصها من الأسر
ولكن الصياد اللعين أخذ السمكة بعيداً
وفوق جبلٍ عالٍ
راح يعلمها أصول الغناء والرقص
وأن السمكة- هى الأخرى- ماعادت ترغب
فى الرجوع إلى البحر
وأن البحر
ماعاد يمثل لها سوى ذكرى سيئة
عن الغرق
وعندما وصل إلى صياد السمك
فوق جبله العالى
قال له
لماذا أصطدت هذه السمكة بالذات
وهناك ملايين الأسماك
التى يمتلئ بها البحر
فقال له الصياد
ولماذا وضعت هذا العالم في شبكتك الواسعة أنت
وجعلت العالم يموج في اليم غرقاً
ألم يكن بمقدورك
أن تمزق شبكتك الذائعة الصيت
وقبل أن تطالبنى انا
أن أحرر سمكتك
التى جئت تبحث عنها؟!
أنا علمتها الرقص والغناء
فماذا فعلت أنت سوى أن جعلتها فريسةً سهلةً
لوحوش البر
والبحر
فإن لم يلتقطها الوحوش فإن مصيرها
إلى شبكة الصياد
وصناراتهِ اللعينة تلك
وإذا لم يكن لاهذا
ولاذاك
فسوف تبحث هى الأخرى عن الخلاص بالزيت
وأنا
أنا الصياد
ألم أكن في يومما سمكةً فى جعبتك
فلماذا أطلقت علىّ وحوش البر
والبحر
ألم تفكر لمرةٍ واحدةٍ فى كل هذا الألم
الذى يعتصرنى
هنا
وفوق هذه الأرض!!
ألم يكن لديك من وسيلة آخرى لتضبط عليها إيقاعك
أو تمثيلية مغايرة
لتطرد بها كل هذا الضجر حتى عن نفسك
غير هذه اللعبة المطرزة بالألم
والموت
وها أنت ذا
تفرد عضلاتك
أمام شيطانك الأكبر
لكى تثبت له مهارتك الأثيرةَ
ولمن تكون الغلبة في نهاية الأمر
ألاترى ياإلهى
أنك ........................
............................
............................
............................
عليك أن تخرج من بحرك الذى غرفت فيه
لتتعلم أولاً
معنى الرقص
والغناء
عساك أن تدرك حقيقة العالم!!
لوحة دافنشى لفان جوخ
من يقول للزمن توقف وبمفردك تماماً
على سن إبرة
وأمام هذا الحائط بالذات
لتراقب عناكب الغبار الملونة
التى تعلو هنا
أو هناك
فى أقصى اللوحة
وتحت غيمة من المنجنيز
يد تمسكبالمكنسة
وامرأة تفلى رأسها من القمل
وتضع على ثدييها
برتقالهً مشروخةً
أوعضة قدتركها عاشق قديم
ولاتزال تواصل الرغبة
وعصفورة قد فرت من الأوهام
لتجلس وبمفردها
تحت خيمة واطئة
فى اللوحة
كلمات كثيرة مبعثرة
كان قد نسيها المارة تحت أسفل النوافذ
وبنايات الرغبة
لماذا حاول تيسارو أن يجلب معه هذه الجارية
من أدغال إفريقيا
ولماذا حاول بيكاسو
أن يحتك بالشمس
تحت بحر من اللذةِ
ولا تزال اللوحة على الجدار
وهى تحدق إلى الزمن
بعينين شاخصتين
وفم أدردْ!!
لماذا تاخرت كثيراً عنى يالله
أين كنت طيلة كل هذه السنوات
هل كنت تبحث عن حبل غسيل لتنشر عليه
بنطلوناتك المرقعة
وسوتياناتك الرملية
أم ذهبت وبمفردك
إلى طبيب الأسنان ليخلّع لك ضرس العقل
الذى تسوس من فرط التفكير
فى كل ماارتكبت من أخطاء
هل أغلق عليك أحدهم دورة المياه العمومية
وأخذ معه المفاتيح
والقفل
وتركك هناك تتبرز براحتك
فكانت النتيجة
كل هذا العالم
أم أنك لقيت هناك حوريةً
من حورياتك المشتهاة
على طاولةٍ من إستبرق
وحولك الولدان المخلدون
يفركون بيوضك المخبأه
فى أكياس النايلون
ونحن – هنا – صرعى على الأرض
نلعب اليوجا فى ملاعب الحرب العالمية الأولى
والثانية
وحروب داعش
والبوكو حرام
من أجل موسى وهارون
وكافة أنبيائك
القتلة
ونمارس الجهاد الأصغر
والجهاد الأكبر
والنضال الأشقر
فوق حدائق بابل المعلقة
وننصت إلى كونشيرتو العدم الراسخ
فوق أرضية الكنائس المعلقة
ومضارب البنج بونج
وملاعب الهوكى
وداخل عربات الشيروكى المكيفة الهواءْ
لكىنغزو المدن
والبلدان
وليس ثمة سوى الأسرى
والسبابا
وملايين العبيد
مقابل الجزية
والخراج
والمثنى والثلاث ورباع
وملك اليمين من الجوارى
والمخنثين
فى انتظار أن تفتح لنا أبواب جنتك الواسعة
الضخمة
لنستمتع بحورياتك
ونشرب الخمر المعتقة
على أرضيتها الخلابةِ
بامتياز
والمفروشة بالعشب
ورقائق الفضة
والنقائقِ
فإذا ما سئمنا من حوريات عينك
فأمامنا الولدان المخلدون
بمؤخراتهم الرجراجةِ
وشفاهم المنقوعة فى الحليب
والشهوة
حيث الزمن يأخذ هيأة الهيولى
والمكان
يتحول إلى غابةٍ من الكريستال
وماذا سنفعل إن نحن زهقنا
أو أصابنا الملل
من كل هذه الإقامة الجبرية – هنا وداخل كل هذه العنابر -
هل نذهب إلى حرس الحدود لنفرّ
ولكن إلى أين
أم يبدو أنك ستحولنا وفى نهاية الأمر
إلى أكياس قمامةٍ
وتلقى بنا فى المزابل الكونية
لأنك سوف تقول لنفسك أنا أيضاً
قد مللتُ من هذه اللعبة المكررة القذرة
ها أنذا
قد أخطأتُ في صنع كل هذه الخرائب اللاإنسانية
على طول التاريخ
سوف أفكر فى طريقة أخرى
لأطرد بها الملل عن نفسى
أو لأجردَ كل هذا العبث عن إقامتى الجبرية
ليت لى – أنا الأخر- ملاك الموت
ليخلصنى من كل هذه اللعبة المكررة
والتى تسمى الحياة
والموت
ومن كل هذه النفايات البشرية
التى صنعتها بنفسى في لحظة من لحظات الضجر
للتسلية
أو المزاح المر
وأخيراً
أنا الرب ذاته
أين أجد خلاص نفسى
من كل تلك الأخطاء التى ارتكبها
فى حق هذا العالم
ومنذ أن خلقت هذه الحشرة اللعينة إبليس
وخلقت الخير
والشر
وجعلتها متشابكين
ياللسوءة
من كل ما صنعته يداى!!








محمد آدم
كندا- إدمنتون


2018






يتبع



.../...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى